Commentary

ما وراء الخبر: الغارات الجوية الإسرائيلية على سوريا

غداة الأنباء عن الغارات الجوية الإسرائيلية على سوريا في نهاية الأسبوع الماضي، قام خبراء بروكنجز بدراسة الآثار المترتبة على أفعال إسرائيل وتحليل ردود محتملة لسوريا وحزب الله وكذلك تقديم توصيات للولايات المتحدة تتعلق بسياستها الخارجية. نعرض آراء كل من دانيال بايمان، ومايكل دوران، وسوزان مالوني، وكينيث بولاك، وناتان ساكس، وسلمان شيخ، وتمارا كوفمان وايتس حول آخر التطورات.

ناتان ساكس
زميل، برنامج السياسة الخارجية في مركز سابان لسياسات الشرق الأوسط

كانت الغارات الجوية الإسرائيلية على سوريا في خلال الأيام القليلة الماضية مثالاً عن سياسة إسرائيل القائمة، ألا وهي منع، بكل الوسائل اللازمة، نقل أسلحة من شأنها ” تغيير اللعبة” إلى حزب الله، حليف الأسد، أو – المجموعات المتطرفة في صفوف المعارضة السورية، مما يثير قلق إسرائيل بشكل متزايد. ولا تشمل هذه الأسلحة أسلحة كيميائية من مخزون سوريا الكبير فحسب، بل أيضا أسلحة تقليدية متطوّرة، مثل الصواريخ الروسية المضادة للطائرات أو الصواريخ الإيرانية “سطح – سطح فاتح 110” التي استهدفتها في نهاية الأسبوع الماضي كما جاء في التقارير. (وهي عبارة عن صواريخ ذات أجزاء متفجّرة أكبر، أكثر دقة، ومداها أطول من معظم أسلحة حزب الله بشكلٍ يضع المدن الإسرائيلية تحت خطر حزب الله بشكل أكبر مما كانت عليه في الماضي).

يراهن الإسرائيليون على أن أفعالهم لن تأتي بنتائج عكسية، وذلك عن طريق إثارة صراع أكبر مع حزب الله أو نظام الأسد أو من خلال التأثير على الحرب الأهلية السورية بطرق غير متوقّعة (اقرأ المزيد في المقال الذي كتبته بالمشاركة مع دان في قسم السياسة الخارجية). ترى إسرائيل أنّه ليس لديها أي مصلحة في ما يدور في سوريا. ورغم أنه ليس لديها أي حب لنظام الأسد، لكنها تشعر بقلق عميق من احتمال حدوث فوضى أو استيلاء المتطرفين على أجزاء من سوريا. بالتالي، اقتضى الموقف الإسرائيلي على التحرّك بعد ظهور معلومات استخباراتية عملياتية مؤكدة. ولكن امتنعت إسرائيل عن الضلوع في الحرب الأهلية نفسها بهدف حماية مصالحها الحيوية في حين تبقى خارج الصراع إلى حد كبير.

غير أنّ التحرّك على المستوى التكتيكي والعملياتي من دون التأثير على الوضع العام قد يكون بالأمر الصعب. قد توفّر إسرائيل الغطاء المثالي للنظام السوري أو لحزب الله، وكلاهما غارق في حرب أهلية دموية، وفي الصف الخطأ بالنسبة للشعوب العربية. بالتالي، قد يقدّم صراع تضليلي مع إسرائيل لهما طريقاً للخروج من غضب الجماهير العربية، كما أظهر تجدد الخطاب المعادي لإسرائيل من قبل النظام السوري في خلال الأيام القليلة الماضية. بالطبع كانت إسرائيل في حالة تأهب حيث نشرت في شمالها بطاريات من منظومة “القبة الحديدية” المضادة للصواريخ وأغلقت المجال الجوي المدني الشمالي مؤقتا وقامت بمناورات عسكرية مكثّفة، خوفا من تأجيج النيران. لكن إسرائيل تبقى على نسبة عالية من الثقة أن الأمور ستبقى تحت السيطرة – إذ غادر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو البلاد في زيارة رسمية إلى الصين – في حين كان كل من نظام الأسد وحزب الله حذراً من فتح جبهة مع إسرائيل التي باتت أكثر قوة، بخاصةٍ سلاحها الجوي، وهما في خضم النضال من أجل الحفاظ على موقعهما على الأرض في سوريا.

كينيث بولاك
زميل أول، برنامج السياسات الخارجية في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط

أولا، أود أن أشير إلى أن ثلاث غارات إسرائيلية بطائرات غير متخفّية قد أثارت بعض الشكوك حول تهويل الإدارة من الدفاع الجوي الذي تتباهى به سوريا. في الواقع، أتساءل إن لم يكن هذا أيضاً في ذهن نتنياهو، لإظهار مدى ضعف الدفاع الجوي السوري فعلياً.

ثانيا، أود أن أكرر بعض الملاحظات التي كتبتها على مدوّنتي الإلكترونية الأسبوع الماضي، وهي: أن ما إذا كان ردّ النظام على إسرائيل سيحرّكه تقييم النظام للمعركة مع المعارضة. وما دام النظام يشعر أن هناك احتمال لهزم الثوار، فإنه لن يردّ خوفاً من دوامة التصعيد مع إسرائيل. أنهم متنبّهون جدا من الصراع مع جيش الدفاع الإسرائيلي في الوقت الذي يقاتلون من أجل البقاء ضد السنة – طالما أنهم يعتقدون أنهم قادرون على الفوز بتلك المعركة. ولكن، عندما يعتريهم القلق بأنهم لا يستطيعون الفوز، عندها تتغيّر هيكلية حوافز النظام ويصبح من المرجّح أن يرد النظام على إسرائيل. ذلك لأنّ إمكانية تحويل هذه المعركة إلى حرب عربية-إسرائيلية تطغى على أي أضرار يلحقها الإسرائيليون عندما يدرك النظام أنه محكوم عليه بالفشل. لكن في الوقت الحالي، لا أعتقد أنّ النظام قد بلغ هذا المستوى من اليأس، لذلك أشك في أنه سيردّ.

سلمان شيخ
مدير مركز بروكنجز الدوحة، زميل، برنامج السياسة الخارجية في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط

أولا، يبدو أن إسرائيل عازمة على الدفاع عن “الخطوط الحمراء” التي وضعتها وقد تحرّكت بالفعل لوقف نقل الأسلحة المتطورة إلى حزب الله. كما أنها ردّت مباشرة على قصف وحدات من الجيش السوري في هضبة الجولان، ودقت ناقوس الخطر بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية.

وبالنسبة لنقل الأسلحة إلى حزب الله، أبدت إسرائيل استعداداً لتغيير “قواعد الاشتباك” بنظام الأسد وضرب هذه الأسلحة داخل سوريا. بفعلها هذا، فإنها تسعى لإنشاء مستوى ردع جديد فيما يتعلق بتلك الأنشطة. بالتأكيد، كانت الغارات الجوية الأخيرة -على مخازن الأسلحة وعلى اللواء 104 التابع للحرس الجمهوري والفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، شقيق بشار الأسد كما جاء في التقارير- عقابية ومؤلمة. إذ إنّ الآثار النفسية التي يمكن لمثل هذه الضربات أن تخلّفها على وسط الضباط الكبار، لا سيما الضباط العلويين الذين يشكلون العمود الفقري للجيش وقوات الأمن التابعة له، تستحق المشاهدة بالفعل. وفي خلال فترة زمنية قصيرة، استُبدل استقرار دام أربعين عاماً من “السلام البارد” بالإدراك أنّ إسرائيل ستضرب مرة أخرى وستكون ضربتها أقوى هذه المرة إذا استمر الأسد بمدّ حزب الله بالأسلحة.

رد نظام الأسد المرجّح، كما كان الحال منذ توجيه الضربات في خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، هو استغلال قيمة الترويج “للعدوان” الإسرائيلي ومحاولة ربطه مع جهود مبذولة لمساعدة قوات التمرّد المعارضة. لقد أدان الجيش السوري الحر “العدوان الإسرائيلي” لكنه نفى أي صلة له بذلك. وجاء ردّ الائتلاف الوطني السوري على شكل “تصريحات ملتوية” حيث قام الائتلاف بإدانة الهجمات وكذلك إلقاء اللوم على الأسد لإضعاف البلاد.

سيكون المهم هو تأثير لذلك على أعداد الناس الضخمة، ولا سيما في المدن، الذين لم يقفوا علنا سواء مع النظام أو المعارضة. في حالة التصعيد، يمكن للنظام أن يحرز تقدّماً بمجرّد إيصال رسالة أنّ إسرائيل وقفت مع المتمردين والمتطرفين وأنّ وحده النظام قادر على حماية وحدة سوريا في هذه الفترة الصعبة.

يبدو أنّ الدول الرئيسية في العالم العربي، على المستوى الخطابي على الأقل، تحذو حذوها. وبالإضافة إلى الإدانات التي يمكن التنبؤ بها من مؤيدي النظام السوري في لبنان والعراق وتصريحات الرئيس المصري محمد مرسي، قامت الحكومة السعودية بإدانة “انتهاك القانون الدولي” من قبل إسرائيل، ونبّهت إلى تداعياته الخطيرة على المنطقة. في هذه الأثناء، وصف الأمين العام لجامعة الدول العربية بأنّه “عدوان سافر وانتهاك خطير لسيادة دولة عربية”. كما دعا الأمم المتحدة لاتخاذ إجراءات (من دون التركيز على صمت الجامعة العربية على المجازر الأخيرة في بانياس والاستخدام المزعوم للأسلحة الكيميائية).

ويبقى ما إذا كانت هذه التصريحات تعكس وجهات نظر الرأي العام العربي أمراً متنازع عليه. في الوقت الراهن على الأقل، سيبقى التركيز على الأرجح على الاستخدام الوحشي لنظام الأسد للقوة ضد شعبه. إنّ غالبية العرب، بخاصة العرب السنة غاضبون على الأسد ومستاءون من الدعم الذي طالما وفّره له حزب الله والإيرانيون. ومع ذلك، فإن الشكوك التي تنتاب الكثيرين في المنطقة حول تصرفات إسرائيل ستزيد على الأرجح إذا ما استمرت الهجمات وإذا اعتُبرت على أنها تعزّز مصالح إسرائيل ليس إلا.

دانيال بايمان
زميل أول، برنامج السياسة الخارجية، مدير البحوث في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط

في ما يتعلّق بالسياسة الأمريكية، ما يثير قلقي هو أن العديد من حلفاء الولايات المتحدة المهمين، مثل المملكة العربية السعودية، وتركيا، وقطر، والأردن، والآن إسرائيل، قد تورّطوا بطرق مهمّة. كما وأنّ غيرها من الدول المجاورة، وخاصة لبنان والعراق، تعاني من عدم استقرار متزايد بسبب الصراع السوري. وفي الوقت نفسه، يستمرّ انتشار عدم الاستقرار المترتّب عن الوضع في سوريا إلى ما بعد حدودها. وبالإضافة إلى التكلفة البشرية، لطالما كان للولايات المتحدة مصالحها الخاصة، بما في ذلك مكافحة الإرهاب، لتلعب دوراً أكثر حسماً. إنّ المشكلة آخذة بالتفشي، وقد يعمل حلفاء الولايات المتحدة على طرفي نقيض، وقد تؤدّي أفعالهم إلى إيذاء بعضهم بعضهم الآخر في النهاية.

مايكل دوران
زميل أول في مركز روجر هيرتوغ، برنامج السياسة الخارجية في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط

أنا أتفق تماما مع دان. إنّ الموضوع بالنسبة لي هو تنازل أمريكا عن دورها القيادي. لا أستطيع أن أتذكر آخر مرة كانت الولايات المتحدة فيها غائبة بشكل ملحوظ عن قضية مهمة -لا بل القضية الأهم– في السياسات الدولية للشرق الأوسط. من المهم أن نميّز بين القيادة والتدخل المباشر. فغالباً عندما يطالب الناس بسياسة أمريكية أكثر صلابة، يتم إسكاتهم بالسؤال التالي: “ماذا تريدون، حرب عراق ثانية؟” ولكن هناك الكثير يمكن للولايات المتحدة القيام به، في غياب التدخل العسكري، لتنسق أنشطة حلفائها. إنّ القيادة تتطلب، قبل كل شيء، رؤية واضحة للمستقبل؛ صورة الدولة النهائية المرغوب بها والتي يمكن تحقيقها. أمّا الولايات المتحدة فليس لديها على الإطلاق رؤية للنتائج التي تود أن تراها في سوريا. كما وأنّها لا تملك حتى تعريفا واضحا لمصالحها الأساسية في الصراع. فالمصلحة الوحيدة التي عبّرت عنها إدارة أوباما بوضوح هي رغبتها في اعتماد سياسة النأي بالنفس.

تامارا وايتس
مديرة مركز سابان لدراسات الشرق الأوسط، زميلة أولى في برنامج السياسة الخارجية

يبدو الناشطون السوريون في الداخل والمنفى على الأقل مترددين بشأن الغارات الإسرائيلية، لا بل إن البعض منهم لم يتوانى عن إظهار فرحته العارمة. إلا أن الحكومة المصرية وجامعة الدولة العربية سارعتا إلى إصدار تصريحات تستنكر التدخل الإسرائيلي. ونظراً لحجم تدخل أعضاء جامعة الدول العربية والجامعة بحدّ ذاتها في الأزمة السورية الداخلية، تكاد هذه الإدانة بشكلٍ خاص تكون مليئة بالسخرية! ولما كانت الانتقادات السريعة التي وجهتها القاهرة تعكس الحساسية الوطنية المستمرة هناك، تشدد الجدلية في الدول العربية الأخرى القائمة حول طريقة الردّ على الغارات الإسرائيلية على الأساليب التي اعتمدتها النهضة العربية والصراع السوري بشكلٍ واضح لتغيير المبادئ – التي سبق وأبدى الجميع ارتياحه إزاءها – في ما يتعلق بالسيادة والعروبة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

سوزان مالوني
زميلة أولى، برنامج السياسة الخارجية بمركز سابان لسياسات الشرق الأوسط

كثيرون هم الأشخاص الذين رأوا في الغارات الجوية الإسرائيلية رسالةً وجهتها القيادات الإسرائيلية إلى طهران على اعتبار أنها تؤدي دوراً مركزياً في توفير المعدات لبشار الأسد ولاعتمادها على دمشق كحصنٍ تواجه من خلاله العزل الإقليمي وممراً يصلها بعملائها في منطقة الشام. المثير للاهتمام كانت إجابة طهران – ليس الاستنكار المتوقع الذي صدر عن مسؤولين كبار ورجال دين فحسب، بل أيضاً الامتداد الدبلوماسي الإيراني المتسارع في سوريا. وصل وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي إلى عمان اليوم لإجراء محادثات، في الوقت عينه الذي تمّ الإعلان فيه عن زيارة مرتقبة الأسبوع المقبل لرئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم بن جابر آل ثاني إلى طهران.

إنني أرى في هذه الأحداث دليلاً جديداً يشير إلى هدف إيران المبطن في ما يتعلق بالصراع في سوريا – وتأكيداً على أن الجمهورية الإسلامية تودّ المحافظة على نفوذها في دمشق بغض النظر عن نتائج الحرب الأهلية. شكّلت هذه الصيغة استراتيجية مطوقة منذ بداية النزاع مفادها أن إيران تأمل الاحتفاظ على الأقل ببقايا من حليفها بشار، إلا أنها تسعى في الوقت عينه إلى الجلوس على طاولة أي حوار رسمي إقليمي قد يُعقد لاحقاً لرسم سوريا بعد سقوط بشار الأسد. لا ترمي طهران بهذا الشكل إلى حماية أسهمها وتعزيز أمن نظامها فحسب، بل تُظهِر أيضاً اهتماماً وطنياً حقيقياً في عرقلة الانتشار التطرّف السني الذي ترى فيه تهديداً منذ نشأة حركة طالبان منذ عقدين من الزمن.

ترى واشنطن في مفهوم التدخل الإيراني في الشؤون السورية نوعاً من أنواع اللعنة لسبب وجيه. إلا أنه لا يجب أن يلقى رداً انعكاسياً من إدارة أوباما التي لا تنفك تواجه النقد نظراً لموقفها العلني الغريب من الأحداث السورية. صحيح أن التدخل الدبلوماسي الإيراني في سوريا لن يمنع طهران من إثارة المشاكل، إلا أن إبعاد إيران عن السياسات الإقليمية الجدلية المحيطة بالنزاع يشكّل وصفةً لتأجيج الأوضاع أكثر فأكثر. إن أي نتائج مستقرة على المدى الطويل في سوريا ستتطلب إبطال مفعول نوايا إيران بالتخريب وكذلك وقف العنف الطائفي المحتدم بين أطراف النزاع.