Research

الحماية الاجتماعية ضرورة للعمّال الوافدين في الخليج وليس الحماية القانونية فحسب

Workers walk towards the construction site of the Lusail stadium which will be build for the upcoming 2022 Fifa soccer World Cup during a stadium tour in Doha, Qatar, December 20, 2019.  REUTERS/Kai Pfaffenbach

تشكّل التطوّرات التي برزت مؤخراً في إصلاحات قطاع العمل في الدول الخليجية علامات مشجّعة لتغيير شامل ضروريّ لأنظمة الحماية للعمّال الوافدين. وقد استقطب فوز قطر باستضافة كأس العالم في كرة القدم للعام 2022 انتباهاً أكبر بكثير لمحنة العمّال الوافدين في البلاد.

واستقطبت جائحة فيروس كورونا المستجدّ بدورها انتباهاً متجدّداً لمسائل الحماية الاجتماعية للعمّال الوافدين في قطر ومنطقة الخليج. ومع أنّ منطقة الخليج بأسرها تشهد تغييرات تشريعية تهدف إلى تحسين ظروف العيش والعمل للعمّال الوافدين، كان أثرها الفعلي متفاوتاً. فمع محاولة الدول الخليجية الانتقال إلى اقتصادات مرتكزة على المعرفة، من الضروري أن تبذل جهوداً أكبر للحرص على أن تعود إصلاحات قطاع العمل، ومن ضمنها برامج الحماية الاجتماعية، بمنفعة حقيقية على أكثرية أولئك السكّان الذين يساهمون في نمو هذه الدول الاقتصادي، ألا وهم العمّال الوافدون. ومع أنّه يمكن تفسير الحماية الاجتماعية بعدّة طرق، هي أساساً مجموعة من السياسات العامة التي تهدف إلى الحماية من المشقّات الاقتصادية والاجتماعية. وفي السياق الخليجي، ينبغي أن تركّز هذه السياسات على الحماية من البطالة ومن الأجور المنخفضة أو غير المُسدَّدة، فضلاً عن قدرة الوصول إلى سبل الانتصاف لانتهاكات العقود. ويشكّل العمّال الوافدون ذوو المهارات المتدنية فئة كبيرة من العمّال الوافدين الذين هم الأكثر حاجة إلى حماية اجتماعية من هذا النوع. ويتطلّب الترابط الشديد بين العمّال الوافدين والمواطنين الخليجيين أن تُطبّق إجراءات الحماية الاجتماعية بشكل يحرص على ضمان الأثر والاستدامة الطويلَي الأمد. بيد أنّ الحماية القانونية لا تضمن تلقائياً التنفيذ الفعلي لهذه الإجراءات.

تعرض مذكّرة السياسات هذه ثلاثة متطلّبات أساسية لتحويل الإصلاحات التشريعية لقطاع العمل من مجرّد “حبر على ورق” عموماً إلى إصلاحات يجري تطبيقها وممارستها بشكل متزايد. والمهم في المسألة أنّ هذه المتطلّبات ليست فعّالة إلا عندما يتمّ السير بها معاً ولن تنجح إذا كانت بمعزل الواحد عن الآخر. أولاً، ينبغي أن تضمّ اتفاقيات العمل الثنائية وعقود التوظيف أحكاماً خاصة بالحماية الاجتماعية قابلة للتطبيق، فضلاً عن آليات تطبيق أكثر فعالية تديرها الدولة. فهذه الخطوات مهمّة من أجل الحدّ من قدرة أصحاب العمل على تفادي المساءلة عند انتهاك قوانين العمل. ثانياً، تبرز الحاجة إلى تنشئة اجتماعية للإصلاحات تستهدف الصلة الثلاثية الجهات لنظام الكفالة الخليجي المعروف، أي العامل الأجنبي وصاحب العمل والدولة. أخيراً، سيحرص إنشاء أدوات مراقبة وتقييم محلية على نيل بحوث ذات نوعية أعلى ومحدَّدة السياق حول إصلاح سياسات العمل. ويحسّن هذا بدوره المعرفة حيال ما الذي ينفع والذي لا ينفع في الحالات المحدّدة السياق في منطقة الخليج، ممّا يفضي إلى بحوث أدقّ تؤمّن معلومات أفضل للتوصيات بشأن السياسات التي تعود بالنفع على العمّال الوافدين والدولة. ومع انتهاج إصلاحات كبيرة بشكل متزايد في قطر، ولا سيّما بعد الزخم للتغيير على ضوء دور البلاد كدولة مستضيفة لكأس العالم في كرة القدم للعام 2022، سوف تبدأ هذه المذكّرة باستعراض بعض من أهمّ التطورات في إصلاحات قطاع العمل في قطر. وسيلي ذلك تفسير عن الأسباب التي تجعل المتطلّبات المتداخلة الثلاثة المذكورة أعلاه ضرورية لا في السياق القطري فحسب، بل في أرجاء منطقة الخليج أيضاً.

التطوّرات الأخيرة في إصلاحات قطاع العمل: قطر

هدفت أكثرية الإصلاحات في قوانين العمل في قطر منذ العام 2014 إلى تسهيل قدرة العمّال الوافدين على تغيير العمل والسفر، فضلاً عن جعل التشريعات الوطنية على مستوى معايير العمل الدولية. فأسقط القانون رقم 13 (سنة 2018) مطلب إذن الخروج الذي بموجبه كان العمّال الوافدون عاجزين عن مغادرة البلاد من دون إذن مسبق من صاحب العمل. وقد تمّ توسيع هذا الأمر ليشمل العمالة المنزلية أو المستخدَمين في المنازل بموجب قرار وزير الداخلية رقم 95 لسنة 2019 الذي يسمح لهم بمغادرة البلاد بعد إعلام أصحاب العمل قبل 72 ساعة على الأقل من مغادرتهم.] وجعل القانون رقم 21 (سنة 2015) مصادرة أصحاب العمل أو الكفيل لجوازات سفر العمّال الأجانب أمراً غير قانوني. ومع أن مشكلة مصادرة أصحاب العمل الجوازاتَ ما زالت قائمة، شهدت هذه الممارسة تراجعاً في السنوات الأخيرة.

وبرز تطوّر لافت في قانون العمل القطري مع اعتماد القانون رقم 19 (سنة 2020) الذي يسمح للعمّال الوافدين بتغيير جهة عملهم قبل انتهاء عقدهم من دون الحصول مسبقاً على شهادة عدم ممانعة من صاحب العمل. فقد ترك نظام شهادة عدم الممانعة العمّال الوافدين تحت رحمة أصحاب العمل عند البحث عن عمل في مكان آخر. وكان هذا الأمر ميزة محورية في نظام الكفالة، إذ قيّدت بشكل أساسي العمّال الوافدين بكفيلهم أو صاحب عملهم، ممّا أفضى إلى ممارسات استغلالية تنتهك قوانين حقوق الإنسان الدولية ومعايير العمل الدولية. وقد نال أخيراً المستخدمون في المنازل، الذين عملوا لفترة طويلة ضمن فراغ قانوني لأنّ قوانين العمل لم تكن تنطبق عليهم، حماية قانونية أتت على شكل القانون رقم 15 (سنة 2017) الذي ينظّم العلاقة بين المستخدمين في المنازل وأصحاب العمل ويمنحهم حقوقاً لم تكن محدّدة في السابق.

وفي السنة عينها، أقرّت قطر القانون رقم 13 (سنة 2017) الذي يسمح بإنشاء لجان للنزاعات في قطاع العمل تطرح آلية يستطيع من خلالها العمّال وأصحاب العمل حلّ نزاعاتهم. وفي مايو 2021، صدر قرار وزير التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية رقم 17 الذي يمنح حماية من الإجهاد الحراري للأشخاص الذين عليهم العمل في المواقع المكشوفة. ويحظّر هذا المرسوم العمل في المساحات المكشوفة بين الساعة العاشرة صباحاً والثالثة والنصف مساء ضمن الفترة الممتدّة بين 1 يونيو و15 سبتمبر. أخيراً، تمّ طرح عدد من الإصلاحات التي تهدف إلى حماية الأجور واعتماد حدّ أدنى غير تمييزي للأجور وتأسيس صندوق دعم وتأمين العمّال.تعزيز تطبيق الإجراءات لمعالجة ثقافة إفلات صاحب العمل من العقاب

فيما تُعتبر هذه الإصلاحات مشجّعة وتمّ اعتبارها تاريخية حتّى في “تفكيك” نظام الكفالة، يبقى غياب التطبيق طاغياً، ويبقى الإفلات من العقاب متفشّياً. ومشكلة عدم الامتثال هي عموماً مشكلة متواجدة بين أصحاب العمل الذين لا ينفّذون موجباتهم إزاء موظّفيهم. ويشكل غياب تطبيق إجراءات الحماية القانونية والاجتماعية تحدياً كبيراً يعانيه العمّال الوافدون في أرجاء منطقة الخليج.فالحماية القانونية لا تؤمّن تلقائياً التطبيق. بالتالي، الآليات التي تهدف إلى الحرص على الالتزام بأفضل الممارسات الدولية، مع الحرص أيضاً أن تكون إصلاحات التشريعات والسياسات منطقية في السياقات الفريدة لكل دولة من الدول الخليجية، أمر ضروري. ويعتبر افتتاح مكتب مشروع منظمة العمل الدولية في قطر في أبريل 2018، وهو المكتب الأوّل في منطقة الخليج، خطوة ملموسة بارزة سهّلت هذه الجهود.

ومع ذلك، قليلة هي اتفاقيات العمل الثنائية الموقّعة بين الدول المرسِلة والمستقبِلة التي تضم أحكام حماية اجتماعية، مما يسمح لوكالات التوظيف وأصحاب العمل بانتهاك حقوق العمّال الوافدين. مثلاً، لم تضمّ الاتفاقية المُبرمة في العام 2013 بين المملكة العربية السعودية والفلبين بشأن توظيف المستخدمين في المنازل ولا الاتفاقية المُبرمة في العام 2008 بين قطر وسريلانكا بشأن توظيف العمّال السريلانكيين في قطر أحكامَ حماية اجتماعية ملائمة للعمّال الوافدين تكون في متناولهم. علاوة على ذلك، سلّطت جائحة فيروس كورونا المستجدّ الضوء على المعاناة الشديدة التفاوت التي سبّبها الفيروس المميت للعمّال الوافدين، ولا سيما نظراً إلى ظروف العمل والعيش المكتظّ التي سمحت للفيروس بالانتشار.

بيد أنّ أوجه الضعف الكامنة التي يعيشها العمّال الوافدون تتخطّى مسألة الجائحة. فنظراً إلى السياسات الصحّية الصارمة التي تَفرض على العمّال الوافدين كافة الخضوعَ لفحوصات صحّية قبل حصولهم على تأشيرة والقدرة على العمل في الخليج، تحيط وصمةٌ اجتماعية بصحّة العمّال الوافدين ذوي المهارات المتدنية بشكل خاص وقدرتهم على المحافظة على وظائفهم. وتفضي هذه الوصمة جزئياً إلى تردّد في صفوف العمّال الوافدين “حيال الاعتراف برداءة صحّتهم لأصحاب عملهم والمشرفين عليهم”، خوفاً من فقدان وظيفتهم. وعقب التداعيات الاقتصادية والاجتماعية التي برزت منذ ظهور جائحة فيروس كورونا المستجدّ، لم يعد بإمكان الدول الخليجية أقصاء العمّال الوافدين من قدرة الوصول الملائمة للأطر الصحّية الوطنية. فكما تشير زهرة بابار:

لم تبذل الدول المستضيفة في مجلس التعاون الخليجي جهداً كبيراً لإدراج الحاجات الصحية للعمّال الوافدين في أطر السياسات الصحية الوطنية [وهذا أمر ضروري] عندما تضمّ الدول عدداً كبيراً من المهاجرين، مثلما هو الحال في دول مجلس التعاون الخليجي… فما من التزام إجمالي لدى الهيئات الحكومية والدولية يلزمها ببعض النتائج الصحّية للمهاجرين.

بالتالي ينبغي أن تأخذ آليات التطبيق بعين الاعتبار ظروف العيش والعمل كلَيهما للعمّال الوافدين في الخليج، ولا سيما أنّ مكان سكن العمّال الوافدين ذوي المهارات المتدنية غالباً ما يؤمّنه أصحاب العمل.

ويشكّل انخراط المنظّمات الدولية على غرار منظّمة العمل الدولية والدور الذي أدّته في قطر عاملاً حاسماً للغاية في الحرص على أن تتماشى التشريعات والممارسات المحلّية مع المعايير الدولية. بيد أنّ اتّفاقات العمل الثنائية التي تعالج إجراءات الحماية الاجتماعية هي أيضاً قناة مهمّة يستطيع العمّال الوافدون من خلالها المطالبة بحقوقهم الاجتماعية والاقتصادية والصحّية بفعالية أكبر. فمن خلال اتّفاقيات عمل ثنائية أمتن، يمكن طرح منافع بأمد أطول للعمّال الوافدين، على غرار الإغاثة للمصاعب الاقتصادية المفاجئة (أي البطالة) وتعويضات نهاية الخدمة. ومع أنّه قد لا يكون للدول المرسِلة حافزٌ لوضع سياسات كهذه، ينبغي على مجموعات المناصرة مثل النقابات في الدول المرسِلة أن تعطي مسألة الحماية الاجتماعية للعمّال الوافدين الأولوية وأن تضغط على الدول المرسِلة للحرص على أن يستفيد مواطنوها من هذه المعايير الدولية الأساسية في الأمن الاجتماعي والاقتصادي. ويكتسب هذا الأمر أهمّية شديدة للعمّال الوافدين ذوي المهارات المتدنّية، الذين يواجهون نقاط ضعف أكبر تتأتّى من التهميش في الدول المستقِبلة باعتبارهم غير مواطنين ومن الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية.

التنشئة الاجتماعية لإصلاحات قطاع العمل: الفرصة سانحة في عصر ما بعد فيروس كورونا المستجدّ

بيد أنّ آليات التطبيق واتّفاقيات العمل الثنائية ليست كافية بحدّ ذاتها، بل تبرز الحاجة إلى تنشئة اجتماعية للإصلاحات تستهدف الصلة الثلاثية الجهات لنظام الكفالة الخليجي المعروف، أي العامل الأجنبي وصاحب العمل والدولة. ففي غياب الحركات الاجتماعية المحدَّدة السياق التي تعمل للوصول إلى الحماية الاجتماعية للعمّال الوافدين، ينبغي أن تجري التنشئة هذه عبر وسائل بديلة تشمل، على سبيل المثال لا الحصر، الحرص على تمثيل العامل في إجراءات إصلاح السياسات وفي آليات المراقبة والتقييم. وفي أبريل 2019، أصدرت قطر مرسوماً يسمح بتأسيس لجانٍ مشتركة يختار بموجبها العمّال في الشركات التي تستخدم 30 موظفاً أو أكثر ممثّليهم بنفسهم من أجل مناقشة قضايا مكان العمل مع الإدارة. وفي يونيو 2021، أقامت شركة “مواصلات”، المزوّد الأكبر لخدمات النقل العام في قطر، أوّل انتخابات لإنشاء لجنة مشتركة لدعم الحوار بين العمّال والإدارة. وما زال من غير المعروف إن كانت هذه اللجان المشتركة ستؤثّر فعلاً في إصلاح السياسات أو إن كانت ستمنح فرصة لمناقشة أثر الإصلاحات التشريعية بشأن العمّال الوافدين في مكان العمل. لكنّ هذه الجهود مهمة لإنشاء بيئة مؤاتية للانخراط في حوار اجتماعي حيال السياسات التي تؤثّر تأثيراً مباشراً في العمّال الوافدين. ويمكنها أن تساهم أيضاً في “الحدّ من التوتّرات بين المواطنين وغير المواطنين وتعزيز التلاحم الاجتماعي”.

ولكن تطرح هذه التنشئة الاجتماعية لإصلاحات قطاع العمل تحدّياً صعباً يرتبط بالعقد الاجتماعي الضمني بين المواطنين الخليجيين ودولهم. فكما يفسّر مصطفى قادري، يضع هذا التحدّي الدولة في موقف يرغمها على الموازنة بين “الحاجة إلى المحافظة على عقد اجتماعي يرتكز على عدم توازن في علاقات العمل يصبّ في مصلحة أصحاب العمل والشركات، وهم بأكثريتهم الشديدة من المواطنين، من جهة وموجباتها الدولية باحترام النواحي الجوهرية لحقوق الإنسان والعمل والحاجة إلى الاستجابة لسوق عالمية حسّاسة بشكل متزايد لأوجه حماية الحقوق من جهة أخرى”. وفيما يركّز نقاش قادري على الإمارات العربية المتّحدة تنطبق ملاحظاته على دول مجلس التعاون الخليجي الباقية، حيث يسري عقد اجتماعي مشابه بين الدولة والمواطن، وهو عقد “يَعد فعلياً المواطن بمورد حاضر من العائدات وتحكّم كبير باليد العاملة الأجنبية مقابل حرّيات اجتماعية وسياسية محدودة”. وتمنح جائحة فيروس كورونا المستجدّ فرصة لا مثيل لها لمعالجة الصور النمطية السلبية للعمّال الوافدين فضلاً عن أوجه عدم المساواة الهيكلية التي يواجهونها بسبب التطبيق التمييزي لبرامج الحماية الاجتماعية. فمن دون تغييرات تستهدف المجتمع، على غرار تعزيز الاحترام لحكم القانون والتعاطف مع الآخرين على المستوى العائلي، ستبقى احتمالات إحلال تغيير مجدٍ وطويل الأمد حيال الحماية الاجتماعية للعمّال الوافدين محدودة.تجييش أقلّ للمشاعر واطّلاع أفضل: الحاجة إلى مراقبة وتقييم أكثر تمثيلاً

إنّ الآليات التي تقيّم تلقائياً الأثر الذي يخلّفه إصلاح السياسات على العمّال الوافدين في الخليج قليلةٌ. عوضاً عن ذلك، تتغاضى العناوين والتقارير المجيّشة للمشاعر التي تميل إلى الخروج باستنتاجات بناء على مقابلات قصصية على حدّ سواء عن المشاكل الهيكلية الأعمق والاتّجاهات الإيجابية التي لا تُعتبر جديرة بالنشر مع أنّه يجدر بها أن تكون كذلك.وسيحرص تأسيس أدوات مراقبة وتقييم محلّية، على غرار مؤشّر رفاه العمالة الوافدة الذي أطلقه معهد البحوث الاقتصادية والاجتماعية المسحية بجامعة قطر، على نيل بحوث ذات نوعية أعلى ومحدّدة السياق حول إصلاح سياسات العمل. ويحسّن هذا بدوره المعرفة حيال ما الذي ينفع والذي لا ينفع في الحالات المحددّة السياق في أرجاء الخليج العربي، مما يفضي إلى بحوث أدقّ تؤمّن معلومات أفضل للتوصيات بشأن السياسات التي تعود بالنفع على العمّال الوافدين والدولة.

ويشدّد عبدولاي ديوب وآخرون أنّه بدون مؤشّرات صالحة، من الصعب تقدير أثر الإصلاحات التشريعية على “حياة العمّال الفعلية”. ويناقشون مثل الممارسة التي تقضي بمصادرة جوازات السفر في قطر، إذ يحتفظ أصحاب العمل والكفيل بجوازات سفر موظفيهم، وهذا مخالف للقانون بحسب القانون رقم 21 (سنة 2015). ففي استطلاع أجراه معهد البحوث الاقتصادية والاجتماعية المسحية في العام 2014، قال أكثر من ثلث العمّال الوافدين الذين شملهم الاستطلاع إنّهم سلّموا جواز سفرهم طوعاً لصاحب العمل لكي يحتفظ به، لأنّهم خافوا على أمان جوازات سفرهم في مخيمات العمل حيث يقيمون. نتيجة لذلك، كما يشير ديوب وآخرون، “لا يكمن الحل لمصادرة جوازات السفر في إطلاع العمّال على حقوقهم أو إرغام أصحاب العمل على عدم الاحتفاظ بجوازات السفر ضدّ مشيئة العامل فحسب، بل أيضاً عبر تحسين أمن مكان إقامتهم“. ولا يبيّن هذا المثل أهمّية الحرص على اعتماد آليات مراقبة وتقييم ملائمة، على غرار مؤشّر رفاه العمالة الوافدة، فحسب، بل أهمّية أن ينال العمّال الوافدون بشكل دائم الفرصة للحصول على تفسير لتفاصيل وضعهم. فمن دون هذه الآراء المهمة من العمّال الوافدين في آليات كهذه، ستبقى إصلاحات السياسات خاطئة.

الخاتمة

لقد بيّنت جائحة فيروس كورونا المستجدّ بوضوح جلي ومؤلم أنّ وضع سكّان العالم البالغ عددهم 7,8 مليار نسمة ليس متشابهاً. ففيما الفيروس لا يفرّق بين شخص وآخر وأثّر في الأثرياء والفقراء وكلّ من يقع بين هاتين الطبقتَين، بيّنت ظروف العمل والعيش الصعبة الكامنة التي يقاسيها العمّال الوافدون في الخليج بوضوح متزايد أنّهم يعانون بشكل متفاوت. وظروف العمل والإقامة مرتبطان ارتباطاً وثيقاً بقوانين العمل وسياساته في الخليج. فالصلة بين العامل الأجنبي وصاحب العمل والدولة هي تلك التي تحافظ على نظام الكفالة الذي يصبّ بشكل شديد في مصالح أصحاب العمل على حساب الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية للموظّفين. ومع استمرار الدول بمواجهة التحديات الجيوسياسية والاقتصادية وتحديات سياسات الصحّة العامة، يشكّل عصر ما بعد فيروس كورونا المستجدّ فرصة مؤاتية جداً لمعالجة الطرق التي تحرص على تأمين حماية اجتماعية طويلة الأمد التي ستساعد الدول الخليجية على التحوّل إلى اقتصادات مستدامة مرتكزة على المعرفة. بيد أنّه لا يمكنها تحقيق أثر مجدٍ من دون آليات تطبيق فعالة على المستوى المحلّي وفي اتّفاقات العمل الثنائية والتنشئة الاجتماعية للإصلاحات ضمن المجتمع وأدوات مراقبة وتقييم محدّدة السياق تمثّل تجارب العمّال المعقّدة.