Commentary

Op-ed

ماذا يقول خبراء مركز بروكنجز الدوحة في الذكرى السنوية الأولى للأزمة الخليجية؟

Saudi Foreign Minister Adel al-Jubeir, Bahrain's Deputy Prime Minister Mohammed bin Mubarak Al Khalifa, Oman's Deputy Prime Minister Fahad bin Mahmood, Emir of Kuwait Sabah Al-Ahmad Al-Jaber Al-Sabah and Emir of Qatar Sheikh Tamim bin Hamad al-Thani pose for a family photo during the annual summit of the Gulf Cooperation Council (GCC) in Kuwait City, Kuwait, December 5, 2017. REUTERS/Hamad I Mohammed - RC1E38F639D0
Editor's note:

في 5 يونيو 2017 قطعت كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر والبحرين علاقاتها مع قطر، وفرضت حصاراً عليها بدأ منذ عام ولا يزال قائماً حتى يومنا هذا. وتذرّعت الدول المقاطِعة بأنّ سياسات قطر تغذّي الإرهاب وبأنّ للدولة علاقات صديقة مع إيران وبأنها تتدخّل في شؤون تلك الدول الداخلية، فقدّمت لائحة مطالب من 13 بنداً اعتبرتها قطر هجوماً على سيادتها. بمناسبة ذكرى مرور سنة على الأزمة الخليجية المستمرّة، يعلق خبراء مركز بروكنجز الدوحة على تحديات الأزمة ويناقشون تداعيتها على المنطقة. وهذه ترجمة للنسخة الإنجليزية.

طارق يوسف، مدير مركز بروكنجز الدوحة، وزميل أول في برنامج الاقتصاد العالمي والتنمية: مع مرور عام على الأزمة الخليجية، يشكّل الأثر المتراكم جرّاء الانشقاق الذي أصاب التجمّع الأكثر استقراراً وتوقّعاً في العالم العربي في التاريخ خسارةً كبيرة في المكانة الدولية والنفوذ الجيوسياسي والوزن الاقتصادي. ولا يمكن التشديد كفاية على الضرر الطويل الأمد الذي لحق بمشروع الدمج الاقتصادي والمالي الذي كان قد انتهجه مجلس التعاون الخليجي. وقد أحدثت الأزمة ضرراً كبيراً أيضاً في ميزة التكتّل الأبرز، ألا وهي الروابط الاجتماعية والنسيج الثقافي.

وقد شهد النظام العربي الإقليمي ضغوطاً متزايدة في العقد الماضي، ويبدو أن انهياره قد اكتمل الآن مع تداعي مجلس التعاون الخليجي. لذلك، على مشاريع الدمج المستقبلية انتظار نهاية الصراع الإقليمي والخلاف الداخلي اللذَين سيؤدّيان إلى بروزٍ تدريجي لهيكلية إقليمية جديدة. وعلى خلاف ما حصل في الماضي، سيتعيّن على الترتيبات الأمنية الجديدة الأخذ بعين الاعتبار الهواجس الكبيرة لدى الدول الأعضاء حول السيادة السياسية والاستقلال الاقتصادي، بالإضافة إلى انتشار القوى غير العربية في الشرق الأوسط ونفوذها وطموحاتها المتزايدة فيه.

نادر قباني، مدير الأبحاث في مركز بروكنجز الدوحة، وزميل أوّل في برنامج الاقتصاد العالمي والتنمية: منذ عام، فاجأت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين ومصر العالمَ بقطع علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع دولة قطر المجاورة. وقد كانت المشكلة الأساسية سياسةَ قطر الخارجية المستقلّة التي باتت تتعارض بشكل متزايد مع سياسات البلدان المجاورة لها. وقد أتى هذا التحرّك السريع والحاسم كمناورة لإرغام قطر على الخضوع. غير أنّ هذه المناورة لم تجرِ كما كان متوقّعاً. فقد تمكّنت قطر حتّى اليوم من تحمّل المقاطعة، على الصعيدَين السياسي والاقتصادي على حدّ سواء. وكان لديها من الحكمة أن تمتنع أيضاً عن مفاقمة الصراع واتّخذت خطوات لمعالجة الهواجس الكثيرة التي أثيرت حيالها.

بعد مرور عام، سيفضي الاستمرار بالمقاطعة إلى خسارة تفوق الربح بأشواط. فالمملكة العربية السعودية غارقة حالياً في مرحلة صعبة من التحوّل الاقتصادي والاجتماعي، وتستعدّ دبي لاستضافة المعرض الدولي إكسبو 2020، وتعمل البحرين جاهدة لتجنّب أزمة مالية. ولا تزال نيران الحرب الأهلية مستعرة في اليمن، ويستمرّ النفوذ الإيراني بالتوسّع. بالتالي، يجمع دول الخليج أكثر بكثير ممّا يفرّقها. لذلك، عليها أن تنهي الصراع وتعمل معاً لتخطّي التحدّيات التي تواجهها جميعها.

نهى أبو الدهب، زميلة زائرة في مركز بروكنجز الدوحة: بعد مرور عام، بات واضحاً أنّ الحصار على قطر جزءٌ من أحجية أكبر: إعادة رسم المشهد الجيوسياسي في المنطقة بقيادة إماراتية وسعودية وبدعم من الولايات المتحدة. ولا شكّ في أنّ العداوة الإيرانية السعودية تمثّل دافعاً قوياً للتوتّرات في الخليج. بيد أنّه من الضروري أخذ عوامل أخرى في الحسبان إذا أردنا فهم التداعيات الأوسع لأزمة الخليج.

ففي السنوات القليلة الماضية، وسّعت عدّة بلدان خليجية وتركيا والصين نفوذها العسكري والسياسي في الشرق الأوسط وبلدان القرن الأفريقي ومناطق أخرى. وقد ازداد هذا التوسّع منذ بدء الحصار، وهو يشير إلى معركة على السلطة وللسيطرة من خلال وسائل استعمارية جديدة تستعين بها جهات فاعلة من المنطقة وخارجها. في غضون ذلك، أدّى انقسام الخليج إلى تراجع احتمالات تحقيق أمن إقليمي. لكنّ أسوأ ما في الأمر أنّ هذا الانقسام يُبعد احتمال الوصول إلى حلّ للحرب في اليمن التي أدّت إلى بروز أسوأ أزمة إنسانية شهدها العالم.

العربي صديقي، زميل زائر في مركز بروكنجز الدوحة: منذ القِدَم، شهد تاريخ إدارة شؤون الدول سلسلةً من الحصارات. فالحصارات ليست خيارات هوجاء تلجأ إليها جهات فاعلة غير عقلانية، بل وليدة حسابات واقعية للسلطة يسعى عبرها رجال دول دهاة وأشخاص ضليعون في السياسة إلى إخضاع خصومهم. وتتميّز الحصارات بعنصر مهمّ: إنّها حرب لكن بوسائل مختلفة.

وقد تطلّبت الحصارات العصرية، مع درجات حدّتها المتنوعة، قواعد اشتباك ملزِمة قانونياً وأخلاقياً وقابلة للتطبيق، ممّا سمح بإطلاق العنان للمخيّلة السياسية الخصبة لتوسِّع نطاق مسؤولية الأمّة لكي تحمي مواطنيها المدنيين ومدنها. وتُشكّل هذه المراقبة إحدى الوسائل المتّبعة والمتاحة للنظام الدولي من أجل التصدّي للفكرة المحورية التي هي سياسات القوى العظمى. ولكيلا ننسى، لطالما شعر العالم العربي بالدمار الذي أتت به “الدول القويّة”. فقد أدّى الحصار على العراق بين العامَين 1990 و2003 إلى الفتك بالمدنيّين. وينكُب الحصار المستمرّ على غزّة، الذي بلغ عامه العاشر الآن، حياة مليونَي شخص. ويشوب الحصار على قطر الذي بدأ منذ سنة شكوكاً كبيرة من ناحية صوابيّته، ويطرح أسئلة لا إجابة عليها من ناحية مآربه. لكنّ الحظّ حالف قطر حتّى الآن لكي تتمكّن من استثمار مهاراتها وأموالها لاستيعاب تداعيات الحصار، مخفّضةً نوعاً ما من حدّة الوضع ليغدو حصاراً بالاسم فحسب.

رانج علاء الدين، زميل زائر في مركز بروكنجز الدوحة: لا تُظهر الأزمة الخليجية أيّ مؤشّرٍ بأنها ستُحلّ في وقت قريب. ومن الممكن أن يؤدّي عدم مبالاة الولايات المتحدة المستمرّ وإذعانها لحصار الدول العربية الأربعة إلى تحويل هذه الأزمة إلى وضع طبيعي معتاد. ولا يبشّر ذلك بالخير لمنطقة غارقة أصلاً في حالة من عدم الاستقرار العنيف والتقلقل السياسي. في المقابل، صمدت قطر في وجه الحصار، ويعود السبب بجزء كبير إلى ثروتها الاقتصادية ومكانتها في النظام الإقليمي وفي النظام الاقتصادي والسياسي الدولي. ويُظهر التاريخ أيضاً أنّ الحصارات بكلّ بساطة لا طائل منها، لا بل إن أفضت الأزمةُ الخليجية وتحدّي قطر إلى شيء فقد عزّزا السيادةَ القطرية. وقد ولّدت الأزمة فراغاً استراتيجياً قد تملؤه إيران وتستغلّه في وقت تقترب فيه الولايات المتحدة أكثر نحو مواجهة عسكرية مع إيران والجهات الوكيلة لها. بالتالي، تحتاج الولايات المتحدة اليوم أكثر من قبل إلى عالم عربي موحّد.

غالب دالاي، زميل غير مقيم في مركز بروكنجز الدوحة: عندما بدأت الأزمة الخليجية، وجدت تركيا نفسها في موقع غير مريح. ففضّلت في البداية ألّا تظهر في موقف المعارض للمملكة العربية السعودية، لا بل قدّمت الدعم عبر جهود الوساطة. غير أنّ البلدان المحاصِرة اعتبرت تركيا بشكل قاطع إلى جانب قطر. وقد أقنع ذلك تركيا أنّ الأزمة الخليجية ليست حادثة منعزلة تحدث على مستوى ثنائي بين قطر وبلدان الخليج العربي. عوضاً عن ذلك، رأت أنّ هذا العداء إنّما هو استمرارية للتصدّعات والانشقاقات التي سبّبها الربيع العربي. علاوة على ذلك، اعتبرت تركيا أنّ الهدف النهائي لهذا الحصار إمّا الإطاحة بالحكومة القطرية أو جعلها حكومة خانعة للبلدان المحاصِرة.

لقد كان لهذه الدول رؤيةٌ لنظام إقليمي جديد. وإن لم تكن هذه الرؤية معادية صراحةً لوجود تركيا الإقليمي، فقد كانت مضرّة بمصالحها الإقليمية. بالتالي، استخدمت تركيا كامل نفوذها لدعم قطر بطرق متعدّدة. فقد هدفت أوّلاً إلى التخفيف من حدّة الحصار على قطر عبر إنشاء جسر جوّي لإرسال الإمدادات اللازمة. ثانياً، رسّخت علاقاتها الاستراتيجية والسياسية مع دولة قطر، ولا سيّما من خلال تعزيز قدرتها العسكرية في قاعدتها في قطر. ثالثاً، انتهجت تركيا سياسة تحسين علاقاتها مع الكويت وعُمان والمحافظة على قناة تواصل مع المملكة العربية السعودية.

ومع مرور الوقت، تخشى تركيا أن يتحوّل الوضع الراهن ليصبح الوضعَ الطبيعي الجديد في الخليج. فمن المرجّح أن يحوّل الحصارُ قطرَ إلى دولة أكثر انعزالية وأن يحجّم من انخراطها الإقليمي. ولن تتمكّن البلدان المحاصِرة من عكس هذا المسار إلّا من خلال ضغوط وجهود دبلوماسية أمريكية شديدة. لكن لسوء الحظّ، لا يبدو أنّ خطوة كهذه تلوح في الأفق.

علي فتح الله نجاد، زميل زائر في مركز بروكنجز الدوحة: أتاح الحصار على قطر الممتدّ منذ عام لإيران فرصةً استراتيجية غير متوقّعة. ففي مفاجأة سارّة بالنسبة إلى طهران، أفضى انهيار مجلس التعاون الخليجي الجزئي، نتيجة الحصار القائم والمحاولات الفاشلة المتعدّدة لإنهائه، إلى تقييد منافس إيران الإقليمي العربي الأقوى. وفيما ربطت بين قطر وإيران علاقات حسنة في الماضي، ولا سيّما بسبب تشاطرهما حقل الغاز الأكبر في العالم، دفع الحصار بالعلاقات الثنائية إلى مستوى جديد. فمنذ بداية الحصار، لم تزد إيران من صادراتها إلى قطر فحسب، بل عزّز البَلَدان النقل البحري والجوي أيضاً، بالإضافة إلى تحسين علاقاتهما المالية.

وقد فتحت إيران أيضاً مجالها الجوّي لحركة طيران الخطوط الجوية القطرية وأراضيها للصادرات التركية إلى قطر. وشدّد المسؤولون الإيرانيون مراراً وتكراراً على دور طهران الأساسي في الوقوف إلى جانب الدوحة منذ بدء الحصار. وحتّى الآن، يبقى مدى المساعدة الأمنية التي تقدّمها إيران غامضاً. لكن في الإجمال، لا يزال الحصار يقرّب الدوحة من طهران، وهو إجراء، من باب المفارقة، تزيده الدول المحاصِرة وتشتكي منه في آن واحد.

عادل عبد الغفار، زميل في مركز بروكنجز الدوحة: مع دخول أزمة مجلس التعاون الخليجي عامها الثاني، باتت هويّة الفائز معروفة: صناعة الأسلحة. ففي خلال الأشهر التسعة الماضية، باعت الولايات المتحدة للمملكة العربية السعودية أسلحةً بقيمة 54 مليار دولار، بما فيها صواريخ هاربون بلوك 2 ومروحيات شينوك وفرقاطات ومنظومات دفاع جوّي صاروخي من نوع ثاد THAAD وأسلحة متعدّدة أخرى وذخائر موجّهة بدقّة. وتستمرّ الإمارات العربية المتحدة بإنفاق المليارات لشراء الأسلحة ليس من الولايات المتحدة وأوروبا فحسب بل من الصين أيضاً، مستخدمةً في اليمن طائرات من دون طيّار صينية تخلّف آثاراً مدمّرة. وقد وقّعت البحرين عقداً لشراء مقاتلات أف-16 وصواريخ وزوارق دورية أمريكية بقيمة 3,8 مليارات دولار.

كذلك الأمر، زادت قطر الخاضعة لحصار فرضته البلدان المجاورة من صفقات شراء الأسلحة بشكل ملفت. فمنذ اندلاع الأزمة، اشترت 36 مقاتلة أف-15 أمريكية و12 مقاتلة رافال فرنسية وسفناً حربية إيطالية ودبّابات ألمانية و24 مقاتلة تايفون من المملكة المتحدة. على الرغم من هذه الزيادة في الإمكانيات الدفاعية، تُطرح أسئلة حول قدرة القوات المسلّحة القطرية على استخدام كامل هذه الإمكانيات نظراً إلى محدودية قواها البشرية.

بالإضافة إلى زيادة دول مجلس التعاون الخليجي من إمكانياتها العسكرية، استخدمت ما ابتاعته من أسلحة كنوع من الدبلوماسية التي تستغلّ المال لتعزّز تحالفاتها مع شركاء دوليين متعدّدين، ولا سيّما مع الولايات المتحدة. وفيما دعت وزارتا الخارجية والدفاع الأمريكيتان إلى إنهاء الأزمة، لن يكون الرئيس ترامب حزيناً بالاستمرار ببيع الأسلحة إلى جميع الجهات مع استمرار الأزمة.

Authors