Commentary

المتظاهرون في السودان قادرون على التخفيف من وطأة المصيبة اليمنية

Sudanese protesters attend a demonstration in front of the defense ministry compound in Khartoum, Sudan, May 2, 2019. REUTERS/Mohamed Nureldin Abdallah     TPX IMAGES OF THE DAY - RC1842B87200

في الوقت الذي يزيد فيه المتظاهرون في السودان الضغط على المجلس العسكري الانتقالي لتسليم السلطة إلى حكم مدني، عليهم أيضاً أن يطالبوا بإنهاء دور بلادهم في الحرب في اليمن. وترتبط هذه الدعوة ارتباطاً وثيقاً مع مطالب المحتجين السودانيين العامة بإنهاء عدم المساواة الاجتماعية الاقتصادية وبإنهاء الدكتاتورية.

وفيما كان معارضو الحرب في اليمن منهمكين، وعن وجه حق، بالضغط لإنهاء الدعمَين الأمريكي والبريطاني العسكريين للتحالف بقيادة السعودية، يكمن في الخرطوم مسارٌ ممكن آخر لجعل الحرب تشارف أكثر على نهايتها.

لقد أطلقت عقود من التهميش وانعدام العدالة الاجتماعيين في السودان الاحتجاجات التي استمرّت أشهراً والتي أسقطت الرئيس عمر البشير في أبريل. وهي أيضاً السبب في أن يشارك ما بين 8 آلاف و14 ألف عنصر شبه عسكري سوداني في القتال في اليمن. فقد تمّ جذب المرتزقة السودانيين، والكثير منهم أطفال من إقليم دارفور، للقتال على الأرض في اليمن مقابل تعويضات مالية. 

فبسبب معاناة صعوبات اجتماعية واقتصادية قاسية في السودان، يتملّك هؤلاء الجنود السودانيون اليأس وينضّمون إلى الحرب في اليمن. ومن دون بوادر تَحسّن في الوضع الاجتماعي الاقتصادي في السودان، ولا سيما في ظل الحكم السلطوي لعمر البشير الذي خُلع مؤخراً، تقدّم لهم الدول الخليجية إلى ما يصل إلى 10 آلاف دولار للمشاركة في حرب ولّدت الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم منذ الحرب العالمية الثانية.

ويستمرّ السعوديون والإماراتيون، الذين يقودون التحالف العسكري الذي يحارب المتمرّدين الحوثيين لأكثر من أربع سنوات، بالعمل عن بعد، مرسلين أوامرهم العسكرية إلى المحاربين السودانيين على الأرض. وأدّى ذلك إلى مقتل المئات من الرجال والصبية السودانيين الشباب الذين حملوا السلاح للمساعدة على تأمين القوت لعائلاتهم في السودان، مع الانخراط في حرب لا معنى لها هجّرت الملايين وقتلت عشرات الآلاف من اليمنيين من خلال الضربات الجوية والمجاعة الشاملة والأمراض التي سببتها الحرب. 

ويساعد الانخراط المستمر لهؤلاء المحاربين السودانيين على إدامة هذه الحرب البشعة، فضلاً عن الدعم العسكري والسياسي للقوى الغربية، من ضمنها كلّ من المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا وأستراليا. 

وقد حقق المتظاهرون في الخرطوم إنجازاً استثنائياً في خلع البشير بعد حكم دام لأكثر من ثلاثين عاماً، فضلاً عن خلع خلفه الأول الفريق أحمد عوض بن عوف بعد توليه السلطة لمدة 24 ساعة. وما زالوا يرفضون حكم المجلس العسكري الانتقالي الذي يرأسه الآن الفريق الركن عبد الفتاح البرهان ويطالبون بحكومة انتقالية بقيادة مدنية.

والبرهان هو أيضاً الشخص الذي يشرف على القوات السودانية التي تحارب في التحالف العسكري بقيادة السعودية في اليمن. وكرّر نائبه الحالي محمد حمدان دقلو (المعروف أيضاً باسم حميدتي) في خلال زيارة قام بها مؤخّراً إلى جدّة التزامَ السودان المستمر بنشر جنود لمحاربة الحوثيين في اليمن نيابة عن التحالف بقيادة السعودية.

ومن شأن مطالبة واضحة بإعادة القوات السودانية التي تحارب في الحرب الكارثية في اليمن أن تبعث برسالة قوية للقادة العسكريين الحاليين في السودان: ورطة عائلات أولئك المحاربين السودانيين إنما هي ورطتنا أيضاً، ألا وهي العدالة الاجتماعية. وستبعث أيضاً برسالة قوية للتحالف بقيادة السعودية: لسنا بحاجة إلى المحاربة عنكم بعد الآن لنطعم عائلاتنا. والأهمّ أنها تبعث برسالة تضامن مع اليمنيين الذين ما زال الحوثيون والتحالف بقيادة السعودية ودعم الغرب وغيرهم من الفرق المتحاربة يجوّعون عائلاتهم ويقتلونها يومياً. 

وتذكّر مشاعر الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة التي تنبض بالحياة في الخرطوم حالياً بثورات الربيع العربي. لكن لا داعي لأن تكرر الأحداث المؤلمة التي تلت في دول مثل مصر وسوريا وليبيا وطبعاً اليمن.

لا عجب إذاً أن أطلقت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بيانات سريعة تدعمان فيها المجلس العسكري الانتقالي في السودان وقدّمتا مجموعة مساعدات بقيمة 500 مليون دولار. ففي النهاية، يعجّ هذا المجلس بشخصيات عسكرية تدعم التضحية بحياة السودانيين لكيلا لا يضحي السعوديون والإماراتيون بحياتهم. 

لا بد من أن يشكّل هذا دعوةً للصحوة للمتظاهرين في الخرطوم: المطالبات بالحرية والعدالة الاجتماعية ليست منفصلة عن المطالبات بوقف التسليع الذي لا يغتفر للشباب السوداني في الحرب في اليمن. ويتابع المتظاهرون السودانيون بتحدّي مؤسسة عسكرية عازمة على الإمساك بالسلطة مهما كلّف الأمر. وفي الوقت الذي يستمر فيه المتظاهرون باحتجاجاتهم بثبات ويجددون مطالباتهم ويفاوضون، لهي لحظة مؤاتية أن يتمّ التوضيح أنه ما عاد من الممكن ارتهان السودان للنزوات السياسية الخارجية المميتة التي تبديها دول أخرى.