Commentary

المملكة العربية السعودية والحرب الأهلية ضمن حرب اليمن الأهلية

Members of UAE-backed southern Yemeni separatists forces are seen together with their supporters as they march during a rally in southern port city in Aden, Yemen August 15, 2019. REUTERS/Fawaz Salman - RC12682D60A0

شكّل استيلاء انفصاليّي جنوب اليمن على عدن الأسبوع الماضي هزيمةً نكراء للحملة السعودية لإعادة تنصيب الرئيس عبد ربه منصور هادي. فقد خسرت حكومة هادي العاصمة والميناء الأكبر في الجنوب، وتمّ القضاء على قبضته المتهلهلة أصلاً على الحكم. وتشكّل الهزيمة السعودية أيضاً نافذةً على تاريخ المملكة المعقّد مع الانفصاليين الجنوبيين وحركة الاستقلال في عدن.

كانت عدن مستعمرة بريطانية مهمّة في القرن التاسع عشر على الطريق البحرية الأساسية من إنكلترا إلى الهند التي كانت أهمّ منطقة في الإمبراطورية البريطانية حتى العام 1947. وشكّلت عدن، في ذروتها، واحداً من الموانئ الأكثر ازدحاماً في العالم. وفي العام 1968، طردت حركةٌ قومية عربية بقيادة الماركسيين وبدعم من الاتحاد السوفياتي البريطانيين خارج المدينة. فغدت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية الدولة الشيوعية الوحيدة في العالم العربي. وضمّت هذه الجمهورية عدنَ أيضاً وإمارات جنوب اليمن السابقة التي حكمها البريطانيون بشكل غير مباشر كمحميات.

وبالنسبة إلى السعوديين، جسّدت عدن أسوأ كوابيسهم: دولة شيوعية عند حدودهم الجنوبية متحالفة مع الاتحاد السوفياتي. وطوال عقدين، دعم السعوديون كلّ مخطّط ضدّ الجنوبيين مهما كان هذا المخطط جنونياً. وفي العام 1989، كان أسامة بن لادن قد خرج لتوّه من انتصار المجاهدين في أفغانستان ضد الروس واقترح على القيادة السعودية أن يقود حملة جهاد لتحرير الجنوب من الشيوعيين. فرفض تركي بن فيصل، رئيس المخابرات السعودية آنذاك، طلبه بلباقة بحجّة أنّ الجنوب في طور الانهيار من تلقاء نفسه.

وفي العام 1990، اندمج الجنوب مع جاره الأكبر حجماً في الشمال تحت قيادة الرئيس علي عبد الله صالح لتأسيس دولة يمن موحّدة. فكان النظام الشيوعي في حالة إفلاس وحليفه السوفياتي منهاراً. وكانت الوحدة ضرورية لكنّها شكّلت حبّة سمّ للكثير من الجنوبيين. فقد مال صالح نحو العراق في الأزمة الكويتية التي نشبت في وقت لاحق من العام 1990، فطرد السعوديون مليون عامل يمنيّ من المملكة لمعاقبته.

وبعد تحرير الكويت، بدأ السعوديون بالبحث عن حلفاء للإطاحة بصالح فلجأوا إلى الجنوبيين. وخطّط السعوديون لتمرّد قاده الانفصاليون الجنوبيون، من بينهم الشيوعيون السابقون، بغية خلع صالح في العام 1994. وموّلت الرياض سرّاً التمرّد واشترت أسلحة للمتمرّدين من السوق السوداء من أوروبا الشرقية. وكان وزير الدفاع آنذاك الأمير سلطان بن عبد العزيز وابنه الأمير بندر بن سلطان، سفير المملكة في واشنطن، على رأس المخطّطين.

وفشل المخطط فشلاً ذريعاً. فقد سيطر المتمرّدون لفترة وجيزة على عدن قبل أن يُطلق صالح هجوماً معاكساً شرساً. فانهارت الخطط السعودية في غضون أسابيع، وقُمع التمرّد، وأعيد توحيد اليمن تحت حكم صالح، وواجه سلطان بن عبد العزيز الإذلال، وتخلّى السعوديون عن الانفصاليين.

وعندما وصل الربيع العربي إلى شواطئ اليمن في العام 2011، انضمّ الانفصاليون إلى حملة إسقاط صالح. وانضمت الرياض إلى الحملة أيضاً لكنّ مرشّحها المفضّل كان هادي، الذي كان واحداً من الجنوبيين الذين خدموا في جيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وخضع لتدريبات لسنوات في الاتحاد السوفياتي. ودعم خطة انقلاب فاشلة في العام 1986 ضدّ نظام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وهرب إلى الشمال. وفي العام 1994، بقي موالياً لصالح وكوفئ بتعيينه وزير دفاع ثمّ نائب رئيس. ورأى فيه السعوديون بديلاً آمناً لصالح.

لكن عوضاً عن ذلك، كان هادي كارثة. فقد طرد الحوثيون حكومته من صنعاء في مطلع العام 2015، مما أطلق شرارة التدخّل السعودي والحرب التي ولّدت الكارثة الإنسانية الأسوأ في العالم. وفقد هادي الآن سيطرته على عدن وولّد الانفصاليون حرباً أهلية ضمن الحرب الأهلية مع دعم المملكة العربية السعودية الخاسرين باستمرار.

وقد وجد الانفصاليون راعياً جديداً، ألا وهو الإمارات العربية المتحدة التي بنت قوّتهم على مدى السنوات الثلاثة الماضية. لذا وزّع التحالف الذي يحارب الحوثيين الشيعيين الزيديين ولاءاته بين عدوّين لدودين. ويشكّل الفشل في التنسيق وإدارة التحالف دليلاً على عدم الكفاءة الشديد الذي يشوب الحملة العسكرية بقيادة السعودية.

وعلى الرغم من قرون الخبرة التي تتحلّى بها المملكة العربية السعودية في التعامل مع اليمن منذ نشوء الدولة السعودية في أربعينيات القرن السادس عشر، طغى على المملكة تاريخٌ طويل في النكسات في اليمن. فغالباً ما أحبطت تعقيدات المجتمع اليمني وسياساته السعوديين، ويرجّح أن تواجه المملكة المزيد من الإحباطات في المستقبل.