Commentary

إسرائيل لا تستطيع التنصّل من كلّ القوانين الدولية كلّ الوقت

U.S. President Donald Trump and Israel's Prime Minister Benjamin Netanyahu arrive at a joint news conference to discuss a new Middle East peace plan proposal in the East Room of the White House in Washington, U.S., January 28, 2020. REUTERS/Joshua Roberts - RC26PE96WRCW
Editor's note:

تقول نهى أبو الدهب إنّ خطّة ترامب للشرق الأوسط تنتهك القانون الدولي، لكنّها أيضاً تكشف بدون قصد عن مدى خوف إسرائيل من هذا القانون. نُشرت هذه المقالة بدايةً على موقع قناة الجزيرة، وهذه ترجمة للنسخة الأصلية.

تنتهك خطّة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحلّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بشكل صارخ القانون الدولي، لكنّها تؤكّد أيضاً على إقرار إسرائيل بأنّها غير قادرة على التنصّل من كلّ القوانين الدولية كلّ الوقت.

وبشكل خاص، تبرهن الخطّة على أنّ النطاق المُمكن للمحكمة الجنائية الدولية يشكّل تهديداً لإسرائيل بطريقة لا تشكّلها قرارات الأمم المتّحدة غير المطبَّقة.

تاريخ من الانتهاكات للقانون الدولي

منذ إنشاء دولة إسرائيل في العام 1948، تعدّدت قرارات الأمم المتحدة المنتقدة لإسرائيل، متراوحةً من حقّ اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى بلادهم إلى التنديد بالهجمات الإسرائيلية على المدنيين الفلسطينيين.

وتحاول خطّة ترامب التي تحمل اسم “صفقة القرن” نقضَ هذه القرارات عبر تشريع عدد من الأعمال غير الشرعية، بما فيها الضمّ الإسرائيلي لأرض فلسطينية مُحتلّة بشكل غير شرعي والبناء المستمرّ للمستوطنات اليهودية على أراضٍ فلسطينية.

وتنصّ الصفقة على أنّ القدس عاصمة إسرائيل “الموحّدة”، فيما يحظى الفلسطينيون على سيطرة محدودة على أحياء متناثرة في القدس الشرقية. وتقع هذه الأحياء على الجهتين الشمالية والجنوبية من “الحاجز الأمني” الذي يُعرف أيضاً على أنّه “الجدار الفاصل” الذي بنته إسرائيل والذي اعتبرته محكمة العدل الدولية غير شرعيّ منذ أكثر من 15 سنة.

وتصل قرارات الأمم المتحدة التي تؤنّب إسرائيل وتطالبها بنقض انتهاكاتها ضدّ الفلسطينيين إلى العشرات. بيد أنّ إسرائيل تستمرّ بانتهاكها وبانتهاك غيرها من القرارات القانونية الدولة بشكل صارخ وبدون أيّ عقوبات.

إذاً ما نفع القانون الدولي ما دام أنّه يخذل الفلسطينيين؟

القانون الدولي كمقاومة

إنّ غياب أيّ تداعيات حقيقية لأعمال إسرائيل ليس أمراً لا حدود له. فخطّة ترامب، مع أنّها بغيضة، تبيّن بوضوح ضمني أنّ إسرائيل تقرّ بسلطة القانون الدولي، ولا سيّما عند استعماله أداةَ مقاومة.

فالصفقة تدعو فلسطين إلى إسقاط كلّ الدعاوى الجنائية الدولية، لا ضدّ الإسرائيليين فحسب، بل ضدّ الأمريكيين أيضاً.

وينبع خوف واضعي الخطّة الأمريكيين والإسرائيليين جزئياً ممّا تمكّنت فلسطين من تحقيقه بمساعدة القانون الدولي، على الرغم من القمع والقهر المستمرَّين اللذين تمارسهما الدولة الإسرائيلية، بدعم من الولايات المتحدة.

فقد اعترفت أكثر من 130 دولة بفلسطين دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة في نوفمبر 2012. وتمّ قبول فلسطين في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وطلبت عقب ذلك أن تحقّق المحكمة في جرائم تمّ ارتكابها على أراضيها.

وفي ديسمبر 2019، وبعد مداولات طويلة بشأن صلاحية المحكمة الجنائية الدولية في الوضع الفلسطيني (وما زال بعض المداولات جارياً)، قرّر مدّعي المحكمة العام في النهاية أنّ في المسألة حيثيات معقولةً للتحقيق في جرائم ارتُكبت على الأراضي الفلسطينية.

وفي حال بلغت هذه القضية المعروضة أمام المحكمة الجنائية الدولية مرحلةً يتمّ فيها اتّهام مسؤولين إسرائيليين وإصدار مذكّرات توقيف بحقّهم، فهذا سيعيق قدرة تنقّلهم لأنّهم سيحاولون تفادي الدول التي قد يتمّ اعتقالهم فيها وإحالتهم إلى لاهاي للمحاكمة. وسيتمّ التشهير فيهم أيضاً.

طبعاً، احتمالات حصول ذلك ضئيلة. فليس للمحكمة الجنائية الدولية شرطةٌ خاصّة بها لاعتقال الأفراد، بل تعتمد على تعاون الدول للقيام بذلك.

بيد أنّ القانون الدولي لا يعمل في فراغ ولا يسعه ذلك أيضاً، فالإرادة السياسية والحشد السياسي هما في الوقت عينه محفّزات أساسية وعوائق أساسية لما “يَعدُ” به القانون الدولي: العدالة.

وحتّى لو لم يتمّ اتّهام أيّ مسؤول إسرائيلي أو توقيفه، يمكن استخلاص درس مهمّ من هذه القضية القائمة لدى المحكمة الجنائية الدولية. فيتمّ السير بإجراء قانوني دولي في الوقت الراهن، وفيما قد لا يؤدّي إلى نتيجة حاسمة، تشير صفقة ترامب أنّ الحكومات القوية، وبالتحديد الولايات المتحدة وإسرائيل، تنظر إلى القانون الجنائي الدولي بعين الخوف، على الرغم من محاولاتها لرفضها.

القانون الدولي سيف ذو حدّين

القانون الدولي يقمع ويحرّر.

وهو لا يطبّق قرارات الأمم المتحدة، ولا سيّما تلك المتعلّقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

نتيجة لذلك، يخذل هذا القانون الضحايا الفلسطينيين لأنّه يعجز عن تأمين الحماية لهم أو عن ضمان العدالة بحقّهم. ويقوّض هذا التخاذل المتكرّر في تطبيق القانون جوهرَ شرعة الأمم المتحدة.

بيد أنّ القانون الدولي محرّر أيضاً. فقد أدّى دوراً مهماً في إنهاء الاستعمار بعد حركات التحرير الوطنية في الخمسينيات والستّينيات. وقد أفضى، مع ممارسة الدولة، إلى اعتراف معظم دول العالم بفلسطين دولةً بحكم الأمر الواقع في ذاك اليوم التاريخي في نوفمبر 2012.

ففي وجه جهات فاعلة قوية تنتهك علناً القانون الدولي وتحاول ترسيخَ واقع جديد على الأرض من خلال تأسيس مستوطنات يهودية غير شرعية على أراضٍ مسروقة، ما زال القانون الدولي يشكّل منصّة مهمّة للمقاومة الفلسطينية.

ويمكن العثور على دليل على هذا الأمر في خطّة ترامب لأنها تكشف عن الارتياب الذي ينتاب الولايات المتحدة وإسرائيل منذ زمن بعيد بأنّ مؤسّسات مثل المحكمة الجنائية الدولية ستدفعهما بشكل أقرب نحو المساءلة حيال انتهاكاتهما المستمرّة للقانون الدولي.