Commentary

Op-ed

غضب إسرائيل بشأن “القائمة السوداء” للأمم المتّحدة حول المستوطنات ليس سوى البداية

U.S. Secretary of State Mike Pompeo and Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu attend a meeting in Jerusalem, Friday, October 18, 2019. Sebastian Scheiner/Pool via REUTERS *** Local Caption *** - RC15280D3A20
Editor's note:

يقول عمر حسن عبد الرحمن إنّ القائمة السوداء للشركات المرتبطة بالمستوطنات الإسرائيلية والتي نشرتها الأمم المتحدة هي عمومية بحدّ ذاتها. فلما أثارت غضب إسرائيل وإدارة ترامب؟ نُشرت هذه المقالة بدايةً على موقع “972+ ماغازين” (+972 Magazine)، وهذه ترجمة للنسخة الأصلية.

كشفت مفوّضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان عن قائمة طال انتظارها لـ112 شركة عاملة في المستوطنات الإسرائيلية في الضفّة الغربية. وأدّت هذه القائمة السوداء التي تطلّب تحضيرها أربعة أعوام ونُشرت الأربعاء الماضي إلى إثارة حفيظة الحكومة الإسرائيلية وأعضاء الكونغرس الأمريكي والبيت الأبيض.

ووجّه وزير الخارجية الأمريكي بالتحديد بعض العبارات اللافتة للمفوّضية السامية التي وصفها بأنّها هيئة “مخزية”، قائلاً إنّ قرار الكشف عن هذه القائمة “ما هو إلا تأكيد على الانحياز المُتعنّت المُناهض لإسرائيل والسائد في منظّمة الأمم المتحدة”.

وكان ردّ فعل بومبيو غريباً نظراً إلى أنّ وزير الخارجية الأمريكي أعطى الضوء الأخضر لعملية الضمّ الإسرائيلية للضفّة الغربية وأعلن أنّ المستوطنات لا تشكّل انتهاكاً للقانون الدولي وغالباً ما دعم أحقّية إسرائيل بالأراضي التي تحتلّها، أو التي لا تحتلّها إذا أردنا التماشي مع منطق بومبيو. لكن إذا هَدَفَ كلّ ذلك إلى إلغاء الفرق بين إسرائيل والضفّة الغربية، ما الذي يفرّق بين الشركات العاملة في المستوطنات وتلك العاملة في إسرائيل بحدّ ذاتها؟ لو نشرت الأمم المتّحدة أو أيّ جهة أخرى لتوّها قائمة بالشركات العاملة في إسرائيل، هل سيكون ردّ الفعل ذاته؟

لكنّ الغضب ينبع من إدراكٍ لدى الولايات المتحدة وإسرائيل بأنّ باقي العالم لا يرى المسألة بالطريقة ذاتها التي تريانها ومن خوف كامن بأنّ إسرائيل انتهجت مساراً لا يمكن عكسه ولا يشكّل ردّ الأمم المتحدة عليه سوى بداية الأمور الآتية.

فعلى مدى السنوات الـ52 الماضية، اعتمدت كلّ حكومةٍ إسرائيلية سياسةَ توطينِ مواطنيها في الضفّة الغربية المحتلّة (وفي قطاع غزّة قبل العام 2005)، مُنتهكة القانون الدولي الذي يُحظّر هذه الممارسة. وفيما اختلف المنطق الدافع لهذه السياسية إلى حدّ ما بين الحكومات على جهتَي الطيف السياسي وتفاوتت وتيرة نشاطات الاستيطان، لم يتوقّف الاستيطان ولا لحظة.

وكانت نتيجة هذا الأمر، والدافع لدى الكثير من المؤيّدين، أنّها حالت دون تأسيس دولة فلسطينية قابلة للاستمرار. ولا شكّ في أنّها نجحت في ذلك. بيد أنّ القيام بذلك لا يُلغي المسألة الفلسطينية. فطالما ليس لإسرائيل النية في منح الجنسية لملايين الفلسطينيين ولا يختفي الفلسطينيون عن وجه الأرض، سيبقون شعباً بلا دولة ولا حقوق يعيشون تحت الحكم الإسرائيلي.

نظام الحكم هذا الذي تُوزَّع فيه الحقوق والمزايا تبعاً للعرق أو الدين أو الإثنية له اسمٌ وهو “نظام الأبارتايد” أو نظام الفصل العنصري، وهو اسم إسرائيل ليست متحمّسة لاعتماده. وعرف الجميع طوال عقود أنّ هذا الأمر سيأتي نتيجة السياسة الإسرائيلية في الأراضي المحتلّة إن لم يتمّ حلّ الصراع بطريقة أو بأخرى.

تدرك إسرائيل أيضاً أنّ لإنشاء نظام حكم كهذا تداعياتٍ دبلوماسيةً، وهذا درس بيّنته جنوب أفريقيا. فطالما كانت تجري عملية دبلوماسية كان في وسعها أن تؤدّي إلى تأسيس دولة فلسطينية، باستطاعة إسرائيل إذا، بالإجمال، أن تؤجّل هذه التداعيات. (في الواقع، ما زال الكثيرون يناصرون الاستمرار بالتفاوض لغاية التفاوض لا أكثر، بغضّ النظر عن التوصّل إلى حلّ.)

لكن لم يعد الأمر كذلك.

يعطي هذا الأمر خيارَين لإسرائيل: إما في وسع الدولة إرغام الفلسطينيين على التخلّي عن مطالبهم بحقوق سياسية ومدنية و/أو دولة ذات سيادة خاصّة بهم أم تُضفي إسرائيل بكل بساطة صفة رسمية على نظام الفصل العنصري الذي تنتهجه وتتابع مسيراتها آملة أن تتخطّى الوضع العصيب.

يبدو في الوقت الراهن أنّ إسرائيل تحاول القيام بالخيارين معاً. فبالتنسيق مع إدارة ترامب، تمّ وضع “خطّة سلام” هي عبارة عن مستند يسرد شروط الاستسلام الفلسطيني. وكما هو متوقّع، رفضتها القيادة الفلسطينية، مدعومة بنسبة 94 في المئة من الفلسطينيين في الأراضي المحتلّة، جملة وتفصيلاً. وبغية كسر هذا الرفض، يتمّ الضغط بشكل هائل على المؤسّسات الفلسطينية الضعيفة أصلاً.

وبالفعل، هذا ما كان الدافع خلف عدّة مبادرات قامت بها إدارة ترامب على مدى السنوات الثلاثة الماضية، من بينها تجريد السلطة الفلسطينية من التمويل ووقف المساعدات لمفوّضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الفلسطينيين وإغلاق المكتب الدبلوماسي لمنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وغيرها.

وكما أشارت لارا فريدمان، رئيسة مؤسسة السلام في الشرق الأوسطفي بدايات فترة حكم ترامب، بدا أنّ سياسة الإدارة مُصمّمة لتعود بالزمن إلى الثمانينيات عندما كانت فكرة الدولة الفلسطينية فكرة مجهَضة منذ البداية في واشنطن. ولن يكون من المفاجئ أن نرى إدارة ترامب، ولا سيّما في حال إعادة انتخابها، تتّخذ المزيد من الإجراءات الجذرية مثل إعادة تصنيف منظمة التحرير الفلسطينية منظمة إرهابية، من أجل رفع مستوى الرهان بشكل كبير. فسبق أن اتّخذت خطوات لاستغلال مناهضة السامية كسلاح عبر القانون وقمع النقاشات الشرعية في حُرم الجامعات وتجريم نشاطات التعبير عن الرأي على غرار مقاطعة إسرائيل.

وتتماشى هذه المبادرات مع خيار إسرائيل الثاني، الذي يمكن رؤيته كجزء من استراتيجية استباقية لتفادي أيّ ردود فعل محتملة عبر الطلب من الحلفاء الدفاع عن نظام الحوكمة الذي أنشأته. لهذه الغاية، نجحت في استمالة الولايات المتحدة لتأمين دعم مع مفعول رجعي لكلّ نشاطاتها الاستيطانية في الضفّة الغربية على مدى السنوات الـ52 الماضية ودعم استباقي لما تنوي تحقيقه من خلال الضمّ الرسمي: السيطرة الدائمة على كامل الجغرافيا السياسية لما يشكّل إسرائيل وفلسطين.

ليس من الجلي إن كانت إدارات أمريكية أخرى لتشارك في معركة للدفاع عن عملية الضمّ الإسرائيلية، لكنّ إدارة ترامب مؤيّدة بشكل تامّ. وفي ما شكّل الخطوة الأكثر لفتاً حتّى الآن ربّما، يقود السفير الأمريكي ديفيد فريدمان الآن فرقة عمل مُناطة برسم الحدود البرّية المبيّنة في اقتراح ترامب لكي تسير إسرائيل قدماً في عملية الضمّ الفوري.

ويستعمل البَلدان ثقلهما وقوّتهما مجتمعَين لضمّ الدول الأخرى إلى صفهما. وينطبق ذلك إلى حدّ بعيد على الدول في العالم العربي التي هي دول حليفة تقليدياً للفلسطينيين لكن تخشى الإضرار بعلاقتها مع الولايات المتحدة. لكن ينطبق الأمر أيضاً على أوروبا حيث تُجرى حملة تخويف واسعة للحؤول دون تصرّف الدول تبعاً للقانون الدولي وسياساتها الوطنية الخاصة بما يخصّ حلّ الدولتين.

زد على ذلك التنمّر الذي يجري في المنتديات الدولية حيث أوقفت الولايات المتحدة التمويل عن الوكالات التي أقرّت بدولة فلسطينية وفرضت حظراً على التأشيرات لموظّفي المحكمة الجنائية الدولية للنظر في قضايا مرفوعة ضدّ الولايات المتحدة وإسرائيل.

القائمة السوداء التي نشرتها الأمم المتحدة هي عمومية بحدّ ذاتها، لا بل قالت مفوّضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه حتّى إنّ التقرير “لا يعطي وصفاً قانونياً للنشاطات قيد البحث أو لانخراط الشركات فيها”. لكن عند جمع هذه القائمة مع قرارات الأمم المتّحدة السابقة ومع حكمٍ صادر عن محكمة العدل الدولية في العام 2004 حول الجدار الفاصل الإسرائيلي ومع أيّ وصف مستقبلي ممكن للإجرام الإسرائيلي، تكتسب هذه القائمة أهمّية أكبر. بمعنى آخر، هذا هو السبب الذي يدفع إسرائيل والولايات المتحدة إلى الردّ بعنف. وعلى الأرجح أنّ ما جرى ليس سوى البداية.

Authors