من التغيّرات الدبلوماسية الكبيرة في الخليج إلى هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق، شهدت الساحة الجيوسياسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تبدّلات جذرية في العام 2017.
ومع دنو العام على نهايته، اجتمع خبراء بروكنجز لتشاطر توقّعاتهم إزاء ما يخبّئه العام 2018. وفي ما يلي ملخّصٌ عن وجهات نظرهم.
نهى أبو الدهب | الهجوم المضاد للثورة على جهود تونس للبحث عن الحقيقة
من المتوقّع أن تُختتم في العام 2018 أعمال هيئة الحقيقة والكرامة التونسية. ومنذ تأليف هذه الهيئة في العام 2014، حقّقت إنجازات هامّة وواجهت نكسات خطيرة. فقد استلمت أكثر من 65 ألف شكوى تصف انتهاكات حقوق الإنسان الفظيعة التي عاناها الضحايا على طول قرابة 60 عاماً. وقد شكّلت هيئة الحقيقة والكرامة منصّة عامّة أخبر الضحايا عبرها فظائع التعذيب وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان. وقد اعترف بعض المنتهكين بمشاركتهم بهذه الأعمال المريعة. وبثّ التلفزيون الرسمي هذه الشهادات المؤثرة التي أطلقت جدالاً وطنياً حول كيفية التعامل مع الماضي الأليم.
غير أنّ هيئة الحقيقة والكرامة واجهت عدداً متزايداً من التحديات، بدءاً من محاولات النُخب الحاكمة بأن تحول دون التوصّل إلى أي نوع من تصفية الحسابات حيال ماضي تونس. فقد تقدّمت قلّةٌ من المنتهكين للإدلاء بشهاداتها. ومَن قدّم شهادته إما لم يُبدِ شعوراً بالندم أم ألقى اللوم على مسؤولين كبار خطّطوا لهذه الأعمال القمعية من دون ذكر اسمهم. علاوة على ذلك، لم تتمّ محاكمة هؤلاء المنتهكين على أعمالهم.
بدلاً من ذلك، عارض الرئيس الباجي قائد السبسي وحكومته بشدّة غاية هيئة التحقيق والكرامة عبر إقرار قانون يمنح الذين ارتكبوا أعمال فساد وجرائم اقتصادية حصانة من المحاكمة. لذلك، لم تُستثنَ تونس من الهجوم المضاد للثورة الذي اجتاح باقي المنطقة.
ولا شكّ في أنّ هيئة الحقيقة والكرامة، على الرغم من هذه التحديات، شكّلت إنجازاً في إجراءات العدالة الانتقالية في تونس. لكن نظراً إلى التحديات الكبيرة التي لا تزال تواجهها، تبقى طريقة اختتام الهيئة مهمّتها في العام 2018 غير واضحة. حتّى وإن نجحت الحكومة في محاولتها التخلّصَ من الهيئة واستبعاد احتمال إجراء محاكمات، تركت الشهادات المروّعة التي أُدلي بها أثراً في تاريخ تونس سيصعب محوه.
طارق يوسف | مستقبل ليبيا سيبقى غامضاً للغاية
أفسدت فترةٌ طويلة من التقسيم السياسي والصراع العنيف والتفكّك الاقتصادي المرحلةَ الانتقالية السياسية التي تلت حكم القذّافي في ليبيا. ويعاني المواطنون العاديون الآثار الناجمة عن انعدام أمن متفاقم ومستويات معيشة متدهورة. فاتفاق الصخيرات السياسي الذي وقّع في العام 2015 برعاية الأمم المتحدة والذي هدف إلى توحيد البلاد وتثبيت اقتصاده لم يحقّق الآمال المرجوّة نتيجة المماطلة في عملية تنفيذه. وأمام الانتكاسة المحتملة للوضع في ليبيا وعودته إلى مرحلة من الغموض والصراع، يسعى المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة إلى نفح حياة جديدة في هذه الاتفاقية السياسية من خلال خطّة عمل طموحة قد تحسّن المشهد الليبي الذي يتراجع من سيّء إلى أسوأ.
لكن على عكس المرحلة السابقة لاتفاق الصخيرات، ستتقيّد جهود سلامة الحالية جرّاء البيئة السياسية الدولية المؤثّرة في ليبيا. إذ لم يعد باستطاعة سلامة الاعتماد على دعم المجتمع الدولي الملتزم (أي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا) الذي استثمر كثيراً في العملية، وغالباً ما صدر عنه تصرّفات وأقوال موحّدة بين العامين 2014 و2016.
وفي الوضع الراهن، تبقى احتمالات تجديد التزام الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب ضئيلة، فيما تنهمك المملكة المتحدة بمسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتنشغل البلدان الأوروبية البارزة الأخرى إمّا بالتنافس على كسب النفوذ أم بالتركيز على لجم النزوح غير المشروع من ليبيا. في غضون ذلك، لا يبدو أنّ الدول العربية المجاورة لليبيا ملتزمة أكثر من غيرها بإطار عمل الأمم المتحدة، بعد أن وقفت بشكل عام على الحياد بعد العام 2015 عبر عدم تدخّلها لتقويض الاتفاقية السياسية.
ومع انقسام المجتمع وشعوره بعدم الأمان، سيصدر عن المفسدين العسكريين والسياسيين المحليين تصرّفات أجرأ وأقلّ تقيّداً. بالتالي، سيصعب الوصول إلى إجماع سياسي، وسيواجه تنفيذ أي اتفاقية سياسية جديدة مجموعة من العقبات. وفي هذه الظروف، سيبقى المشهد الليبي في العام 2018 في مرحلة من الغموض الشديد.
لويس بينتو | وعود صريحة: هل تستطيع المملكة العربية السعودية أن تحوّل كلامها بشأن الإصلاحات الاقتصادية إلى واقع ملموس؟
المملكة العربية السعودية دولة غنية، إذ يملك القطاع العام العريض صافي أصول مالية توازي 705,9 مليار دولار أمريكي أو 104 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. غير أنّ السعودية تقف على مشارف لحظة تاريخية جدّاً ستضطر في خلالها القيادةُ السعودية إلى التعامل مع ضغوطات سكانية كبيرة وإصلاحات اقتصادية جذرية وإعادة تصميم لهيكلية السلطة في ظلّ حروب متعدّدة بالوكالة وصراعات إقليمية شديدة مع إيران. وعند أخذ هذه التحديات بعين الاعتبار، لا يعود وضع الحكومة المالي يدعو إلى الطمأنينة، ولا سيما أنّ المملكة تعاني منذ يناير 2015 عجزاً مالياً بقيمة 213,2 مليار دولار أمريكي وعجزاً في حسابها الجاري يبلغ 76,6 مليار دولار أمريكي. وفي خلال الأشهر الأربعة والثلاثين الأخيرة، خسرت المملكة العربية السعودية 241,1 مليار دولار أمريكي من احتياطي النقد الأجنبي الرسمي لديها و84,9 مليار دولار أمريكي من صافي أصولها المالية.
والعائلة الحاكمة كبيرة جداً ينقصها التماسك الداخلي الذي نجده في بعضٍ من دول الخليج الأخرى. هذا يعني أنّ سيطرة الملك سلمان وولي عهده الشاب محدودة على الأمراء السعوديين ومؤسّسات الأعمال السعودية، ممّا يزيد من تكاليف عمل الدولة ويولّد المزيد من الأحداث السياسية غير المؤاتية. والواقع أنّ الحاجة إلى التحرّك بسرعة والقيام بإصلاحات عميقة بتكاليف سياسية واقتصادية أقلّ يفسّر جزئياً عمليات مكافحة الفساد والتطهير السياسي التي بدأت في 4 نوفمبر 2017 حين أُلقي القبض على عشرات من كبار الأمراء ومئات من رجال الأعمال الرفيعي المستوى والمسؤولين الحكوميين.
لقد أرسلت التغييرات السياسية السعودية حتّى الآن إشارات متضاربة إلى الأسواق (استعداد أكبر للإصلاح، لكن إمكانية توقّع أقلّ وعدد أقلّ من الجهات القادرة على نقض القرارات من أجل فرض توازن يقابل السلطة المطلقة). من جهة، لا يمكن استبعاد الاحتمال بحدوث صدمة مالية في حال بروز اضطرابات في المستقبل. ومن جهة أخرى، تسرّع السعودية من عملية التحويل في هيكليتها الاقتصادية. وسيشكّل العام 2018 محطّة مفصلية لتحديد ما إذا كان حريّاً بالمستثمرين الدوليين أن يتّخذوا موقفاً متفائلاً أو متشائماً إزاء المملكة العربية السعودية، وما إذا ستتمكّن القيادة السعودية من تحويل كلامها إلى أمر واقع بشأن الإصلاحات الاقتصادية الضرورية.
نادر قباني | سوريا على مفترق طرق: القرارات المأخوذة في العام 2018 ستحدّد مستقبل البلاد والمنطقة
لقد ألحق الصراع السوري أضراراً جسيمة بالمجتمع والاقتصاد والمشهد السياسي فيها. فقد قُتل حوالي 500 ألف شخص، وهاجر أكثر من نصف السكان أو تشرّد. واليوم، بعد قرابة ست سنوات، رجحت كفّة الميزان في الصراع لصالح النظام، إذ استعاد السيطرة على معظم أرجاء البلاد. وقد بدأ جهود إعادة الإعمار وهو يشجّع الشركات لتفتح أبوابها في سوريا من جديد. لكن مع دخول البلاد مرحلةً جديدة من الاستقرار وإعادة الإعمار، تقف مسائل كثيرة على المحكّ.
فداخلياً، يواجه النظام مقاومة كبيرة من قاعدته. فبغية التحكّم بالصراع، تخلّى النظام في البداية عن جزء كبير من سلطته إلى السلطات المحليّة التي استفادت إلى حدّ كبير من اقتصاد الحرب. ويسعى النظام الآن إلى إعادة السلطة إلى المركز، فيما تحاول السلطات المحليّة الإبقاء على المزايا والاستقلالية التي مُنحت لها. وسيحدّد المدى الذي إليه يتمكّن النظام من إعادة فرض السلطة المركزية الدرجة التي إليها يمكنه فرض الاستقرار في الدولة وجذب الاستثمار والتمويل لجهود إعادة الإعمار.
أمّا من جهة الحكومات والمؤسّسات الغربية، فهي تنفر من استعادة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع النظام السوري. ويدعو عددٌ من المحلّلين إلى عدم دعم جهود سوريا بإعادة الإعمار، لكنّ لعدم الانخراط بهذه الجهود ثمناً. فقد يحدّ ذلك دورَ الغرب في مساعدة المؤسسات السورية التي أضعفها الصراع على إعادة الإعمار ويعيق قدرتَه على التأثير في خيارات النظام المتعلّقة مثلاً بالشروط التي بموجبها قد يتمكّن الملايين من اللاجئين في لبنان والأردن المجاورَين من العودة إلى سوريا. بالتالي، لعدم المشاركة تبِعات خطرة على استقرار البلاد والدول المجاورة على المدى الطويل.
وستحدّد القرارات التي يتّخذها النظامُ وحلفاؤه، فضلاً عن المجموعات المعارضة والمؤسّسات الغربية في العام 2018، مسارَ تطوير سوريا في مرحلة ما بعد الصراع. فالقرارات التي اتُّخذت في بداية الأزمة في العام 2011 أغرقت البلاد في صراع مدمّر دام ستّة أعوام. لذلك، لن تقلّ قرارات العام 2018 شأناً عنها.
عادل عبدالغفار | 2018: انتعاش الاقتصاد وتجديد الصفقة السلطوية في مصر؟
شهدت مصر منذ العام 2011 نمواً بطيئاً في إجمالي ناتجها المحلّي بلغ متوسّطه نسبة 2في المئة. ويعود السبب في الأساس إلى عدم الاستقرار السياسي. غير أنّ العام 2018 يحمل معه سبباً يدعو إلى التفاؤل الحذر. فقد رفع تعويم الجنيه المصري قيداً كبيراً عن سيولة العملات الأجنبية وضبط السوق السوداء للعملات. وقد ساعدت الإصلاحات المالية على السيطرة على المالية العامة. أخيراً، من المحتمل أن التطوير المسرّع لاحتياطي الغاز في مصر سيحسّن من عجز الدولة التجاري ويوفّر مخزون طاقة محلياً للسنوات العشر القادمة، ويمهّد الطريق في الوقت عينه أمام بروز سوق تصدير مربح في المستقبل. وقد سبق أن بدأ حقل غاز ظهر الكبير مثلاً بالإنتاج.
بيد أن هذا الانتعاش لا يأتي من دون تحدياته. ففيما أعاد تعويم الجنيه المصري بالفعل بعضاً من الاستثمارات الأجنبية وزاد من تنافسية الصادرات، خسرت العملة أيضاً أكثر من نصف قيمتها. وقد رفع هذا الوضع بشدّة من كلفة المعيشة مع بلوغ أسعار النفط والغذاء والخدمات العامة مستويات لم يسبق لها مثيل، مضيّقاً الخناق ليس على أكثر شرائح المجتمع فقراً فحسب بل على الطبقة المصرية الوسطى أيضاً التي بدأت تشعر بضغط إصلاحات الرئيس عبد الفتّاح السيسي الاقتصادية. في الواقع، تضاءلت شعبية الرئيس منذ العام 2014 على ضوء التحديات الاقتصادية والأمنية المتزايدة.
على الرغم من ذلك، لا يزال من المتوقّع أن يفوز السيسي بالانتخابات الرئاسية للعام 2018. وفي حال خفّف الانتعاش المتوقّع من الضغوط على السكّان عبر زيادة تكوين فرص العمل والنموّ الشامل، على الأرجح أن تتراجع الرغبة في إحداث تغيير سياسي في مصر ويجدّد السيسي صفقته الاستبدادية مع الشعب. لكن في حال لم يحسّن الانتعاش معيشة الشعب، سيفاقم القمع الزائد وتكاليف المعيشة المتعاظمة والحالة الأمنية المتدهورة استياءَ الشعب من السيسي وتجعل ولايته الثانية أصعب بكثير من ولايته الأولى.
ميا سوارت | هل سنشهد انتفاضة ثالثة في العام 2018؟
إن كان من مسألة بمقدورها أن تتسبّب بقيام انتفاضة، فهي مسألة وضع القدس. ففي 6 ديسمبر اعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمةً لإسرائيل وأعلن أن السفارة الأمريكية ستُنقل من تل أبيب إلى القدس. وقد أدّى هذا القرار إلى قيام احتجاجات فورية في فلسطين وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
غير أنّه حتّى اليوم لم تتفاقم التقلّبات الواسعة النطاق لتصبح انتفاضة فلسطينية ثالثة. ومن المستبعد أن تتصاعد الاحتجاجات الحالية في فلسطين لتصبح مستمرّة وعنيفة على غرار تلك التي برزت في العامين 1987 و2000 والتي دامت كلّ منها من ثلاث إلى خمس سنوات. وأسباب ذلك واضحةٌ بما فيه الكفاية: الخوف من الخسائر البشرية الشديدة التي شهدتها الانتفاضتان السابقتان، والشعور الجماعي السائد بأنّ “الوضع لا يتغيّر أبداً”، وقلّة التعبئة العسكرية، (ولا سيّما) غياب الإرادة والتعبئة السياسيتين الكافيتين لدى السلطة الفلسطينية.
وتفتقر السلطة الفلسطينية إلى الالتزام بالمُثل الفلسطينية التي تميّزت بها قيادة ياسر عرفات. ومع تسلّم محمود عبّاس القيادة من بعده، يبدو أنّ ردّ فعل الفلسطينيين سينقصه الحماس الذي اتّسم به في السابق. وعلى الأرجح أن يبقى سلوك السلطة الفلسطينية وأداؤها في العام 2018 خاليَين من الاندفاع والمبادئ إزاء المسائل المتعلّقة بشكل مباشر بوضع الدولة الفلسطينية. والمواضيع التي تقع على المحكّ كثيرة: فقد يصمد تنفيذ اتفاق المصالحة الذي أُبرم في القاهرة في 12 أكتوبر أو يسقط أمام مسألة القدس. ومع أنّ السنوات العشرة الماضية منحت المراقبين شكوكاً في اتفاقات المصالحة بين فتح وحماس، قد يعزّز إعلان ترامب المصالحة بين المجموعتين.
علي فتح الله نجاد | استمرار الاتفاق النووي وتحديات إيران الخارجية والداخلية
سيشكّل العام 2018 محطّة مهمّة لتحديد استمرارية الاتفاق النووي الإيراني. فعلى الأرجح أن يلغي ترامب مصادقة الولايات المتحدة مجدداً على خطّة العمل الشاملة المشتركة في منتصف شهر يناير وأن يصل إلى حدّ إنهاء عملية تخفيف العقوبات القائمة. وعلى الرغم من مصلحة الاتحاد الأوروبي في الإبقاء على الاتفاق، قد تشكّل تصرفات ترامب عبئاً كبيراً يعيق جهود الاتحاد. بالتالي، سيواجه الاتفاق النووي تهديد الزوال.
ومع أنّ الاتفاق أدّى دوراً مهمّاً في احتواء هواجس الانتشار النووي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المتقلقلة جداً، فلن يستمرّ من دون معالجة هواجس تتعلّق بسياسات إيران الإقليمية الأوسع التي تتخطّى مسألة الملفّ النووي. لهذه الغاية، ينبغي على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يضعا حداً لميولهما إلى إظهار إيران بصورة الشرّ أو الخير التي يبديانها تباعاً وأن يقدّما استراتيجية مشتركة للتعامل مع هذا البلد. وعلى الاتحاد الأوروبي أن يستعين بمكانته السياسية والاقتصادية في إيران كنفوذ.
غير أنّ الاتفاق ليس المسألة الوحيدة التي تتعرّض للتهديد. فلا تزال الطريقة التي ستتمكّن طهران عبرها من إدارة حضورها الممدّد جداً في المنطقة غير واضحة. وفي المقام الأوّل، ستشكّل المعركة حول الأرض التي انسحب منها تنظيم داعش موضوعاً حسّاساً جداً، إذ تلوح في الأفق مواجهة عسكرية مباشرة بين القوى المدعومة من طهران من جهة وتلك المدعومة من واشنطن من جهة أخرى، ولا سيّما في سوريا. وتزيد من تعقيد المسألة السورية خلافاتٌ بين إيران وروسيا من المرجّح أن تظهر في العام 2018 أيضاً.
أما على الصعيد المحلّي، فلم تطَل الإصلاحات الاقتصادية بعد إبرام الاتفاق النووي أكثريةَ الشعب الإيراني الذي لا يزال يعيش في ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة ويتعرّض لقمع سياسي. وعلى الأرجح أنّ موجة مظاهرات الطلاب والعمّال الأخيرة لن تكون سوى بداية لما سيأتي لاحقاً.
رانج علاء الدين | هل تبرز الدولة العربية القُطرية من جديد؟
سيشهد العام 2018 بروز الدولة القُطرية العربية من جديد. فمنذ العام 2011، أدّى تراجع الدولة العربية إلى إخلال ميزان القوى ضدّ النُخب السياسية والعسكرية لصالح الجهات الفاعلة المسلّحة من غير الدول التي ظهرت لتصبح صاحبة السلطة المهيمنة. وبلغ هذا الوضع ذروته في العام 2014 حينما أعلن تنظيم داعش انتهاء نظام الدولة القومية الذي أُنشئ منذ قرن على أنقاض الإمبراطورية العثمانية، فأطاحت هذه القوة غير المنظّمة بمفهوم الحدود السورية العراقية الذي اعتُبر سابقاً مسألة لا يُمسّ بها. وفي خلال الفترة عينها، أسّست الميليشيات الشيعية في العراق تنظيم قوّات الحشد الشعبي الذي ضمّ 100 ألف مقاتل. وملأت هذه القوّات الفراغَ الذي خلّفه انهيار الجيش العسكري الخاضع لتدريبٍ أمريكي بعد سيطرة تنظيم داعش على الموصل في يونيو 2014.
وستعيد الدولة القُطرية العربية تثبيت وجودها من جديد في العام 2018، ويُعزى ذلك بجزء كبير منه إلى عدم رغبة النظام الدولي في أن يمنح السيادة إلى جهات طامحة بالتحوّل إلى دول (مثل الأكراد) أو يغيّر دينامية السيادة الداخلية، كما تبيّن للمجموعات المعارِضة للأسد. فالطريق المرسومة للسير قدماً محدودة ضمن إطار الدول القائمة. وتفتقر القوى الخارجية إلى الطاقة والإبداع والقدرة على تعديل ميزان القوى المحلّي في بلدان إمّا تتقيّد فيها خياراتها (كما في ليبيا واليمن) أم أفضت التدخّلات فيها إلى نتائج محدودة ومكلفة (كما في العراق وسوريا).
وقد يبقى الوضع العتيد كئيباً. إذ لا تبدو واضحةً معالمُ الدولة التي ستبرز في دول العالم العربي المضرجة بالدماء، ولا سيّما مع تزايد حدّة الصراع بين المملكة العربية السعودية وإيران للسيطرة على النظام الإقليمي الذي يبرز من بين أنقاض الصراع. ومع أنّ الاستعانة بجهات وكيلة لا تخضع للمساءلة ولا تتقيّد بقوانين النظام الدولي ومعاييره لفرض الأمن شكّلت سابقاً الاستثناء، بات الاعتماد عليها اليوم قاعدةً. وتبرز هذه الخلافات حول الدولة في ساحات عسكرية شهدت تغييرات جذرية.
بيفرلي ميلتون-إدواردز | الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في العام 2018: ثبات الصراع
قال بنجامين فرانكلين إنّ في الحياة أمرَين ثابتين: الموت والضرائب. لعلّنا نضيف أمراً ثالثاً إليهما: الصراعات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. إذ تعاني المنطقة مرحلتها الأكثر عنفاً في ماضيها القريب. فقد ترك استمرار الصراعات القديمة وبروز صراعات جديدة موازينَ القوى في المنطقة في حالة خطرة، فيما تستمرّ العداوات بين بلدان مثل إيران ودول الخليج بتغيير معالم المنطقة.
وعلى الأرجح أن ينطبع العام 2018 بالمزيدُ من الصراعات والحروب بالوكالة، ولا سيّما في الأراضي الضعيفة مثل اليمن. فالصراع في اليمن أزمةٌ إنسانية من صنع الإنسان سبّبت للملايين من اليمنيين المجاعة بسبب حصار يمنع دخول الإعانات الخارجية فرضه التحالف بقيادة السعودية. في غضون ذلك، دمّرت الصراعات في أنحاء أخرى من المنطقة حياة ملايين آخرين، فأجبرتهم على مغادرة منازلهم وترك وظائفهم، وحوّلتهم إلى عبءٍ منهك على الدول المضيفة للاجئين مثل لبنان والأردن. ومن المستبعد أن يتغيّر هذا الوضع في العام 2018.
ومع استمرار الصراع، ستستمرّ بدورها المجموعاتُ المسلّحة العنيفة التي تستغلّ المجتمع وتدمرّه، تاركةً المنطقة في حالة من الغموض. أما الذين يشعرون بالأمل في المنطقة بأنّ الجهود السلمية لحلّ الصراعات، مثل الدبلوماسية والمفاوضات، ستنتصر فقلّة قليلة. بدلاً من ذلك، تواجه المنطقة أمراً أكيداً ألا وهو أنّ حياة الملايين من الناس ستبقى عرضة للخطر في العام 2018.
كديرا بثياغودا | فرصٌ جديدة لتزايد النفوذ الصيني في العام 2018؟
تميّزت قيادة الرئيس شي جين بينغ بطموحاتها الهادفة إلى تحويل الجبروت الاقتصادي الصيني إلى عظمة عالمية. لذلك، عملت الصين في السنوات الأخيرة على زيادة علاقاتها الاقتصادية والاستراتيجية مع بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من الناحيتَين النسبية والمطلقة. وفي العام 2018، سيستمرّ هذا النهج مع سعي بكين، ولو بحذر، إلى الحصول على دور أكبر في القيادة الدبلوماسية والسياسية في المنطقة.
ويعود السبب في ذلك جزئياً إلى دور الولايات المتحدة المتحوّل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فبعد فترة الحرب الباردة الأحادية القطب، حاولت الولايات المتحدة أن تُظهر نفسها على أنها قوّة جبّارة وخيّرة في الوقت ذاته. وبغضّ النظر عن مدى تأثّر الشعوب في المنطقة في هذه الصورة، فقد أبقت هذه الصورة على نوع من التوازن.
غير أنّ قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل كشف النقاب عن تخلٍّ واضح عن هذه الاستراتيجية. وقد لاقى القرار انتقاداً دولياً، متسبباً بفراغ قيادي أسفر عنه بروز جهاتٍ فاعلة قوية وجديدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تُعدّ أكثر حيادية، على غرار الصين. ومن غير المفاجئ أنّ بكين استغلّت الفرصة ودعت إلى قيام دولة فلسطينية على أساس حدود العام 1967 تكون القدس الشرقية عاصمتها.
وقد عزّزت تطوّرات أخرى في العام 2017 ثقة الصين بقدرتها على تحدّي القيادة الغربية. فقد أدّى مثلاً فشلُ الثوار المدعومين من الغرب في الإطاحة بحكومة بشّار الأسد السورية المدعومة من روسيا إلى زعزعة النفوذ الغربي في المنطقة. وقد يحفّز أيضاً انقسامٌ نشأ في مجلس التعاون الخليجي بلدانَ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على إعادة تقييم علاقاتها الاستراتيجية، ممّا يمنح بكين فرصاً أكبر لبناء علاقات مع قطر وسلطنة عُمان وغيرها من الدول. وتجري كلّ هذه التطوّرات في ظلّ مبادرة الحزام والطريق الصينية التي تعمل بكين بموجبها على بناء شبكة مشاريع ثنائية الهدف تمرّ عبر بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
Commentary
Op-edالشرق الأوسط وشمال أفريقيا في العام 2018: تحديات وتهديدات وفرص
الخميس، 21 ديسمبر 2017