Commentary

ترامب يعمل بعكس ما يلزم في فلسطين

White House senior adviser Jared Kushner and Treasury Secretary Steven Mnuchin arrive at Manama's Four Seasons hotel, the venue for the U.S.-hosted "Peace to Prosperity" conference, in Manama, Bahrain, June 25, 2019.  REUTERS/Matt Spetalnick - RC12ABEFD000
Editor's note:

مقاربة ترامب المعاكسة للمنطق تجاه الفلسطينيين قلبت مبادئ الحريّة رأساً على عقب. ولطالما اتّفق الحزبان الجمهوري والديمقراطي الأمريكيان على أنّه ينبغي على الولايات المتحدة أن تعمل على حلّ دولتين حقيقي يمكن أن تعيش بموجبه الدولتان المستقلتان الفلسطينية والإسرائيلية جنباً إلى جنب. نُشرت هذه المقالة بدايةً في مجلّة “The Hill”، وهذه ترجمة للنسخة الأصلية.

بعد طول انتظار، نشر فريق ترامب بقيادة جاريد كوشنر خطّته لكيفية تنمية الاقتصاد الفلسطيني، وتقام ورشة عمل برّاقة متلألئة يومَي الثلاثاء والأربعاء في البحرين لهذا الخصوص.

وبصفتي مسؤول الحكومة الأمريكية الذي كان مسؤولاً من العام 2013 حتى العام 2017 عن رعاية المبادرة الاقتصادية التي طرحها جون كيري للشعب الفلسطيني، ارتأيت أن أعطي انطباعاتي: 

أولاً، وبشكل لافت، عوضاً عن وضع هذه الخطة بالتعاون مع الفلسطينيين، قرّر ترامب وكوشنر طرح هذه الخطة بعد قضاء 18 شهراً أهانا فيها الشعب الفلسطيني بشدّة. نتيجة لذلك، رفضت القيادة الفلسطينية حضور الاجتماع.

وقد أهان ترامب الفلسطينيين وأضرّ بهم من خلال:

  • وقف المساعدات الأمريكية للضفّة الغربية وغزّة
  • وقف المساعدات لمئات الآلاف من العائلات اللاجئة
  • أغلاق المكتب السياسي الفلسطيني في واشنطن
  • إغلاق القنصلية الأمريكية التي مرّت 175 سنة على إنشائها في وجه الفلسطينيين في القدس وضمّها إلى السفارة الأمريكية في إسرائيل.

والأسوأ أنّ ترامب قرّر بشكل لافت أن يطرح هذه الخطّة قبل طرح رؤية سياسية أساسية للفلسطينيين. فالعمل على خطة سلام (اقتصاد) قبل العمل على حلول للحرّية والسيادة خطأ فادح لمقاربة ترامب/كوشنر.

والشعرة التي تقصف ظهر البعير هي أنّ كلّ ذلك يجري في الوقت الذي أصبحت فيه التوتّرات الأمريكية الإيرانية في أوجّها منذ سنوات، وذلك من خلال إقامة فعالية في دولة البحرين المجاورة لإيران، وهي بلد تصنّفه منظّمة “فريدم هاوس” “واحدة من أكثر الدول قمعاً في الشرق الأوسط”، ويقع بعد الضفة الغربية في ترتيب الحرّية وفي المستوى ذاته كقطاع غزّة الخاضع لسيطرة حماس ولحصار إسرائيلي.

وليست القيادة الفلسطينية وحدها الطرف الذي لن يشارك في الفعالية، بل بسبب تغيّبها، لن تحضر الحكومة الإسرائيلية أيضاً. زد على ذلك أنّ بعضاً من أهمّ المشاركين الدوليين الذي سيحضرون الاجتماع أعربوا سرّاً عن شكوكهم الكبيرة في الأمر.

للوهلة الأولى، تبدو خطّة ترامب بحدّ ذاتها ذكية ومنطقية ومُصاغة بشكل جيّد جداً. وهي ترتكز بالإجمال على العمل الممتاز الذي قام به البنك الدولي واللجنة الرباعية وغيرهما.

وتقترح الخطّة مجموعة من الاستثمارات في الاقتصاد الفلسطيني، مثل المشروع الأساسي الذي يربط بين قطاع غزّة والضفّة الغربية والذي تبلغ كلفته عدّة مليارات من الدولارات ومليارات الدولارات لقطاَعي الطاقة الكهربائية والمياه. وهي تقرّ بأن مشروع كهذا لا يمكنه أن يتحّقق إلا “بعد اتفاقية سلام”.

هذه أمور ذكية كلها لتطبيقها في اقتصاد بلد عادي. لكنّ الشعب الفلسطيني لا يعيش في بلد عادي أو وضع طبيعي. فلعقود عاش الفلسطينيون بوهن وضعف في مناطق شبه مستقلة تخضع فيها حياتهم بخنوع للأسف للحاجات الإسرائيلية.

ولو بنى فريق ترامب أولاً علاقة قوية مع الشعب والقيادة الفلسطينيَّين وعمِل بالتشارك معهم لتحديد حاجاتهم ثمّ ناقش هذه الأفكار بالترافق مع أجندة عادلة لحرّية حقيقية للشعب الفلسطيني، لكانت الأمور مختلفة تماماً.

بيد أنّ مقاربة ترامب المعاكسة للمنطق قلبت مبادئ الحرية رأساً على عقب. فنحن نسلّم جدلاً أنّ احتجاجات حفلة شاي بوسطن في الولايات المتحدة كان لها جوهرٌ اقتصادي لكنها ساهمت في الوصول إلى إعلان الاستقلال، وليس السبب مؤتمراً بريطانياً حول الاقتصاد الأمريكي. كان ذلك سيكون سخيفاً للغاية.

وينتاب الشعب الفلسطيني الشعور نفسه. وأنا أعرف عمّا أتحدّث لأننا سمعنا منهم مراراً وتكراراً أنّ أولى أولياهم هي الحرّية، وليس الازدهار.

وكانوا سعيدين للغاية للعمل مع مبادرة كيري للاقتصاد الفلسطيني. وأقمنا عدداً لا يحصى من الاجتماعات العالية المستوى حول الاقتصاد الفلسطيني. فأقمنا اجتماعات في براغ وواشنطن والأردن وأقمنا اجتماعات مع غرفة التجارة الأمريكية والكثير غيرها. إنها دبلوماسية واضحة المعالم.

لكن بسبب جهود قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو طوال عقود لتعزيز نمو الاقتصاد الفلسطيني قبل الحرّية (وربّما عوضاً عنها)، يرفض الفلسطينيون أيّ مقاربة تبدو لهم أنّها شبيهة بمقاربة نتنياهو. واحتضان ترامب الكبير لنتنياهو الذي احتضن مقاربات اليمين المتطرّف يزيد الطين بلّة.

ويتساوى عدد اليهود والفلسطينيين تقريباً في الأراضي المقدّسة. بالتالي، لن تقبل إحدى المجموعتين أن ترضخ لسيطرة الأخرى. لكن ليس للفلسطينيين سوى سيطرة أمنية جزئية على 5 في المئة فقط من الأرض وبعض السيطرة الإدارية على 5 في المئة أخرى، فيما تسيطر إسرائيل على التسعين في المئة الباقية.

في غضون ذلك، يتخطّى الناتج المحلّي الإجمالي للفرد الواحد في إسرائيل الأربعين ألف دولار، أي أعلى من المستوى المسجّل في فرنسا أو اليابان، فيما ينخفض هذا الرقم إلى ما دون الألفي دولار في السنة في غزّة وإلى حوالي 4 آلاف دولار في السنة في الضفّة الغربية. 

وعند الحديث عن التباين في الدخل في الولايات المتحدة، لكلّ ألف دولار للفرد للأفريقيين الأمريكيين تقابلها 1693 دولاراً لبيض البشرة. في المقابل، لكلّ ألف دولار لشخص في غزّة تقابلها 20 ألف دولار لشخص إسرائيلي. لذا ينبغي أن يكون جلياً للجميع أنّ هذا الأمر ليس مستداماً.

وفيما تبيّن المؤشرات الاقتصادية هذا التباين، تبقى الحرية جوهر المشكلة. فللمواطنين الإسرائيليين حرّية فيما يواجه الفلسطينيون قيوداً على قدرة تنقّلهم وعلى الاستيراد والتصدير وحتّى على تنقّلهم داخل قطاع غزة والضفة الغربية وبينهما.

ومع أنّ التخفيف من القيود الإسرائيلية على الفلسطينيين أمر حسن بلا شكّ، وكان ذلك أمراً حاولت إدارة أوباما بلوغه، سيكون القيام بهذا التخفيف تحت سيطرة إسرائيلية إجراء منقوصاً ليس إلا. ولهذا حاولنا الوصول إلى حرّية اقتصادية للشعب الفلسطيني يداً بيد مع حلّ الدولتين السياسي.

ولهذا السبب لطالما اتّفق الحزبان الجمهوري والديمقراطي على أنّه ينبغي على الولايات المتحدة أن تصل إلى حلّ دولتين حقيقي يمكن أن تعيش بموجبه الدولتان المستقلتان الفلسطينية والإسرائيلية جنباً إلى جنب. وحتّى حليف ترامب العضو في مجلس الشيوخ لندزي غراهام (جمهوري، ولاية كارولينا الجنوبية) عبّر عن رأيه بصراحة.

والحقيقة المرّة أنّه لو أراد ترامب فعلاً أن يلبّي حاجة لتحسين حياة الشعب الفلسطيني، لَما كان على فريقه سوى النظر إلى الوجوه المبتسمة لصورة فتيات فلسطينيات في الصفحة الثانية من خطّتهم. فهذه الفتيات يرتدن مدرسة تديرها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) التي يصدف أنها تستضيف مؤتمر إعلان التبرّعات في اليوم ذاته في نيويورك. لكنّ عناصر فريق ترامب لن يحضروا لأنهم تخلّوا عن الالتزام المالي الأمريكي العريق بالأونروا التي تساهم على الأرجح في تعزيز أسس السلام والازدهار، أي التعليم والرعاية الصحية للفتيان والفتيات الفلسطينيين، أكثر مما ستفعله خطة ترامب يوماً.

والسبيل الوحيد للخروج من هذه البلبلة على المدى المتوسط هو إذا قدّم فريق ترامب-كوشنر رؤية عادلة وعملية تولِي حرية الفلسطينيين أهمية. عندئذ قد يسمح الشعب الفلسطيني لقيادته بالتعاطي مجدداً مع ترامب. وعندئذ ربما يمكن استئناف الاستثمارات الأمريكية في حياة الفلسطينيين.

في ما خلا ذلك، سنحتاج إلى الانتظار ليدلي الأمريكيون بصوتهم في نوفمبر 2020 لانتخاب رئيس جديد يمكنه أن يقرّر أن يعكس معظم الضرر، وأن يرسم مساراً جديداً نشيطاً للسلام الفلسطيني الإسرائيلي بالارتكاز على جرعات متبادلة من السلام والكرامة والازدهار والأمن. 

Authors