Commentary

ترامب والجنرالات

Republican presidential nominee Donald Trump (L) speaks along side retired U.S. Army Lieutenant General Mike Flynn during a campaign town hall meeting in Virginia Beach, Virginia, U.S., September 6, 2016. REUTERS/Mike Segar - RTX2OE5F

 

خلال العام 2016، أطلق دونالد ترامب العديد من التعليقات الاستفزازية بشأن الاستراتيجية العسكرية الأمريكية الأخيرة، وكذلك بشأن مسألة أخرى ذات الصلة تتعلق بنوعية المشورة العسكرية التي قدمها كبار القادة العسكريين إلى الرئيس أوباما. وفي الآونة الأخيرة، كما حصل في المنتدى الذي استضفته شبكة أن بي سي حول سياسات الأمن القومي في 7 سبتمبر، قال إن أوباما “حطّم” جنرالاته – بما معناه ضمنياً أن أوباما لم يتجاهل نصائحهم فحسب، بل أيضاً ولكن أضعف بشكل أساسي قدرتهم على توفير النصح بقوة وبصدق. ما الذي يمكن أن نفهمه من هذه التعليقات؟

معالجة بعض الأمور

أولاً، يمكن نبذ بعض تعليقات ترامب بسرعة. إنّ انتقاداته لقادة حديثين مضللة بشدة، عندما ينظر المرء إلى التقدير الكبير الذي يتلقاه قادة مثل ديف بيتريوس وستان ماكريستال وجون ألين. صحيحٌ أنّ أوباما لم يخلق هؤلاء القادة، إلا أنه عمل معهم، وعيّن بعضاً منهم في أكبر مهامهم.

كما وأنّ قول ترامب بأنه لا يمكنه وصف استراتيجيته لمحاربة داعش الأن، ولكنه سيكلّف فريقاً من مستشاريه العسكريين لوضع استراتيجية في غضون 30 يوماً من استلامه الحكم، هو رهان. أنا أعرف بعض مستشاري ترامب هؤلاء. بعضهم موهوبٌ بالفعل، ولكنهم شاركوا أيضاً في كثير من الأحيان في محاولات سابقة لإيجاد الحل الذهبي من أجل القضاء على داعش. رغم أنه ليس خطأهم، إلا أنّ هذه الاستراتيجية بعيدة المنال، وسوف تستمر في إثبات أنها بعيدة المنال.

كما وأني أعتقد أنّ هيلاري كلينتون على حق عندما تقول إن خطاب ترامب المعادي للمسلمين سيعوّق الجهود التي نبذلها على النطاق الأوسع ضد التطرف الإسلامي، من خلال خلق عداوة مع الحلفاء الرئيسيين في العالم الإسلامي الأوسع وتوفير مادة دسمة من شأن داعش والقاعدة أن تستخدمانها في جهود التجنيد (ملاحظة: أنا مستشار لحملة كلينتون).

أوباما وكبار ضباط الجيش

‎ولكن لنعود إلى مفهوم “تحطيم” الجنرالات (وعلى ما يبدو الأميرالات، كالرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة الأمريكية مايك مولن وقائد قوات حلف الناتو جيمس ستافريديس، من دون أن ننسى الأميرال هاري هاريس القائد الحالي للقوات الأمريكية في منطقة المحيط الهادي). نجد أنّ ترامب مخطئ أيضاً – ولكن على الأقل يستحق الموضوع المزيد من النقاش.

‎أولاً، لقد عزل أوباما بعض القادة الكبار. بطريقة أو بأخرى، لم يُطلب من الجنرال بتريوس والجنرال ماكريستال الاستقالة أو لم يتم إنهاء خدماتهم أبكر من المتوقع، بل طلب ذلك أيضاً من الجنرال جيمس ماتيس والجنرال مايكل فلين. ولا يشكل الأخير مشكلة كالأول طبعاً. في ما يتعلق بالاستقالات و/أو الطرد، أرى أنه كان بالإمكان الإبقاء على بتريوس وماكريستال في منصبيهما بعد الخطأين اللذين ارتكباهما. ولكن رداً على ترامب، أراني ضمن الأقلية الواضحة التي تؤيد هذا الرأي من بين أي مجموعة أخرى تقريباً تناقشت معها أو قرأت عن الموضوع – أديمقراطية كانت أم جمهورية، أو مؤيدة لأوباما أو بتريوس أم غير مؤيدة لهما، (مما لا شك فيه أنّ المعجبين بهؤلاء الأمريكيين الأخيار هم أكثر من منتقديهم، إلا أن الفئتين موجودتان).

 

بالتالي، في حال قصد ترامب أن أوباما كان مستبداً في كيفية تعامله مع قرارات القيادة العسكرية، فهو مخطئ. ما من نمط فاضح هنا بشكلٍ خاص أو غير اعتادي بشكلٍ خاص. وللتذكير على سبيل المثال، اختار الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب عدم التجديد للجنرال بيتر بايس كرئيس لهيئة الأركان المشتركة، وأقال قائد القوات الجوية، وطرد قائد القوات المركزية ورقى دفيد بتريوس ليقود القوات في العراق في الوقت الذي بدا جنرالات آخرون أنهم كانوا أكثر أحقية لهذه المهمة من حيث الأقدمية.

هل كان يسمع؟

ثم نجد أنفسنا أمام مسألة ما إذا كانت النصيحة العسكرية مناسبة وما إذا تلقاها الرئيس بطريقة مهنية. وهنا أيضاً ثمة مادة قيّمة لا بدّ من مناقشتها. تناولت بعض القرارات الكبيرة خلال فترة أوباما موعد مغادرة العراق، وما إذا كان لا بدّ من إرسال الجنود إلى أفغانستان وعددها وفترة بقائها هناك، وكيفية مواجهة روسيا والصين، وكيفية التعاطي مع الحروب الأهلية الليبية والسورية، وإلى أي مدى يجب توسيع ميزانية الدفاع الأمريكية، وطبعاً خيار الهجوم على أسامة بن لادن بالقوات الخاصة أو الطيران بعد تحديد موقعه في العام 2011. بالطبع، من المستحيل مناقشة كلّ هذه القضايا مناقشة وافية هنا. ولكن نظراً لأنني تعمّقت في هذه المواضيع وناقشتها على مرّ السنين، أودّ أن أعرض ببساطة هذه الملاحظات السريعة:

  • قد يكون الرئيس أوباما قد أخرج القوات الأمريكية من العراق أسرع مما أرادته غالبية قادته العسكريين الكبار، وأعتقد أن مغادرة تلك البلاد في العام 2011 كان خطأً. ولكن هذا هو بالضبط نوع القرارات التي لا بد أن يتخذها الرؤساء، كما وأن أوباما وعد في حملته الرئاسية في العامين 2007 و2008 أنه سيتخذ هذا القرار بالذات. علاوة على ذلك، لقد أبطأ بالفعل الانسحاب من العراق بحسب الوعود التي أعطاها خلال حملته، فاستغرق الأمر 36 شهراً بدلاً من 16 شهراً أو نحو ذلك وفقاً لما أشار إليه أساساً، ويُعزى ذلك جزئياً إلى اعتقاد جنرالاته بأن الانسحاب الأبطأ سيكون أكثر حذراً.
  • قلّل أوباما عدد القوات في أفغانستان أكثر مما أراده الكثيرون من المستشارين العسكريين – ولكن ليس كلهم، كما أنه أنهى الوجود العسكري هناك أسرع مما كان يود كثيرون. ولكنه في المقابل زاد أعداد القوات الأمريكية بثلاثة أضعاف في تلك الحرب بعد عقد من الزمن، علماً بأنّ مستشارين عسكريين قلائل فقط – هذا إن وُجدوا – يدعوا لمثل هذا الحشد في الفترة نفسها. اضطر كثير منا ممن أيّدنا زيادة القوات العسكرية في أفغانستان إلى الاعتراف بأن ذلك لم ينجح تماماً كما كنا نأمل. أظنّ أن كثيراً ما أعطى أوباما للأفغان والباكستانيين وحركة طالبان الانطباع بأن الولايات المتحدة ستغادر المنطقة سريعاً مرة أخرى، كما فعلت في الماضي – إلا أننا لم نغادرها، والحق يقال، لطالما كان أوباما مصمماً جداً. لكنه استمع كثيراً إلى المشورة العسكرية التي قُدمت له في هذا الشأن (والتي، أكرر، أنها لم تكن بالإجماع بأي شكلٍ من الأشكال).
  • في ما يخص ميزانية الدفاع، لقد أنفق أوباما أكثر مما أنفقه ريغان خلال سنين حكمه الثمانية حتى في ظل سعر تضخم الدولار المعدّل (inflation-adjusted dollars). اتضح أنّ قانون مراقبة الميزانية والمصادرة كانا خطأين، إلا أنهما كانا خطأين من قبل الحزبين واستغلتها ثورة حزب الشاي في العام 2010 أكثر من أي شخص أو أي شيء آخر. وعلاوة على ذلك، كان لا بد من خفض الإنفاق على الدفاع إلى حد ما بين أواخر فترة رئاسة بوش وبداية فترة أوباما الرئاسية، في الوقت الذي بدأت الحروب تنتهي تدريجياً وبقي مستوى العجز المالي في البلاد مرتفعاً.
  • أما في الشأن الروسي والصيني، فصحيحٌ أنّ أوباما قد اقترف بعض الأخطاء، إلا أنّه سعى إلى تحقيق توازن جيد بين مقاومة طموحاتهما الإقليمية وفي الوقت ذاته تجنب تصعيد خطير، وغالباً ما حقق هذا التوازن. بنظري، لقد قام أوباما بعمل جيد من خلال العمل عموماً بشكلٍ وثيق مع قيادة المحيط الهادي والقيادة الأوروبية في هذه العملية.
  • وبالنسبة لسوريا وليبيا، أعتقد أن الانتقادات التي طالت الرئيس كانت صحيحة بالإجمال وأنّ أوباما قد فشل عموماً. ولكن لا بد من القول إنّ تلك الصراعات كانت غاية في الفوضى والصعوبة وليس من السهل التأثير فيها وعليها. كما وأنّ أغلب الناس يتفقون على أنه لم يكن هناك أدوات سهلة تستخدمها القوة الأمريكية – خاصة وأنّ خيار غزو كبير للبلدين قد أُزيح عن الطاولة على نحوٍ صحيح.
  • وبالتالي، في ما يخص الصورة الكبيرة لقرارات الأمن القومي اليوم، كان أداء أوباما بشكلٍ عام جيداً إلى حد ما، رغم بعض الإخفاقات المحددة والمهمة في الشرق الأوسط. لقد عمل للجزء الأكبر بشكل وثيق مع القيادة العسكرية، وعمل بمشورتهم بشأن مسائل مثل القوات الأمريكية في أفغانستان والغارة التي استهدفت بن لادن. لقد فهم أوباما جيداً أنّ مع منصبه تأتي مسؤولية القرارات الاستراتيجية الكبرى، كما أنه كانت لديه الثقة لاتخاذ هذه القرارات بنفسه (حتى في تلك الحالات حيث كانت قراراته خاطئة).

لقد أثار ترامب مسألة مهمة ومثيرة للاهتمام على مستوى معين، حيث هناك مساحة لمناقشة تفاصيل سجل أوباما. ولكن، ما من دليل جدي وقاطع للادعاء بشكل شامل بأن أوباما قد حطّم القيادة العسكرية العليا للولايات المتحدة.