Commentary

Op-ed

النصر في معركة الموصل لن يحلَّ مشاكل العراق

حتى لو هُزمت داعش، سيبقى العراق محروماً من السلام والاستقرار. والسؤال الأول هنا هو: من سيعيد بناء العراق؟

بعد سنوات من التدريب والتجهيز، انطلقت عملية تحرير الموصل، آخر معاقل داعش في العراق. وخلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة، سيتمكن التحالف الذي يقوده الغرب من وضع نهاية لسيطرة داعش على العراق، أرضاً وجوّاً، وسيعلن زوال ما يسمى دولة الخلافة.

لكن العراق مستمر بتجرّع العواقب الوخيمة للفساد والطائفية والخلل الحكومي، ناهيك عن تمدّد المليشيات الشيعية وتمزّق الوضع الأمني. خلال الفترة المقبلة، ستُكثّف عملية تحرير الموصل متعددة المراحل. تحيط الشكوك بدرجة المقاومة التي ستبديها داعش، فهي تنظيم انتهازي يتحيّن الفرص لاستغلال أعدائه والاستفادة من نقاط ضعفهم، مستخدماً أساليب تقسيمية لاستنفاد مواردهم بينما يحوّل تركيزه إلى مناطق أخرى.

من المستبعد أن يدخل التنظيم في مواجهة حقيقية مع قوات الأمن العراقية، وسينتهج من المؤكد تقريباً أسلوب التمرّد ويواصل حربه داخل البيئة الحضرية التي تقدمها الموصل. وهذا يعني أن مقاتليه سيختلطون بالسكان المحليين، ما يجعل من الصعب التمييز بين المقاتلين الجهاديين والسكان المدنيين.

تهدف استراتيجية تحرير الموصل، مثلها مثل باقي الحملة الساعية للقضاء على داعش، إلى تطهير المناطق من مقاتلي داعش، والحفاظ على السيطرة على الأراضي التي تستعيدها من التنظيم، وإعادة إعمار البلدات والمدن المدمّرة. لكن من سينفّذ عملية إعادة الإعمار؟ إلى جانب افتقار العراق للموارد اللازمة لتمويل هذه العملية، فإنه يفتقر أيضاً لجيش نظامي يحظى بدعم السكان المحليين ومؤهّل للحفاظ على السيطرة على الأراضي التي يسترجعها من داعش.

يتوقّع من العشائر العربية السنية أن تقوم بمعظم القتال داخل المدينة نفسها، لكن هذه المجموعات لديها منافسين، وهي لا تحظى بالضرورة بالدعم والشرعية بين صفوف السكان المحليين في الموصل، خصوصاً بعد تلقّيها الدعم والتدريب من فصائل سياسية مناوئة في العراق، ومن قوى خارجية مكروهة من قبل شرائح كبيرة من السكان المحليين.

تحمل عملية الموصل أهمية خاصة، فتحرير المدينة يعلن وبقوة عن بدء “الحياة بعد داعش”. هناك طيف واسع من المجموعات المختلفة القوية المدجّجة بالسلاح التي انقضّت على الموصل، وهذه لها أجندات وطموحات متضاربة، فكل واحدة تعتبر أن نفوذها وسيطرتها على المحافظة يعزّز موقفها في النزاعات الكبيرة الدائرة خلال العقد الماضي حول السيطرة على الأراضي والمشاركة في السلطة ومصادر الطاقة العراقية.

تشتد المنافسة بين المليشيات الشيعية التي تعمل بشكل مستقل عن الدولة وقوات البشمركة الكردية، وبين هذين اللاعبين وقوات الأمن العراقية الخاضعة للحكومة العراقية. تتمتع إيران أيضاً بحضور قوي في المنطقة وتدعم المليشيات الشيعية التي هدّدت بشنّ حرب على تركيا ما لم تسحب هذه الأخيرة قواتها من الموصل. علماً بأن تركيا كانت قد نشرت قواتها هناك لتحول دون سيطرة مجموعات مثل حزب العمال الكردستاني، الذي يحارب الدولة التركية مطالباً بعدد من الحقوق السياسية والثقافية لأكراد تركيا. بالإضافة إلى ذلك، قام السكان المحليون من التركمان والإيزيديين بتشكيل ميليشياتهم الخاصة تحت رعاية داعمين محليين وأجانب.

وبعبارة أخرى، فإن الظروف التي أدّت إلى ظهور داعش في المقام الأول لا تزال قائمة، حتى إنها تفاقمت بدل أن تتراجع على مدى العامين الماضيين منذ سيطرة الجهاديين على الموصل عام 2014. ومع أن من الواضح أن الرئيس أوباما لا يريد لداعش (أو بالأحرى دولة الخلافة) أن تستمر بالبقاء بعد انتهاء ولايته، إلا أنه لا توجد ضمانات بأنّ الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي سيستمران بدعم الجهود الرامية إلى معالجة هذه المشاكل بالمساعدة على حلّها والتوسّط بين الفصائل المتناحرة.

على المديين المنظور والمتوسّط، ستستمر داعش بارتكاب الأعمال الإرهابية الوحشية، مثل تفجير الكرّادة الدامي في يوليو، الذي أودى بحياة حوالي 300 شخص. كما أن التنظيم لا يزال يمتلك جهازاً له في سوريا، يعمل كمنصة إطلاق لتنفيذ الهجمات الإرهابية في أماكن أخرى. إن هذه العملية العسكرية الأخيرة في الموصل لن تغيّر هذا الواقع – ومن دون توظيف استثمارات كبيرة لإعادة الإعمار، من المستبعد أن يتحوّل العراق إلى بلد أكثر استقراراً وأماناً.

Authors