Commentary

Op-ed

العراق وبترايوس وإيران: نظرة واقعية

في ملخصه الإفتتاحي أمام الكونغرس الأسبوع الماضي، كرر الجنرال الأميركي ديفيد بترايوس اسم إيران 105 مرات ليؤكد الدور المهم الذي أصبحت تلعبه الجمهورية الإسلامية فيما يخص مستقبل الاحتلال الأميركي للعراق. وبذلك جاء اعتراف بترايوس متأخرا بشأن الحقيقة التي يدركها منذ سنوات جميع من في الشرق الأوسط، وهي أن إيران كانت الرابح الأكبر من قرار أميركا غزو العراق واحتلاله.

نعم، إيران هي الرابح الأكبر من عراق ضعيف وهش. فعدو إيران الأكبر المتمثل بعراق حزب البعث وصدام حسين الذي حارب ايران لثماني سنوات بهدف تدميرها فقتل مئات الآلاف من الإيرانيين ودمر اقتصادها، قد انتهى، لتحل محله حكومة شيعية–كردية في بغداد، يسيطر عليها منفيون سابقون قضوا فترة الحرب تلك في طهران. ولهذا، فإن علاقة بغداد بطهران غدت أوثق من أي وقت مضى. فالمخابرات الإيرانية تعمل في كل أرجاء العراق، ويزور الإيرانيون مدن الشيعة المقدسة في العراق بحرية. ويعتقد كثيرون أن إيران هي التي عارضت مشاركة العراق في قمة أنابوليس من أجل السلام في الشرق الأوسط التي دعا إليها الرئيس بوش الخريف الماضي، كما أن من المؤكد أن إيران ضغطت على أصدقائها في بغداد لتجنب أي اتصالات جدية بإسرائيل.

وعندما زار الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بغداد في وقت مبكر من هذا العام صادف الذكرى الخامسة للغزو الأميركي للعراق، تم الإعلان عن زيارته مسبقا، بعكس زيارات القادة الأميركيين. وتجول علنا داخل العاصمة بغداد، حيث وقع صفقات تجارية جديدة بمليارات الدولارات. ولا عجب أن يُشاهد مبتسما في كل الأماكن بعد أن قفزت أسعار النفط إلى ما فوق المائة دولار. وكل ما كان ناقصا في ذلك المشهد هو يافطة تقول: “المهمة أنجزت “!

العراقيون الشيعة ربحوا أيضا رغم الأذى الذي أصابهم. فلأول مرة منذ خمسة قرون يسيطرون اليوم على المدن الشيعية في وادي الرافدين، والتي تعد المدن الأكثر أهمية في العالم لدى الشيعة. كما أنهم يسيطرون على جنوب البلاد الغني بالنفط، والذي يشكل المنفذ البحري الوحيد للبلاد. ولقد تسبب ذلك النصر في إحداث موجات ترددية في العالم الإسلامي من لبنان وحتى باكستان، وأعطى زخما معنويا للشيعة بصورة عامة.

لكن يبدو أن الشيعة منقسمون جدا، وربما كانوا على شفار حرب أهلية شيعية. وحتى هذا سيكون في صالح إيران التي حافظت على علاقاتها مع جميع الأحزاب الشيعية لتحقق سيطرة أفضل عليها. وليس من باب الصدفة أن وقف إطلاق النار الذي أنهى القتال الأخير في البصرة، ولو بصورة مؤقتة، قد تم التفاوض عليه في إيران.
العراقيون الأكراد من الرابحين أيضا، كما أنهم على صلات وثيقة مع طهران أيضا. فهنالك حكومة شبه مستقلة في كردستان شمال العراق، تبرم عقودا نفطية مع أطراف خارجية دون الرجوع إلى الحكومة المركزية في بغداد، ولها جيشها الخاص وقوات من الشرطة. وأحد الأكراد، جلال الطالباني، هو رئيس جمهورية العراق في وقت لا يرفع فيه علم العراق في سماء كردستان.
لقد عرفت الطالباني لأكثر من عقدين من الزمن، وهو رجل وطني يحرص على حماية استقلاله، لكنه مدرك أيضا للنفوذ الإيراني في العراق. ومنطقة نفوذه المتمثلة بمحافظة السليمانية في كردستان العراق تعتمد في معظم تجارتها على إيران. ففي عام 1996، عندما تحالف خصمه حينئذ وحليفه الآن مسعود البرزاني مع قوات صدام حسين للهجوم على السليمانية، هرب الطالباني إلى إيران. ومنها ومن خلال دعمها له تمكن من العودة ثانية.

واستنادا إلى شهادة بترايوس نفسه التي استمعنا إليها الأسبوع الماضي، يبدو أن إيران قررت زيادة تكلفة الاحتلال على أميركا، وذلك من خلال تزويد الأطراف التي تعمل على إيذاء القوات الأميركية بالأسلحة والخبرات. وربما تهدف إيران من خلال ذلك إلى جعل تجربة أميركا في العراق أكثر مرارة مما هي الآن، لتضمن أن لا يقدم أي رئيس أميركي قادم على التفكير باحتلال دولة مجاورة لإيران أو مهاجمة إيران. ويقال إن المرجع الديني الأعلى آية الله خامنئي علق قبل سنوات بأن حالة أميركا في العراق هي كحالة ذئب وقع في مصيدة، ويجب عليه إما قطع أطرافه ليفلت منها، أو يبقى ينزف حتى الموت.
وحتى الآن، تحاول إيران موازنة دورها في العراق بما لا يثير ضدها المشاعر القومية العراقية المناهضة للفرس. وإذا كان ذلك قابلا للحدوث في المدى البعيد، فإن الزمن والجغرافيا الآن في صالح دور إيران في العراق. فالولايات المتحدة لابد وأن تغادر العراق عاجلا أم آجلا، لكن إيران ستبقى جارة للعراق على الدوام. ولهذا، يتوجب على الإدارة الأميركية القادمة أن تجد سبيلا للتعامل مع الوجود الإيراني في العراق، وبالتأكيد لن تكون تلك بالمهمة السهلة.