Commentary

الفوضى في أفغانستان

Afghanistan's President Ashraf Ghani speaks as U.S. Defense Secretary Mark Esper looks on during a news conference in Kabul, Afghanistan February 29, 2020.REUTERS/Mohammad Ismail

تشعر إمارة أفغانستان الإسلامية، اللقب الرسمي لحركة طالبان، بالرضا عن الاتّفاق الموقَّع مع الولايات المتّحدة في قطر في 29 فبراير، ولها الحقّ في ذلك. فالاتّفاق يذعن لمطلبهم المنشود منذ زمن بانسحاب “كلّ قوّات الولايات المتّحدة العسكرية وحلفائها وشركائها في التحالف، من ضمنهم كلّ الموظّفين المدنيين غير الدبلوماسيين والمتعاقدين الأمنيين الخاصّين والمدرّبين والمستشارين وموظّفي خدمات الدعم في غضون أربعة عشر (14) شهراً”. فلا عجب إذاً أن تعتبر طالبان هذه الاتفاقية انتصاراً.

وقال وزير الدفاع الأمريكي إنّ البنتاغون سبق أن بدأ المرحلة الأولى من خفض عديد القوّات الأمريكية من 12 ألف جندي إلى 8600. وستنسحب أيضاً قوّات حلف شمال الأطلسي، الذي لم ينل اعتبار ذكر اسمه في الاتفاقية حتّى. وترفض الاتّفاقية رفضاً قاطعاً بقاء أيّ قوّة مكافحة للإرهاب أو أيّ تدريب للجيش الأفغاني. باختصار، تتخلّى عن جيش الحكومة الأفغانية وتضع مستقبل مكافحة الإرهاب في المنطقة في يدَي طالبان ورعاتهم الباكستانيين.

وسيكون من الصعب للغاية على المجتمع الاستخباراتي الأمريكي أن يعمل في هذه البيئة. فغياب أيّ قوّة للحماية، حتّى المتعاقدون الخاصون منهم، سيمنع عملية جمع المعلومات في المناطق الخطرة. وستزداد الصعوبة كثيراً في معرفة ما يجري في المناطق الحدودية الأفغانية والباكستانية التي لطالما كانت مركزاً لعدد كبير من المنظّمات الإرهابية.

ولم تبرّئ حركة طالبان نفسها في هذه الاتّفاقية من تنظيم القاعدة أو من هجمات 11 سبتمبر. ولم يفعل ذلك أيضاً نائب قائد الحركة سراج الدين حقّاني في افتتاحيته في صحيفة نيويورك تايمز. فلطالما هلّلت طالبان لهجمات 11 أيلول باعتبارها انتصاراً للجهاد العالمي، وهذا خطاب ستبرّره الحركة بقولها إنّ اتفاقية الدوحة تؤكّد عليه، إذ أوضحت: “لقد هزم الجهاد قوّةً عظمى مرّة أخرى.” ولا تضمّ اتفاقية الدوحة أيّ تصريح عن حقوق الإنسان لدى الأفغانيين، وهذا إغفال فاضح لحقوق الأفغانيات.

في المقابل، ما تلتزم به طالبان هو الحؤول دون استخدام الأراضي الأفغانية لشنّ هجمات إرهابية على الولايات المتّحدة و”حلفائها”. وستحول طالبان دون قيام تدريبات وجمع أموال وغيرها من أساليب المساعدة لعمليات ضدّ أمن الولايات المتحدة وحلفائها. بيد أنّه هذا وعدٌ وعظي لا أكثر، فالاتّفاقية لا تذكر بُنية طالبان التحتية في باكستان حيث لطالما تمرْكز عدد كبير من الإرهابيين، ولا تذكر شبكة لشكر طيبة الإرهابية التي تتعاون مع طالبان وتستهدف الهند.

لقد سبق أن قالت طالبان إنّ فترة خفض العنف التي سبقت اتّفاقية الدوحة والتي تبلغ مهلتها سبعة أيام انتهت وإنها ستجدّد هجماتها على أهداف أفغانية. وهي لم تقدّم وعداً بوقف إطلاق نار شامل، بل من المفترض مناقشة هذه المسألة في محادثات بين الأفرقاء الأفغانيين ستبدأ مبدئياً في 10 مارس بعد إتمام عملية تبادل أسرى كبيرة. وقالت الحكومة الأفغانية إنّها ليست ملتزمة بإطلاق سراح خمسة آلاف أسير من طالبان مقابل ألف أسير تابعين للحكومة الأفغانية تسجنهم طالبان في قواعدها في باكستان على ما يبدو. لكنّ الحكومة الأفغانية في وضع حرج بسبب نتائج الانتخابات التي أجريت العام المنصرم والتي أفضت إلى فصل الحكومة إلى قسمين في هذه المرحلة الصعبة.

ويكمن العيب الأساسي في هذه الاتّفاقية أنّ الحكومة الأفغانية المعترف بها دولياً بقيادة أشرف غني لم تكن مشمولة في المفاوضات. وعبر القبول بمطلب طالبان بإقصاء الحكومة الأفغانية، خانت الإدارة الأمريكية حليفاً وجعلت من طالبان نداً. ومن الجدير ألّا ننسى أنّ ثلاث حكومات لا أكثر، باكستان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اعترفت بطالبان كحكومة شرعية، وذلك في أوجّ قوّتها في العام 2000. ويشبه إقصاء الحكومة الأفغانية إلى حدّ بعيد الاتفاق الذي أبرمته إدارة نيكسون مع شمال فيتنام في العام 1973 والذي أقصى حكومة فيتنام الجنوبية.

وقال وزير الدفاع الأمريكي مارك أسبر إنّ الإدارة الأمريكية ستشرط امتثالَها لاتّفاقية الدوحة بأداء حركة طالبان. وتبقى الآمال معقودة على ذلك، فمن غير الواضح إذا كان الرئيس الأمريكي ملتزم حقاً بالاتّفاقية. ولعلّه ليس من باب الصدفة أن امتنع وزير الخارجية الأمريكي عن توقيع الاتفاقية شخصياً.

وللمفارقة أنّ المقاربة بأسرها ليس ممكنة إلا بسبب نجاح استراتيجية أفباك التي وضعتها إدارة أوباما والتي هدفت إلى هزيمة تنظيم القاعدة. فقد طاردت إدارة أوباما أسامة بن لادن ومساعديه بلا هوادة في باكستان مستعينة بالطائرات المسيّرة وعناصر الكوماندوز. بيد أنّ أيمن الظواهري، النائب الأساسي لبن لادن، ما زال ناشطاً في باكستان. ولا تضع هذه الاتفاقية إيّ التزامات لأسره.

وتشكّل اتفاقية الدوحة أيضاً فخّاً لأيّ رئيس من الحزب الديمقراطي يتمّ انتخابه في نوفمبر. فعند تنصيبه في يناير 2021، عليه أن يقرّر ما إذا كان سيلتزم بمهلة الأربعة عشر شهراً للانسحاب الكامل من أفغانستان أم سيرفض الجدول الزمني مع بقاء ثلاثة أشهر لسحب الجنود وتمديد “الحرب التي لا تنتهي”. إنّه قرار شديد الأهمّية.

ويبيّن استطلاع رأي أجراه زميلي في معهد بروكنجر شبلي تلحمي أنّ عدداً كبيراً من الأمريكيين لا يريد المغادرة المستعجلة من أفغانستان. ويعتقد عدد كبير أيضاً أنّه يترتّب على الولايات المتحدة واجب أخلاقي بعدم التخلّي عن الشعب الأفغاني، ولا سيّما الأفغانيات، لصالح دكتاتورية طالبان.

لقد أساءت الولايات المتحدة التعامل مع الحرب منذ لحظة اندلاعها. ففي العام 2001، سُمح لبن لادن والظواهري بالفرار إلى باكستان. وتم تحويل الموارد والانتباه عن إنجاز المطلوب في أفغانستان عبر الاجتياح الكارثي للعراق في العام 2003. وفي غضون خمس سنوات، بات تنظيم القاعدة في أخطر مستوياته. ووحده القرار الحاسم لباراك أوباما حال دون وقوع هجوم آخر مماثل لهجمات 11 سبتمبر. لكن لا تتوقّعوا أن يُشكَر فريق ترامب أوباما على ذلك.

كلّ أمريكي وأفغاني متشوّق لرؤية نهاية للحرب. وستلقى عملية سياسية للقيام بذلك ترحيباً. لذا لنأمل أنّه يمكن تعديل اتفاقية الدوحة للتوصّل إلى وقف إطلاق نار شامل. ولم يفت الأوان على الإصرار على مفاوضات مباشرة بين كابول وطالبان كشرط مسبق لعمليات الانسحاب العتيدة التي سيقوم بها التحالف الدولي في أفغانستان. فلن تؤمّن اتفاقية ناقصة الأمن الذي حارب من أجله جيل كامل من الجنود الأمريكيين إلى جانب شركائنا. فلنصحّح الوضع.