Commentary

مع دخول عُمان حقبةً جديدةً، ما زالت التحديات الاقتصادية والسياسية قائمة

FILE PHOTO: Sultan Haitham bin Tariq al-Said gives a speech after being sworn in before the royal family council in Muscat, Oman January 11, 2020.  REUTERS/Sultan Al Hasani/File Photo

توفّي السلطان قابوس بن سعيد آل سعيد عن عمر 79 عاماً في 10 يناير. توفّي ولم يكن لهذا السلطان، الذي حكم عُمان منذ خَلْعه والده عن العرش بدعم بريطاني في العام 1970، أيُّ ذرية أو أشقّاء، وبالتالي لم يكن لعمان وليُّ عهد. ولطالما أقلق غياب سلالة واضحة لاستلام العرش العمانيين والحلفاء مع تدهور صحّة السلطان قابوس على مدى العقد المنصرم.

بيد أنّ الخلافة تمّت بسلاسة، مع تعيين مجلس العائلة المالكة نسيبَ قابوس، هيثم بن طارق آل سعيد، في غضون 24 ساعة من وفاة قابوس، وتبعاً لتوصية من السلطان الراحل. وكان هيثم بن طارق، البالغ من العمر 65 سنة، وزير التراث والثقافة منذ العام 2002 حتّى استلامه العرش. وخدم أيضاً في عهد قابوس في منصب الأمين العام لوزارة الخارجية (1994-2002) ووكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية (1986-1994).

لقد صدم مرض السلطان قابوس ووفاتُه العمانيين، إذ كان مؤسّس عمان الحديثة واستحوذ على دور بالغ في الشؤون العمانية الداخلية والخارجية. فقد ترأّس الدولة والحكومة والجيش وأدار سياسة خارجية تركّز على الدبلوماسية البارعة في منطقة مشحونة.

لكن بالرغم من حكمه القوي، عانت عمان في عهد السلطان قابوس مصاعب اقتصادية وعرفت مجالاً سياسياً مغلقاً، مما أفضى إلى حلقات معارضة مختلفة. ومن المرجّح أن تؤدّي الحدودُ الاقتصادية وتوقّعاتُ شعب متغيّر إلى تزايد الحركات الاحتجاجية في المستقبل القريب. لذا ينبغي على السلطان الجديد التركيز على خلق فرص عمل وتنويع الاقتصاد العماني بعيداً عن الموارد الطبيعية وطرح إصلاحات سياسة مضبوطة.

بناء عمان الحديثة

أسقط السلطان قابوس والده سعيد بن تيمور عن العرش في 23 يوليو 1970، واستلم بلداً فقيراً ودولةً ضعيفةً وسياسةً خارجيةً انعزاليةً متمحورة حول بريطانيا تفتقر إلى البنى التحتية والمستشفيات والمدارس. وتشير أدلّة مهمّة إلى أنّ البريطانيين خطّطوا للانقلاب بسبب معارضةٍ كبيرة لحكم سعيد وبسبب تحفّظه عن تحديث عمان. بحلول تلك الفترة، كان سعيد الذي احتوى في السابق معارضةً قبليّة كبيرة في خلال حرب الجبل الأخضر يواجه تمرّداً في أرجاء منطقة ظفار وخشي أنّ تطوير البلاد سيحثّ على قيام المزيد من المعارضات. في المقابل، شكّل قابوس، الذي درس في كلّية ساندهيرست الحربية الملكية في المملكة المتحدة والذي كان سعيد أمَرَ بوضعه تحت الإقامة الجبرية في صلالة، خياراً آمناً كسلطان سيعتنق الحداثة على الأرجح.

باستخدام عائدات الموارد الطبيعية (نفط وغاز طبيعي ومعادن)، حدّث السلطان قابوس البلاد وحوّلها، مطوّراً بنيتها التحتية ونظامَي الرعاية الصحية والتعليم فيها، فضلاً عن قطاعات مختلفة مُدرّة للدخل (بما فيها السياحة ومصايد الأسماك والزراعة). وفي محاولة للتقليل من اعتماد عمان على النفط، ركّز على تنويع مصادر الدخل والتصنيع وتطوير صناعة الغاز الطبيعي والخصخصة. وتبعاً لأوامره، أطلِق مشروع لتوطين اليد العاملة في القطاعَين العام والخاص من أجل معالجة معدّلات البطالة المرتفعة.

وفي ما يخصّ السياسة، أسّس السلطان الجديد حكومة كاملة مع وزارات جديدة وسلّم أعضاء العائلة الملكية مناصب رفيعة مع الحرص على أن تحتفظ بدور محدود نسبياً في الحكومة مقارنة بالعائلات الحاكمة الخليجية الأخرى. وعمل السلطان قابوس على فرض سلطته وتركيز صلاحياته. ففي نهاية العام 1972، وتولّى مهام رئيس الوزراء والقائد الأعلى للقوات المسلّحة ووزير الداخلية والدفاع والمالية. وفي العام 1981، أسّس مجلس الشورى، وهو هيئة تمثيلية ذات مجلسَين أصبحت في العام 2003 مُنتخبة بالاقتراع العام وليس المحدود. وفي العام 1996، طرح السلطان قابوس النظام الأساسي، الذي أصبح بحكم الأمر الواقع الدستور العماني. تلا ذلك في العام 1997 إنشاء مجلس الدولة الذي يعيّن السلطان كلّ أعضائه، بغية مساعدة السلطان على تطبيق استراتيجياته التنموية والاقتصادية والثقافية.

وفي عهد قابوس، تحوّل مشهد عمان وبنيتها التحتية وازدهرا. فقد بنى السلطان مطارات وحسّن شبكة الطرقات والمرافئ ووسّعها وشيّد أبنية جديدة للمكاتب والمتاجر، والأهمّ أنّه لم يهمل منطقة الإمامة في الداخل ولا ظفار في الجنوب على حساب المنطقة الساحلية كما فعل سلفه. وأنشأ أيضاً المدارس والجامعات وشيّد مراكز فنية ودار أوبرا واستثمر في نظام العناية الصحّية والخدمات الاجتماعية. وأنفق المال لتحسين الجيش الذي كان في وضع لا بأس به أصلاً، ممّا أمّن وظائف للعمانيين.

أخيراً، تخلّى السلطان الراحل عن الانعزالية التي انتهجها سلفه وفتح عمان لباقي العالم، معتمداً سياسة خارجية مُحايدة حوّلت عمان إلى لاعب إقليمي أساسي. وعزّز صلات الدولة بالأنظمة الملكية الخليجية الأخرى التي أسّست مجلس التعاون الخليجي في العام 1981. وحافظت عمان على علاقات مع قطر وإيران، على الرغم من الضغوط السعودية والإمارتية عقب خلاف نشب في العام 2016. وقد أدّى قابوس دور وساطة حتّى بين إيران والولايات المتحدة في مفاوضات العام 2013 بشأن ما أصبح اسمه خطّة العمل الشاملة المشتركة أو الاتفاق النووي الإيراني. وفي العام 2018، التقى برئيس الوزراء الإسرائيلي، وما زال حتّى اليوم القائد الخليجي الوحيد الذي قام بذلك علناً.

مسبّبات المعارضة: اقتصاد متعثّر

على الرغم من أنّ بعض المصادر ترى أنّ عمان بالكاد واجهت عدم استقرار سياسي أو لم تواجهه إطلاقاً، شهدت السلطنة اضطرابات سياسية بشكل تمرّدات واحتجاجات وإضرابات. ففي وقت سابق من تاريخ عمان الحديث، أي في فترة حكم سعيد وبداية حكم قابوس، كانت حركات المعارضة انفصالية أو سعت إلى إسقاط النظام برمّته. ومؤخراً، كانت المعارضة مدفوعة بشكلٍ عام برغبة في تطبيق إصلاحات سياسية واجتماعية اقتصادية.

ونجح قابوس بعد خلع والده في احتواء سلسلة من الإضرابات في العام 1970 (في نزوى ورستاق وعبري وحقل فهود النفطي) وانتفاضة عنيفة في مطرح في العام 1972 والنصف الثاني من ثورة ظفار (بين عامَي 1970 و1975). وأفيد أنّ السطات أحبطت مخطّطين إسلاميين في العام 1994 و2005 قبل أن يتبلورا، بحسب مصادر رسمية. وكانت المصاعب الاقتصادية حافزاً مهمّاً للمعارضة في العقد المنصرم، بما في ذلك في خلال انتفاضات العام 2011 والاحتجاجات التي تلت الربيع العربي في العامين 2012 و2013 واحتجاجات البطالة في العامين 2017 و2018.

وبالفعل، البطالة مسألة مهمّة للسلطنة، إذ بلغت نسبة بطالة المواطنين 16,9 في المئة في العام 2017 وتخطّت نسبة 30 في المئة لدى الشباب. علاوة على ذلك، بما أنّ الصادرات النفطية شكّلت مصدر العائدات الأساسي في عمان منذ العام 1967 (راجع الرسم البياني 1)، يؤثّر ارتفاع أسعار النفط وهبوطها في الاقتصاد. بالتالي، تأثّر الاقتصاد العماني في السنوات الماضية الأخيرة بسبب الانهيار العالمي في أسعار النفط (التي هبطت إلى 47,11 دولار للبرميل في ديسمبر 2014 ثمّ إلى 45,69 دولار في أغسطس 2015 وأخيراً إلى 29,70 دولار في يناير 2016) وبسبب احتياطات النفط العماني الأصغر نسبياً (راجع الرسم البياني 2)، أدّى ذلك إلى انخفاض في نمو الناتج المحلّي الإجمالي من 4,98 في المئة في العام 2016 إلى 0,267 في المئة في العام 2017. وحاول النظام معالجة هذه المسألة من خلال الحدّ من الإنفاق العام (عبر زيادة الضرائب وإصلاح نظام الإعانات) لكنّه تريّث في ذلك بعد أن تسبّب الأمر باحتجاجات في العامَين 2017 و2018.

الرسم البياني 1: عمان: عائدات النفط ناقص كلفة إنتاجه، بنسبة مئوية من الناتج المحلّي الإجمالي

Figure 1

المصدر: حسابات المؤلّفة باستخدام بيانات من البنك الدولي.

الرسم البياني 2: احتياطات النفط المثبّتة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، العام 2017

Figure

المصدر: رسم المؤلّفة باستخدام بيانات من البنك الدولي.

التطلّعات: الخطوات الأولى لسلطان جديد

أدّت مشاكل البلاد الاقتصادية ونطاقها السياسي المغلق إلى بروز عدّة أحداث معارِضة في السابق وستؤدّي على الأرجح إلى المزيد من الاحتجاجات في عهد هيثم بن طارق. وللحدّ من ذلك، ينبغي على السلطان الجديد التركيز على تعزيز اقتصاد عمان المتعثّر وتغيير المشهد السياسي ليتناسب أكثر مع شعب متغيّر.

فحالياً، الاقتصاد العماني مستقرّ لكن ضعيف الأداء. بالتالي، تكمن الخطوة الأولى لتقويته في وضع خطّة لتنويع الاقتصاد بعيداً عن الموارد الطبيعية. فأسعار النفط المتدهورة وواقع أنّ احتياطات النفط العماني أقلّ مما كان يُظنّ قبلاً يجعلان عمان هشّة. ومع وتيرة تعافي تبلغ 700 ألف برميل في اليوم، ستنفد احتياطات النفط العماني في غضون عشرين سنة على الأرجح (يستند ذلك على حسابات باستخدام بيانات من شركة تنمية نفط عمان التي تقول إنّ احتياطات البلاد الراهنة من النفط تبلغ 5,373 مليار برميل). وقد يتمّ اكتشاف المزيد من النفط في عمان، لكنّ ذلك لن يؤثّر في الجدول الزمني لاستنفاد الاحتياطات إلا في حال توافره بكمّيات كبيرة. فما يعني ذلك للنظام الحاكم؟ ينبغي عليه التكيّف مع اقتصاد مرحلة ما بعد النفط في وقت أسرع من الدول الخليجية الأخرى التي تتمتّع باحتياطات أكبر، على غرار قطر والإمارات العربية المتحدة.

سبق أن اتّخذ النظام خطوات نحو التنويع عبر تعزيز القطاعات غير النفطية. وقد أدّت هذه الخطوات إلى اعتماد أدنى بشكل طفيف على النفط (راجع ارسم البياني 3)، لكنّ هذا لا يكفي. فقد استأثر قطاع السياحة مثلاً بنسبة 2,59 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2018. وبإمكان النظام رفع هذه النسبة عبر تسهيل متطلّبات التأشيرة لعدد أكبر من الجنسيات، ممّا يزيد عدد الزائرين. ويتعيّن على النظام أن يركّز أيضًا على تعزيز فرص عمل أكثر للعمانيين. ولن يكون إنشاء المزيد من الوظائف وتعمينها بالأمر الكافي، بل على النظام بشكل خاص تدريب المواطنين العمانيين على مهارات في القطاعات غير النفطية.

الرسم البياني 3: الناتج المحلّي الإجمالي العماني، بحسب نوع النشاط الاقتصادي (بالنسبة المئوية)

Figure_3

المصدر: رسم بياني من إعداد المؤلّفة باستخدام بيانات من البنك الدولي.

أما على الصعيد السياسي، فعلى النظام تكييف سلوكه ليلحق بركاب التغيّرات التي يمرّ بها الشعب. إذ تبرز جيوب صغيرة من المجتمع المدني ويعاني الشباب المتعلّم خيبة الأمل تجاه تردّد النظام الواضح في تطبيق الإصلاحات الموعودة. وكخطوة أولى، على النظام تغيير الطريقة التي يستخدم فيها القمع. فقد كثّف النظام العماني جهوده لقمع حرّية التعبير عن الرأي منذ العام 2012، فأوقف ناشطين ووضع قوانين تُجرّم النقد السياسي. بيد أنّ السلطوية القاسية والعلنية ليست مقبولة بالقدر نفسه في السياق العماني في القرن الواحد العشرين، مثلما ما يظهر من خلال العرائض على الإنترنت والمشاركة الزائدة في انتخابات العام 2011 والاستخفاف تجاه أسلوب النظام القمعي في احتجاجات العامين 2015 و2016.

Authors