Commentary

التعديل الوزاري في السعودية المستوحى من ماكينزي

استيقظ السعوديون في عطلة نهاية الأسبوع على أول تعديل وزاري يحدث في المملكة منذ عشر سنوات، إذ استُبدل وزير النفط الثمانيني على النعيمي الذي يتولّى مسؤولية سياسات الطاقة في المملكة منذ العام 1995 بخالد الفالح الذي سيضطلع بمهام وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية الحديثة الإنشاء. كما سيضطلع ماجد القصبي بمهام وزارة التجارة والاستثمار التي أُنشأت حديثاً أيضاً. وأخيراً عُيّن أحمد الخليفي بمنصب محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي (المصرف المركزي للمملكة العربية السعودية). وقد يتفاجأ الكثير من السعوديين حين يعلمون أن أصل هذا التعديل – وبالطبع التوجيهات الاقتصادية الجديدة في المملكة – إنما هي مستمدة من تقرير وضعته شركة ماكينزي للاستشارات الإدارية والاقتصادية العالمية.

رجل لديه خطة

تواجه المملكة العربية السعودية منذ فترة صعوبة للتعامل مع الآثار السلبية لانخفاض أسعار النفط، فبعد سنوات من تسجيل فائض في الميزانية شهدت الحكومة عجزاً وصل إلى 15بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. هذا وقد وضعت أسعار النفط المنخفضة – ترافقها التوترات مع المنافس الإقليمي إيران في اليمن وسوريا ولبنان – إيرادات المملكة تحت ضغوط كثيرة. ومنذ بدء هذا الانخفاض الحاد المفاجئ، قاد ولي ولي عهد المملكة العربية السعودية الطموح الأمير محمد بن سلمان مبادرة إصلاحية طموحة ترمي إلى تنويع اقتصاد المملكة وعدم الاعتماد على النفط وحده.

يقول الأمير، في ما أطلق عليه اسم رؤية المملكة العربية السعودية 2030، إن الخطة الاقتصادية الجديدة ستزيد من دور القطاع الخاص من 40 إلى 60 بالمئة، وستخفض نسبة البطالة من 11 إلى 7,6 بالمئة، وسترفع الدخل غير النفطي بشكل تصاعدي. وسيتم تمويل هذه الخطة من خلال الخصخصة الجزئية لشركة النفط السعودية العملاقة (أرامكو).

تحدد وثيقة 2030 عدداً من الإصلاحات المهمة الساعية إلى تغيير، ليس فقط الاقتصاد السعودي، بل العلاقة بين الدولة والمجتمع على نطاق أوسع، بطريقة لم تحدث منذ تأسيس المملكة. ويبدو أنّ الأمير قد استوحى رؤيته من تقرير صدر عن معهد ماكينزي العالمي في ديسمبر 2015 بعنوان: “Moving Saudi Arabia’s economy beyond oil” (نقل الاقتصاد السعودي إلى ما وراء النفط). الرؤية والتقرير كلاهما يقدمان وصفات سياسية متشابهة لتنويع اقتصاد المملكة في المجالات غير النفطية.

تلقي نقاط التشابه هذه الضوء على تأثير الشركات الاستشارية على صناعة السياسات في المملكة. وفي الحقيقة، ذكرت وكالة بلومبيرغ الإخبارية أن الشركات الاستشارية سوف تكسب 12 بالمئة إضافية من العمولات في المملكة العربية السعودية هذا العام، وهذا أسرع نمو تشهده الأسواق الاستشارية العالمية. وفي مقابلة مطوّلة أجرتها مجلة ذي إيكونوميست في يناير مع الأمير محمد، قال إن “ماكينزي تشارك معنا في الكثير من الدراسات” . وبحسب صحيفة ذا فايننشال تايمز، فإن رجال أعمال سعوديين قد أطلقوا على وزارة التخطيط أسم “وزارة ماكينزي” بهدف الدعابة.

ويتضمّن تقرير ماكينزي الأساسي، المليء بالرسوم التوضيحية الزاهية، و الكلمات الاستشارية الطنّانة مثل (“التحوّل” و”الكفاءة” و”التعاون”). ليس جديداً أن تقوم الشركات الاستشارية بتقديم المشورة للحكومات في المنطقة والعالم، وفي الحقيقة فإن التقرير يضع خطة طموحة من أجل التحوّل والتنويع الاقتصادي في المملكة في المجالات غير النفطية. 

هل سيتقبّل الناس هذا؟

لكن وفي تقصير فادح، لم يشرح التقرير بشكل كافٍ الطريقة التي ستتمكن بواسطتها المملكة من تغيير عقلية المواطن السعودي العادي الذي اعتاد منذ فترة طويلة على سخاء الدولة الذي يشمل دعم الوقود وتقديم القروض والأراضي المجانية والوظائف في القطاع العام.

هذه هي القضية الأساسية. تبدو الخطط الإصلاحية واعدة، ولا شكّ أنها ستشكل بداية مرحلة فطام المملكة وتخلصها من “الإدمان النفطي” (كما أسماه الأمير). ولكن كيف سيكون رد فعل المواطن العادي على هذه الإصلاحات؟ ستقوم الحكومة السعودية بطلب المزيد من مواطنيها – فهل سيبدأ المواطنون بدورهم بمساءلة الحكومة ومحاسبتها ومطالبتها بمزيد من التمثيل؟ منذ يناير، ارتفعت أسعار البنزين والكهرباء والماء. وفي المقابل، ارتفعت صيحات ضد رفع أسعار الخدمات، الأمر الذي دفع بالملك سلمان إلى إقالة وزير المياه لامتصاص غضب الشعب.

هذا الاستياء هو نذير أمور أخرى في المستقبل. وسوف تبيّن الشهور والسنوات القادمة كيف ستقوم القيادة السعودية بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي تشدّ الحاجة إليها من دون إقصاء الشعب أو إشعاره بالنفور. صحيح أن النتائج لا تزال غير مؤكدة، إلا أن أمراً واحداً هو مؤكّد وهو أن المستشارين سيستمرون بالتوافد إلى المملكة العربية السعودية للعمل على أكبر المشاريع التحوّلية على الإطلاق.