كشف الرئيس باراك أوباما النقاب مؤخراً في برلين عن اقتراح جديد لتخفض الولايات المتحدة وروسيا من الأسلحة النووية البعيدة المدى بمقدار الثلث، مقارنة مع المستويات الواردة في المعاهدة الجديدة للحد من الأسلحة الاستراتيجية التي تمّ توقيعها في العام 2010 .

ولكن خطة أوباما سرعان ما تعرضت لهجوم من قبل المشككين في إمكانية السيطرة على الأسلحة. فقد أكدوا أن خفض الرؤوس الحربية الاستراتيجية الروسية والأمريكية المنتشرة حول العالم إلى حوالي الألف قد يعرض أمن الولايات المتحدة والقوات المتحالفة معها إلى الخطر – لا سيما في ظلّ سعي دول أخرى إلى تطوير قواتها النووية. غير ذلك، تراهم يزعمون أيضاً أن روسيا لن تقبل العرض.

إلا أن هذه الانتقادات فشلت في تقديم حالة مقنعة تفيد أن التخفيضات التي يقترحها أوباما قد تمتد إلى آفاق بعيدة جداً. في الواقع، يُعد عدد ألف رأس حربية استراتيجية اقتراحاً صعباً. وتبدو الحالة هذه مقنعة:

أولاً، تسمح هذه القوة النووية الاستراتيجية لواشنطن بالاحتفاظ برادع نووي قوي وموثوق به وحتى متوفر بكثرة. في الواقع يصعب أن نتخيل أنه حتى في أكثر سيناريوهات القتال في الحروب الكارثية، يمكن استخدام أكثر من عشر رؤوس نووية بحكمة ضد عدو معين.

ثانياً، ما يدفع روسيا والولايات المتحدة للاحتفاظ بآلاف الرؤوس النووية هي المخططات التي خلفتها الحرب الباردة القائمة على أساس تدمير القوات النووية بعضها لبعضها الآخر. لا تعد هذه الخطط واقعية تماماً – لا سيما وأن أياً من الطرفين يعجز عن نزع سلاح الآخر. علاوةً على ذلك، تعتمد الولايات المتحدة وروسيا على منطق دائري: كلما ملك كل طرف أسلحة أكثر زادت رغبة الآخر في الاحتفاظ بطاقة فائضة. هذه هي بالضبط الدينامية التي تبدو من خلالها التخفيضات المتبادلة قيد التفاوض ذات معنى.

ثالثاً، في حين قد لا تروق التخفيضات الإضافية لروسيا نظراً لقواتها العسكرية التقليدية المتناقصة، وحدودها البرية الكبيرة وتقلص عدد سكانها، لا يوجد أي سبب يدفعها للتخلي عن إمكانية التفاوض مسبقاً حول هذه الفكرة. سيصرّ الروسيون كثيراً على الرفض قبل أن يوافقوا نهاية الأمر.

قد ترغب موسكو أيضاً بتوفير المال المطلوب لمراعاة المستويات التي تفرضها المعاهدة الجديدة للحد من الأسلحة الاستراتيجية لا سيما وأن أنظمتها السوفيتية بدأت تهرم وبات استبدالها ضرورياً. إلا أن الأمر يستحق على الأقل التفكير والدراسة. حتى في ظل التخفيضات التي يقترحها أوباما، ستبقى الولايات المتحدة وروسيا على الأقل قيمة آسية فوق الدول الأخرى من حيث حجم قواتهما النووية وقدرتها.

رابعاً، ليست مصادفة أن يساعد هذا الاتفاق واشنطن أيضاً على توفير المال. إذ قدرنا في كتابنا أنه سيساعدها على توفير مبلغٍ يتراوح بين مليارين إلى 3 مليار دولار سنوياً – وهو مبلغ لا يكفي لتسديد الدين الوطني، ولكن رغم ذلك يبقى مالاً حقيقياً؛ مع العلم أن هذه المدخرات قد تزيد أيضاً في السنوات المقبلة في حال فرضت صفقة جديدة لضبط الأسلحة على واشنطن شراء كميات أقل من الصواريخ والقاذفات والغواصات.

خامساً يشكك النقاد في نية أوباما في خفض الأسلحة النووية حتى في ظل سعي دول أخرى إلى تطوير قواتها النووية، مع العلم أن قوى هذه الدول النووية بلغت مراحل مختلفة في دورات التطوير. فعلى سبيل المثال، في غضون عقد من الزمن، سيعمل البنتاغون على صنع قاذفة قنابل جديدة وسيسعى إلى إطالة عمر صواريخه الباليستية العابرة للقارات.

سادساً، يشير البعض إلى الإجراءات التي اتخذتها كوريا الشمالية وإيران مؤخراً للتأكيد على أثر تخفيضات أوباما النووية السابقة العكسي. لكن كوريا الشمالية خرقت معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية التي عقدت في خلال عهد جورج بوش، وبدأت ايران برنامجها النووي السري أثناء عهد الرئيس ريغان. وليست النقطة هذه متحيزة؛ فبوش وريغان، تابعا في الواقع، التخفيضات النووية.

ولكن فكرة أن مشاكل العالم النووية يمكن ربطها بسعي أوباما إلى الوصول إلى مستويات أدنى من الأسلحة النووية، وفي نهاية الأمر إلى عالم خالٍ من الأسلحة النووية – وهو هدف يتشارك فيه مع الرئيس رونالد ريغان – لا يمكن أن تنجح. (فقد أنشأت دول مثل الاتحاد السوفياتي والصين وباكستان برامجها النووية في فترات ماضية عندما كنا نعمل على توسيع برامجنا، وأيضاً – وبالتالي فإن الروابط بين سياسة الولايات المتحدة بشأن الأسلحة النووية ومنع انتشار الأسلحة النووية ليست بهذه البساطة).

في الواقع، استفادت إدارات بوش وأوباما لتنجح في إقناع المجتمع الدولي بتطبيق عقوبات أقسى ضد إيران وكوريا الشمالية رداً على نشاطاتهما النووية العابثة من حقيقة أن كلا الرئيسين كان بإمكانهما القول بمصداقية أنهما كانا يحاولان احتواء الأخطار النووية من خلال الحد من ترسانة الولايات المتحدة.

مما يعني، أن بعض الحجج التي تنتقد اقتراح أوباما تستحق الاهتمام من قبل الإدرة. فعلى سبيل المثال، لا بد أن يشمل أي اتفاق في المستقبل على إيقاف الرؤوس الحربية الاستراتيجية التكتيكية والاحتياطية أيضاً.

وبالإضافة إلى ذلك، ستنتشر رغبة للحصول على قوى نووية متوسطة لتقديم وعود ملزمة سياسياً بعدم توسيع ترساناتها في حين أن موسكو وواشنطن تعملان على تخفيض أسلحتهما. هذا وقد تحتاج أي جولة أخرى للحد من التسلح تتخطى ما يرمي إليه اقتراح برلين أن تكون متعددة الأطراف.

تقدم خطط إدارة أوباما النووية الجديدة مجموعة واقعية ومعقولة من الخطوات المقبلة التي من شأنها تعزيز أمن الولايات المتحدة – والحد من أخطر أنواع الأسلحة التي اخترعها الإنسان على مرّ العصور.