Commentary

Op-ed

التزامات طي النسيان: دور مجلس الأمن في مكافحة الإرهاب في العراق

استناداً إلى المكاسب الإقليمية في سوريا والعراق التي حققتها الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام (داعش)، بدّد إعلان الخلافة الإسلامية مؤخراً أقوال الرئيس أوباما بأن الولايات المتحدة (التي سحبت قواتها العسكرية من العراق في العام 2011) تركت وراءها “عراقاً ذا سيادة ومستقراً ويعتمد على نفسه”. وقد ثبُت ذلك بفضل المقابلة التلفزيونية التي أجراها أوباما مؤخراً على قناة سي بي إس نيوز حيت قال إنّ داعش “كانت تزعزع استقرار البلاد… الأمر الذي من شأنه أن يخلّف نتائج غير مباشرة على بعض حلفائنا”. تتميز “عقيدة أوباما” الناشئة في ما يتعلق بسياسة الولايات المتحدة الخارجية بانشطار أساسي في جوهرها. من ناحية، تتميّز هذه العقيدة بدور أمريكا المتفوق في دعم الديمقراطية وتتأصل بها “مسؤولية حماية” (المدنيين) كجزء أساسي من القانون الدولي. ومن ناحية أخرى، لا يحق لقوات الدعم الأمريكية الخارجية التدخل عسكرياً إلا في حال هدد خطرٌ جلي ومباشر المصالح الأمريكية الوطنية. قد يبدو حتى الآن أن هذه العقيدة تسود حين يتعلق الأمر بالعراق، بشكلٍ رئيسي لملائمة المخاوف المحلية التي تُقلق الإدارة الأمريكية والمصالح الجيوسياسية في الشرق الأدنى متجاهلةً بكل راحة المثل القديم القائل “إن كسرته، ملكته”.

علاوةً على ذلك، ثمة تهديد يشير إلى إمكانية انتشار هذا التشدد التذي يتنامى بسرعة إلى دول مجلس التعاون الخليجي وبلاد الشام، الأمر الذي قد يسبب تحولاً مُزلزلاً في السياسات المحلية والاقتصاديات الإقليمية ويترك تأثيراً اجتماعياً هائلاً. لم يعد الإرهاب مسألةً محلية في العراق، إنما وباءً عالمياً لا بدّ من استئصاله.

ومن المشاكل الرئيسة المترتبة على تغيير النظام الذي طرأ بين العامين 2003 و2004، نذكر الافتقار الأساسي إلى التزام الفصائل واللاعبين السياسيين ومشاركتهم البناءة. لما كانت سلطة الائتلاف المؤقتة حينها تختار اللاعبين بحذر، فإن عددهم كان محدوداً وحصرياً. أما الآن، فقد بات نظام الحصص عنصراً أساسياً للسياسات العراقية السائدة في الفترة التي تلت العام 2003، وقد كان السبب في مصالحة أقل وانقسام أكبر. مع التهديد الخطير الذي تطرحه داعش حالياً، بات اليوم الإقرار بتغيير من شأنه أن يساعد على توحيد العراق واستعادة هويته الوطنية استناداً إلى مصالحة طويلة الأمد أمراً طارئاً بشكلٍ متزايد. إن الفشل في تحقيق ذلك لن يترك إلا بديلاً صغيراً يتجلى في تركيز الجدال العام على حل فعلي يقوم على تقسيم العراق إلى ثلاث دول بعد فترة ممتدة من النزاع الطائفي والثورة الاجتماعية – خيار لم يحظى بقبول الشعب العراقي.

رغم الضجة الإعلامية التي أُثيرت حول المكاسب الإقليمية التي حققتها داعش مؤخراً في العراق، لم تذكر وسائل الإعلام إلا القليل القليل عن التزامات مجلس الأمن بمكافحة الإرهاب في العراق، وخصوصاً التزاماته بموجب القرار الأممي رقم 1618 حول مكافحة الإرهاب في العراق بهدف حماية سيادة الأراضي العراقية.

دور مجلس الأمن في مكافحة الإرهاب

يحق لمجلس الأمن أن يتخذ عدداً من التدابير المتنوعة، بما في ذلك الخيار العسكري، بهدف المحافظة على السلام والأمن الدوليين أو استعادتهما، شرط أن يكون قد سبق وارتأى أن خطراَ ما يهدد السلام. وهنا يكمن عددٌ من المعضلات، نذكر منها غياب تعريفِ واضحِ لشكل “العمل الإرهابي”، وبناءً عليه غياب اتفاقِ حول شكل “التهديد الذي يحيط بالسلام”. في الواقع، يملك مجلس الأمن حرية واسعة باتخاذ اجراءات تنفيذ بموجب ميثاقه الذي يجعل اتخاذ قرار التدخل أمراً عسكرياً. بناءً عليه، لا يكون مجلس الأمن مجبراً على الاستجابة لمختلف الظروف التي يُحتمل أن تشكّل تهديداً للسلام، بما في ذلك تمرد داعش في العراق وسوريا. ولكن، بعد أن أصدر مجلس الأمن القرارين 1438 و1511 الذين يقرا بسيادة العراق، لا بدّ أن يتابع تنفيذ القرار 1618 الذي يرمي إلى حماية سيادته هذه.

قرار مجلس الأمن 1618 (2005)  

يدعو قرار مجلس الأمن رقم 1618، الذي تمّ اعتماده بإجماع عام في العام 2005، أعضاء المجلس إلى الالتزام ببعض الموجبات ذات الصلة بالأنشطة الإرهابية في العراق بما في ذلك:  

1. مكافحة بكل الوسائل والطرق، استناداً إلى شرعة الأمم المتحدة، التهديدات التي تحيط بالسلام والأمن الناتجة عن أعمال إرهابية.

2. منع نقل الإرهابيين من العراق وإليه، ونقل الأسلحة لهم، وأي تمويل يدعمهم؛

3. تعزيز التنسيق الإقليمي بين الدول الإقليمية لوقف الإرهاب.

عبر التاريخ، أثبت مجلس الأمن قدرته على تنفيذ قرارات الأمم المتحدة بشكلٍ صارم حين يتعلق الأمر بالعراق، خصوصاً أثناء فترة العقوبات إلا أنه لا يزال حتى الآن يلتزم الصمت بشكلٍ مفاجئ في ما يتعلق بتطبيق القرار 1618 أو اتخاذ اجراءات بموجبه، خصوصاً في ضوء إقرار الإدارة الأمريكية المتأخر بالتهديد الذي تطرحه داعش على سيادة العراق. إن أي محاولة لتفسير “تهديد السلام” دعماً للسياسة غير التدخلية كما توضحها عقيدة أوباما تُعتبر أساساً معارضةً للدور الذي يضطلع به مجلس الأمن لإرساء السلام والأمن الدوليين وضمانهما.

التوصيات

رغم مساعدة روسيا المتمثلة بتزويد الحكومة العراقية بالطائرات المقاتلة ورغم إرسال الولايات المتحدة لمستشارين عسكريين لمساعدة الحكومية العراقية في عددٍ من المسائل، بما في ذلك تكتيكات مكافحة التمرد – الأمر الذي يتعين على الولايات المتحدة القيام به بموجب مذكرة التفاهم التي وقعتها الدولتان في العام 2012، لا بدّ من عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لمناقشة عددٍ من المسائل المتنوعة ومنها:

1. دعوة القيادة العراقية لتشكيل حكومة تمثيلية وفقاً لدستور العراق ضمن إطار زمني محدد.

2. تصنيف التمرد الذي قامت به داعش مؤخراً والأنشطة التي بدرت عنها في العراق كـ”إرهاب” وكـ”تهديد للسلام” في العراق والمنطقة أجمع والمجتمع الدولي.

3. منح الدول الأعضاء صلاحية اتخاذ أي إجراء ضروري لمساعدة الحكومة العراقية التمثيلية المشكلة وفقاً للقانون لضمان سيادة الأراضي العراقية، بما في ذلك الحدود والبلدات الحدودية والطرقات الرئيسة والبنى التحتية الحيوية.  

الخاتمة 

لا تنطبق عقيدة أوباما حول عدم التدخل الأجنبي على العراق، لا سيما وأن المخاطر التي تهدد حلفاء الولايات المتحدة على المدى الطويل قد تكون كبيرة جداً. فعلى سبيل المثال، قللت عودة حركة طالبان بعد الحرب الأمريكية في أفغانستان بشكلٍ واضحٍ من تأثير النكسة.

قد يؤدي الإخفاق في إرساء الاستقرار في العراق على المدى القصير من خلال العمل مع أعضاء مجلس الأمن تحت رعاية قرار الأمم المتحدة رقم 1618 ومن خلال استشارة خبراء أمنيين إلى أكبر النكسات ويسلب شرعية أوباما بريقها قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة في العام 2016.