Commentary

Op-ed

الأزمة الثلاثية الناشئة المرتبطة بالجائحة تثير المخاوف من اندلاع الاحتجاجات في إيران

Iranians, some wearing protective masks,walk outside in Tehran, during the Covid-19 coronavirus pandemic crises, on March 17, 2020 in Tehran, Iran. Photo by Ali Shaeigan/Parspix/ABACAPRESS.COM

تواجه الجمهورية الإسلامية الإيرانية أزمة ثلاثية (اجتماعية اقتصادية وسياسية وبيئية) حادّة وبنيوية بعد أربعة عقود على نشأتها تسبّبت باندلاع احتجاجات شعبية في أرجاء البلاد على مدى السنتَين ونصف السنة الماضية. والآن، في خضمّ جائحة فيروس كورونا المستجدّ، تواجه البلاد مجموعةً جديدة من الأزمات: أزمة ثنائية تطال الصحّة العامة والاقتصاد، تفاقمها أزمة في أسعار النفط. ويمكن أن تمهّد الظروف الاقتصادية والاجتماعية الاقتصادية في إيران، المُترافقة بخيبة شعبية مُستمرّة حيال قدرة النظام على معالجتها بشكل مجدٍ، الطريقَ أمام عمليات حشد مُتجدّدة في الشارع مناهضةٍ للنظام ما إن تنحسر الجائحة.

أولويات مشكوك في أمرها

في خضمّ جدال حول فترة إجراءات الإغلاق وحِدّتها، حقق الرئيس حسن روحاني وكبار المسؤولين فوزاً مُريباً على خبراء الصحّة ووزارة الصحّة والسلطات المحلّية. فقد رأت الجهة الأولى أنّ التكاليف الاقتصادية التي يرتّبها الاستمرار بالإغلاق ستكون على الأرجح أعلى من التكاليف الصحّية المترتّبة عن إلغائه، أي بعبارة أخرى، فضّلوا إنقاذ الاقتصاد لا الأرواح. وكان الشغل الشاغل لدى المسؤولين الكبار هؤلاء هو احتمال الوقوع في انهيار اقتصادي بسبب تداعيات العقوبات الأمريكية المستمرّة وانهيار أسعار النفط وفيروس كورونا المستجدّ.

أما الجهة الثانية، فقد حذّرت من أنّه، في ظلّ غياب القيود، ستستمرّ أزمة الصحّة العامة وسترافقها أزمة اقتصادية. ويبدو أنّ التوقّعات بحلول أزمة صحّية واقتصادية ثنائية على صواب. فما إن خَفّفت السلطات الإيرانية من الإغلاق التام وإجراءات العزل، ضربت البلادَ موجةٌ ثانية من الإصابات في مايو.

في غضون ذلك، لن تنحسر أزمة أسعار النفط. فبعد سلسلة من اللقاءات الطارئة، وافقت مجموعة “أوبك بلس” في 12 أبريل على اتفاقٍ لخفض إنتاج النفط بمعدّل غير مسبوق، إذ تراجع الإنتاج العالمي بنسبة 10 في المئة في مايو وحزيران، مع المزيد من التخفيضات بمستوى أقلّ حتّى أبريل 2022. فقد تأثّر الطلب العالمي على النفط شديد التأثّر بالجائحة، فتراجع إلى أدنى مستوياته منذ 25 سنة. وفيما تبرز بعض الآمال بأنّ الاستهلاك سيعود إلى المستويات المُسجّلة قبل الأزمة بحلول العام 2022، من غير المعروف ما إذا كان سعر النفط سيرتفع كفاية لتلبية خطط الموازنة الإيرانية ومتى سيرتفع. وما زالت إيران تواجه تحديات كدولةٍ مصدّرةٍ للنفط في سوق عالمية دائمة التغيّر، بين خصوم لا يخشون استعمال المسألة سلاحاً للضغط على إيران.

العبء الاقتصادي

تبعاً لنائب رئيس غرفة التجارة الإيرانية، تتكبّد الدولة خسائر بقيمة 164 مليون دولار عن كل يوم تُغلق فيه الأعمالُ. وقد تأثّر قطاع الخدمات، الذي يؤمِّن قرابة نصف الناتج المحلّي الإجمالي الإيراني، تأثّراً كبيراً بالجائحة، مع تعطّل سير الخدمات ومواجهة الشركات شبح الإفلاس. علاوة على ذلك، تضعضعت صادرات إيران الإقليمية، التي تُعتبر عِماد الاقتصاد الإيراني في ظلّ العقوبات المفروضة بقيادة أمريكية، إلى حدّ بعيد، إذ أُغلقت الحدود وتوقّفت الرحلات الجوّية. وتَقوَّض أيضاً القطاع السياحي، الذي تشكّل الصين سوقاً أساسيةً فيه، وأسفر عن خسائر في الوظائف. بعبارة أخرى، تلقّى الاقتصاد الإيراني المتعثّر أصلاً ضربات قوية بسبب الانخفاض الكبير في أسعار النفط وتداعيات الجائحة على حدّ سواء.

وفي أبريل، صرّح صندوق النقد الدولي أنّ جائحة فيروس كورونا المستجدّ ستوقع الاقتصاد العالمي في الركود الأسوأ منذ أزمة الكساد الكبير في الثلاثينيّات، مع توقّع حصول انكماش نسبته 3 في المئة لهذه السنة. ومن المتوقّع أيضاً أن تتأثر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل غير متناسب، إذ سيواجه الاقتصاد الإيراني انكماشاً نسبته 6 في المئة. وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الأرقام ترتكز على وتيرةِ تصديرٍ للنفط الإيراني تبلغ 500 ألف برميل في اليوم، لكن يبدو أنّ البلاد لم تَبعْ سوى 144 ألف برميل في مارس.

ويتوقّع صندوق النقد الدولي أن يرتفع بشدّة صافي الدين الإيراني ليصل إلى ثُلث الناتج المحلّي الإجمالي للعام 2020 (أو 148 مليار دولار)، وهو ارتفاع حادّ نسبته 22,5 في المئة مقارنة بالعام الماضي. في غضون ذلك، من المُعتقد أن يبلغ دين إيران الخارجي 2,7 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي (11,9 مليار دولار، مقارنة بـ10,8 مليار دولار في السنة الماضية). والأهمّ أنّه من المتوقّع أن يتراجع القطاع غير النفطي الإيراني (وهو أساسي لإيجاد فرض العمل) بحدّة أكبر مقارنة بالماضي، إذ سيتراجع 6 في المئة هذه السنة مقارنة بنسبة 1,2 في العام الماضي. ومن المتوقّع أن يتراجع إجمالي الصادرات ليبلغ 46 مليار دولار هذه السنة، أي بتراجع نسبته 20 في المئة مقارنة بالعام الماضي. وللمقارنة، بلغ إجمالي الصادرات الإيرانية 110 مليارات دولار في العام 2017. ومن المتوقّع أن تزيد الواردات لتصل إلى 64,6 مليار دولار، مما يعني أن واردات إيران ستفوق صادراتها بأشواط، وهذا أمر جديد على البلاد. علاوة على ذلك، من المتوقّع أن يخسر مجموع الاحتياطات الإيرانية الرسمية حوالي خُمس قيمته مقارنة بالعام الماضي، مُتراجعاً إلى 85,2 مليار دولار في العام 2020 وإلى 69,1 مليار في العام 2021. وعلى الأرجح أن تؤدّي الظروف الاقتصادية المتردّية بسرعة إلى مفاقمة التوتّرات السياسية.

العبء الاجتماعي الاقتصادي

في مطلع أبريل، أفادت تقارير أنّ استطلاعاً للرأي في طهران بيّن أنّ 70 في المئة من السكان يواجهون ضيقة مالية في محاولاتهم لتأمين القوت لعائلاتهم أم أنّ مدخّراتهم ستنفد في غضون شهرين من البطالة. وقالت قرابة نصف المُستَطلعين إنّها لا تثق بالإحصاءات الرسمية بشأن فيروس كورونا المستجدّ. وكانت شكوكهم مبرّرة. فتبعاً لتقرير صدر في أبريل عن مركز مجلس للبحوث التابع للبرلمان الإيراني، تفوق أعدادُ الوفيات التي تسبّب بها الفيروس في إيران الأرقامَ الرسمية بنسبة 80 في المئة على الأرجح، فيما فاقت أعدادُ الإصابات الأرقامَ الرسمية بثمانية أو عشرة أضعاف ربّما.

وعلى غرار الدول الأخرى، تأثّرت استجابة الناس للفيروس والإجراءات الحكومية بالفجوة الطبقية في إيران. ففيما حَجَرَ بعضُهم نفسه في القسم الشمالي الراقي من طهران، استمرّ بعضهم الآخر باستعمال النقل المشترك المكتظّ للذهاب إلى العمل في القسم الجنوبي الفقير من العاصمة. وفي 11 أبريل، قال نائب وزير الصحّة أنّ رُبع المصابين بالفيروس تعرّض للعدوى في وسائل النقل المشترك، بما فيها الحافلات والمترو.

واللافت أنّ أسعار العقارات والذهب (استثمارَين رئيسيَّين) ما زالت ترتفع، فيما لا تزال قيمة العملة في تراجع. فقد أعلنت وزارة الطرقات والتنمية الحضرية الإيرانية في مايو أن متوسّط سعر الشراء للمتر المربّع من مساحات السكن في طهران وصل إلى 17 مليون تومان (نحو 900 يورو)، بعدما ارتفع بنحو 80 يورو في غضون أربعة أسابيع، فيما ارتفع سعر الذهب أكثر من 14 في المئة بين 17 أبريل و17 مايو. وقد ساهمت المضاربة وعمليّات شراء العقارات وبيعها بسرعة إلى حدّ كبير في الماضي في رفع الإيجارات وأسعار العقارات باستمرار، ولا سيّما في طهران. في الوقت عينه، ما فتئت العملة الوطنية تخسر من قيمتها، فوصلت إلى 18800 تومان لليورو في مايو، مقارنة بـ15 ألفاً في مارس.

تحذيرات من الاحتجاجات وأعمال الشغب

حذّر مركز مجلس للبحوث في مطلع أبريل من إمكانية اندلاع “احتجاجات وأعمال شغب” بسبب التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا المستجدّ. وفي 11 أبريل، كتب علي ربيعي، المتحدّث باسم إدارة روحاني، أنّ تفشّي فيروس كورونا المستجدّ أثّر سلباً في 3,3 مليون موظّف بدوام كامل و4 ملايين عامل يعملون لحسابهم الخاص، مع خسارة 7 ملايين إيراني عملهم أم تمّ توقيفهم عن العمل أم تخفيض رتبتهم بشكل مؤّقت. وفي السابق، نُقل عن روحاني قوله إنّ 30 مليون إيراني عانوا خسائر اقتصادية، لكنّ المتحدّث باسمه نفى هذا الأمر لاحقاً. وقد دقّت الشخصيّات السياسية الإيرانية على اختلاف توجّهاتها ناقوسَ الخطر، متوقّعة اندلاع “أعمال شغب أكبر من عامَي 2017 و2019″ و”جولة أكثر حدّة من العنف”.

وتبعاً لشركة “آي أتش أس ماركيت” (IHS Markit)، فإن امتزاج الشكاوى والصراعات القائمة مع تلك التي أطلقتها الجائحة حديثاً يعني أنّه على المدى القريب (الفترة التي ينتشر فيها الفيروس) “ينخفض خطر اندلاع احتجاجات وأعمال شغب في المناطق الحضرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، ولا سيّما في إيران. لكن تلفت هذه الشركة الانتباه إلى أنّه على المدى الطويل (عقب وصول التفشّي إلى أعلى مستوياته)، ستكون إيران من بين “الدول الأكثر عرضة للاضطراب الذي يسبّب عدم استقرار”. وبالفعل، من شأن التداخل بين الأزمات القائمة وتلك الناشئة أن يُحيي الاحتجاجات الشعبية على الأرجح. وقد زاد تدهور الظروف الاقتصادية والاجتماعية الاقتصادية، إلى جانب استجابة النظام المضلّلة للجائحة، من نفور شعب خائب أصلاً، ممّا يبيّن بوضوح أنّه ليس للنظام ما يقدّمه إزاء شكاوى الإيرانيين المتعددّة الأوجه.

Authors