October

03
2016

10:00 pm AST - 11:30 pm AST

إنقاذ الأرواح، إنقاذ الاقتصادات: حوار مع الدكتورة نجوزي أوكونجو ايويلا

Monday, October 03, 2016

10:00 pm - 11:30 pm AST

معهد الدوحة للدراسات العليا - القاعة الرئيسية


الدوحة, DC
الظعاين

على خلفية الركود الاقتصادي الذي طال أمده والتوسع العمراني الشامل والتغير المناخي، بالإضافة إلى أزمة اللاجئين، أصبحت العوامل التي تهدد الأمن الصحي العالمي والاستقرار الاقتصادي أخطر من أي وقت مضى. يهدد الخطر المتزايد من تفشي الفيروسات الخطط الموضوعة من أجل النمو الاقتصادي والتنمية، كما أنه يتطلب تنسيقاً دولياً أكبر بين قادة العالم. وفي عالم تسوده العولمة، هناك اعتراف متزايد بأن التطعيم والتحصين أصبحا من بين المنافع العامة العالمية.

نظّم مركز بروكنجز الدوحة ومركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بمعهد الدوحة للدراسات العليا ندوة في 3 أكتوبر 2016 مع الدكتورة نجوزي أوكونجو ايويلا تحدثت فيها عن كيفية معالجة المسائل المتعلّقة بأمن الصحة العالمية. وقد أدار هذه الندوة مدير مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني سلطان بركات.

في ظل قوى عالمية قوية تهزّ التركيبة السكانية وتغيّرها وتزيد من مخاطر انتشار الأمراض المعدية، قالت أوكونجو ايويلا إن برامج التطعيم للأطفال يجب أن تكون أولوية ليس لأنها حاجة إنسانية فحسب، بل أيضاً لأنها تشكّل ضرورة اقتصادية. وتفسّر قائلةً: “تكمن الصحة العالمية في قلب إنقاذ اقتصادنا.”

وقدمت نموذج التحالف العالمي للتطعيم والتحصين، جافي (Gavi)، كإطار لمعالجة التحديات الصحية. فمن خلال تقديم المساعدة الصحية للسكان الذين هم بأشد الحاجة للمساعدة، يحاول هذا التحالف الذي يضم فاعلين من القطاعين العام والخاص، معالجة أوجه التفاوت الجسيمة في نوعية الرعاية الصحية التي يحصل عليها السكان في مختلف أنحاء العالم، وذلك من خلال معادلة الحصول على لقاحات للأطفال. وهكذا، يكون هذا التحالف قد وسّع مفهوم الصحة العالمية ورسم روابط بينه وبين الاستقرار الاقتصادي العالمي.

وبسبب الآثار الجسيمة للأوبئة على البنية التحتية والتراجع الكبير في مجالي التجارة والصناعات الخدمية، قالت أوكونجو ايويلا إن آثار تفشي مرض فيروس الإيبولا في غرب أفريقيا، وفيروس زيكا في الأمريكيتين، ومرض السارس في آسيا كانت مدمرة لاقتصادات المنطقة تماماً كالصراعات المسلحة. وناقشت أولاً البراهين من فيروسي زيكا والايبولا. كلفت النتائج الاقتصادية لفيروس زيكا دول أمريكا اللاتينية 3,5 مليار دولار أمريكي في العام 2016 وحده. أما في غينيا وليبيريا وسيراليون، وهي الدول الثلاثة الأكثر تضرراً من تفشي الإيبولا، فيقدّر الخبراء أنّ تكلفة هذا الفيروس قد وصلت إلى 2,8 مليون دولار أمريكي. وبما أنه من المبكر جداً احتساب التكاليف الأوسع على المدى الطويل لهذين الوباءين، فإنّ هذه الأرقام لا تعكس تأثيرهما بالكامل. وعلى سبيل المثال، يقدر البنك الدولي أنّ الكلفة الاقتصادية العالمية الأوسع لتفشي السارس في العام 2002 ستبلغ 54 مليار دولار أمريكي.

وبالإضافة إلى ذلك، أوضحت أوكونجو ايويلا أنه غالباً ما يكون الخوف من تفشي الفيروس معدياً مثل المرض نفسه، ويمكن أن يتسبب بخفض الدخل القومي من قطاع السياحة بشكلٍ حاد. حتى دول الخليج، والتي تعتمد برامج تحصين فعالة للغاية تقوم بتطعيم جميع الأطفال تقريباً، هي معرّضة للخطر في حال انتشار المرض عبر حدودها. تكون المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، في خطر خلال موسم الحج بسبب تدفق الحجاج الوافدين إلى البلاد بالملايين. أكدت أوكونجو ايويلا أنه في حال أراد المجتمع الدولي ضمان الأمن الصحي العالمي والاستقرار الاقتصادي، لا بد أن من تطعيم الجميع بغض النظر عن البلد الذي يعيشون فيه. لا تنحصر آثار تفشي الوباء بحدود جغرافية معينة؛ بل تصبح التداعيات إقليمية وعالمية. لا بد من الإشارة إلى أنّ الإجراءات الأمنية ومراقبة الحدود تتمتع بفعالية محدودة للتعامل مع تفشي الأمراض الفيروسية، لأن أعداد البشر المسافرين وسرعة تنقلهم من بلد إلى آخر في أيامنا هذه غالباً ما تفوق سرعة ظهور أعراض الفيروس على المريض. بالتالي، تعتبر أوكونجو إيويلا أنّ الوقاية من انتشار المرض من خلال اللقاحات والتحصين هو الحل الوحيد القابل للتطبيق.

هذا وينتج عن التطعيم فوائد اجتماعية لا تعد ولا تحصى، بالإضافة إلى منع تفشي الفيروس. إذ إنّ الأطفال الذي لُقّحوا هم أقل عرضة لطلب الرعاية الصحية، مما يحد من النفقات الصحية الوطنية. وهم أيضاً أقل عرضة لأخذ إجازات مرضية من المدرسة، الأمر الذي من شأنه أن يحسن مستواهم العلمي وقدرتهم على إيجاد فرص عمل ذات دخل معقول، فضلاً عن رفع الإنتاجية الوطنية والنمو الاقتصادي. وفي هذا الصدد، استشهدت أوكونجو إيويلا بنتائج دراسة نشرتها مجلة الشؤون الصحية الأمريكية (Health Affairs) التي أظهرت أن كل دولار يستثمر في تحصين الطفل يوفّر 16 دولار من تكاليف الرعاية الصحية والأجور الضائعة و44 من الفوائد الأوسع.

ومع ذلك، لا يزال واحد من بين كل خمسة أطفال ليس لديه وصول إلى اللقاحات الأساسية ويموت 1,5 مليون طفل سنوياً بسبب أمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات. وشددت أوكونجو إيويلا على ضرورة أن يسرّع المجتمع الدولي جهوده من أجل تحسين توزيع التطعيم وتوازنه في جميع أنحاء العالم. إذ غالباً ما يعيش الأطفال الذين لا يمكنهم الوصول إلى اللقاحات في القرى الريفية والمستوطنات غير الرسمية في المناطق المهمشة. وفي ظل ارتفاع معدلات التحضر والنزوح الجماعي وتدفقات اللاجئين، من المتوقّع أن يرتفع الخطر على المراكز الحضرية بسرعة، الأمر الذي يصعّب عليها أكثر القدرة على تقديم الخدمات اللازمة لهذه المجتمعات. لقد شكّل تنامي ظاهرة الأحياء الفقيرة التي تعمل إلى حد كبير خارج هياكل حكم الدولة الرسمي أرضاً خصبة للأمراض المعدية ومنع الدول من تجميع سجلات صحية دقيقة لهذه المجتمعات. بيد أن الانكماش الاقتصادي العالمي الحالي وميزانيات المساعدات المشدّدة تهدد بزيادة تقييد القدرة على الاستجابة بفعالية ضد تفشي مرض فيروسي في المناطق الأكثر عرضة للخطر.

لقد أصبح من المهم، أكثر من أي وقت مضى، التركيز على ضمان الأمن الصحي العالمي من أجل الاستجابة للصعوبات المصاحبة للتحديات الاقتصادية والديموغرافية والسياسية الجديدة التي تعيد تشكيل المشهد العالمي. وقامت أوكونجو إيويلا بتوضيح الدور الذي يمكن أن يلعبه التطعيم كاستجابة لتحديات القرن الحادي والعشرين، واعتبرت التطعيم جزءاً لا يتجزأ من بنية التنمية الاقتصادية الكبرى. في الوقت نفسه، حضت الحكومات على أن تدرك أن المجتمع الدولي لا يمكنه ضمان الأمن من دون عدالة. وبالتالي، فإنّ الفشل في تحصين المجتمعات الأكثر فقراً وضعفاً يخلق التزامات أمنية للبلدان الأغنى والأكثر تقدّماً في عالم معولم ومترابط. اختتمت أوكونجو إيويلا حديثها قائلةً إنّه لا بد للمجتمع الدولي أن يضع على رأس أولوياته برامج التطعيم العالمية “ليس لأنه الأمر الصحيح الذي ينبغي القيام به، ولكن لأنه الأمر الذكي”.