June

16-17
2020

الحوكمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: ما الدروس التي يمكن استقاؤها من الاستجابات لفيروس كورونا المستجدّ؟

Tuesday, June 16 - Wednesday, June 17, 2020


نظّم مركز بروكنجز الدوحة وكلّية السياسات العامة في جامعة حمد بن خليفة ورشة عمل عبر الإنترنت في 16 يونيو 2020 لمناقشة التحديات المؤسّساتية والحوكمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي فاقمتها جائحة فيروس كورونا المستجدّ. وعلى مدى الجلسات الثلاثة، قيّم المشاركون طبيعة هذه التحديات والمسارات العملية التي بإمكان دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اتّخاذها لتخطّي هذه التحديات. وشارك في الندوة مجموعةٌ من الخبراء المرموقين، وألقى الكلمات الافتتاحية ليزلي بال، العميد المؤسّس لكلّية السياسات العامة؛ وطارق يوسف، مدير مركز بروكنجز الدوحة؛ ورئيسا ورشة العمل نادر قبّاني وأنيس بن بريك.

الجلسة الأولى: الدول ذات الدخل المتوسّط

بدأت الجلسة بملاحظة مفادها أنّ معظم الدول ذات الدخل المتوسّط طبّقت إجراءات متشابهة حيال فيروس كورونا المستجدّ، على غرار إغلاق الحدود والتشجيع على التباعد الاجتماعي ووقف النشاطات الاقتصادية غير الضرورية. بيد أنّ نتائج الجائحة اختلفت بشكل لافت بين هذه الدول، ولم تأتِ بطرق كانت لتتوقّعها مؤشّرات الحوكمة ما قبل الجائحة. وناقش المشاركون العوامل المختلفة التي تفسّر ربّما هذه الاختلافات في النتائج، من ضمنها الخبرة في التعامل مع الأزمات والمؤسّسات القوية والثقة بالحكومة وقدرة الصحّة العامة على الاستيعاب وكثافة السكن. وينبغي على البحوث العتيدة أن تتطرّق بشكل أكبر إلى “مثلثيّة البيانات” لمعرفة ما الذي يُفرّق بين استجابات الدول ونتائجها. وفي وسع معلومات كهذه أن تكشف عن نقاط الضعف وتحثّ على تحسين الحوكمة في المنطقة.

وتمّ تقديم عرض ألّفته اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) عن توقّعات الفقر وانعدام المساواة. وبيّن العرض أنّ الجائحة يمكن أن تؤدّي إلى خسارة في الثروات تفوق قيمتها 400 مليار دولار وخسارة ستّة ملايين وظيفة بدوام كامل في الدول العربية بحلول نهاية العام 2020، ممّا سيوقع 16 مليون شخص إضافي في حالة الفقر في العام 2021. وناقش المشاركون مزايا مختلف السياسات العامة المُعتمدة للتخفيف من أثر الجائحة الاجتماعي الاقتصادي، بما في ذلك جدوى طرح ضريبة على الثروات في المنطقة. وستفرض سياسة كهذه اللجوء إلى إصلاحات حوكمة كبيرة، بما في ذلك المزيد من شفافية البيانات عن الدخل والثروات، فضلاً عن عقد اجتماعي جديد.

الجلسة الثانية: الدول الهشّة

بدأت الجلسة بالبحث في أرقام الإصابات والوفيات المنخفضة في الدول التي تواجه صراعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويُعزى ذلك على الأرجح إلى غياب الدقة في جمع البيانات والإبلاغ. بيد أنّ فيروس كورونا المستجدّ سيستمرّ بالانتشار في تلك الدول لأنّ أنظمة الرعاية الصحّية قد انهارت وقدرات إجراء الفحوص محدودة للغاية. علاوة على ذلك، من المرجّح أن تكون معدّلات الوفيات أعلى بكثير لأنّ صحّة سكّان تلك الدول متردّية أصلاً بسبب سوء التغذية والأمراض مثل الكوليرا. وناقش المشاركون أيضاً النقص في مساعدات التنمية الخارجية وتراجع التحويلات المالية بسبب الأوضاع الاقتصادية العالمية المتردّية، ولفتوا الانتباه إلى أنّ تحرير قنوات التحويلات المالية يمكنه أن يؤثّر في العمليات السياسية بأسرها، ولا سيّما للدول التي تعاني صراعات والتي تمرّ بنوع من التحولات السياسية، على غرار الصومال والسودان.

وبحث نقاش ثانٍ في العوامل المرتبطة بالدولة والمحدِّدات الاجتماعية التي تؤثّر في استجابات الدول للجائحة. وسلّط النقاش الضوء على أهمّية تنسيق الاستجابة في مختلف المناطق، وهذا أمر يصبح صعباً عندما تضمّ الدولة مناطق سلطة مُتنازع عليها. علاوة على ذلك، تعتبر الثقة السياسية والاجتماعية غاية في الأهمّية لضمان الامتثال إلى القيود، لكنّ أشكال الثقة هذه منخفضة بين مختلف المجموعات في الدول التي تعاني صراعات. وصنّف المشاركون العوامل التي تحدّد الاستجابة الناجحة، شأن قيادة الدولة وقدرة الدولة الاستيعابية وثقة الناس، مشدّدين على أنّ للثقة دوراً أساسياً. وناقشوا أيضاً الطريقة التي يمكن فيها اللجوء إلى الحلول التكنولوجية للتعويض عن عدم قدرة الدولة على الاستيعاب، لكن بإمكان الحكومات السلطوية استخدامها أيضاً للمراقبة.

الجلسة الثالثة: الدول الغنيّة بالموارد

بدأت الجلسة بلفت النظر إلى أنّ أسعار النفط المتهاودة أثّرت إلى حدّ كبير في قاعدة الواردات لدى دول مجلس التعاون الخليجي وأدّت إلى طرح الأسئلة حول تعبئة الإيرادات. وقد استثمرت دول مجلس التعاون الخليجي كثيراً في السياحة وتجارة التجزئة والإنتاج والفعاليات العالمية (من رحلات الحجّ إلى دبي أكسبو 2020)، وكلّها تأثّر بشدة بالجائحة. وقال المشاركون إنّ مقاربة الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص هي الطريقة الوحيدة للسير قدماً في مشاريع جديدة وتَخطّي التحديات المالية العالمية، بيد أنّ تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في عالم بإنتاجية أدنى صعبٌ.

ثم ناقش المشاركون الخصائص الديمغرافية لدول مجلس التعاون الخليجي، مشدّدين على أنّ العمّال الوافدين هم الأكثر عرضة للإصابة بسبب رداءة صحّتهم واكتظاظ مساكنهم، لكن لم يكن الإبلاغ عمّا يحصل معهم على قدر المستوى. بيد أنّ الشعب الشاب نسبياً والأسر المُتعدّدة الأجيال في دول مجلس التعاون الخليجي قد تقلّل من المخاطر مقارنة بالغرب. أما من ناحية القدرة الاستيعابية للرعاية الصحّية العامة، فوضع الدول الخليجية عموماً أفضل من باقي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لكنّ معظم المبادرات المرتبطة بالجائحة في دول مجلس التعاون الخليجي كانت مُمكِنة بفعل الاستثمارات وليس الإبداعات.

وختم المشاركون بلفت النظر إلى أنّ الجائحة قد تزيد من تحدّيات التوظيف في المنطقة وتفاقم السلطوية وتهدّد حرّية التعبير عن الرأي. لكنّهم استعرضوا ثلاثة مجالات محتملة للتحسين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جعلت الجائحة تحقيقها ممكناً: (1) التعاون بين الحكومات و(2) الخصخصة الاقتصادية، ولا سيّما في دول مجلس التعاون الخليجي و(3) الحوكمة المتنقّلة والحوكمة الإلكترونية. واتّفق المشاركون على الغوص أكثر في هذه المسائل وبمتابعة النقاش في الأشهر المقبلة.