Commentary

اليمن: وقف إطلاق النار والفرص الضائعة

A pro-Houthi soldier stands on a military armoured personnel carrier next to a poster of Yemen's former President Ali Abdullah Saleh during a tribal gathering held to mobilize fighters for battles against government forces, in Sanaa, Yemen November 24, 2016. REUTERS/Khaled Abdullah - RTST35J

كان يُفترض أن يكون الإعلان لوقف إطلاق نار آخر في اليمن في منتصف نوفمبر خبراً جيداً. ظاهرياً، كانت الأسباب إنسانية وراء الوقفة القصيرة في القتال الدائر بين قوات التحالف التي تقودها السعودية والمؤلّفة من القوات الموالية لليمن ضد المتمردين الحوثيين. لكن وقف إطلاق النار لم يستمر، وتشير التقارير إلى أنّه لن يُجدّد. ببساطة، لم تكن المدة الوجيزة لوقف إطلا ق النار هذا – ووقف إطلاق النار لفترات قصيرة عموماً، حتى عندما يستمر- كافية للبدء في معالجة الآثار المترتبة على العنف الذي طال أمده  في هذه الدولة الضعيفة الشديدة الفقر على شعبها.

حتى قبل هذه الجولة الأخيرة من الاضطرابات، وقبل إطلاق الحملة العسكرية بقيادة السعودية في اليمن في مارس 2015، كان البلد من أفقر دول الشرق الأوسط. وقد وصفت الأمم المتحدة الوضع الراهن في اليمن أنه من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. وقد عمّق الصراع من حدة الأزمة الإنسانية الطويلة التي ترافقت مع فقر مدقع وضعف في الأداء الحكومي وغياب شبه كامل لسلطة القانون.

صدمات اليمن

منذ اندلاع ثورات الربيع العربي في العام 2011، عانى اليمن صدمات سياسية واحدة تلو الأخرى. أُطيح برئيسه المستبد علي عبدالله صالح من السلطة بضغط شعبي، لكن خلفه، منصور هادي، فشل في الفوز بتأييد شعبه. استولى الحوثيون على السلطة في اليمن في سبتمبر 2014 وفي شهر مارس من العام التالي، أُجبر الرئيس هادي على مغادرة اليمن في نفي قسري إلى العاصمة السعودية الرياض.

منذ ذلك الحين، انهار البلاد أكثر فأكثر في الوقت الذي كانت فيه قوات التحالف بقيادة السعودية تحارب المتمردين الحوثيين، الذين يعتقد كثيرون أنهم يتلقون دعماً بالسلاح والأموال من إيران. وقد ساهم هذا النوع من التأثير الخارجي من قبل لا عبين خليجيين في تفاقم حدة الصراع في دولة ناضلت كثيراً للمحافظة على وحدة نسيجها الوطني عبر عقود من الحكم الاستبدادي.

ضحايا الصراع

الضحايا الرئيسيون في الصراع اليمني ليسوا من القوات المسلحة من كلا الجانبيين، بل هم الأشخاص العاديون. وقد أشارت الأمم المتحدة أنه منذ شهر مارس 2015، بلغ معدل القتلى والجرحى 113 شخص يومياً في اليمن. علماً بأن هؤلاء هم بالغالب الأشخاص غير القادرين على تأمين قوتهم اليومي، والذين لا تتوفر لهم المياه النظيفة أو مرافق التصريف الصحي. هناك أيضاً حوالي  3,5 مليون يمني مشرّد بدون مأوى: وهؤلاء إما نزحوا داخلياً، أو اضطروا للهرب واللجوء إلى دول أخرى.

ليست فترات وقف إطلاق النار التي تستمر مدة 48 أو 72 ساعة، حتى لو تم احترمتها الفصائل المتحاربة، إلا حبّة رمل في صحراء شاسعة، وهي لا تكفي لسد الحاجات الهائلة التي ولّدها الصراع. وكما شهدنا هذا الشهر، فإن فترات الهدوء القصيرة في القتال لا توفر الوقت الكافي لإيصال الطعام والمساعدات الطبية والماء لملايين اليمنيين الذين هم بأمس الحاجة للمساعدة العاجلة. ومن المؤكد أنه ليس منا يكفي من الوقت لإعادة بناء البيوت والأسواق والعيادات والمستشفيات المهدّمة، أو لإنقاذ مئات الأطفال اليمنيين الذين أُجبروا على المشاركة في القتال كجنود. إن إعادة الإعمار ودعم إسكان النازحين نتيجة الصراع، ومساعدة الأشخاص الذين يؤونهم داخل اليمن أضاف عبئاً ثقيلاً على كاهل السكان المدنيين. كما تزيد طبيعة الصراع اليمني الطويل أيضاً من مسؤوليات الدولة في ما يتعلق بالمساعدات والانتعاش الإنسانيين.

أزمة الموارد والإرادة السياسية

حتى لو أتاحت فترة وقف إطلاق النار القصيرة منفذاً كافياً للوكالات الإنسانية والإغاثية، وحتى لو تم تمديدها، إلا أن عقبة كبيرة تقف في الطر، وهي مصادر المساعدات. فرغم أن دول الاتحاد الأوروبي – بالإضافة إلى دولٍ أخرى كالولايات  المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة – قد تعهدت بإرسال مساعدات وإعانات إلى اليمن ضمن إطار خطة الاستجابة الإنسانية، إلا أن بعض التعهدات المالية لم يُنفّذ، والدعوات إلى مزيد من التمويل لم تؤتِ ثمارها. فقد طالبت الأمم المتحدة بمبلغ وقدره 1,63  مليار دولار لمساعدة المدنيين في اليمن – لكنها، ابتداءً من يونيو هذا العام، لم تتلقَ إلا 25 بالمئة من قيمة هذا المبلغ. ومنذ نوفمبر، تدل المؤشرات إلى أن المبالغ المستلمة ما تزال أقل بكثير من المبالغ المطلوبة للمساعدة.

من المرجح أن تعيد الولايات المتحدة الأمريكية في المستقبل ضبط استراتيجيتها في اليمن. في العام 2016 كانت إدارة أوباما المانح الأكثر سخاءً في تقديم الدعم لليمن ضمن إطار خطة الاستجابة الإنسانية؛ لكن لا توجد ضمانات حول ما إذا كانت إدارة ترامب ستستمر في تأمين نفس المستوى من المساعدات، لاسيّما وأن الرئيس المنتخب ترامب كان قد أعلن عن عدم رغبته في تمويل الجهود الخارجية بأموال يمكن للشعب الأمريكي الاستفادة منها في الداخل. أما على الصعيد الدبلوماسي، فمن المحتمل أن تتراجع إدارة ترامب عن لعب دور الوسيط الفاعل في الصراعات الشبيهة بالصراع اليمني، في تباين واضح مع الجهود التي بذلها وزير الخارجية جون كيري في هذا الإطار. على الإدارة الجديدة أن تعيد النظر في الدور الذي تلعبه واشنطن بتقديم الدعم العسكري الاستخباراتي والعملياتي للتحالف السعودي، فقد أجج  الدعم الأمريكي الصراع وساهم في هذه التكلفة الإنسانية العالية. بالإضافة إلى ذلك، على الولايات المتحدة الأمريكية أن تتواصل بقوة أكبر مع الرياض للحدّ من الخسائر البشرية في صفوف المدنيين في هذه الحملة العسكرية الوحشية.

لسوء الحظ، من غير المرجح أن تضع صيغة وقف إطلاق النار في اليمن، بصورتها الحالية، حداً للصراع أو حتى أن تحمي اليمنيين المدنيين الذين لا يزالون عرضةً للاستهداف والتهجير. وقد يصبح الوضع أسوأ بكثير في ظل إدارة ترامب، لاسيّما إذا توقّف دعم هذه الجهود وقُطعت الإعانات.