Commentary

لماذا سيضر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بآفاق السلام في الشرق الأوسط؟

اعتبر مناصرو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الذي وصفها البعض بالربيع العربي في المملكة المتحدة، أنه الخطوة المناهضة للمؤسسات والوضع الراهن الذي من شأنه أن ينشط ثروات الأمة. ولكننا نعلم الآن أنه، كما في الربيع العربي كذلك في هذا الخروج، ليس هناك أي خطة. ففي المرحلة التي تلته، سادت حالةٌ من الفوضى وعدم التنظيم، ورغم أنّ البريطانيين قد لا يتعرضون للبؤس الذي عاناه العالم العربي، إلا أنّ ذلك لا يعني أنّ كل شيء سيكون على ما يرام.

لا يمكن أن يكون قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي قد أتى في وقت أسوأ من ذلك: إذ يشهد المجتمع الدولي اضطرابات كبيرة ويواجه ما وصفه السير جون ساورز، رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية البريطانية السابق، بـ “تهديدات كتلك التي نشهدها خلال الحروب الباردة”. لقد وضعت التصورات الشعبية السياسة الخارجية على الهامش – بسبب الحروب المكلفة في العراق وأفغانستان إلى حد كبير – ولكنه سيكون من الخطأ الافتراض أنّ ما يحدث في العالم، كمحاربة الإرهاب أو عدم اليقين الاقتصادي أو العداء بين روسيا والصين، ليس له أي آثار على المملكة المتحدة.

لقد ألغت العولمة إلى حد كبير مفهوم التهديدات البعيدة. بالتالي، الأحداث التي تجري في قرية في أفغانستان أو في أراضٍ تحت سيطرة داعش يهدد مصالحنا في الداخل. إنّ بريطانيا اليوم هي في خطر من أن تُترك مضعفة، إلا أنها معرّضة للأزمات الدولية كما كانت من قبل.

تكون هذه الأزمات الأكثر حدة في منطقة الشرق الأوسط حيث تتمتع المملكة المتحدة بقوة ناعمة كبيرة وعلاقات ثنائية قوية تعزى إلى تاريخها الاستعماري. في الواقع، إن أولئك الذين يحاولون الوصول إلى المملكة المتحدة هم بغالبيتهم من مناطق الصراعات مثل سوريا والعراق وأفغانستان، إذ بشكل عام يفضّلون أن تكون المملكة المتحدة وجهتهم النهائية بسبب اللغة الإنجليزية ومكانتها العالمية وتسامحها مع مختلف الأديان والثقافات.

بيد أنّ المملكة المتحدة هي الآن أمام شرق أوسط ونظام عالمي تزداد فيهما الدول الهشة والفاشلة، وكذلك الميليشيات والإرهابيين الذين لديهم أمكانية الوصول إلى موارد كبيرة ومساحات واسعة من الأراضي. هذه هي أسباب المشاكل ومضاعفاتها، على غرار أزمة اللاجئين أو الإرهاب الجهادي، ولن تُحلّ في أي وقت قريب، مع أو بدون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

في حين أنه يمكننا في بعض الأحيان أن نشيح النظر عن مناطق الصراع ونعتمد على موارد البلاد الأوروبية للقيام بعملنا عنا، إلا أننا قد نجد أنفسنا الآن غير مجهزين بشكل كاف في وقت تسيطر عليه حالة عدم اليقين الاقتصادي. تقوم بريطانيا بتحويل مصادرها بعيداً عن قدراتها الدفاعية وهي تبتعد عن سياسات التدخل سياساتها الأحادية في الخارج. وكثيراً ما سلطت الحكومة المحافظة الضوء على الحاجة لحل الأسباب الجذرية للمشاكل، مثل أزمة اللاجئين. إلا أنّ أي دعوات للاتحاد الأوروبي لتقديم المزيد من المساعدات للاجئين أو لتخفيف قيود الاتحاد على التجارة من أجل تحفيز النمو الاقتصادي والتخفيف من محنة اللاجئين قد تقع الآن على آذان صماء.

من الناحية العملية، يعني خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أنها ستفتقر إلى القدرة على تشجيع الشركاء الأوروبيين لاستثمار طاقتهم ومواردهم في أماكن مثل العراق وليبيا، حيث لا تزال المجموعات الجهادية تزدهر والصراعات الطائفية تجرّ البلاد نحو الهاوية. وهذا يعني أيضاً عدم قدرتها على ممارسة الضغط من أجل تحقيق الإصلاح السياسي في البلدان التي تعاني من ضعف المؤسسات أو الحكومات العنيفة. هذا وستعطي حالة عدم الاستقرار الاقتصادي في المملكة المتحدة الأولوية للتجارة مع البلدان التي تفاقم بيئاتها السياسية التهديدات التي نواجهها. وسيترتب على ذلك تأثير غير مقصود يضع المملكة المتحدة على خط الصدع لحرب طائفية متفاقمة بين القوتين الإقليميتين السعودية والإيرانية.

لطالما كان الاتحاد الأوروبي بعيداً عن المثالية. ولم تستفد المملكة المتحدة إلى الحد الأقصى من فرصها للتعاون المتعدد الجوانب في ما يتعلق بالتحديات والأزمات المتعددة التي تواجه المجتمع الدولي. لكن رغم هذه التحديات، لقد تضاعف النفوذ البريطاني على المستوى العالمي بسبب الاتحاد الأوروبي، وبدا ذلك واضحاً في الاتفاق النووي الإيراني الأخير. وقد أظهرت سوريا أن حين لا نتدخل [للحد من] النتائج الكارثية للسلام والاستقرار، فإن دول أخرى كروسيا ستفعل ذلك.

يمكن أن يحمل مستقبل بريطانيا تفاؤلاً أكبر في حال استثمرت في سياستها الخارجية ولو اعتمدت استراتيجية مع توجه وهدف. ليس هناك ما يدل على أنّ حكومة تيريزا ماي ستعالج أوجه القصور في السياسة الخارجية في الوقت الذي ترزح فيه البلاد تحت مشاكل اقتصادية وسياسية في الداخل. سوف لن يضر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قدرتنا على مواجهة التحديات الدولية فحسب، ولكننا أيضاً نفتقر إلى سياسة خارجية استباقية تحل محلها.

قد يكون الطغاة أو الروسيون أو القوى الناشئة كالصين هم من يضحكون آخراً: إذ ستمكّنهم العزلة والتقسيم من تعزيز نفوذهم ووجودهم في المناطق التي تشهد عنفاً، كالشرق الأوسط، وستمكّنهم في الوقت نفسه من تحدي النظام العالمي.

Authors