Commentary

دحلان: خليفة الرئيس عباس المنتظر؟

Mohammed Dahlan, a former Fatah security chief, gestures in his office in Abu Dhabi, United Arab Emirates October 18, 2016. Picture taken October 18, 2016. REUTERS/Stringer

لُقّب بالأمير تشارلز. والتشبيه واضح، فهو الوريث الوحيد الذي طال انتظار تسلمه الحكم من الزعيم الحاكم. ولكن، هنا ينتهي التشابه. قد يكون أمير من نوع آخر، أشبه بزعيم نيكولو مكيافيلي الذي يبني نجاحه على العمل، وليس مجرّد ادعاءات بالفضيلة.

لقد انتظر محمد دحلان طويلاَ، وهو الرجل الأكثر احتمالاً أن يقود السلطة الفلسطينية العليلة ويخلف رئيس منظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس. بدأت مرحلة الانتظار منذ أكثر من عقد خلال عهد سلف عباس الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، بيد أن دحلان يبدو أنه رجل صبور. ولد دحلان في مخيم للاجئين في غزة، حيث لا يزال يحتفظ ببعض الشعبية. وبدأ يكتسب الخبرة خلال الانتفاضة الأولى في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، واستفاد لاحقاً من رعاية عرفات ليصبح أول رئيس لجهاز الأمن الوقائي في قطاع غزة.

ميزات رئاسية

في هذه المرحلة من تاريخ الفلسطينيين، تتعدّ المزايا التي قد يبحثون عنها في الرئيس. بعد حوالي 50 عاماً من الاحتلال الإسرائيلي، قد لا يكون للمواهب المطلوبة من خليفة عباس علاقة بالأفكار الرومانسية للمناضلين من أجل الحرية الذين يزينون رؤوسهم بالكوفية بل بالقدرة على مناورة دهاليز السلطة في العواصم الأجنبية، بالإضافة لأن تكون سمعته أنه لا يرحم على المستوى السياسي الداخلي.

في الحقيقة، يعرف دحلان العقلية الأمنية الإسرائيلية من الداخل – فقد أمضى وقتاً في السجون الإسرائيلية – والخارج. يتمتع دحلان، بفضل قيادته للتنسيق الأمني المنتظم مع إسرائيل، بنظرة مهمة إزاء الطرق التي يرتبط من خلالها الأمن بالسياسة الإسرائيلية محلياً وفي ما يتعلق بأهم حليف لها أي الولايات المتحدة. حتى أعداؤه يعترفون على مضض بأن نهجه الأحادي التفكير والصارم في ما يتعلق بـ”العمل في مجال السياسة” يتطابق مع نهج خصومه الإسرائيليين. بالمقارنة مع منافسيه المحتملين، يتمتع دحلان بخبرة لا تضاهى في المجال السياسي والأمني الإسرائيلي، والترابط الداخلي والفروق الدقيقة في السلطة داخل إسرائيل.

إذا كان الفلسطينيون يريدون رئيساً جلس على طاولة المفاوضات مع الإسرائيليين وانتزع تنازلات اعتبرها آخرون غير محتملة، فإن دحلان هو رجلهم المنشود. ينسجم نهجه الصارم والعدائي أحياناً في السياسات مع حساسية سادت في المحيطين الإسرائيلي والأمريكي. يقول البعض إنّ هذه الحساسية قد ازدهرت في عهد رئيس الوزراء نتنياهو ووزير دفاعه أفيغدور ليبرمان، الذي يُزعم أنه التقى دحلان سراً.

إلا أن إسرائيل تبقى نقطة ضعف بالنسبة لدحلان. يدرك الكثير من الفلسطينيين – بمن فيهم أشخاص ضمن حركة فتح وكذلك من أعدائه في حركة حماس – جيداً كيف عمل دحلان في السابق عن قرب مع إسرائيل والولايات. واعتبرته حماس أنه يتعاون مع إسرائيل لتدمير الحركة. انصاع دحلان، أقله جزئياً، إلى خطة أمريكية لإسقاط حماس في قطاع غزة. ولكن عندما أسفرت الخطة عن نتائج عكسية كبيرة، انقلبت فتح على دحلان وألقت عليه اللوم ودفعته إلى العيش في المنفى في دولة الإمارات العربية المتحدة.

تحرّك إقليمي

خلال فترة وجوده في المنفى، لم يكن دحلان مكتوف اليدين. أصبح في دولة الإمارات مستشاراً أمنياً لولي العهد أبو ظبي الشيخ محمد آل نهيان، وتولى حقيبة واسعة وضعته في موقعٍ منحه مجموعة كبيرة من المناصرين في الشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا. ومن مقره في الإمارات العربية المتحدة، أصلح العلاقات مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حتى أنه مع حلول العام 2014، أي بعد مضي فترة وجيزة على تسلم السيسي زمام السلطة في القاهرة، قيل إن كان لدحلان “مكتب يحمل اسمه” على الطريق المؤدي إلى الجناح التنفيذي الخاص بالرئيس.

بيد أنّ سكان قطاع غزة لم يروا بعد نتائج هذه العلاقة. إذ إنّ مصر لم تفتح بعد معبر رفح، الذي يعتبر شريان الحياة الذي يربط قطاع غزة بالعالم العربي.

الطريق إلى الخلافة

قال زعيم فلسطيني بارز في حديثه عن دحلان مرّة: “كما تعلمون أنه في الماضي كانت القوى الخارجية تظنّ أنها يمكنها أن تصنع أمراءً وتضعهم على العروش، ومن ثم تجعل منهم ملوكاً. إلا أنّ المجتمع الفلسطيني لايقبل بسهولة مثل هؤلاء الأمراء، وقد رأينا مثالاً على ذلك مع دحلان وطرده من غزة”. رغم كل الدعم الإقليمي الذي يتمتع به دحلان، لا يزال الطريق طويلاً أمامه للوصول إلى رأس حركة فتح. ورغم ضعف فتح وعدم فعاليتها، لا يزال الكثير من الشخصيات الرفيعة المستوى داخل صفوفها، بما في ذلك الرئيس عباس، يبغضون دحلان. وقد حاول هذا الأخير إضعاف سيطرتهم بيد أنهم لا يزالوا يعرقلونه.

ومع ذلك، فإنه لا يزال يتمتع بتأييد نوع معين من كوادر حركة فتح في غزة ويجمع مؤيدين في الضفة الغربية حيث يغيب القانون عنها أكثر فأكثر. وفي مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في جميع أنحاء المنطقة، تستفيض أعماله الخيرية – وذلك واضح في القضايا التي تدعمها زوجته. هذا وتضغط قوى الرباعية العربية أيضاً على الرئيس عباس للسماح بإعادة دحلان، لا سيما في الوقت الذي تستعد فيه فتح لعقد مؤتمرها السابع وتفكر في مستقبلٍ ما بعد عباس.

قد يجد دحلان طريقاً بديلاً للوصول إلى السلطة، إلا أنّ ذلك يعتمد على التوصل إلى تسوية مع حركة حماس. وقد يصبح الأمر أسهل من ذلك لو استطاع دحلان إقناع السلطات المصرية بإطلاق سراح قادة حماس الذين أوقفتهم في العام 2015. قد يكون ذلك بمثابة خطوة لبناء الثقة من شأنها أن تغير اللعبة وأن تعزز مستقبل دحلان وطموحه بأن تحوّل من أمير إلى ملك.