Research

حماية العمّال الهنود في الخليج: ما يمكن أن تفعله نيودلهي

Workers stand at Labor City where migrant workers' accommodation is located in Qatar, January 13, 2016. REUTERS/Naseem Zeitoon

مقدّمة

في يوليو 2016، سرّحت شركة المقاولات السعودية “سعودي أوجيه” الآلاف من العمّال، بعدما تأثّر قطاع المقاولات إلى حدّ بعيد بتخفيضات الإنفاق على مشاريع البنى التحتية عقب هبوط أسعار النفط العالمية. ويُقال إنّ بعض هؤلاء العمّال لم يحصلوا على رواتبهم لأكثر من سبعة أشهر. وظهرت تقارير تشير إلى أنّ الشركة كانت قد توقّفت عن تأمين الطعام لموظّفيها الذين عجزوا عن شراء الطعام من أماكن أخرى بدون حصولهم على رواتبهم، فباتوا يعيشون وضعاً صعباً للغاية. وبحلول شهر أغسطس، أفاد مسؤولون هنود أنّ أكثر من 2,500 عامل هندي أمضوا مدّة عشرة أيّام بدون طعام.

يعمل حوالي 8,5 مليون هندي في الخليج، غالبيتهم العظمى من العمّال شبه المهرة أو غير المهرة.

ويعمل حوالي 8,5 مليون هندي في الخليج، غالبيتهم العظمى من العمّال شبه المهرة أو غير المهرة. ويشكّل هؤلاء العمّال مصدراً هامّاً للدخل في الهند ويساهمون في نجاح اقتصادات دول الخليج ورفاهها. على الرغم من ذلك، يواجه الشتات الهندي في الخليج تحديات خطيرةً وموثّقة جيداً في ما يخصّ حقوقه في العمل.

وطوال العقود الماضية، كانت استجابة الحكومة الهندية إلى هذه التحديات غير كافية ومجزأة. إلا أنّه في السنوات الأخيرة برزت بوادر التغيير مع ظهور حوافز جديدة تشجّع الهند على بذل المزيد من الجهد لحماية عمّالها في الاغتراب. ومع ذلك، تبقى جهود الحكومة محدودة وبطيئة. لكن لا يمكن التخفيف من محنة العمّال الهنود إلا إذا طوّرت الهند خطة شاملة للتعاطي مع دول الخليج والجهود المتعددة الأطراف وشركات التوظيف وأرباب العمل بالنيابة عنهم. ويناقش موجز السياسة هذا الطريقةَ التي تسمح بتحويل ذلك إلى حقيقة.

العمّال الهنود في الخليج

بدأت التدفّقات الرئيسية للعمّال الهنود إلى الخليج بعد الارتفاع الكبير الذي طرأ على أسعار النفط في العام 1973 والذي تلته أنشطة تنموية واسعة النطاق. وازدادت الأيدي العاملة غير الماهرة من الهند وباكستان في الخليج بحوالي 200 في المئة بين العامَين 1970 و1975. وبعد بضعة عقود، أدّت حرب الخليج الأولى إلى زيادة أخرى في عدد العمّال الهنود الذين توافدوا للحلول محلّ العمّال العرب الذين سُرّحوا بسبب عدم دعم بلادهم بشكل كامل جهود طرد القوّات العراقية من الكويت. ويبيّن الجدول التالي توزيع العمّال الهنود في كل بلد اعتباراً من العام 2016.

الجدول رقم 1: حجم الشتات الهندي في دول مجلس التعاون الخليجي

البلد السكّان الهنود مجموع عدد السكّان (مليون) نسبة الهنود من عدد السكّان (%)
البحرين 316,000 1.4 22.1
الكويت 923,000 4.1 22.8
عمان 796,000 4.4 18.0
قطر 600,000 2.6 23.3
المملكة العربية السعودية 300,5000 32.3 9.3
الإمارات العربية المتحدة 2,804,000 9.3 30.2

المصدر: وزارة الشؤون الخارجية الهندية؛ الأمم المتحدة، 2017.

من الممكن تقسيم الشتات الهندي إلى فئتين: فئة العمّال المهرة والعمال ذوي المهارات العالية، وفئة العمّال شبه المهرة وغير المهرة. وفي العام 2014، شكّل العمّال المهرة وذوو المهارات العالية حوالي 30 في المئة فقط من اليد العاملة الهندية في الخليج، في حين أن نسبة 70 في المئة المتبقّية كانت من العمّال شبه المهرة أو غير المهرة. وستركّز هذه الورقة على هذه المجموعة الأخيرة، نظراً إلى حجمها وإلى التحديات الكثيرة التي تواجهها.

التحديات التي يواجهها الشتات الهندي في الخليج

تعاني نسبة كبيرة من العمّال الهنود شبه المهرة وغير المهرة في الخليج ظروفاً قاسية وحرماناً من حقوق العمل الأساسية. وبالنسبة إلى الكثير من العمّال، تفاقم هذا الوضع بعد الانكماش الاقتصادي المرتبط بانخفاض أسعار النفط مؤخراً في الكثير من دول الشرق الأوسط المصدِّرة للطاقة.

ويعمل معظم الأيدي العاملة الهندية المنخرطة في القطاع الخاص في الخليج بموجب نظام الكفالة. وعلى الرغم من إجراء بعض الإصلاحات في الآونة الأخيرة، لا يزال نظام الكفالة يربط ترخيص إقامة العامل الأجنبي بكفيل، إذ يحتاج العمّال إلى موافقة خطّية من كفلائهم لتغيير مكان عملهم أو الخروج من البلد في الظروف العادية. وقد أدانت منظمة العمل الدولية هذه الممارسة.

وعلاوة على حرمان نظام الكفالة العمّالَ الأجانب حرّية التنقّل، وهو حقّ من حقوق الإنسان الأساسية، يرسّخ هذا النظام نظاماً قانونياً يفتقر إلى عناصر الحماية الأساسية للعمّال المغتربين، ممّا يسهّل على أرباب العمل وشركات التوظيف استغلال النظام. على سبيل المثال، بإمكان الكفلاء تأخير دفع الأجور ومصادرة جوازات السفر وترحيل العمّال بدون سبب. في الوقت نفسه، غالباً ما عجزت السلطات عن توجيه أصابع الاتّهام إلى الكفلاء وملاحقتهم قضائياً بتهمة خرق القوانين وانتهاك العقود.

يعاني العمّال المنزليون بالتحديد، ومعظمهم من النساء اللواتي يعملن في المنازل، غيابَ الحماية القانونية

ويعاني العمّال المنزليون بالتحديد، ومعظمهم من النساء اللواتي يعملن في المنازل، غيابَ الحماية القانونية. ويواجهون مجموعة من الانتهاكات، بما في ذلك العمل الزائد والحرمان من الطعام والحبس القسري والإساءة النفسية والجسدية واللفظية والجنسية. كذلك، غالباً ما ينتهي المطاف بالعاملين في مشاريع البنى التحتية ومشاريع التطوير بالعيش في معسكرات عمل مكتظّة مع مَرافق غير مناسبة وظروف عمل قاسية، حيث يعجزون عن المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والثقافية.

وتبدأ سلسلة الإساءات في المراحل الأوّلية من العمل عندما يتمّ توظيف العمّال في الهند للعمل في الخليج. فغالباً ما يتعرّض العمّال للكذب وسوء المعاملة من شركات التوظيف التي انتشرت بسبب ارتفاع مردودها. وكثيراً ما تتآمر هذه الشركات مع أرباب العمل المحتملين، أو أرباب العمل المزيّفين، لاستغلال العمّال الأمّيين والذين تلقّوا معلومات خاطئة، فتعدُهم بأجور وظروف زائفة وتضللهم بشأن حقوقهم.

ويؤكد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أنّ العمّال الأجانب في دول مجلس التعاون الخليجي يواجهون مثل هذه التحديات، فيشير إلى أنّها تنبع من العنصرية والاستبعاد الاجتماعي وغياب المساءلة وإساءة استخدام أرباب العمل لسلطتهم. وغالباً ما لا تمتثل ظروف العمّال المغتربين في الخليج لإعلان منظمة العمل الدولية بشأن المبادئ والحقوق الأساسية في العمل، ولا سيما الحقّ في حرّية تكوين الجمعيات، والحقّ في المفاوضة الجماعية (لتحسين الأجور أو المنافع مثلاً)، والقضاء على جميع أشكال العمل القسري أو الإلزامي.كذلك، لم تصادق دول الخليج على اتفاقية الحرّية النقابية وحماية حقّ التنظيم النقابي التي اعتمدها مؤتمر العمل الدولي في العام 1948. بناء على ذلك، يعجز العمّال المغتربون عن تأسيس النقابات أو الاحتجاج على ممارسات العمل غير العادلة هذه.تاريخ من الاستجابات غير المناسبة من نيودلهي

قدّمت نيودلهي عادة استجابات غير منتظمة وجزئية للقضايا التي يواجهها العمّال الهنود في الخليج، إذ كان ردّ الفعل يظهر مع الأزمات الفردية عند حدوثها. وقد استمرّ هذا السلوك إلى حدّ ما في ظلّ حكومة رئيس الوزراء نارندرا مودي.

فمثلاً، ردّاً على عمليات التسريح المذكورة آنفاً في المملكة العربية السعودية، هرعت الحكومة الهندية إلى تأمين الإمدادات الغذائية الطارئة للعمّال الذين تقطّعت بهم السبل في المملكة. وسافر وزير الدولة الهندي للشؤون الخارجية فيجاي كومار سينغ بنفسه إلى جدّة لإجراء ترتيبات عودة العمّال إلى الهند. وكانت هذه عملية مرهقة ومعقّدة شملت الحصول على شهادات عدم ممانعة من أرباب العمل والاعتماد على الحكومة السعودية لإصدار تصاريح الخروج.

ولا بدّ من أن تحصل مثل هذه الحالات مراراً وتكراراً في غياب مقاربة أكثر استراتيجية من نيودلهي لحلّ الأزمات والنزاعات. ولكن عندما اختارت وزيرة الشؤون الخارجية سوشما سواراج أن تذكر هذه التطوّرات في البرلمان، أظهرت جهود نيودلهي في إطار إيجابي. إذ أشار كلامها إلى أنّ أيّ إحراج تسبّبت به محنة العمّال للحكومة طغى عليه الفخر باستجابة نيودلهي التي من الممكن التنويه بها لتحقيق مكاسب سياسية.

ويتمّ اعتماد هذه المقاربة الارتكاسية على الرغم من الجهود التي تبذلها منظّمات الشتات لتحفيز سياسات أكثر استباقية. وقد أنشأت هذه المنظمات جماعات ضغط تعمل على مسائل مثل منح التعويضات لأقارب المغتربين الذين يموتون في الخارج وسجْن المغتربين في الخارج وأمن أُسر المغتربين وسلامتها ومنح القروض للمغتربين. وعلى مستوى الولايات الهندية، نجحت هذه الجماعات إلى حدّ ما في تسليط الضوء على مسائل الرعاية الاجتماعية المتعلقة بالعمّال، مما أجبر حكومات الولايات على اعتماد بعض التدابير لحمايتهم. مع ذلك، تبقى الهوّة كبيرة جداً بين توقّعات الشتات والسياسات الحكومية.لماذا دام التقاعس لفترة طويلة؟

معظم العمّال شبه المهرة وغير المهرة يعملون في مجال العمل اليدوي، ويتحدّرون من أطياف المجتمع الأكثر فقراً، وبالتالي هم أقل تأثيراً في سياسات الحكومة

تتعدّد التفسيرات لهذه الاستجابة المتراخية إلى شؤون الشتات الهندي. فلمدّة طويلة منذ الاستقلال، شكّل الفقر التحدّي الأكبر في الهند، وقبلت الحكومة بالإجمال بأيّ ظروف عمل من شأنها أن تولّد التحويلات المالية من الخارج. وفي الكثير من الحالات، كان مستوى العوز الذي يعانيه العمّال المغتربون في بلدهم يجعلهم يقبلون بمخاطر التوظيف في الخليج. غير أنّ هذا الوضع بدأ يتغيّر إلى حدّ ما في الآونة الأخيرة مع نموّ الطبقة الوسطى في الهند.

ولهذا التقاعس سبب آخر مرتبط بالخلفية الاجتماعية والاقتصادية لغالبية الشتات الهندي في الخليج. فمعظم العمّال شبه المهرة وغير المهرة يعملون في مجال العمل اليدوي، ويتحدّرون من أطياف المجتمع الأكثر فقراً، وبالتالي هم أقل تأثيراً في سياسات الحكومة. ففي ولاية كيرلا المصدرة لليد العاملة مثلاً، يُقال إنّ تأثير الشتات على سياسة الولاية “اليومية” طفيف جداً. ونظراً إلى تاريخ التقسيم الطبقي في المجتمع الهندي في ظلّ نظام الطبقات، قد يتردّد الشتات من طبقات اجتماعية واقتصادية متدنية في التعاطي مع الحكومة ومطالبتها بالتصرّف. نتيجة لذلك، من غير المرجّح أن يؤثّر هذا الشتات في النُخَب الصانعة للسياسات في الهند، حتى ولو بشكل غير مباشر.

ويتجلّى ذلك في التغطية المتفاوتة التي توليها وسائل الإعلام الهندية لسوء المعاملة التي يواجهها الهنود في الخارج، فيتباين مثلاً السخط الإعلامي الذي أعقب الهجمات الإجرامية على الطلاب الهنود في أستراليا تبايناً صارخاً مع اللامبالاة النسبية تجاه معاملة الهنود في الخليج. وقد برز هذا الغضب على الرغم من أنّ الهجمات في أستراليا لم تتأتّ عن قوانين غير عادلة، وعلى الرغم من أن السلطات عالجتها بسرعة، وعلى الرغم من أنها لم تكن حتى ممنهجة أو جزءاً من نمط متّسق طويل الأجل. ويعزى ردّ الفعل في الهند جزئياً إلى أن الطلاب الهنود في أستراليا ينتمون إلى الطبقة الوسطى الصاعدة في الهند، على عكس معظم العمّال الهنود في الخليج، ولا سيّما أولئك الأكثر عرضة للإساءة.

وأخيراً، يرتبط غياب الإرادة السياسية في التصرّف أيضاً بطبيعة دول الخليج. فخلافاً للشتات الهندي في الغرب، غالباً ما يشغل الشتات في الخليج أدنى مستوى اجتماعي اقتصادي داخل المجتمعات المضيفة، ولا يحصلون على فرصة لنيل الجنسية أو الإقامة الدائمة. وللشتات في الخليج قوّة ضغط أقلّ من الشتات في الدول الغربية، ممّا يمنعه من التأثير بشكل محدّد في سياسة الدولة المضيفة تجاه الهند. ويختلف هذا الأمر مثلاً عن وضع الشتات الهندي في الولايات المتحدة، حيث يشكّلون الأقلية الأغنى والأفضل تعليماً وحيث يضطلعون بدور هام في دعم علاقات الهند الثنائية في البلاد. بالتالي يصبح المغتربون في الخليج أقلّ أهمّية لمصالح سياسة الهند الخارجية.

علامات التغيير في الهند

على مدى العقد الماضي، وفي الوقت الذي استمرّت فيه المقاربة الارتكاسية للتعامل مع مسائل العمّال في الخليج، تمّ تمهيد الطريق تدريجياً لظهور استراتيجية حكومية هندية أشمل. فقد أنشأت الهند مؤسّسات للتعامل مع شؤون الشتات على وجه التحديد، وباتت مسألة الشتات تظهر أكثر فأكثر لكن ببطء في مذكرات التفاهم والبيانات الحكومية والزيارات الرفيعة المستوى. وعلى الصعيد الدولي، رسّخت المخاوف المتعلقة بالشتات في الخليج التطلّعات الهندية حيال الأمن العالمي. أما على الصعيد المحلي، فقد منحت الحكومة الهندية الولايات نفوذاً أكبر في السياسة الخارجية، ممّا يسمح للولايات المصدّرة للأيدي العاملة بالتشديد على أولوياتها بشكل أفضل.

وزارة لشؤون المغتربين

دمج رئيس الحكومة مودي وزارة الشؤون الهندية في الخارج بوزارة الشؤون الخارجية، ومنح المسؤولية عن الهنود في الخارج إلى وزير الشؤون الخارجية، فأقرّ بالتالي أنّ المغتربين يشكّلون جزءاً لا يتجزأ من جدول أعمال الشؤون الخارجية الأوسع للهند

برزت نقطة تحوّل هامة في العام 2004 عندما أنشأت حكومة مانموهان سينغ وزارة الشؤون الهندية في الخارج. وتمثّلت مهمّة هذه الوزارة “بإنشاء إطار مؤسساتي متين وحيوي لتسهيل قيام الشبكات ذات الاستفادة المتبادلة مع الهنود في الخارج وفي ما بينهم ودعمها من أجل تعزيز الأثر الإنمائي في الهند وتمكين الهنود في الخارج من الاستثمار والاستفادة من الفرص المتاحة في الهند”. وفي العام 2016، دمج رئيس الحكومة مودي وزارة الشؤون الهندية في الخارج بوزارة الشؤون الخارجية، ومنح المسؤولية عن الهنود في الخارج إلى وزير الشؤون الخارجية، فأقرّ بالتالي أنّ المغتربين يشكّلون جزءاً لا يتجزأ من جدول أعمال الشؤون الخارجية الأوسع للهند. وبحلول وقت الدمج، كانت وزارة الشؤون الهندية في الخارج صغيرة نسبياً، مع مُمثّلَين دبلوماسيَين في الخارج، واحد منهم في أبوظبي. وفي حين أنّ بعض أعمالها استهدفت الشتات الهندي النافذ في الغرب، طرحت الوزارة أيضاً مبادرات محدّدة تستهدف الخليج.

الشتات في مذكّرات التفاهم والزيارات والبيانات الحكومية

قبل الدمج، كانت وزارة الشؤون الهندية في الخارج نشطة إلى حدّ ما، فوقّعت على مذكّرات تفاهم حول العمال مع عدد من دول مجلس التعاون الخليجي. وجاء ذلك في أعقاب زيارة قام بها وزير الشؤون الهندية في الخارج فايالار رافي في العام 2009 إلى الخليج، حيث طلب من السفارات الهندية أن ترفع تقارير حول مشاكل العمال إلى الوزارة، مع تسليط الضوء على مسائل مثل عدم دفع الأجور ومشاكل إقامة العمّال وابتزاز العمّال بالتأشيرات. وتمّ استخدام التقارير بعدئذ في صياغة مذكّرات التفاهم التي تطرّقت إلى تلك المسائل. ففي مذكرة تفاهم مع البحرين، على سبيل المثال، اتّفق الطرفان على اتخاذ تدابير لحماية العمّال الهنود خارج نطاق قانون العمل.

إلا أنّ اهتمام الهند المتزايد بشؤون الشتات تجاوز نطاق الوزارة. ففي الآونة الأخيرة، أخذت حكومة مودي تبدي تقديراً كبيراً لقيمة المغتربين في الخليج، ممّا يشير بشكل أوضح إلى بداية مقاربة استباقية، إذ ذكرت بيانات حكومية رئيسية كثيرة حول مصالح الهند في الخليج موضوعَ الشتات وأولتها اهتماماً يضاهي الاهتمام بمصالح الطاقة.

ولعلّ الاهتمام الأكبر مُنح للشتات عندما جعلهم رئيس الوزراء محور زياراته إلى دول الخليج في العامين الماضيين. وكانت محطّته الأولى في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتخلَلها خطاب عام أطلقه في ملعب يضمّ 50 ألف هندي مغترب. ونظراً إلى أن النسبة الكبرى من الحضور كانت من ولاية كيرلا، تكلّم رئيس الوزراء بلغة المالايالام وأعلن أنّ الإمارات العربية المتحدة قد خصّصت قطعة من الأرض لبناء أوّل معبد هندوسي في أبوظبي. وقد تمّ تصوير بناء المعبد كشكل من أشكال التكريم للشتات. وزار مودي أيضاً سكناً للعمّال المغتربين وأعرب عن قلقه إزاء حال العمّال الذين يعيشون هناك.

وتنخرط وزيرة الشؤون الخارجية أيضاً في هذه القضية. ففي زيارة سواراج إلى البحرين عام 2014، حضرت الوزيرة الاجتماع الافتتاحي لمؤتمر الشتات الهندي الذي نظّمه مركز التسهيلات الهندي في الخارج. وعندما زارت سلطنة عُمان في العام 2015، أدلت ببيان اعتبر رفاه الشتات الهندي من أهمّ أولويات حكومة مودي. وأعلنت أيضاً عن إنشاء صندوق رعاية المجتمعات الهندية الذي سيؤمّن السكن والرعاية الطبية الطارئة والعبور الجوي والمساعدة القانونية وغيرها من الخدمات للمغتربين المحتاجين. وفي العام 2016، ترأّست وزيرة الشؤون الخارجية الاجتماع الوزاري الأوّل لجامعة الدول العربية والهند الذي وصفته الوزارة بأنه “محوري لمصالحنا”، ذاكرةً قضايا الشتات، بالإضافة إلى أمن الطاقة.الأمن الدولي لحماية المغتربين

يظهر موضوع الشتات أيضاً في جوانب أخرى من علاقات الهند الخارجية. ومن الممكن تفسير جهود نيودلهي الأخيرة لتوسيع الروابط الأمنية مع الخليج بأنها تُعزى جزئياً إلى الحاجة إلى إرساء الأمن وتأمين الاستقرار للشتات. وتتجلّى العلاقات الأمنية المتزايدة عبر زيارات البحرية الهندية إلى الخليج والمناورات المشتركة مع بحريات دول المنطقة والروابط المُمأسسة مع دول الخليج والبيانات المشتركة.

في الإطار نفسه، يتأثّر موقف الهند من الصراعات الإقليمية بقلقها على شتاتها، نظراً إلى التهديدات الكبيرة التي تشكّلها هذه الصراعات على الهنود. ويشكّل ذلك أحد الأسباب التي دفعت نيودلهي إلى التشكيك دائماً بمحاولات تغيير الأنظمة في العراق وليبيا وسوريا. فقد أدّى عجز نيودلهي في الماضي عن التأثير سياسياً في القوى الدولية، فضلاً عن افتقارها إلى حضور أمني، إلى اللجوء إلى عمليات إجلاء مكلفة، بما في ذلك الإجلاء الأكبر في التاريخ عندما أجلت رعاياها من الكويت في خلال حرب الخليج.تمكين الولايات الهندية المصدّرة للأيدي العاملة

محلّياً، بدأت حكومة مودي بإعطاء الولايات المزيد من النفوذ في السياسة الخارجية، وهذه خطوة تسمح أكثر فأكثر بمنح الأولوية لمسائل الشتات، إذ ترسل ولايات مثل ولاية كيرلا الكثير من أبنائها إلى الشرق الأوسط ولذلك غالباً ما تكون شؤون الشتات اهتمامها الأبرز في السياسة الخارجية. وقد عزّزت سياسة مودي الجديدة من تأثير الولايات التي تحكمها أحزاب سياسية تركّز على شؤون الولاية وتفتقر إلى تمثيل جيّد على المستوى الوطني. وقد ذكر مسؤول هندي أنّ هذه المبادرة ستساعد على إضفاء طابع رسمي على مشاركة حكومات الولايات في أولويّات سياسات نيودلهي في الخليج وعلى تنظيمها أيضاً. تماشياً مع هذه السياسة، وبعد فوز مودي في انتخابات عام 2014 بفترة قصيرة، عقدت سواراج اجتماعات مع أعضاء البرلمان من بعض الولايات الجنوبية المصدّرة للأيدي العاملة لمناقشة القضايا المتعلقة بالشتات الهندي في الخليج.بعض التغييرات في الخليج

اتّخذت بعض دول الخليج مؤخراً خطوات لتحسين ظروف العمّال المغتربين، إلا أنه يصعب تحديد إلى أيّ حدّ يُعزى هذا التغيير إلى الضغط الذي تمارسه الحكومة الهندية

وقد اتّخذت بعض دول الخليج مؤخراً خطوات لتحسين ظروف العمّال المغتربين، إلا أنه يصعب تحديد إلى أيّ حدّ يُعزى هذا التغيير إلى الضغط الذي تمارسه الحكومة الهندية. فعلى سبيل المثال، في أكتوبر 2015، دخل 38 تعديلاً على قانون العمل السعودي حيّز التنفيذ، وفرضت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية السعودية غرامات جديدة ورفعت قيمة الغرامات المفروضة على أرباب العمل الذين ينتهكون هذه الأحكام. وقد أُعقبت الإصلاحات التي طرأت على قانون العمل بحملة توعية تهدف إلى تعزيز حقوق العمّال.

وتحظّر هذه التغييرات مصادرة جوازات السفر وتفرض عقوبات على الشركات التي لا تدفع الأجور، وتطلب من أرباب العمل تزويد العمّال بنسخ عن عقودهم، مع فرض عقوبات على أيّ انتهاكات لتلك العقود. وتشمل التعديلات أيضاً أحكاماً تزيد مدّة الإجازة المدفوعة وتقدّم تعويضاً عن الإصابات المرتبطة بالعمل. وتمنح هذه التعديلات أيضاً وزارةَ العمل والتنمية الاجتماعية صلاحيات أكبرَ في مجال التفتيش وتنفيذ القوانين. وأُفيد بأن أكثر من 1440 شركة قد أُغلقت بسبب عدم حمايتها أجور العمال.

إلا أنّ منظّمة هيومن رايتس ووتش أشارت إلى ثغرات في الإصلاحات، إذ لم يشمل القانون أو آليات تطبيقه العمّالَ المنزليين والعاملين لفترات قصيرة (أي الذين يدخلون البلاد لمدة تقلّ عن شهرين). وقد وصل الأمر بالمنظّمة إلى حدّ التأكيد على أن بعض الأحكام الجديدة تُمأسِس التمييز ضدّ المرأة. لذلك، لا يزال الكثير من التحديات التي يواجهها الشتات قائماً فيما يجري تطبيق الإصلاحات بوتيرة بطيئة.

حوافز لدفع الهند إلى التحرّك

تبرز حوافز كبيرة تدفع الحكومة الهندية إلى التّصدي لهذه التحديات وإلى تحسين ظروف عمّالها في الخليج. فاعتماد مقاربة أكثر استباقية تجاه شؤون الشتات لا يحمي مصالح الهند الاقتصادية فحسب بل يساعد أيضاً على توطيد الشراكة المتبادلة مع دول الخليج وتنمية قوّة الهند الناعمة في المنطقة. ويشكّل الشتات الهندي في الخليج أيضاً قاعدةً ناخبة سياسية لا تستغلّها حكومة مودي، ولا سيما أن الشتات سيكتسب المزيد من الأهمّية مع نيل حكومات الولايات المزيد من السلطة ولو ببطء.

حماية المصالح الاقتصادية

تُعتبر الهند في طليعة الدول حول العالم من حيث الاستفادة من التحويلات الأجنبية التي تمثّل جزءاً رئيسياً من اقتصادها، ولا سيّما بين الأسر الأكثر فقراً. وتستأثر دول مجلس التعاون الخليجي وحدها بأكثر من نصف إجمالي دخل الهند العام من التحويلات المالية. بالتالي، تُعتبر التحويلات الكبيرة التي تأتي من العمّال في الخليج أكبر حافز اقتصادي للهند لكي تحسّن ظروف العمل لشتاتها. وترى الحكومة الشتات في الخليج “بعين الإيجابية” باعتباره المصدر الرئيسي للتحويلات المالية في البلاد.

ويعرض الجدول رقم 2 التحويلات التي تلقتّها الهند من كل دولة خليجية منذ العام 2013 إلى العام 2015. وعلى الرغم من أن التحويلات لم تشهد تراجعاً كبيراً في السنوات القليلة الماضية، فقد تنخفض مع استمرار تباطؤ الاقتصادات الخليجية بسبب أسعار النفط المنخفضة. وقد تقلّل الظروف السيئة من أعداد الهنود الذين يختارون الهجرة. بالإضافة إلى ذلك، ومع ارتفاع الأجور ومستويات المعيشة في الهند، قد يقرّر عدد أكبر من العمّال البقاء في البلاد لتجنّب التعامل مع الظروف القاسية في الخليج بالرغم من الفرص الضئيلة المتاحة لهم في العثور على عمل داخل البلاد. ومن شأن انخفاض عدد العمّال الذين يهاجرون إلى الخليج أن يحدّ من تدفّق التحويلات.

الجدول رقم 2: التحويلات من الخليج إلى الهند (مليار دولار أمريكي)

  البحرين الكويت سلطنة عمان قطر المملكة العربية السعودية الإمارات العربية المتحدة مجموع دول مجلس التعاون الخليجي المجموع العالمي نسبة دول مجلس التعاون الخليجي من المجموع العالمي
2015 1.3 4.7 3.3 4.3 11.3 13.7 38.6 68.9 56
2014 1.3 4.7 3.1 4.1 10.7 12.8 36.7 70.4 52
2013 1.3 4.7 3.5 4 10.8 12.6 36.8 70.0 52

المصدر: البنك الدولي، 2015.

بالإضافة إلى توليد الدخل، تمّ أيضاً الترويج لهجرة اليد العاملة إلى الخليج بشكل غير رسمي على أنها استراتيجية إنمائية، إذ تخفّف الهجرة من حدّة البطالة ونقص التوظيف العالي في الهند. وتخفّف التحويلات بالعملات الأجنبية من الضغوط على ميزان المدفوعات. ويكتسب ذلك أهميّة كبيرة في وضع السياسات في أعقاب الأزمة المالية التي شهدتها الهند عام 1991 والتي ارتبطت بمشاكل في ميزان المدفوعات والعملات الأجنبية.

ترسيخ الشراكة

أصبح مجلس التعاون الخليجي الشريك التجاري الأكبر للهند، وباتت المنطقة مصدراً رئيسياً لاستيراد الطاقة

يعزّز اعتماد الخليج على اليد العاملة الهندية الكبيرة أهمّية نيودلهي كشريك دولي. وغالباً ما يشكّل الهنود أكثرية في دول الخليج، فهم مثلاً أكبر مجموعة من المغتربين في دولة الإمارات العربية المتحدة حيث يشكّلون 30 في المئة من السكّان.  ويُعتبر ذلك مهمّاً لأنّ للهند مصالحَ استراتيجية متزايدة مع الخليج، فقد أصبح مجلس التعاون الخليجي الشريك التجاري الأكبر للهند، وباتت المنطقة مصدراً رئيسياً لاستيراد الطاقة. ويمنح الشتات فوائد اقتصادية للخليج، مما يساعد نيودلهي على تطوير هذه المصالح.

وقد تؤدّي خسارة اليد العاملة الهندية إلى اضطراب اقتصادي في الخليج، إذ تقع هذه البلدان في محيط يشوبه عدم الاستقرار وهي تواجه تهديدات أمنية من المنطقة الأوسع. لذلك، تحرص هذه البلدان على تجنّب أيّ اضطرابات داخلية. ويعزّز ذلك رغبتها في ترسيخ شراكتها مع الهند وفي تحسين ظروف العمّال الهنود الذين يشتهرون بأنهم يد عاملة رخيصة وموثوقة وكادحة ومطيعة.

تنمية القوة الناعمة

بالإضافة إلى ذلك، يحسّن الشتات صورة الهند وقوتّها الناعمة، إذ يشتهر العمّال الهنود بسمعة طيبة بأنهم أشخاص مسالمون ومتسامحون. وتذكر وزارة الشؤون الهندية في الخارج أنّ مجتمع الهند المتسامح والتعددي “الذي يتعايش فيه الناس من مختلف الأديان واللغات والأعراق والمعتقدات السياسية وينمون” هو عنصرٌ أساسي لحركات الهجرة الإيجابية وحركة اليد العاملة.

ويستفيد الشتات من الروابط التاريخية والثقافية بين الناس في الهند والخليج ويرسّخها ويذكّر بها. في الواقع، تبنّت بعض المجتمعات في ولاية كيرلا الكثير من الممارسات الثقافية والمالية وعادات الطهي وغيرها من الممارسات العربية عند عودة المغتربين من الخليج. وتعرض متاجر كثيرة في ولاية كيرلا لافتات مكتوبة باللغة العربية. بالتالي، يرسّخ الشتات الهندي العلاقات الثنائية، ويمنح الناس إحساساً بالألفة والأمان. ومن شأن ذلك أن يساعد في وقت لاحق صانعي السياسات في الخليج على الترويج لفكرة توسيع العلاقات مع نيودلهي، حتى في المجالات الحسّاسة مثل التعاون الدفاعي.

ومن خلال الدعوة إلى ظروف عمل أفضل للشتات، تنمو هذه القوة الناعمة، لأنها تنقل النظرة التي يتّسم بها الشعب والساسة الهنود عن أنفسهم على أنهم حضارة عظيمة تستحق الاحترام. وقد ساهمت هذه النظرة، جزئياً، في رفض الهند بعضَ الأنواع من المساعدات الإنمائية.  بالتالي، يُفترض أن يشمل هذا المنطق رفض الحصول على دخل التحويلات الناتج عن القبول بشروط مهينة للهنود في الخارج.

جذب قاعدة انتخابية متزايدة الأهمّية

قد يؤدّي تحسين ظروف العمّال في الخارج إلى تحقيق مكاسب سياسية كبيرة بالنسبة إلى مودي والسياسيين الذين يدافعون عن قضيتهم. ويعزى ذلك جزئياً إلى تأثير الشتات السياسي المتنامي. فللعمّال الهنود في الخليج قواعد انتخابية كبيرة في بلدهم الأم. وقد بدأ مغتربون سابقون في دخول الهيئات التشريعية في الولايات أو على المستوى الوطني. وقد حسّنت التحويلات مستويات المعيشة وغيّرت البُنى الطبقية في الولايات المصدّرة لليد العاملة، ممّا سمح للطبقة العاملة والعائدين من الطبقة الوسطى بالارتقاء تدريجياً في مكانتهم الاجتماعية وخوّلهم حتى الزواج من أشخاص في طبقات اجتماعية أعلى. وأدّى ذلك إلى تعزيز النفوذ السياسي لدى المغتربين وأسرهم، ممّا يجعل منحَ الأولوية لقضاياهم والحصول على دعمهم من مصلحة مودي السياسية.

ولهذا الأمر أهمّية كبيرة لمودي نظراً إلى أنّ نسبة كبيرة من المغتربين الهنود في الخليج ينتمون إلى ولايات ذات عدد كبير من السكّان المسلمين، وتقلّ أرجحية دعم المسلمين لحزب بهاراتيا جاناتا بالمقارنة مع المجتمع الهندوسي الذي يشكّل الأكثرية.  ففي ولاية كيرلا مثلاً، وفيما شكّل المسلمون حوالي 26 في المئة فقط من سكّان الولاية عام 2014، كانت نسبة 41 في المئة تقريباً من المغتربين إلى الخليج من المسلمين. وقد تلطّخت سمعة مودي في هذه الدائرة الانتخابية بسبب ماضيه كرئيس وزراء ولاية غوجارات في خلال أعمال الشغب المناهضة للمسلمين والاشتباكات الطائفية الأخيرة، والفتوى الصادرة ضدّه. بالتالي، قد يكون لجذب العمّال الشتات تأثيرٌ مفيد في جهود مودي لكسب صوت المسلمين، ولا سيّما في الولايات الجنوبية.

إرضاء الولايات المصدرة لليد العاملة

 في العام 2014، بلغ عدد المغتربين من ولاية [كيرلا] 2.4  مليون من مجموع سكّان الولاية البالغ 33.88 مليون نسمة، ويعيش معظمهم في الخليج

تؤدّي مبادرة حكومة مودي القاضية بالسماح للولايات بالانخراط بشكل أكبر في صنع السياسات الخارجية إلى تعزيز الزخم السياسي للعمل على مسائل الشتات من أجل تفادي إثارة سخط حكومات الولايات ذات النفوذ المتعاظم. وكما ذكرنا سابقاً، يعمل عدد كبير من الهنود من بعض الولايات الجنوبية في الخليج. وغالباً ما تحتاج الحكومة الهندية إلى الاعتماد على دعم هذه الولايات الجنوبية لأن الأحزاب القُطرية في الهند، مثل حزب بهاراتيا جاناتا الذي ينتمي إليه مودي، تفتقر إلى تمثيل قوي هناك.

على سبيل المثال، تُعتبر ولاية كيرلا ولاية هندية جنوبية تراقب عن كثب مقاربة مودي تجاه الشتات. وفي العام 2014، بلغ عدد المغتربين من الولاية 2.4 مليون من مجموع سكّان الولاية البالغ 33.88 مليون نسمة، ويعيش معظمهم في الخليج. وعاد 1.25 مليون نسمة إلى ولاية كيرلا في العام نفسه.  وفي العام 2016، اعتمد ربع الأسر تقريباً في ولاية كيرلا على التحويلات المالية الأجنبية كمصدر رزق.توصيات لصانعي السياسات الهنود

من أجل معالجة مسألة حقوق العمّال المغتربين بطريقة فعّالة، يتعيّن على نيودلهي أن تعمل مع دول الخليج لتحسين التشريعات وضمان تنفيذها على حدّ سواء

من أجل معالجة مسألة حقوق العمّال المغتربين بطريقة فعّالة، يتعيّن على نيودلهي أن تعمل مع دول الخليج لتحسين التشريعات وضمان تنفيذها على حدّ سواء. ويجدر بالهند أن تتّبع مقاربة متعددة الجوانب في مجال المناصرة، مع استهداف الحكومات وأرباب العمل وشركات التوظيف والشتات في الخليج. بيد أنّه على نيودلهي أن تقيّم قدرة الدول الخليجية واستعدادها المتغيّرَين للابتعاد عن العمّال الهنود والانتقال إلى جنسيات أخرى، وأن تتّخذ القرار بناء على ذلك. ويتعيّن على الحكومة الهندية الاستفادة من الزخم الذي أمّنته الزيارات الأخيرة لتطبيق خطة ملموسة من أجل تحسين ظروف العمّال الهنود في الخليج.

مناصرة العمّال على المستوى الثنائي

ينبغي على الهند أن تشمل دائماً مخاوف الشتات في جميع مجالات المناقشات الثنائية مع دول الخليج. ويتعيّن عليها تدوين التمثيلات الثنائية في مذكرات تفاهم جديدة. وحيثما لا يتمّ تنفيذ مذكرات التفاهم الحالية، ينبغي على الهند أن تمارس ضغوطاً لزيادة الالتزام بها. ونظراً إلى أنّ منظمات غير حكومية، مثل منظمة هيومان رايتس ووتش، تدعو إلى تغيير أساسي (مثل إلغاء نظام الكفالة مثلاً)، باستطاعة نيودلهي على الأقل الدعوة إلى الإصلاحات. ويجدر بها أن تحثّ دول الخليج على تعديل قوانين العمل للاستجابة للتحديات المحدّدة والصعبة التي يواجهها العمّال المغتربون، والتي غالباً ما تعزى إلى نظام الكفالة. وينبغي حثّ بلدان الخليج على جعل العمّال المغتربون جزءاً لا يتجزأ من مقارباتها الوطنية تجاه المساواة.

وينبغي على صانعي السياسات الهنود أن يستفيدوا من عروض الهند الأمنية وعلاقاتها التجارية والشتات الهندي في مفاوضاتهم. فدول الخليج تسعى إلى تنويع شركائها الاستراتيجيين والأمنيين، ممّا يزيد من أهمّية الهند كشريك. ومن الناحية الاقتصادية، يزيد انخفاض أسعار النفط واعتماد الولايات المتحدة المتضائل على النفط في المنطقة من أهمّية أسواق مثل الهند بالنسبة إلى الخليج. وأخيراً، ونظراً إلى حجم الشتات الهندي في الخليج، تشكّل خسارة هؤلاء العمّال خطراً على اقتصادات الخليج. وباجتماع هذه العناصر كلها قد تصبح مسألة الحثّ على الإصلاح أكثر إقناعاً.

الاستفادة من التشريعات القائمة

ينبغي على نيودلهي أن تحثّ أيضاً الدول التي أحرزت بعض التقدّم من الناحية التشريعية على تطبيق هذا التقدّم على أرض الواقع. فلا يبدو تنفيذ تشريعات قائمة كامتثال لرغبات قوة أجنبية بل كتعديل قوانين أو سنّ قوانين جديدة. ومن الممكن أن تجري الدول تحسينات على عملية التنفيذ من دون “فقدان ماء الوجه” إلى الدرجة التي قد تحدث عند تغيير قانون ما.

وينبغي على الهند أن تشجّع حكومات الخليج على تحديث آليات التنفيذ وضمان تمتّعها بالموارد الكافية. وباستطاعتها دعم تلك الآليات من خلال التنسيق أو التدريب أو المساعدة بالموارد عند الإمكان. وينبغي أيضاً حماية العمّال من خلال آليات مجدية للإصلاح وحلّ المنازعات. وينبغي أن يتلقّى العناصر الخليجيون المشاركون في حلّ النزاعات وإنفاذ القوانين، على غرار الشرطة ومفتّشي العمل ومفوضي حلّ نزاعات العمل والقضاة وغيرهم، تدريباً مناسباً في ما يتعلق بقضايا عدم التمييز والمساواة.

استخدام الأدوات المتعددة الأطراف في مكانها المناسب

تُعتبر المناصرة الثنائية الأطراف ضرورية للغاية نظراً إلى عدم فعالية الكثير من المعاهدات المتعدّدة الأطراف المتعلّقة بحقوق الإنسان. لكن إذا فشلت الجهود الثنائية السرية، ينبغي على الهند أن تبحث في فكرة تقديم بيانات دبلوماسية في الحوار التفاعلي في الاستعراض الدوري الشامل التابع لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. وباستطاعة الهند التنسيق وراء الكواليس مع البلدان الأخرى التي يعمل أبناؤها في الخليج. فقد علّقت بلدان كثيرة على حالة العمّال المغتربين في المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، في الاستعراض الدوري الشامل لعام 2013.  ويدلّ ذلك على أنّ وقت التنسيق قد حان.

وباستطاعة الهند أيضاً أن تناصر التغيير من خلال الاستشهاد باتفاقات متعددة الأطراف، مثل اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وإعلان منظمة العمل الدولية بشأن المبادئ والحقوق الأساسية في العمل، مع ملاحظة الحساسيات بشأن اللغة التي تنطوي على حقوق الإنسان. بالإضافة إلى ذلك، بإمكانها الاستفادة من التقارير التي تنشرها المنظّمات الدولية، والتي تسلّط الضوء على المسائل الحرجة. فعلى سبيل المثال، شدّدت منظمة العمل الدولية على أنّ التعديلات التي أجرتها المملكة العربية السعودية لم تكن كافية في ما يتعلق بالعمّال الزراعيين والعمّال المنزليين. وباستطاعة نيودلهي استخدام هذا التقييم للدعوة إلى حماية العمّال في جميع القطاعات.

إرغام أرباب العمل وشركات التوظيف على الدفع

بمساعدة دول الخليج، يتعيّن على الحكومة الهندية أن تنشئ صناديق طوارئ تعوّض على العمّال الهنود في حال اختارت الشركات انتهاك عقودهم. وتموّل الشركات التي تقع في الخليج هذه الصناديق بمبالغ تتناسب مع عدد العمّال الذين تستخدمهم. في المقابل، قد يُطلب من الشركات شراء عقود تأمين لتغطية هذه التكاليف المحتملة.

وينبغي حماية العمّال من فخ الديون التي تنصبها شركات التوظيف. وسيتطلب ذلك إغلاق الشركات في الهند التي تضلّل العمّال حول قدْر أجورهم وكمّية ديونهم. كذلك، ينبغي على الهند أن تحدّد الشركات التي تقع في الخليج والتي لها تاريخ مسجّل في انتهاك حقوق العمّال. وبعد ذلك، من الممكن حرمان العمّال من تصاريح الاستقدام للعمل لدى أرباب العمل هؤلاء.

ومن شأن هذه المقاربة الاستباقية أن تُرغم الشركات على اتّباع مقاربة أقل تعجرفاً في توظيف العمّال واستقطابهم. وستخفّف عن الحكومة الهندية تكاليف المساعدة المادية وإعادة العمال إلى الوطن. كذلك، يتمّ توجيه تكاليف الصدمات والإصابات إلى أرباب العمل بدلاً من إلقاء المزيد من الأعباء على النظام الصحّي في الهند بسبب العائدين المصابين أو الذين يعانون الصدمات. بالتالي، سينخفض أيضاً عدد العمّال الفقراء والمدينين الذين يعتمدون على دولتهم ومجتمعهم عند عودتهم. وقد تزيد هذه السياسات من كلفة توظيف العمّال الهنود، ممّا يعزز تنافسية جنسيات أخرى، إلا إنها تجلب معها منافع هامة تفوق ربّما الكلفة المضافة.

الاستثمار في العمّال

في الهند، ينبغي على الحكومة بناء البنية التحتية اللازمة لتقييم مهارات العمّال قبل توجّههم إلى الخليج، وعليها تأمين التدريب على المهارات الأساسية للعمّال الذين يشارفون على استيفاء المعايير

ينبغي على جميع أصحاب المصلحة أن يستثمروا في توعية العمّال وتدريبهم. فالتوعية ستحدّ من وقوع العمّال فريسة الظروف المعاكسة، والتدريب يعزّز قدرتهم التنافسية في سوق العمل العالمية ويؤهلّهم للحصول على وظائف بظروف ومزايا أفضل. ومن المرجّح أن يكون هذا التركيز على العمّال موضع ترحيب في دول الخليج، نظراً إلى أنه لا يبدو كتعدٍّ على سيادتها.

ارج، بما في ذلك في سفاراتهم. وعند القيام بذلك، على الوزارة أن توسّع نطاق علاقاتها العامة. وينبغي أن تنظر الوزارة في اعتماد أطر لجهودها تشبه حملات التوعية التي تقوم بها البلدان الغربية في الهند لمكافحة تهريب الأشخاص، لأن هذه الحملات كثيراً ما تتعمّق في المجتمعات الريفية والمحرومة.

وينبغي أن يتمّ تدريب العمّال في كل من الهند والخليج. ويتعيّن على الهند في خلال مفاوضاتها أن تحثّ الدول الخليجية على تسهيل تدريب العمّال. وفي الهند، ينبغي على الحكومة بناء البنية التحتية اللازمة لتقييم مهارات العمّال قبل توجّههم إلى الخليج، وعليها تأمين التدريب على المهارات الأساسية للعمّال الذين يشارفون على استيفاء المعايير.

بالإضافة إلى ذلك، ينبغي تشجيع القطاع الخاص على الانخراط في الموضوع. فتبحث شركات هندية، على غرار شركة “أسبايرينغ مايندز” (Aspiring Minds)، عن سبل للعمل مع بعض دول الخليج لتطوير أدوات تقييم للمغتربين المحتملين في البلدان المصدّرة لليد العاملة. وعلى الهند أن تستفيد من أوجه التقدّم التي تحرزها في مجال تكنولوجيا المعلومات، وأن تسخّرها لخدمة مجتمعها المغترب المتنامي. ويتمتّع البلد بموقع جيّد يتيح له تطوير هذه النظم في الداخل وطرحها لاحقاً في بلدان أخرى.

خلاصة

لطالما واجه العمّال الهنود في الخليج تحديات ناجمة عن إساءات وتمييز مُمنهجَين. ونظراً إلى خلفيات العمّال الاجتماعية والاقتصادية المتدنية وغياب نفوذهم السياسي وأهمية تحويلاتهم للاقتصاد الهندي، لم تقدّم الحكومات الهندية المتعاقبة حتى مؤخراً سوى استجابات سطحية للتخفيف من معاناتهم. وفيما تبرز إشارات على أن هذا الوضع يتغيّر في الهند وفي الخليج على حدّ سواء، لا يزال التقدّم بطيء الخطى.

ولنيودلهي حوافز اقتصادية وسياسية كثيرة تدفعها إلى اعتماد مقاربة استباقية بشأن هذه المسألة. وعند القيام بذلك، ينبغي أن تركز على مناصرة حقوق العمّال وظروفهم على المستوى الثنائي، مع الاستفادة من التشريعات القائمة في دول الخليج. ويجدر بها استخدام الأدوات المتعددة الأطراف في مكانها المناسب، إذ ينبغي على نيودلهي أن تجبر أرباب العمل وشركات التوظيف على دفع تكاليف علاج العمّال. وعليها أن تحثّ جميع أصحاب المصلحة على الاستثمار في زيادة الوعي وتحسين مؤهلات المغتربين. فقد آن الأوان لترجمة خطاب نيودلهي إلى انتصارات للشتات الهندي في الخليج.