Research

تحرير الممالك؟ كيف تدير ممالك الخليج إصلاح التعليم

مع بداية الانتفاضات العربية، واجهت دول الخليج ضغوطًا متزايدة على موازين حكمها التقليدي. ظلت ممالك الخليج النفطية تقاوم الإصلاح السياسي، وتلائم رد فعلها على الربيع العربي مع هذا النهج إلى حد بعيد. ومع ذلك، فالتركيز على التحرر السياسي فقط هو تجاهل للإصلاحات الاجتماعية والبيروقراطية الطموحة التي انطلقت هناك في السنوات الأخيرة. من نواح عديدة، تقدم العمليات والضغوط المرتبطة بإصلاح “المؤسسات الاجتماعية” في الدولة – سواء كان ذلك نتيجة لضغوط من النخب السياسية أو المواطنين أو المجتمع الدولي – دروسًا هامة للإصلاح المؤسسي الأوسع في هذه الممالك التي تسعى بحذر نحو التحرر.

تركز هذه الورقة على واحدة من هذه المؤسسات – وهي قطاع التعليم – وتحلل مدى الإصلاح الذي يمكن في اطاره توفير نماذج تحرر أوسع في هذا المجال. إصلاح التعليم في منطقة الخليج هو محاولة مشحونة سياسيًا وحساسة اجتماعيًا مع احتمال وجود فائزين وخاسرين بين المجموعات المشاركة. تسعى الدراسة، والتي تلقي الضوء على تجارب ثلاث دول خليجية، وهي المملكة العربية السعودية وقطر والامارات العربية المتحدة، للنظر في مدى نجاح هذه الممالك في الانتقال من البيروقراطية الجامدة وشديدة المركزية إلى نظم أكثر استجابة وابتكارًا وديناميكية.

في حين تتشارك هذه البلدان الثلاثة في خصائص معينة، تختلف تجارب إصلاح التعليم في كل منها اختلافًا كبيرًا. لقد جربت البلدان الثلاثة مستويات مختلفة من اللامركزية والخصخصة. في المملكة العربية السعودية مثلاُ، تتورط مؤسسة التعليم العالي في كل من ضرورات التحرر وشرعية النظام الدينية.

بدأ حكم آل سعود بإصلاحات تعليمية مثيرة للجدل عن طريق استخدام مؤسسات خارجية لتجاوز المؤسسة الدينية. ووفرت المؤسسات مثل المدن الأكاديمية، والشراكات الدولية، والمنظمات شبه الحكومية في كثير من الأحيان ستارًا للإصلاح. كما وفرت الاعتمادات والمقاييس الدولية أيضًا مرجعًا خارجيًا يمكن للنظام استخدامه في الضغط من أجل إصلاحات المناهج الحساسة سياسيًا. مكنت هذه الاستراتيجيات النظام السعودي من تعجيل وتيرة إصلاح التعليم دون الدخول في تحدي مباشر مع المؤسسات الثابتة ومصالحها الراسخة. ولكن في غياب الإصلاح الشامل الذي يشمل تلك المصالح الراسخة، يبقى المدى الذي يمكن أن ينجح في اطاره هذا النموذج ويتكرر محدودًا.

على عكس المملكة العربية السعودية، اتخذت قطر خطوات حاسمة لتحويل نظامها التعليمي. ففي ظل عدم وجود جماعات معارضة متماسكة، تمكنت قطر من تنفيذ مشاريع تجريبية في إصلاح التعليم بسرعة وإنشاء أبرز نموذج لفروع جامعية في الشرق الأوسط. قدم الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وزوجته الشيخة موزة دعمهما لمجموعة من الإصلاحات التجريبية والطموحة، تجاوزت حتى مطالب المجتمع والعديد من النخب الليبرالية. جاءت عملية إصلاح التعليم القطري على المستويين الثانوي والجامعي ومن المستوى الأعلى للأدنى، على رأسها العائلة المالكة كقوة دافعة. ولكن، نتيجة لتسارع وتيرة التنفيذ ومحدودية التوعية المجتمعية، بات العديد من جوانب الإصلاح المقصود غارقة في البيروقراطية غير المتوقعة والمقاومة الاجتماعية. وأدى عدم وجود مشاركة جوهرية من مختلف المعنيين بنظام التعليم قبل الشروع في إنشاء نموذج مدارس مستقلة إلى ردود أفعال مجتمعية كبيرة، مما أدى إلى إعادة تطبيق مركزية الرقابة الإدارية والتراجع عن العديد من عناصر الإصلاح الأكثر إثارة للجدل.

في هذه الأثناء، انتهجت كل إمارة في دولة الإمارات العربية المتحدة نهجًا مختلفًا لخصخصة التعليم، حيث تبنت دبي نهج السوق الحرة، ودعمت أبو ظبي نهج دولية. وبسبب الأزمة المالية في دبي، يكتسب النموذج المتمركز حول الدولة نفوذًا حيث تؤكد أبو ظبي على وجود دور أكبر يفوق البنية الاتحادية. كما هو الحال في قطر، لا يوفر نموذج أبو ظبي لإصلاح التعليم سبلاً للمشاركة المجتمعية بشكل كبير، وتظل عملية توليد وتنفيذ إصلاحات التعليم مركزية في المستويات العليا.

تشير النماذج المختلفة لإصلاح التعليم العالي التي تنتهجها دول مجلس التعاون الخليجي الثلاثة إلى أن الديموغرافيا والأيديولوجيا والموارد تؤثر جميعها على الدرجة التي تصل إليها المملكة في سعيها نحو الابتكار المؤسسي. ومع ذلك، فالتكتيك المشترك هو استخدام المؤسسات الجديدة أو الخارجية مثل مجلس أبوظبي للتعليم، ومؤسسة قطر، وشركة أرامكو السعودية، للتحايل على البيروقراطية المتضخمة والتنفيذ السريع لمشروعات إصلاح تجريبية بارزة. مع ذلك، لا يعبر المشروع التجريبي عن تحول شامل. فبينما قد تعزز إصلاحات التعليم التحرر في قطاعات أخرى من المجتمع – سواء عن طريق خلق جماهير أكثر تعلمًا وأكثر قدرة على التعبير عن مطالبها، أو عن طريق “التأثير الإرشادي” – من غير المرجح أن تقدم نموذجًا حقيقيًا لإصلاح قابل للتكرار.

تبقى مسألة إذا ما كان يمكن لنموذج “التحديث الأتوقراطي” الحالي أن يوفر مؤسسات عامة دينامية وقادرة على المنافسة عالميًا خاضعة للدراسة. وكما يتضح من إنشاء المدن التعليمية والمؤسسات الموازية، فمن الممكن تنفيذ نموذج الإصلاحات بسرعة من خلال المناورة البيروقراطية. ومع ذلك، فإن هذه الجهود مقيدة إلى حد كبير، وقدرتها على اختراق بقية النظام محدودة. الإصلاح الشامل والمستدام يتطلب تشاورًا اجتماعيًا أوسع وطرق مشاركة للحد من ردود الفعل وزيادة الاستجابة البيروقراطية. بدون مثل هذه الآليات، من المرجح أن يظل إصلاح التعليم سطحيًا وغير كافٍ لهذه المهمة.