لقد شغلتني مسألة تعليم اللاجئين السوريين وشغلت العديد من المشاركين الـ 800 الذين حضروا الدورة السنوية لمؤتمر “الاتجاه إلى العالمية” الذي نظمه المجلس الثقافي البريطاني من 3 إلى 5 مايو في مدينة كيب تاون، رغم أنّ الاستجابة لأزمات اللاجئين لم تكن تاريخياً مسؤولية قطاع التعليم العالي. في الواقع، في آخر مرة شهد فيها العالم هذا العدد الكبير من اللاجئين – أي خلال الحرب العالمية الثانية – لم يكن معظم أولئك النازحين تلامذة جامعات أو حتى يخططون للالتحاق بها. هذا وقد بلغت نسبة الالتحاق الإجمالي بمرحلة للتعليم العالي في أوروبا في ذلك الوقت أقل من 3 بالمئة على الأرجح. وبحلول العام 1952، أُغلقت جميع مخيمات النازحين في أوروبا تقريباً.
إلا أننا اليوم نواجه تحديات واحتياجات لم يسبق لها مثيل.
عند بداية الحرب الأهلية السورية، كان أكثر من ربع الشباب بين 18 و24 عاماً مسجلين في مرحلة التعليم العالي. تشير الأرقام إلى أنّ حوالي 150,000 طالب سوري في المرحلة الجامعية ممن كانوا مسجلين في الجامعة أو سيلتحقون بها عندما اندلعت الحرب هم الآن محرومون من التعليم. وبالتالي، فهم غير قادرين على استكمال تعليمهم الجامعي. وبالإضافة إلى ذلك، هناك ما لا يقل عن 2,000 أستاذ وموظف في الجامعات السورية بين اللاجئين.
وفي ظل تصاعد الأزمة ، هناك احتمال حقيقي لظهور جيل ضائع. في كل عام يتخرّج الطلاب السوريون من المدرسة الثانوية وفي توقعاتهم استكمال دراستهم والالتحاق بالتعليم العالي. إلا أنّ منظمات الإغاثة الإنسانية تواجه تحديات ومسؤوليات كبيرة ولم يبقَ سوى أقل من 2 بالمئة من الأموال التي تُجمع اليوم ليُنفق على التعليم على أي مستوى.
وعلى صعيد عالمي، لقد زادت الفترة التي يقضيها اللاجئون في مخيمات اللاجئين بشكلٍ كبير. فقد تجاوز متوسط هذه الفترة حالياً الـ 17 عاماً أو حوالى جيل. لقد أُنشأ العديد من المخيمات نتيجة الصراعات التي استمرت لفترة أطول من السنوات التي يقضيها معظم الشباب في المدرسة. لا تقوم هذه المخيمات ببناء ما يُعرف بجامعات المنفى. كما وأنّ غالبية النازحين في العالم لا يعيشون حتى في المخيمات – أي 3 من أصل 4 لاجئين سوريين يعيشون في مناطق حضرية ويفتقرون إلى أنظمة التعليم العالي في البلدان المضيفة.
ولكن هناك ثلاث طرق يمكن للمجتمع التعليمي أن يساعد من خلالها.
أولاً، ينبغي على مؤسسات التعليم العالي التي يبلغ عددها أكثر من 20,000 مؤسسة في جميع أنحاء العالم استقبال طالب نازح واحد على الأقل ومعلّم أو خبير واحد. ومن شأن هذا الإجراء أنّ يساهم في منع بروز جيل ضائع حول العالم، كما ينقذ في بعض الحالات أكاديميات وطنية بأكملها. هذا إجراءٌ تعرف الكثير من المنظمات كيفية القيام به. على سبيل المثال، لطالما شكّل إنقاذ العلماء أولوية هنا في معهد التعليم الدولي منذ تأسيسنا. فمنذ إنشاء صندوق إنقاذ العلماء في العام 2002، ساعدت منظمتنا 643 عالم من 55 دولة، من بينهم 85 من سوريا.
ثانياً، هناك فرصة لتوجيه وتنظيم تعاطف العديد من الأشخاص الذين يريدون أن يساعدوا. يمكن لمجتمع التعليم العالي العالمي أن يطلب الدعم من الطلاب القدامى والحاليين. وفي عصر التكنولوجيا الرقمية الحديثة، هناك العديد من الإمكانيات لتقديم المساعدة عبر الإنترنت، منها عن طريق تقديم المشورة للطلاب حول كيفية تقديم الطلبات للمنح الدراسية والفرص التعليمية.
ثالثاً، لا بد أن تتضافر جهود الإغاثة عن طريق إنشاء “مكتب نانسين” للتعليم العالي في حالات الطوارئ يتماشى مع متطلبات واحتياجات القرن الواحد والعشرين. بين عامي 1931 و1938، أُنشأت منظمة مستوحاة من فريدجوف نانسين الحائز على جائزة نوبل للسلام، وكانت هذه المنظمة تُعنى بأمور اللاجئين من مناطق الصراعات في جميع أنحاء أوروبا فساعدتهم على إيجاد فرص عمل واستقرار. وقامت بذلك عن طريق إصدار وثائق سفر على أن يدفع الشخص المعني رسوماً لتغطية التكاليف الإدارية، فضلاً عن تقديم قروض وهبات. كما جمعت أموال إضافية من خلال التبرعات الخاصة. وقد ساعد هذا المكتب حوالي مليون لاجئ على شكل مساعدات مادية وقانونية ومالية قبل أن يحصل على جائزة نوبل للسلام في العام 1938.
أما اليوم، فيمكن للعديد من الطلاب السوريين أن يجدوا فرصاً للتنقل والالتحاق في مؤسسات تعليمية من خلال برامج تأشيرة الطالب الموجودة حالياً. هذا ومن الممكن مساعدة طلاب آخرين عن طريق اعتماد نموذج برنامج اللاجئين الطلابي (SRF) الذي أطلقته الخدمة الجامعية العالمية في كندا (WUSC) في البلدان الأخرى. وهناك أيضاً جهود دولية على نطاقٍ أوسع، نذكر منها مبادرة ألبرت آينشتاين الأكاديمية الألمانية لللاجئين، بتمويل من الحكومة الألمانية وإدارة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، التي تقدم الهبات والمنح الدراسية لكي يتمكن اللاجئون من متابعة تعليمهم العالي. يمكن أن للعلماء السوريين أن يصبحوا أساتذة زائرون عبر منظمات مثل مبادرة فيليب شوارتز ضمن مؤسسة ألكسندر فون هومبولت في ألمانيا التي أطلقت حديثاً، و برنامج الأكاديميين المعرضين للخطر في المملكة المتحدة، بالإضافة إلى صندوق إنقاذ العلماء التابع لمعهد التعليم العالي.
من واجبنا أن نقدّم المساعدة عاجلاً.
Commentary
ثلاث طرق يمكن للتعليم العالي أن يستجيب من خلالها لأزمة اللاجئين السوريين
May 12, 2016