Research

السياسات بشأن فيروس كورونا المستجدّ والاستجابات المؤسّساتية له في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: تونس

Shop agent mesure temperature of the client before entring during the first opning of the shops after the lockdown in Tunis, Tunisia on May 11, 2020. With the health ban in its first phase (from 4 to 24 May) entering its second week, the commercial movement in the capital resumed its activity in a significant and significant way by recovering the activity of selling ready-made clothes and shoes and the rest of the other commercial activities. Since the early hours of Monday morning, most shops selling ready-made clothes and shoes have opened their doors to the public amid strict precautions to prevent the spread of the new Coronavirus (COVID-19), despite Tunisia's relative control of this global pandemic. (Photo by Mohamed Krit/ Sipa USA)No Use UK. No Use Germany.

كانت تونس من بين الدول الأفضل أداءً في خلال الموجة الأولى من جائحة فيروس كورونا المستجدّ. ومع استمرار الفيروس بعد الأشهر القليلة الأولى، واجهت البلاد صعوبات للوصول إلى التوازن الأنسب بين الحدّ من أبعاد الجائحة الصحّية وأبعادها الاقتصادية. وبدأت الحكومة بالتخفيف من القيود الاقتصادية في مايو وأعادت فتح الحدود في يونيو، ممّا أدّى إلى ارتفاع حادّ في الإصابات تحوّل في نهاية المطاف إلى موجة ثانية أكبر بكثير. ومن المتوقّع أن تبلغ الموجة أوجّها في أواسط ديسمبر لتتراجع بعد ذلك بعد أن ينال قسم من السكّان اللقاح (يُحتمل أن يكون ذلك في ربيع 2021). إلى ذلك الحين، تضغط الإصابات والوفيات المتزايدة على نظام الرعاية الصحّية في تونس بشكل يتخطّى قدرته وتضيف ضغطاً اقتصادياً على شعب يعاني أصلاً.

عند بروز الموجة الأولى من جائحة فيروس كورونا المستجدّ بين مارس وسبتمبر 2020، استجابت الحكومة التونسية بسرعة عبر اللجوء إلى مجموعة شاملة من الإجراءات، بما فيها إغلاق الحدود والمدراس وإغلاق البلاد وحظر تجوّل ليلي. وتمّ تطبيق هذه الإجراءات بفعالية وإعلام السكّان بها بشكل واسع. نتيجة لذلك، ومقارنة بالكثير من الدول المجاورة، تمكّنت تونس من السيطرة بنجاح على التهديد الوبائي الأوّلي الذي شكّلته الجائحة، إذ قارع انخفاض أرقام الوفيات للفرد الواحد فيها الدولَ الرائدة عالمياً مثل أستراليا وكوريا الجنوبية. وكان لها معدّلُ الوفيات الأدنى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وإقراراً باستجابتها الفعّالة للجائحة، بدأ الاتّحاد الأوروبي برفع القيود على المسافرين الوافدين من تونس في أواخر يونيو.

وقد استفادت تونس من قوّة النظام الصحّي بشكلٍ عام في البلاد، الذي هو من الأنظمة الصحية الأكثر تقدّماً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ففي تونس مؤسّسات قائمة قوية تمكّنت من التعامل مع الجائحة، ولا سيّما المرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدّة الذي تمّ تأسيسه في العام 2005 تحت إشراف وزارة الصحّة. وتشمل الهياكل القائمة أيضاً لجانا وطنية وجهوية مكلفة بتفادي الكوارث والاستجابة لها.

وتمكّنت هذه المؤسّسات من العمل مع لجنة خاصّة أنشأتها الحكومة حملت اسم الهيئة الوطنية لمجابهة فيروس كورونا بهدف السيطرة على التفشّي وحصر الإجراءات المتّخذة. وتركّز هذه الهيئة بشكل أساسي على النواحي الوبائية، فتنسّق النشاطات بين مختلف المؤسّسات وضمن ولايات البلاد الأربع والعشرين. أما على المستوى المحلّي، فقد أسّست المجالس البلدية لجانَ أزمات محلّية عملت مع منظّمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية على تحسين استجابات الحكومة المحلّية للجائحة.

وتمكّن النظام الصحّي العام في تونس من التصدّي للجائحة في المرحلة الأولى، ومردّ ذلك جزئياً إلى أنّ عدد الإصابات كان محدوداً. وعقب هذا النجاح الأوّلي، رزحت الحكومة تحت الضغط لإعادة فتح الاقتصاد، وهذا ما فعلته في نهاية المطاف. لكن بسبب إجراءات التباعد الاجتماعي الأقلّ صرامة وإعادة فتح الحدود، شهدت تونس ارتفاعاً سريعاً في عدد الإصابات اليومية على امتداد فصل الصيف. ففي 23 أكتوبر، سجّلت البلاد رقماً قياسياً في عدد الإصابات الجديدة (1775 إصابة). ومن أصل عدد الحالات المؤكّدة في هذا التاريخ والبالغ 52,399 حالة، سُجّلت 51,231 منها بعد أن فتحت تونس حدودها أمام الرحلات الجوّية الدولية في 27 يونيو. وحتّى 8 ديسمبر، بلغ مجموع عدد الإصابات في تونس 105,445 إصابة ومجموع حالات التعافي 80,082 حالة ومجموع حالات الوفاة 3,668 حالة. وضغَط الازدياد في الإصابات بشدّة على قطاع الصحّة العامة ولم يعد قادراً على التعامل مع أعداد الإصابات المتزايدة لأنّ وحدات العناية الفائقة في معظم المستشفيات الحكومية بلغت قدرة استيعابها القصوى. وفي الوقت الراهن، يكبّد مريض فيروس كورونا المستجدّ الدولة 583 دولاراً في اليوم (801 دولار إن كان بحاجة إلى أكسيجين). وعند هذه المرحلة، باتت قدرة الحكومة على الاستجابة متأخّرة وترزح تحت الضغط بشكل متزايد.

 وسلّطت تأثيرات الموجة الثانية من الجائحة الضوء على عيوب بارزة في نظام الرعاية الصحّية التونسي، بما في ذلك: تفاوت اجتماعي بين المناطق الداخلية والساحلية وفجوة في خدمات الصحّة العامة المتخصّصة ومؤسّسات صحّة عامة منهَكة. وتقدّم منشآت الصحّة العامة خدمات وقائية مجّانية لكلّ التونسيين بغضّ النظر عن دخلهم، وأكثر من 90 في المئة من المواطنين يحظون بتغطية عبر برنامج مساعدة طبّية مجّاني أو عبر نظام تأمين صحّي مُساهِم. بيد أنّ نظام الرعاية الصحّية التونسي يعاني تبايناً جغرافياً في توزيع الموارد (بما في ذلك الأطباء الاختصاصيون وموظّفو الإنعاش وخدمات الكشف ووحدات العناية الفائقة وقدرة الوصول إلى المستشفيات والنزول فيها) يميل لصالح المدن الكبرى والمدن الساحلية أكثر من المناطق الداخلية الريفية.

وطوال فترة الجائحة، واجهت تونس عواقب اقتصادية أضرّت بشكل كبير باقتصاد البلاد الضعيف أصلاً. فبحلول نهاية العام 2020، من المتوقّع أن ينكمش الاقتصاد بنسبة تتراوح بين 3,9 و6 في المئة، وقد تتراجع موارد الدولة أكثر من 1,753 مليار دولار. ويُقدّر أن يرتفع معدل البطالة ما بين 3,9 و 9,1 نقاط مئوية مقارنة بمعدّل العام 2019، وقد يرتفع معدّل الفقر المالي ب 4 نقاط مئوية. للحدّ من بعض هذه التداعيات، طرحت الحكومة عدداً من المبادرات ورُزم الدعْم من ضمنها تخفيضٌ بمقدار نقطة واحدة في معدّلات الفوائد الأساسية والتخفيفُ من نسب القروض إلى الإيداعات في المصارف وتأسيسُ صندوق ضمانات لشركات القطاع الخاص. وأجّلت الحكومة أيضاً تسديد ضرائب الشركات وسهّلت تسديد ائتمانات الضريبة على القيمة المضافة وأجّلت الغرامات على تسديد الضرائب. كذلك، خصّصت تحويلاً نقدياً يُدفع مرّة واحدة لعمّال القطاع غير الرسمي وسلّمت رُزم دعم للمجموعات الهشّة ووزّعت منحاً للعمّال الذين يواجهون خطر فقدان عملهم.

على الرغم من هذه المبادرات المهمّة لدعم القطاع الخاص في بداية الجائحة، عرقلت العقبات الإدارية تطبيق الكثير من هذه الإجراءات. ومع أنّ الحكومة أعلنت عن خطّتها للتعافي الاقتصادي في يوليو، لم يتمّ تطبيق الخطّة بعد. ومع ازدياد المطالب الاجتماعية في المناطقة المُهمَّشة مع تقدّم الموجة الثانية، ستواصل الحكومة مواجهة الصعوبات في التخفيف من الضغوط الاقتصادية وحماية الأرواح على حدّ سواء.

Authors