Commentary

التنمية العالمية في استراتيجية الأمن القومي للأمم المتحدة

يتمثل الهدف من استراتيجية الأمن القومي للرئيس أوباما في تهيئة الأجواء للإدارة لوضع قيمة تشجيعية غير عادية على التعاون العالمي بشأن التنمية. ولكن هل سوف تواصل الإدارة حتى النهاية؟

إذا ما تأملنا الاستراتيجية الكاملة يتضح لنا أن سياسات الولايات المتحدة بشأن التنمية العالمية ترتكز إلى أربعة أركان رئيسية: الأمن والرفاهية والقيم والنظام الدولي. ولقد تحدثت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أمس في بروكنجز عن الاستراتيجية، وبالرغم من تطرقها للحديث عن التنمية في الكثير من تعليقاتها، إلا أنه لم يتضح من حديثها إلى أي مدى تم إدراج هذه التنمية في الاستراتيجية. وفي الوقت الذي تحدثت فيه بإسهاب وحماس عما تم انجازه في مجال التنمية، إلا إنني ما زلت مندهشًا من عدم تأكيدها الصريح على أهميتها البالغة.  

إن مسألة تعزيز استراتيجية الأمن القومي في الداخل أولاً من أجل الريادة العالمية تُعد هدفًا مستقلاً وبل وركنًا أساسيًا من أجل القيادة الأمنية والعالمية للولايات المتحدة. وبالرغم من ذلك توجد العديد من المظاهر الحيوية الأخرى في الاستراتيجية والتي ترتبط بقدرة أمريكا على الارتقاء بالتنمية العالمية وفي الوقت ذاته تحقيق الفعالية في مساعدة الشعوب من جميع أنحاء العالم. فمن الناحية الأمنية، تتجلى التنمية بصورة أسياسية من منظور الاستقرار وإعادة الإعمار والحد من الصراعات. ومن ناحية الرفاهية، سينصب التركيز على السلع والاستثمارات العامة في التنمية المستدامة وطويلة الأجل. أما من ناحية القيم فهي يشير إلى  إصدار مجموعة من المبادئ والإجراءات الإنمائية – كما أشارت كلينتون في حديثها أن “الديمقراطية والحقوق الإنسان والتنمية هي دعائم ثلاث يعزها بعضها بعضًا”. وأخيرًا، فإن النظام الدولي يبرز عزم الإدارة الأمريكية في تجديد التعاون متعدد الأطراف بشأن التنمية.

لقد أفصحت الإدارة في الشهور الأخيرة عن عدد كبير من الأمور المؤاتية فيما يتعلق بمجموعة كبيرة من موضوعات التنمية، كربطها تكييف تغير المناخ بمساعدات التنمية، والتهديدات الصحية بالأنظمة الصحية، والنتائج المستدامة بالأفق الزمني المعقول للاستثمار، وبرمجة القرارات بالبحث القائم على الدليل، وبناء القدرة بالملكية المحلية لمشاريع التنمية. كما أبدى أوباما وفريق عمله التزامهم الكامل بقضايا التنمية على المستوى الدولي. ومع ذلك لا تبدو المشكلة فيما تقوله الإدارة الأمريكية.

المشكلة إنما تكمن في أن الولايات المتحدة بحاجة إلى أن تصلح نظمها الداخلية إصلاحًا جذريًا أولاً قبل أن يتسنى لها إدارة سياساتها بشأن التنمية العالمية وتنفيذها. وهذا بدوره يتضمن المساعدة الخارجية، لكنه أيضًا يشمل مجالات كالتجارة والزراعة والتمويل الدولي والهجرة. وكما ذكر رئيس الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، راجيف شاه، أن التنمية عبارة عن نظام، لكن هذا النظام قد أفسدته السياسة الأمريكية غير المتماسكة، وهذا يرجع إلى حد كبير إلى أنها مفككة من الناحية التنظيمية وضعيفة من الناحية الهيكلية نظرًا لافتقادها نفوذها المميز في المداولات بشأن السياسة. فالولايات المتحدة بحاجة إلى أن تضع نفسها في موضع يمكنها من دعم مجموعة واسعة من ضرورات التنمية، بما في ذلك إعادة إعمار ما خلفته الصراعات والحد من الفقر وتخفيف المعاناة الإنسانية وتعزيز الحكم الجيد والنمو الاقتصادي المنصف. ولن يتسنى للولايات المتحدة دون تحقيق تلك الأمور تعزيز قيمها ومصالحها الأمنية بشكل فعال.

وأغلب الظن أن تساعد استراتيجية الأمن القومي لعام 2010 في فتح على مصراعيه من أجل الارتقاء بسياسات التنمية العالمية للولايات المتحدة وإصلاحها. فإذا ما آثر أوباما اتخاذ هذا المنحى بجدية، فسيكون الطريق معبد له بالفعل لأجل تحقيق ذلك.

على المستوى الاستراتيجي، شاعت أنباء عن الانتهاء من مراجعة سياسة التنمية بأمر من الرئيس في الصيف الماضي وعن تسجيل نتائجها في وثيقة. وقد تسربت أحد مسودات هذه الوثيقة وتم نشرها في وقت مبكر من هذا الشهر. ولعل هذه النسخة النهائية تحتوي نهج جديد للتنمية نابع من سياسة مدروسة، وتنفيذ أكثر فاعلية وموجه نحو الشراكة، وتفعيل أسلوب جديد يرتقي حقًا بالتنمية ويوحد مصادر التنمية لتحقيق مجموعة أهداف أكثر تركيزًا. إلا أن المسودة كانت تنادي باستراتيجية روتينية للتنمية العالمية. وكما نوهت أنا وآخرون سابقًا، فإن مثل هذه الاستراتيجية من الممكن التوسع فيها لتصبح استراتيجية الأمن القومي. وبعد انتهائه من المراجعات الاستشارية للتنمية والأمن القومي التي تشمل الحكومة بأكملها، من المتوقع أن يقوم البيت الأبيض بتنفيذ الاستراتيجية الأولى للتنمية العالمية للولايات المتحدة في موعد الخطاب المنتظر للرئيس أوباما عن التنمية في قمة الأمم المتحدة المقرر عقدها في سبتمبر.

على المستوى التنفيذي، هناك العديد من التغيرات الإضافية جاري إجراؤها، من ضمنها مبادرة أشمل للصحة العالمية، والمبادرة العالمية التطلعية لمحاربة الجوع والأمن الغذائي، وإعادة تأسيس مكتب التخطيط السياسي التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والعمل على مزيد من الإصلاحات لتحسين تدبير شؤون الوكالة ومواردها البشرية وشفافيتها.

ومنذ اليوم الأول، كانت الإدارة بحاجة إلى إعادة تعريف التعاون الأمريكي العالمي بشأن التنمية. وفي الوقت الذي كانت تتصف فيه الجهود المبذولة من قبل الإدارة في عام 2009 بالتخاذل المردي، إلا أنه من الممكن أن تحيي استراتيجية الأمن القومي الجديدة مزيدًا من هذه الجهود.