Commentary

Testimony

التقدم الذي أحرزته سياسة إدارة أوباما تجاه إيران

إلى الرئيس تشافيز والعضو رفيع المستوى تيرني وأعضاء اللجنة، أود أن أعبر عن امتناني الشديد لإتاحة الفرصة لي لكي أناقش مسألة السياسة الأمريكية تجاه جمهورية إيران الإسلامية. فقد أدت الإدعاءات الجديدة التي تُحيط بجهود إيران للحصول على تكنولوجيا الأسلحة النووية بالإضافة إلى تورطها في عمليات مع الإرهاب إلى تقويض أهمية وضع سياسات فعالة للتصدي لهذا البلد الذي طالما كان في طليعة المصالح الأمنية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط ومختلف أنحاء العالم.

وفي إفادتي التي سأقدمها لكم اليوم، سوف أقوم بعرض لمحة موجزة عن الوضع الحالي داخل إيران، بالرجوع إلى كلٍ من سياساتها الداخلية المعقدة ووضعها داخل منطقة شهدت اضطرابات ملحمية على مدى العام الماضي. ومع ذلك، فسوف أركز ملاحظاتي على المسألة الأساسية في جلسة اليوم – السجل الحافل الخاص بالإدارة الحالية في التصدي للتحديات التي تفرضها طهران. وسوف أختتم المناقشة بوضع سلسلة من المبادئ لتحسين فعالية الجهود الأمريكية في التعامل مع إيران.

1. فهم إيران اليوم

بعد مرور عامين على الاحتجاجات الحاشدة التي اجتاحت شوارع طهران وغيرها من المدن الإيرانية، فقد تمكن النظام الإسلامي من الاحتفاظ بسيطرته على السلطة حتى بعد أن عصف التغير التاريخي بالبلدان المجاورة له. فقد أدت الاضطرابات التي جرت في أعقاب الانتخابات الرئاسية الإيرانية المتنازع عليها عام 2009 إلى انشقاق قيادته ونفور الكثير من سكان البلد كما أنها ولدت الحركة الشعبية الأكثر قوة من أجل التغيير السياسي منذ ثورة عام 1979 التي جاءت بها إلى السلطة. ومهما كانت الشرعية الشعبية المتبقية، فقد تحطمت الدولة الثورية التي لطالما تم الاحتفاظ بها بسبب الوحشية التي تمت ممارستها ضد المتظاهرين السلميين. وقد تفاقمت المسؤوليات السياسية الداخلية الخاصة بالنظام نتيجة الضغوط الاقتصادية الكبيرة التي سرعتها العقوبات بالإضافة إلى العقود التي شهدت سوء إدارة. علاوة على ذلك، فقد أدى كلٍ من التقليد الذي تبنته إيران طويلاً باتخاذ حكومة تمثيلية بالإضافة إلى سكانها المثقفين والمشاركين من الناحية السياسية والنقاش الداخلي الراقي نسبيًا بها حول مسائل السلطة والشرعية إلى تجديد الآمال بأن إيران كانت على وشك التغيير إلى الأفضل.

ولكن تخطت جمهورية إيران الإسلامية وبشكل كامل موجة الحركات الشعبية المختصة بالمسائلة والحكم الرشيد التي أطاحت بالدول الحصينة في كافة أنحاء منطقة الشرق الأوسط. وباستثناء الاحتجاجات التي ظهرت في وقت مبكر، فقد شهدت إيران القليل من الاحتجاجات التي عصفت بالدول المجاورة لها على مدار العام الماضي. فمتانة النظام الديني الثوري هي نتاج الحملة الماكرة التي شنها النظام الإيراني لمنع انبعاث أي معارضة شعبية. ومن خلال خبراتهم الشخصية في التعامل مع الثورات، فقد استخدم قادة الجمهورية الإسلامية أسلوب الترهيب والتعبئة والجهود المبذولة من أجل شراء ذمم المعارضين من خلال الإنفاق الاجتماعي لمنع عودة النشاط الشعبي.

وحتى بعد أن ظلت المعارضة الإيرانية كامنة إلى حدٍ كبير طوال الأشهر الأولى من الربيع العربي، فقد احتدمت الخلافات السياسية داخل النظام على نحوٍ حاد. فقد تفجر الاستياء الذي دام لفترة طويلة تجاه الرئيس محمود أحمدي نجاد في الرأي العام بسبب التصميم التقليدي للنظام الإيراني الثوري. فقد أدى نتاج هذا الصراع الداخلي إلى تعزيز دور القائد الأعلى بإيران أية الله على خامنئي باعتبارها صاحبة السلطة القصوى في البلاد. وقد أدى هذا التزاحم الشرس إلى فتح تصدعات جديدة بين النخبة السياسية، ولكن لم يؤدي إلى تآكل قدرات النظام إلى حد كبير في الحفاظ على السلطة على المدى القصير.

وقد عزز الاضطراب، الذي انتشر في جميع أنحاء المنطقة والذي واجه السخط الشعبي العميق وتوترات بين النخبة داخل البلد، عزم النظام الإيراني للقضاء على المعارضة وتأكيد نفوذها في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط التي تمر بمرحلة التغير. وعلى الرغم من ضعفهم الجلي، فقد تصور المتشددون الدينيون في إيران الثورات العربية باعتبارها نوع من أنواع النصر. ومن وجهة نظر طهران، يُعتبر التغير الإقليمي أمر إيجابي حتى الوقت الحالي. وقد تم إرسال العديد من خصوم الجمهورية الإسلامية الأكثر إصراراً إلى المنفى أو السجن أو على أقل تقدير وضعوهم في وضعية الخضوع الدفاعي، وهذا يوفر لطهران على الأقل إمكانية الدخول الجديد إلى العالم العربي السني. وقد سعى النظام إلى استغلال حالة عدم اليقين الراسخة وتيارات الريبة التي أحاطت بنوايا الولايات المتحدة التي تختفي تحت الحماس الإقليمي من أجل التغيير. كما أدت ثورات الربيع العربي إلى رفع أسعار النفط مرة أخرى بعد ركودها لمدة عامين نتيجة تباطؤ الاقتصاد العالمي، وسيضمن هذا الفرق في القيمة تحقيق عائدات إيرانية كافية تقريباً للتخلص من أي ضغوط.

ومما لا شك فيه، فقد خلفت البيئة الإقليمية أيضاً التزامات جديدة على طهران، حيث تلاشت أي قوة واهنة ادعت إيران وجودها في الدول المجاورة لها بفعل احتضان العرب للنضال الديمقراطي ومسائلة الحكومة. وقد تم عرض قادة إيران باعتبارهم ديكتاتوريين استبداديين وقد أدى تحديهم الذي لا يتزعزع تجاه واشنطن إلى خلق المزيد من الفراغ في منطقة يرتدي فيها ملايين المواطنين العاديين عباءة البطولية وهم على استعداد للمخاطرة بأرواحهم سعيًا لتحقيق مستقبل أفضل. وتُعد من بين المشاكل الأكثر إلحاحاً بالنسبة لطهران مشكلة استخدام العنف في سوريا حليفتها العربية الوحيدة، فالاضطرابات التي تسود سوريا في الوقت الحالي تهدد الشريك الإقليمي الأكثر ثقة للجمهورية الإسلامية فضلاً عن آليتها الموثوق بها من أجل إعادة تزويد وكيلها حزب الله والحفاظ على الوصول المباشر إلى الدراما السياسية في الشام. وعلاوة على ذلك، يجب ألا يؤدي نطاق وسرعة انتقال الحكم في سوريا إلى فقدان ثقة القادة الإيرانيين في قدراتهم في الاحتفاظ على سيطرتهم.

كما أحيت الدراما الإقليمية غير الخفية الخلافات القديمة بين كلٍ من الثيوقراطية الفارسية وواحدة من أقوى المنافسين لها في المنطقة منذ أمد بعيد وهي المملكة العربية السعودية. فبصرف النظر عن العناوين الحديثة التي تزعم تواطؤ طهران في مؤامرة لاغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة في مطعم بولاية واشنطن، فقد اندلعت حرب باردة جديدة في الخليج الفارسي والتي سوف يكون لها آثار متواصلة على المصالح الأمريكية والأمن الإقليمي والاقتصاد العالمي. تنظر المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول العربية إلى طهران باعتبارها مستفيدة من الأخطاء والسذاجة الأمريكية التي تحدث في المنطقة وهم مصممون على إحباط مساعي إيران للهيمنة على المنطقة. وقد حذر القادة الإيرانيين من جانبهم وبشدة من أن النكسة التي سيتسبب فيها السعوديين وغيرهم من الدول العربية لن تعود إلا من أجل أن تطاردهم، حيث تنظر كلا العاصمتين إلى الصراع من أجل السيطرة باعتباره صراع من أجل الوجود على الرغم من أن كلاهما أعربا عن إحجامهما المتزايد عن التمزق أكثر مما قد توحي به خطاباتهما.

ففي ظل منطقة تمر بمثل هذا التغير الملحمي والتي يعصف بها مثل هذه المنافسات المحددة، فإن نتائج التحولات التي جرت في دولتين عربيتين سوف يكون لها تأثير حاسم على المستقبل. أولى هذه الدول هي مصر، والتي عادةً ما تُعد قلب العالم العربي السني والتي أدى فيها استبعاد طرد حسني مبارك إلى الأبد إلى تغيير مقر القوة والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بطريقة منافسة للثورة الإسلامية في إيران التي حدثت منذ جيل مضى. فإذا كان يمكن لمصر نقل الحقائق الملحة والمتناقضة لورطتها الحالية وأن تحقق بعض التوازن الوظيفي بين الأمن والديمقراطية، فإنها سوف تكون قادرة على خلق نموذج جديد للمنطقة – مركز للثقل له شرعية داخلية متأصلة ونفوذ واسع النطاق. وتُعد الساحة الرئيسية الثانية لتشكيل مستقبل منطقة الشرق الأوسط هي العراق، حيث إن الشكوك الطائفية التي تصيب المنطقة لا تزال مؤثرة وحيث ترك التدخل الأمريكي إرثًا معقدًا. يُعد النفوذ الواسع الذي تتمتع به إيران داخل العراق نتيجة متوقعة ولا يمكن المفر منها للإطاحة الأمريكية بالرئيس صدام حسين. ومع ذلك، يجب ألا يعتقد أحد – على الأقل في جميع أنحاء طهران التي يُعزز تاريخها المرير مع الدولة المجاورة لها القيود المفروضة على الهوية الطائفية – بأن مستقبل العراق يعتمد في المقام الأول على مساعدات الإيرانيين.

2. تقييم سياسة إدارة أوباما تجاه إيران: الأخبار الطيبة

تمثل المقاومة واستمرار الجمهورية الإسلامية مصدر قلق كبير داخل المنطقة أكثر مما كانت عليه في أي وقت خلال العقدين الماضيين، الأمر الذي تفاقم بسبب الميوعة التي انتشرت في جميع أنحاء العالم العربي والمآزق الناتجة عن ممارسة النفوذ الأمريكي. ويمكن لإدارة أوباما أن تقدم مطالبة مقنعة للنجاحات غير المسبوقة التي حققتها في التعامل مع إيران، ومع ذلك يظل الهدف النهائي للسياسة الأمريكية – القضاء على التهديدات التي يشكلها سعي النظام لامتلاك الإمكانات النووية ودعم الإرهاب وإساءة معاملة المواطنين – بعيدًا كما كان في أي وقت مضى. ومن أجل تحقيق التطور الذي يساعد في الوصول إلى هذا الهدف، فمن الضروري تقييم نهج وأساليب الإدارة الحالية.

ولقد أصبحت سياسة الإدارة الأمريكية تجاه إيران عبارة عن دائرة كاملة منذ بداياتها الأولى. فقد تبنى الرئيس باراك أوباما نظرية إشراك الخصوم أثناء حملته التي قام بها في عام 2008 وقد صمم جهوده الأولية تجاه إيران من أجل تأكيد التقبل الأمريكي للوصول إلى حل تفاوضي بشأن المسألة النووية مع القيادة الإيرانية وبالتبعية الوصول إلى حل بشأن سلسلة المظالم الثنائية. ومع ذلك، فإن فقدان إيران للتبادلية معًا مع الاستجابة الوحشية للنظام تجاه الاضطرابات التي حدثت في يونيو 2009 قد أدوا إلى إبطال النداء لإجراء أية مبادرات جديدة واسعة النطاق داخل الإدارة. وفي وقت لاحق من ذلك العام نفسه، فقد أثار تراجع طهران عن إبرام اتفاقية مبدئية لتبادل الوقود، والتي كان من المقرر أن تكون بمثابة بادرة لبناء الثقة فيما يتعلق بالقضية النووية، صبر الإدارة الأمريكية لإجراء مفاوضات مع إيران.

وكان الرئيس أوباما قد أوضح منذ البداية أنه سيتم تحديد موعد مبكر للاتفاق لكي يمنع طهران من استغلال العملية للمراوغة. وبنهاية السنة الأولى من رئاسة أوباما، عادت السياسة الأمريكية تجاه إيران إلى أسلوبها المألوف في فرض عقوبات اقتصادية. وبهذه الطريقة، فإن النهج الذي كان مقرر منذ البداية اتباعه من أجل تحديد أولويات المشاركة بشكل سريع هيأ الفرصة للإدارة التي حشدت أقوى وأكبر لفيف متعدد الجوانب للضغط على إيران على مدى أكثر من ثلاث عقود.

تجدر الإشارة إلى أن هذا التحول في النهج الأمريكي تجاه إيران ليس غريبًا؛ على سبيل المثال، نصف الإدارة السابقة والتي تحولت من الدبلوماسية المباشرة غير المسبوقة إلى العزلة المطلقة ثم عادت في منتصف الطريق مرة أخرى إلى الدبلوماسية وذلك على مدى ثماني سنوات. وقد ظهر تطور مماثل خلال فترة إدارة كلينتون، وفي الواقع الأمر فإن هذا يحدث خلال فترة رئاسة كل رئيس أمريكي، من كلا الطرفين منذ عام 1979. وقد تأسس الإطار الأساسي لسياسة الولايات المتحدة تجاه طهران خلال الساعات الأولى بعد الاستيلاء على السفارة الأمريكية وموظفيها في نوفمبر عام 1979، عندما أطلق فريق الأزمات بإدارة كارتر استراتيجية ذات مسارين التي تشمل كل من الضغط والحوافز من أجل التفاوض. ومنذ هذا الوقت وحتى الآن، فقد انغمس كل رئيس أمريكي في صقل إدارته، ولكن ظل المنطق الأساسي المزدوج للإدارة الأمريكية تجاه إيران على حاله.

تأسست سياسة أوباما على الأساس الذي وضعته إدارة بوش في تبنيها لسياسة الضغط وبذل الجهود من أجل بناء نظام قوي للعقوبات الاقتصادية في إيران. وينطوي هذا على العديد من المكونات التي تشمل استخدام صلاحيات تنفيذية في تعيين الكيانات الإيرانية نظرًا لارتباطهم بالإرهاب، في إطار التدابير التي تم تبنيها بعد أحداث 11 سبتمبر، فضلاً عن تعزيز العقوبات لمكافحة انتشار الأسلحة النووية. وتمنع هذه القيود التي نادرًا ما تكون بعيدة المدى البنوك الأجنبية التي تتمتع بصلاحيات أو وجود أمريكي من التعامل مع مؤسسات معينة في إيران. وعلى الرغم من أن العقوبات التي تتجاوز الحدود الإقليمية كانت قد أثارت المعارضة الأوروبية في الماضي، فقد تلقت هذه التدابير رفض علني إما من المجتمع الدبلوماسي أو المجتمع المالي. وتعكس هذه الدرجة من التوافق مزيجًا من الدبلوماسية الأمريكية الفعالة مع الحلفاء وحالة من الشك الدولي تجاه طهران وانحراف التدابير التي تستهدف في الظاهر مجرد بعض المؤسسات الإيرانية ولكنها تفرض بشكل غير مباشر قيود على أي من شركائها الأجانب في الأعمال.

ترافق هذه التدابير حملة منسقة ترتكز بشكل رئيسي على المؤسسات المالية في كلٍ من أوروبا والخليج، والتي تهدف إلى تسليط الضوء على كلٍ من زيادة الحواجز القانونية فضلاً عن المخاطر التي تتعرض لها سمعة الشركات عند الاستثمار في إيران. وقد كانت نتيجة ذلك درامية، فبعد مضي أكثر من عقدين من الزمن في محاولة جلب الراحة للعالم في الوقت الذي تبذل فيه أمريكا جهودًا من أجل عزل إيران والضغط عليها، ساعدت واشنطن على إطلاق موجة من سحب الاستثمارات من إيران من خلال الاستفادة من الدور الفريد للنظام المالي الأمريكي من أجل تمجيد تأثير القيود الأمريكية. وقد اكتملت الإجراءات الأمريكية الاتحادية بسبب انتشار التدابير على كافة مستويات الدولة، وهذا تأثير تراكمي كان الهدف منه تعزيز تثبيط أي شركة لها مصالح أمريكية من التعامل مع نظرائهم الإيرانيين.

وبالطبع، يُعد الإنجاز الحقيقي الذي حققه نهج بوش تجاه إيران هو سعيه الطويل والشاق من أجل جلب الملف النووي الإيراني أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ولتحقيق هذا الهدف المطلوب في نهاية المطاف، يتعين على الإدارة أن تغير اتجاه رفضها المسبق للتفاوض مع طهران فضلاً عن تخفيف موقفها تجاه النشاطات النووية الإيرانية في المستقبل. وقد أدت هذه التنازلات إلى حصول واشنطن على ثلاثة قرارات لعقوبات متتالية من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حيث إنها بدأت تحشد الإجماع الدولي حول معاقبة إيران وبعض المؤسسات المحددة بشأن القضية النووية.

وعلى الرغم من الاختلافات الأسلوبية، فقد احتفظت إدارة أوباما بإطار الفترة الثانية من سياسة بوش تجاه إيران. ولا يزال تعيين الأفراد والمؤسسات الإيرانية في إطار مكافحة انتشار الأسلحة النووية وقوانين مكافحة الإرهاب يُشكل أداة قوية من أجل خلق آثار متتالية عبر المشهد الدولي فيما يتعلق بالعلاقات التجارية الخاصة بالبلد. ومع ذلك، فقد سعى الرئيس أوباما بعيدًا عن هذه الخطوات لتعزيز قوة الإقناع السياسية الأمريكية – بدءًا بتقديم الاقتراحات المبدئية فيما يتعلق بإيران باعتبارها وسيلة لكي يثبت لأوروبا جدية الاستعداد الأمريكي مما يجعل من التنازلات الرئيسية بشأن القضايا الشائكة مع روسيا لكي تجعل موسكو تنخرط في علاقة أكثر تعاون مع إيران والاستثمار في مفاوضات مطولة حول أحدث (والمفترض أن يكون آخر) قرار للأمم المتحدة بشأن إيران، قرار مجلس الأمن رقم 1929، بحيث إنه يكون بمثابة أساس للمزيد من الإجراءات التي تتبناها الدول الفردية فضلاً عن الاتحاد الأوروبي. لا يمكن الاستهانة بمزايا هذا التعاون، حيث إن هذه العقوبات اللاحقة الصادرة عن جانب واحد أكثر أهمية من إجراء الأمم المتحدة نفسه وبأكثر من طريقة. وقد اتخذت واشنطن خطوات أخرى من أجل تشجيع التعاون بين “الدول ذات التفكير المماثل” في كلٍ من أوروبا وآسيا، ولاسيما من خلال استغلال سياسة العقوبات لتسليط الضوء على إساءة استخدام حقوق الإنسان في إيران ولتقييد وصول الحكومة إلى التكنولوجيا التي يتم استخدامها من أجل السيطرة على التدفق الحر للمعلومات.

وتشمل التدابير الجديدة والبارزة قانون العقوبات الشاملة ضد إيران والمحاسبة والتجريد CISADA يوليو 2010 والذي يتضمن إلغاء الإعفاء المسبق على الكافيار والسجاد والفستق من بين العقوبات الأمريكية فضلاً عن مجموعة جديدة من التدابير التي تتجاوز الحدود الإقليمية بما في ذلك القيود المفروضة على بيع المنتجات النفطية المكررة لطهران. ويرجع ذلك بشكل جزئي إلى أن قانون العقوبات الشاملة ضد إيران والمحاسبة والتجريد CISADA تم إصدارة بسرعة شديدة في أعقاب قرار الأمم المتحدة، وقد كان هناك بعض التذمر، وبخاصة من الروسيين، جراء تجاوز واشنطن لوصايتها. ولا تزال الإجراءات الفردية الأمريكية لا تثير التوترات والانشقاقات بين التحالفات نتيجة التعاون الشامل مع حملة الضغط على طهران التي تبنتها القوى الدولية.

ولابد من الإشارة إلى أن تحقيق نظام قوي حقًا فيما يتعلق بالعقوبات متعددة الجوانب ليس بالأمر الهين. فالإصرار على استخدام العقوبات باعتبارها أداة من أدوات السياسة الأمريكية تجاه طهران قد طغت على المفهوم الذي يشير إلى أن المجتمع الدولي نادرًا، إذا لم يكن مطلقًا، يتبنى خطط مماثلة تجاه الجمهورية الإسلامية. فقد أسس النظام الثوري الإيراني سجلاً طويلاً من الجرائم البشعة والسلوك الاستفزازي، بداية من حدث الاستيلاء على السفارة الأمريكية الذي مر على وقوعه 32 عامًا هذا الشهر. وطوال ذلك الوقت، فلم تثبت أي عاصمة أخرى سوى واشنطن استعدادها لتهديد مصالحها الاقتصادية فيما يتعلق بإيران بأي شكل ذي مغزى. منذ ما يقرب من العقود الثلاثة الماضية، فقد كانت معاقبة إيران إلى حدٍ كبير هي المهمة الوحيدة التي تقوم بها الحكومة الأمريكية.

وفي ضوء ذلك التاريخ، فإنه يجب النظر إلى عملية تجميع تحالف واسع يلتزم بتنفيذ العقوبات الحقيقية ضد طهران بشكل موضوعي باعتبارها إنجاز تاريخي – بما في ذلك فرض حظر عالمي على مبيعات الأسلحة التقليدية والانسحاب الأوروبي من الاستثمار في قطاع الطاقة الإيراني بالإضافة إلى القيود واسعة النطاق المفروضة على التعامل مع المصارف الإيرانية وغيرها من التدابير الأخرى. وذلك يعكس الاستثمار العميق الذي تتبعه إدارة أوباما في الدبلوماسية بشكل أساسي وليس بشكل فردي من أجل تحويل عوامل التعاون الدولي في إيران. كما يشير الاكتشاف الدولي الحديث الذي يتناول فرض قيود تبعية ضد إيران إلى تعميق الشعور بالإحباط بشأن التعتيم النووي الذي تمارسه إيران فضلاً عن توقف التوقعات الأوروبية بشأن الاعتدال الداخلي في إيران في مرحلة ما بعد عام 2009. كما استفاد الموقف من القيادة الصينية التي صممت على تجنب خرق اتفاقها مع واشنطن بشأن إيران بالإضافة إلى نجاح إداراتي كلٍ من بوش وأوباما في توسيع نطاق القيود الأمريكية من جانب واحد دون إثارة غضب الحلفاء الرئيسيين عن طريق التركيز على الآليات المالية المبهمة نسبيًا والتعيينات المستهدفة في القطاع المصرفي.

ويمكن رؤية النتائج المترتبة على نظام العقوبات الحاد عبر اللجنة الموجودة داخل إيران. فقد لعبت كل من العقوبات والرقابة على الصادرات دورًا خفيًا ولكنه كبيرًا في إبراز قدرة إيران على الحصول على التكنولوجيا اللازمة لبرنامجها النووي المتطور. وقد أدت كل من العقوبات متعددة الأطراف والعقوبات الفردية معًا إلى إحداث خسائر فادحة في الاقتصاد الإيراني – مما دفع مئات المستثمرين الأجانب إلى الابتعاد عن السوق الإيرانية مما أثار الأزمات الدورية للعملة الإيرانية كما أدى إلى تصاعد كبير في التكاليف بالإضافة إلى المنغصات المترتبة على التعامل مع أو داخل إيران. فقد انخفض التبادل التجاري مع شركاء التجارة التقليديين في أوروبا بشكل سريع كما أجبرت العقوبات طهران على تغيير الهياكل المالية الخاصة ببنوكها والسعي إلى إيجاد آليات خلاقة – بما في ذلك صكوك المقايضة – من أجل زيادة نسب متطلباتها الكبيرة من أجل تمويل التجارة. فقد ظلت الصادرات الهندية من البنزين الإيراني غير مدفوعة الأجر لعدة شهور نتيجة عدم وجود عملية دفع مجدية من الناحية القانونية فيما ظلت الطائرات الإيرانية في أوروبا نتيجة القيود الأمريكية المفروضة على بيع المنتجات النفطية المكررة. وباستثناء الصينيين، فإن معظم كبرى شركات الطاقة الدولية تركت إيران بعد عقد من الإحباطات الناتجة عن استئناف العمل كما تعثر تطوير الطاقة الإيرانية بعيدًا عن أهدافها المعلنة وهو الأمر الذي سيؤثر بالسلب على خيارات الإنتاج والتصدير الخاصة بها. وقد اعترفت مجموعة كبيرة من السياسيين الإيرانيين بشكل علني، بما في ذلك أية الله خامنئي، بالمصاعب المتزايدة المفروضة نتيجة القيود.

ومع ذلك، فإن العقوبات ليست هي الآلية الوحيدة للسياسة الأمريكية. وقد دعمت الإدارة الأمريكية العقوبات الاقتصادية مع غيرها من أشكال الضغوط الرامية إلى تغيير حسابات صناعة القرار الخاصة بإيران. وقد نُسبت مجموعة متنوعة من الخطط السرية من أجل إحباط المشروع النووي الإيراني إلى واشنطن و/أو حلفائها بما في ذلك فيروس الكمبيوتر ستكسنت Stuxnet. وقد حققت واشنطن من خلال عملها مع شركاء في كلٍ من أوروبا وآسيا إجراء صغير من النجاح في ضمان عدم التغاضي عن المخاوف العميقة بشأن السياسات الداخلية لإيران في ظل الاهتمام الدولي بالقضية النووية وذلك من خلال الجهود الناجحة لترسيخ مقرر الأمم المتحدة الخاص بحقوق الإنسان في إيران بالإضافة إلى التدابير الأخرى التي تم اتخاذها في الهيئات متعددة الأطراف. وحتى بعد ازدياد الضغط على النظام، فقد سعت الإدارة الأمريكية إلى الحصول على وسائل أخرى من أجل الوصول إلى الإيرانيين العاديين وترسيخ أول متحدث رسمي باللغة الفارسية عن وزارة الخارجية وتنفيذ البرامج من أجل توسيع وصول الإيرانيين إلى المعلومات والتكنولوجيا وتوفير تسهيلات جديدة من أجل الحصول على تأشيرات دخول متعددة للشباب الإيراني الذين يدرسون في الولايات المتحدة. ونتيجة لكل هذه الجهود والدليل الملموس على التأثير داخل إيران، فلأول مرة منذ بداية الثورة الثيوقراطية عام 1979 بدأ الشعور بالنشاط الحقيقي والتلاحم فيما بين المجتمع الدولي من أجل التكتل ضد التهديد الذي تُشكله طهران.

3. تقييم سياسة إدارة أوباما تجاه إيران: الأخبار السيئة

على الرغم من هذه الحصيلة المثيرة من الإنجازات، فقد استمر الهدف الرئيسي من هذه الجهود في التملص من صانعي السياسة الأمريكية وحلفائهم. فقد فشلت حتى أقسى العقوبات في تاريخ ما بعد الثورة الإيرانية في أن يكون لها تأثير سريع على سياسات إيران الأكثر خطورة، ولاسيما سعيها الدؤوب في مجال الإمكانات النووية التي تتناقض مع أغراض حكومتها لأغراض المدنية فضلاُ عن جهودها الرامية لتقويض المصالح الأمريكية ولتخريب التحركات الديمقراطية في الداخل والخارج. وقد فرضت العقوبات تكاليف مادية وسياسية ثقيلة على الجمهورية الإسلامية، لكنها لم تقنع القادة الإيرانيين بأن مصالحهم ستتحقق بشكل أفضل عن طريق التخلي عن طموحاتها النووية والتخلي عن سياساتها المتهورة الأخرى أو حتى فتح حوار جاد مع واشنطن.وهذه هي وظيفة التحول السياسي المعقد داخل إيران على مدار العقد الماضي وإمكانات النظام التي تم إضعافها بشكل كبير من أجل التحايل وتحصين نفسها ضد العقوبات وبالطبع ضد التغييرات الخطيرة التي اجتاحت المنطقة بشكل كبير.

ومن الناحية التاريخية، يميل القادة الإيرانيون إلى رفض أهمية العقوبات، على الأقل من خلال خطاباتهم، كما أنهم احتفلوا بقدرة البلاد على تحمل الضغوط الاقتصادية الخارجية، لاسيما التدابير المفروضة على إيران من جانب واشنطن. وفي أعقاب الثورة، كانت روح الشعب هذه متفقة فلسفيًا مع سعي القيادة الثورية من أجل الحصول على الاستقلال وتناقضها إزاء الرأسمالية والتشابكات الدولية. وقد أدى تمزق العلاقة المالية لإيران مع الولايات المتحدة بالإضافة إلى الحظر الأمريكي على تصدير المعدات العسكرية إلى إيران إلى تحفيز طهران على الاستثمار في قدرتها المحلية، ولاسيما في القطاع الأمني.

بمرور الوقت، تم دمج العقوبات داخل النظام الأيديولوجي، مثلما حدث في الحرب مع العراق في الثمانينات من القرن الماضي. ويمثل الضغط الاقتصادي عنصرًا آخر في المؤامرة الدولية لتقويض الثورة الإسلامية، وهي المؤامرة التي تم إحباطها من قبل قادة إيران الحكماء والصالحين، والذين استخدموا العقوبات لمصلحة البلد من خلال تعزيز قدراتها الأصلية وسيادتها. وفي هذا الصدد، فقد ينظر المتشددين الباقين على قيد الحياة العقوبات الجديدة باعتبارها نصرًا – وحتى لو كان ثمنها باهظًا – وسيتخذونها كما هي كأساس لهم. وقد تضاعفت هذه الميول نتيجة التحول التاريخي الذي خضعت له إيران على مدى العقدين الماضيين. وقد منح الجيل القادم للحرب الإيرانية السلطة للجماعة التي دعمت العقد الثوري الأول للنظام بالإضافة إلى تجربة النضال الانفرادي من أجل هزيمة صدام حسين ضد الصعوبات الساحقة. فهم يرتابون بشدة في المجتمع الدولي ولا يزالوا مقتنعون بأن واشنطن عازمة على إخضاع إيران. وقد أعطوا الأولوية القصوى للميزة الاستراتيجية فوق النمو الاقتصادي وقد افتتنوا بفكرة أنه يمكن للشرق التعويض بشكل أكبر عن الفرص المادية التي تضيع نتيجة رحيل الشركات الغربية. ونتيجة لذلك، فإن طهران أقل تقبلاً من أي وقت مضى لمنطق التكاليف والمنافع التي تعود نتيجة تنفيذ العقوبات، ولا سيما أنها محدودة التطبيق إلى حد ما.

وبعيدًا عن الخطاب الصاخب، فإن السجل التاريخي يقدم سببًا محدود للغاية للشعور بالتفاؤل حول فعالية الضغوط الاقتصادية في تعديل السياسات الخارجية لإيران. فمنذ قيام الثورة، شهدت إيران عددًا من نوبات الضيق الاقتصادي الشديدة، نتيجة تقلب أسعار النفط والأزمات السياسية الحادة التي تلت الثورة وأثناء الحرب مع العراق. ولم تؤد أي من نوبات الضغط الاقتصادي هذه إلى حدوث التحرك بشكل ملحوظ نحو التعقل أو الوصول لحل وسط بخصوص نهج إيران الظاهر للعالم، بدلاً من ذلك، فعندما زاد الضغط على المحفظة الإيرانية تكتل النظام الإيراني واحتشدت الجماهير. وبالطبع، فإن السياق السياسي فريد من نوعه ولكن استعراض التاريخ الإيراني يبدد أية أوهام بأن ظروف طهران سوف تتعقد تلقائيًا عندما تصبح ظروفها المالية غير مستقرة.

وعلاوة على ذلك، فإن طهران لديها تاريخ طويل في مجال التصدي لتأثير الضغط الاقتصادي المقصود. ومن المتوقع استجابة هيكل القوة التحفظية لأحدث وابل من العقوبات بطريقة متعددة الجوانب بما في ذلك التحدي والتخفيف والنفور والعزل بالإضافة إلى حملة الشعب الدبلوماسية لخدمة المصالح الذاتية. فالنظام واسع الحيلة وقابل للتكيف وكذلك ضليع في عزل دوائره المفضلة وتحديد بدلاء الموردين. وقد سعت إيران عمدًا من خلال التجارة والدبلوماسية التجارية إلى توسيع شبكتها من الشركاء التجاريين بالإضافة إلى إعادة توجيه تجارتها وأنماط الاستثمار من أجل إفادة البلدان التي تتمتع بنفوذ دولي والتي ليس لها سوى الحد الأدنى من المصالح من جراء التدخلات السياسية. يتمتع قادة إيران بالخبرة في مجال استبدال الموردين المحظورين وإيجاد ممولين بدلاء واستيعاب التكاليف الإضافية من أجل تخفيف آثار العقوبات.

وقد أقنع التهديد طهران باتخاذ إجراءات جديدة و عدد من الخطوات على مر السنين من أجل تخفيف تعرضها للنفوذ الاقتصادية الخارجية. فقد وضعت إيران، على وجه الخصوص، مجموعة من التدابير لكي تحد من استهلاك البنزين ولكي تزيد من قدراتها في التكرير في محاولة للحد من اعتماد البلد على المنتجات البترولية المستوردة كما أنها أطلقت تجديد تاريخي للأسعار الواهنة والمتعمقة والمتداولة منذ فترة طويلة على مختلف السلع الاستهلاكية الحيوية بما في ذلك الخبز والبنزين. وقد كانت لهذه الخطوات أولوية قصوى واضحة بالنسبة لطهران على الأقل لعدة سنوات، حيث إنها تهدف على وجه التحديد إلى تقويض تأثير القيود الدولية.

وثمة عامل آخر يحد من فعالية نظام العقوبات الحالي هو الاختلاف بين شروط عقوبات الأمم المتحدة والتدابير الأكثر قسوة التي تتبناها الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها من العديد من البلدان. وقد أدى هذا التفاوت إلى خلق نوع من أنواع عدم التكافؤ في قطاع الطاقة الإيراني الذي يفضل الصين بشكل كبير، والتي قد تثبت عدم استدامتها على المدى الطويل، حيث يستولي اقتصاد الصين، الذي ينمو بسرعة شديدة، بالفعل على شركاء التجارة مع إيران والآن تتذمر الشركات الأوروبية بالفعل نتيجة الضغط عليها للتنازل عن الفرص حيث يقدم منافسيهم الصينيون بدائل سريعة للإفلات من العقاب. وقد استغلت إيران هذه الدينامية سعيًا لتوسيع علاقاتها الاقتصادية بطرق تعوق أي احتمالات لظهور النفوذ الغربي. فإذا كانت واشنطن تسعى لاستخدام نظام العقوبات متعدد الجوانب باعتباره أداه طويلة الأجل للاحتواء والردع، فمن المرجح زيادة بواعث “خرق العقوبات” وهذا بدوره سوف يحد من التأثير على إيران.

وأخيرًا، فبالرغم من نجاح إدارة أوباما حتى الآن في الربط بين قوى نظام العقوبات متعدد الأطراف، توجد رغبة محدودة في تبني معايير جديدة على الرغم من استمرار إيران في عدم التزامها. ومن الواضح أن سنة 2010 سوف تمثل ذروة التعاون الدولي في فرض العقوبات على إيران. وتعبر كل من موسكو وبكين عن ترددهما فيما يتعلق بمزيد من الضغط على طهران، حيث حدث ذلك بالفعل نتيجة التدخل الغربي في حلف شمال الأطلسي ونتيجة موجة عدم الاستقرار التي سادت جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط. وهناك اختلاف في وجهات النظر حول إيران نفسها وحول فعالية ممارسة ضغوط اقتصادية فيما يتعلق بالعزوف التاريخي للمجتمع الدولي عن تبني العقوبات. وقد تعاملت القليل من البلاد غير الولايات المتحدة مع الجمهورية الإسلامية باعتبارها دولة منبوذة، وعلى العكس، قامت بعض الدول المهمة كالصين وروسيا بتطوير العلاقات مع دولة يُنظر إليها باعتبارها قوة سيادية. ولقد أثبتت المصالح الاقتصادية المتعلقة بالطاقة الدور الكبير الذي لعبته إيران في سوق السلاح الروسي، حيث أصبحت قوة ملزمة ونافية للمقاومة الدولية للعقوبات كما هو الحال بالنسبة للمرتزقة. وفي كلٍ من موسكو وبكين وغيرهما من العواصم الأخرى، لا تزال إيران حليفًا استراتيجيًا في المنطقة الشائكة من العالم، حيث يشعران بالقلق حيال تعرض علاقاتهما معها للخطر. وإنهما تتشاركان في الشعور بالاستياء من الامتيازات الأمريكية وعدم الثقة في نوايا واشنطن.

وقد يزداد أمر تحقيق توافق دولي على فرض عقوبات صارمة تعقيدًا من منظورات متباينة بشأن العواقب المحتملة. وكالعادة، فقد جادلت واشنطن في أن زيادة تكاليف المخالفات الإيرانية يمكن أن يغير نظام السياسة ويردع السياسات الإشكالية. فوجهة النظر التي ترى العقوبات أداة تستطيع التأثير على الأنظمة المتمردة ليست منتشرة بشكل كبير في المجتمع الدولي، خاصة وأن موسكو وبكين قاموا بالفعل بمواصلة احتجاجهما تعبيرًا عن قلقهما حيال عدم الاعتدال وفرض العقوبات التي من شأنها إثارة المزيد من التطرف والعنف الإيراني، سواء عن طريق أفعال مباشرة ضد الحكومة والتي تلتزم بالمقاطعة أو زيادة النشاط النووي والانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. ويرجع تردد موسكو وبكين إلى وجود تجارب طويلة لبلادهم مع العقوبات وأشكال أخرى من الضغوط على الاقتصاد الغربي.

ويتواجد هذا التناقض بعمق خارج البلاد التاريخية مثل روسيا والصين. وحتى مع الأنظمة الأوروبية الحاكمة، فقد ترك إرث ثلاثة عقود من “المشاركة البناءة” رواسب من عدم الارتياح بين بعض الزعماء مع العقوبات كأداة سياسية أولية، وهو نهج معتدل يسعى إلى سحب السياسات الإيرانية إلى نظام يهتم بالمنفعة المتبادلة. وتظل الدول المجاورة لإيران في منطقة الخليج الفارسي، الذين يمقتون ثيوقراطية الشيعة ويفضلون أي عائد من إيران ذات القدرة النووية، حذرين من إيران استنادًا إلى المخاوف من التطرف الإيراني والقلق بشأن قدرتها على الحفاظ على استقرارها الاقتصادي في منتصف ملحمة الشكوك العالمية.

وفي النهاية، فإن العوائق التي تحول دون العقوبات الأمريكية تمثل تحديًا كبيرًا— والمقصود هنا بلا شك العوائق الهامة وليس العوائق التي لا يمكن التغلب عليها بشكل دائم. ويُعد الأمر الأكثر إثارة للقلق هو المعضلة الكبيرة التي تواجه نهج الإدارة الأمريكية في التعامل مع إيران، وهو الأمر الذي يُعد انفصامًا أساسيًا بين الاستراتيجية والتقييم الواقعي لما يمكن الوصول إليه. فـ”المسار المزدوج” لا يضع نهاية قابلة للتطبيق مع العلاقات الإيرانية الحالية، حيث إن الهدف الأساسي للنهج الأمريكي هو أن يجعل الدولة الإسلامية تتنازل طواعية عن البرنامج النووي وسياساتها الأخرى، والتي لا يمكن الدفاع عنها في السياق السياسي الحالي في طهران. وفي ظل الظروف الراهنة الداخلية والخارجية، فغالبًا لا يمكن التصور بأنه يمكن لثوار إيران عقد معاهدات تاريخية مع الغرب. كما لا يمكن للنظام الإيراني المعروف بعدم ثقته المتأصلة في الغرب أن ينخرط في عملية مفاوضات بناءة من خلال التدابير التي تؤدي إلى تفاقم ضعفها. ولا يمكن لأي دولة تراقب المجتمع الدولي وهو يقوم بقصف ليبيا أن تتنازل أبدًا عن تقدمها النووي في مقابل التقارب والعلاقات التجارية، لا سيما في ظل مناخ يسوده مثل هذا التغيير الإقليمي الكبير، والذي لم يفعل شيء سوى انه زاد من جنون العظمة في طهران.

4. خيارات سياسة المستقبل

تعتبر السنة القادمة فرصة لإعادة التفكير في النهج الأمريكي مع إيران، حيث إنه من غير المرجح أن يؤدي التكثيف التدريجي لنظام العقوبات إلى تراجع إيران عن سعيها البائس تجاه القضية النووية. والأكثر من ذلك أنه من غير المرجح أن تسفرالإجابة والتمسك الشديد بالإطار الأساسي للمسار المزدوج أو سياسة العصا والجزرة، والتي هي كانت بمثابة صيغة أمريكية أساسية للتعامل مع إيران منذ عام 1979، عن نتائج أكثر فعالية. فهذا النهج يكفي إلى أقل حد يذكر، بمعنى أنه تم بنجاح دمج مشاكل إيران السياسية الأكثر تعقيدًا بدون إحراز مزيد من التقدم تجاه تغيير مسار أو تعديل النظام السياسي. ومع ذلك، فإنها ستفشل في حل المخاوف الأمريكية الأكثر إلحاحًا تجاه السياسيات الإيرانية.

وفي صياغة للنهج الأمريكي في تعامله مع إيران، فإنه يوجد بعض المبادئ الأساسية التي يجب أن تظل لها الأولوية بالنسبة لصانعي السياسة الأمريكية. أولاً، يُعد التعاون متعدد الأطراف أمر حيوي بالنسبة لإيران، حيث إنه يؤثر على قاعدتها فضلاً عن استراتيجيتها في اتخاذ القرارات. وكما تم التوضيح سابقًا، فقد تقوضت الفعالية التاريخية للعقوبات نظرًا لتطبيقها على نطاق محدود. وقد أحرزت إدارة أوباما تقدمًا كبيرًا نحو مزيد من التعاون الدولي، ولكن تغامر واشنطن باستبعاد حلفائها الأساسيين من خلال تبني معايير أكثر عشوائية.

وفي هذا الصدد، يقدم استثمار وتجارة الصين المتواصلين مع طهران السبيل الوحيد الأكثر أهمية لتشكيل مستقبل إيران، حيث تندفع بكين حلف المنافع الاقتصادية فضلاً عن إغفالها الدائم عن مظالم إيران، ولكن يمكن إصلاح التصدع القائم بين البلدين وذلك عن طريق منح فرص للمجتمع الدولي لتعزيز التعاون بشأن إحباط طموحات إيران النووية. ولكن العلاقات بين الصين وإيران قوية ومتينة للغاية، حيث تتعامل بكين بحذر مع إيران، ولكن طهران من جانبها متناقضة فيما يتعلق الصين. لقد تعاملت واشنطن مع بكين على مدى فترة طويلة باعتبارها بُعد تبعي لدبلوماسية إيران، و بدلاً من ذلك فإنها قامت بالتركيز على روسيا باعتبارها ممثلها المصيري، لكن الآن يجب على الصين أن تتحرك لتقف في صدارة مشاورات السياسة الأمريكية، مع تزايد أهمية الصين وسط الاحتمالات الاقتصادية لإيران.

ثانيًا، يجب على واشنطن أن تدرك وتعبر بوضوح لشركائها الدبلوماسيين وللشعب الأمريكي بأن هذه الإجراءات المشددة التي تتخذها تجاه طهران سوف يتبعها مقايضات صعبة بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة. يؤيد صناع القرار الأمريكيين فكرة تطبيق “عقوبات صارمة” ضد إيران، ولكن يستوعب القليل منهم أنه لا توجد آليات لممارسة الضغط لتغيير قواعد التعامل مع طهران بدون فرض نتائج غير متوقعة وغير سعيدة لتوازن الطاقة العالمية والانتعاش الاقتصادي العالمي. ويُظهر الحماس تجاه فرض العقوبات على البنك الإيراني المركزي العديد من الحقائق التي لا يمكن تجنبها: أن الصين والهند وغيرها من الدول المتعطشة للطاقة يعارضون التدابير التي تشكل أي عائق ذات مغزى لقدرة طهران على قدرة السوق التي تبلغ 2.4 مليون برميل يوميًا من صادرات النفط الخام، وأن الأمريكيين سوف يشعرون بتأثير ذلك في كل مرة يتوجهون فيها إلى محطة البنزين. ويعني احتضان تلك المعايير إقناع الأمريكيون والمجتمع الدولي بقبول ارتفاع التكاليف المحتمل حدوثها والمرتبطة بهم.

ثالثًا، ينبغي على واشنطن ألا تساند جانبًا واحدًا من الدبلوماسية. وكما اقترحت، فأنا متشككة بعمق حول استعداد القيادة الإيرانية الحالية أو قدرتها على الدخول في مفاوضات جدية حول معالم طموحاتها النووية أو غيرها من السياسات الإشكالية في المنطقة. وتبرهن العقود الثلاثة الماضية على الدوام أن وجود حوار مفتوح حول القضايا التي تهم الولايات المتحدة قد أدى إلى تقدم المصالح الأمريكية بشكل ملموس. وكما أشرت أعلاه ، فقد استخدم كل رئيس أمريكي منذ عام 1979 مجموعة متنوعة من الأدوات للتأثير على طهران، وتُعد هذه قضية غير حزبية، حيث كثفت إدارات كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري الجزاءات؛وقد سعى رئيسي الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري إلى إقامة حوار مباشر مع القادة الإيرانيين. وتُعد التدابير التي من شأنها تقييد هذا الأمر أو أي إدارة مستقبلية في التعامل مع التحديات التي تفرضها إيران هي المسؤولة بشكل كبير وتؤدي إلى نتائج عكسية صريحة.

رابعًا ، يجب أن يكون استخدام القوة ضمن الخيارات السياسية للتعامل مع التهديدات الملحة، ولكن لم يؤدي الاحتجاج المفرط على التهديدات إلى شيء سوى إحراز القليل من التقدم بشأن مصالح الولايات المتحدة أو إلى تلك الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي ليضمن انتشار السلام والرخاء في منطقة الشرق الأوسط. فإن التهديدات التي قد يكون المقصود بها التأثير على حسابات دول العالم الثالث وتعزيز الدعم للمنظمات غير العسكرية للضغط على إيران بطريقة مؤسفة لتعزيز جنون العظمة الذي تعاني منه القيادة الإيرانية الحالية وتشجيعهم على الرد بالمثل. علاوة على ذلك، فإن هذا المحيط موهن بشكل لا يصدق بالنسبة للمعارضة القائمة في إيران، ولكنه لا يخدم سوى تعزيز القيادة التي يمكن أن ترحب بالهجوم كوسيلة لتعزيز شرعيتها وقبضتها على السلطة.

خامسًا، يجب على واشنطن إعادة النظر في الإمكانيات العديدة التي يمكنها إحراز تقدم بشأن التغيير السياسي داخل إيران، حيث تشير الحقيقة غير المريحة إلى حصول إدارة أوباما على معظم حقوقها من خلال استجابتها المنخفضة لظهور المعارضة الإيرانية الفطرية في عام 2009. لا يمكن حتى لأكثر الناشطين الديمقراطيين حماسًا في إيران أن يقدم حجة مقنعة بأن أن الخطاب الأمريكي أكثر قوة أو أكثر تقارب مع الحركة الخضراء في الوقت الذي يسهل فيه التوصل إلى نتائج مختلفة، ولكن يبقى هناك أمر غير واضح على الإطلاق وهو ما إذا كان وكيف سيؤدي دعم الولايات المتحدة إلى إحراز تقدم بشأن التغير السياسي في إيران.

ولعل من أكثر الأمور التي تدعو إلى السخرية إلى الآن أن معظم المناقشات التي تحيط باحتمالات تطبيق الديمقراطية في إيران التي حدثت في واشنطن خلال الشهور الأخيرة ارتكزت على منظمة مجاهدين خلق، وهي تلك المنظمة الإرهابية التي فقدت مصداقيتها، ومناصريهم من الأمريكيين الذين تم مكافأتهم بصورة مجزية. وبعد قرن من النضال الإيراني، قام مسؤول وممثل للحكومة بإصدار مذكرة للمطالبة بمحادثة جادة، والتي قام الأفراد والمؤسسات ذات اليد العليا بالإبلاغ بها لفهم الديناميكية الحالية الداخلية لإيران بشأن مسألة ما إذا كان هناك ما يمكن للمجتمع الدولي القيام به لتقديم مستقبل أفضل للإيرانيين.