Research

توصيات السياسة: العلاقات الثقافية والأكاديمية بين إيران والغرب بعد الاتفاق النووي

A man walks past Azadi Tower (Liberty Tower) in Azadi Square in Tehran, Iran, January 17, 2016. REUTERS/Raheb Homavandi/
Editor's note:

يناقش علي فتح الله نجاد في توصيات السياسة هذه مختلف الطرق التي في وسع الجهات الفاعلة الغربية خوضها في العلاقات الثقافية الخارجية مع إيران، مع الأخذ في الاعتبار تعدّدية المجتمع الإيراني. وقد وردت هذه التوصيات أصلاً في تقرير “إيران–ريدر 2017” الذي نشرته مؤسّسة كونراد أديناور.

بسبب القيود على حريّة التعبير، ينبغي التدقيق في المبادرات الثقافية بحسب كلّ حالة بهدف الحدّ من المخاطر على المنخرطين في الموضوع

تعمل الحركة الثقافية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية بين بيئتين إحداهما قمعية والأخرى تقييدية، وتحاول الجهات الفاعلة في المجتمع التعامل باستمرار مع موضوع المساحة المتاحة للأنشطة الثقافية. في هذه الحالة المتقلقلة، ينبغي التدقيق بعناية في كلّ مبادرة ثقافية بحسب كلّ حالة بهدف الحدّ من المخاطر على المنخرطين في هذا الشأن، ممّا يتطلّب طبعاً المزيد من الموارد، أي استشارة خبراء مستقلّين.

وأتى استنتاج المجموعات العاملة أنّه من الصعب جدّاً الانخراط في تعاون ثقافي وأكاديمي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية سواء أقبل مرحلة الاتفاق النووي أم بعدها، إذ في هذا الانخراط حقول ألغام يجب أخذها في عين الاعتبار، ألا وهي الخطوط الحمراء التي وضعها النظام (كما هو الحال حيال بعض المواضيع مثل حقوق الإنسان)، وكلّ ما “يبدو سياسيّاً” (حتى في المجال الأكاديمي). لذلك، خطوُ خطوات صغيرة أفضل بكثير من خوض مشاريع كبيرة من المرجّح ألّا يتمّ الاعتراف بها.

إشراك تعدّدية المجتمع الإيراني و”تنوّعه المعرفي الواسع” من خلال مقاربة المسارَين

نظراً للقيود التي فرضتها الدولة في ما يتعلّق بإشراك تعدّدية المجتمع الإيراني، ينبغي منح الأولوية لمقاربة شعبية تصاعدية قائمة على المجتمع المدني أكثر منها لثقافة فوقية تتحكّم بها الدولة. بيد أنّ المؤسّسات الغربية اعتمدت حتّى الآن على الدولة الإيرانية لنيل الموافقة للبدء بمشاريع ثقافية. ومع أنّه يبدو أنّ مقاربةً من هذا النوع تمنح أمناً أكبر لكلّ المعنيّين في الأمر، فهي تتّسم بنقاط ضعف كبيرة، لأنها تهمّش الجهات الفاعلة الثقافية والتعليمية المستقلّة بالفعل لمصلحة الجهات التي تتعاون مع الدولة. وبالتالي، من أجل إفساح المجال لهذه المقاربة الشعبية التصاعدية، يمكن اعتماد مقاربة تنتهج مسارَين. وتقوم هذه المقاربة على التوجّه نحو التعاون في المشاريع التي توافق عليها الدولة (بهدف بناء الثقة)، والتعاون في الوقت عينه مع فنّانين وأكاديميين مستقلّين (لاكتشاف التنوّع في المجتمع الإيراني). لذلك، ينبغي بالعلاقات الثقافية والأكاديمية مع إيران أن تحرص على الموازنة بين الانخراط في “التنوّع المعرفي الواسع” في مجتمع إيران التعدّدي وعدم الوقوع في فخّ تشجيع “الاستقرار السلطوي” من خلال مشاريع تفضّل المجموعات التابعة للدولة على المجتمع المدني.

تسهيل التبادلات بين المجتمعات

تكثر أنشطة المجتمعيَن المدنيّين الألماني والإيراني التي تستحقّ المزيد من الانتباه من أجل الانخراط في أوسع نطاق ممكن في المجتمعَين كليهما. ويشكّل البرنامج التدريبي للتبادل الثقافي (CCP) التابع لمؤسسة العلاقات الثقافية الخارجية (ifa) مساحة لخوض هذه الجهود. وينبغي على البرنامج أن يركّز أكثر فأكثر على إشراك مجموعات من إيران أقلّ حظّاً وأكثر عوزاً. وينبغي أن تضمّ التبادلات بين المجتمعين طلاباً ونساءً وأعضاءً من الاتحاد العمّالي وكتّاباً وموظّفين إعلاميين تتمّ استضافتهم في ألمانيا حيث يمكنهم أن يعبّروا عما يجول في خاطرهم في بيئة لا خوف فيها.

انتباه دولي شديد لطبيعة الأنشطة الثقافية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية

تخضع طبيعة العلاقات الثقافية مع إيران لمراقبة حثيثة من مفكّرين إيرانيّين والشتات الإيراني الكبير الذين ينتقد الكثير منهم الجمهورية لإسلامية، ويدعمون جهود المجتمع المدني الإيراني الآيلة إلى إحلال الديمقراطية. من هذا المنطلق، في حال لم تأخذ السياسة الغربية هذا الموضوع في الحسبان، يمكن توقّع ردّ فعلٍ يأتي بشكل تلطيخ لسمعة الجهات الفاعلة الغربية.

التبادل الأكاديمي: التركيز على العلوم الاجتماعية

نظراً إلى النقص الكبير في العلوم الاجتماعية في إيران بسبب البيئة السلطوية، يكتسب التبادل الأكاديمي أهمّية، ولا سيّما في هذا المجال بالضبط. وكنقطة بداية، ينبغي أن يركّز التبادل الأكاديمي على فكرة “النقد”، فهو شرطٌ أساسي لأيّ تحقيق علمي اجتماعي.

ردم الهوّة بين العاصمة والمحافظات الأخرى وبين الأغنياء والفقراء

بما أن إيران دولة مركزيّة، تُعدّ العاصمةُ طهران مركزَ الحياة الثقافية الإيرانية حيث يعيش قرابة سُبع سكّان البلاد. وتبرز هوّة اجتماعية شاسعة بين المحافظات الشمالية والجنوبية. بالإضافة إلى ذلك، من المستحبّ البدء بمشاريع في مدنٍ أخرى بهدف الاستفادة من تنوّع إيران الثقافي والإثني والديني. فيمكن اختيار محافظة أصفهان مثلاً موقعاً للحوار بين الأديان للتنوّع الديني الذي تتميّز به.

معالجة مواضيع تتعلّق بحاضر كلا المجتمعين الإيراني والألماني ومستقبلهما

نظراً للظروف الحالية في كلا البلدَين، في وسع مشاريع كهذه أن تعالج مفهوم “الهويّة” في تحقيقات معمّقة في ما يخصّ الهويّتين الفرديتين الألمانية والإيرانية. عوضاً عن ذلك، ينبغي اعتماد مفهوم الهوية كظاهرة متنوّعة بأصلها. ويمكن أيضاً الاستعانة بتجارب كلا البلدين في الحرب (على الرغم من اختلاف الأجيال) ومناقشتها، بالتعاون مع أجهزة تموّلها الدولة، مثل متحف السلام في طهران، ومع منظمات شعبية تُعنى بموضوعي الحرب والسلام. علاوة على ذلك، يمكن الخوض في حوارات تضمّ مفكّرين ومؤسسات أكاديمية من الجهتين حول الفلسفة والعلوم الإنسانية والاجتماعية، وذلك كمحاولة لمنح أجوبة عن التحديات المحلّية والعالمية.