السيّدة توكّل كرمان، الفائزة بجائزة نوبل للسلام، تناقش الحرب الجارية في اليمن مع منسّقة الاتّصالات سميّة عطيّة وتتكلّم على مستقبل البلاد بمعزل عن التدخّل الخارجي. لقد أُجريت تعديلات طفيفة على هذه المقابلة بهدف التوضيح والاقتضاب.
سميّة عطية (س.ع.): بعد مرور أربع سنوات تقريباً من دون تحقيق أيّ تقدّم، لمَ تعتقدين أنّ التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية لا يزال يظنّ أنّ الحلّ للحرب في اليمن هو حلٌّ عسكريٌّ؟
توكّل كرمان (ت.ك.): أوّلاً، من الضروري جداً معرفة أنّ المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لا تريدان للحرب أن تنتهي، سواء أعلى صعيد عسكري أم على صعيد سياسي. فقد قدّمت لهما هذه الحرب منافع لم تتوقّعاها منذ إنشاء دولتَيهما، مثل الاحتلال والهيمنة والوصاية على اليمن وزعزعة استقرار الجمهورية اليمنية، التي كانت على وشك أن تصبح دولة فدرالية وديمقراطية.
ومن الضروري أيضاً معرفة أنّ الانقلاب الذي حصل في سبتمبر 2014 بقيادة الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح بالتحالف مع الميليشيا الحوثية قد استغلّته الرياض وأبوظبي بهدف زعزعة استقرار الدولة اليمنية وشرعيتها، التي اعترفت بها قرارات الأمم المتحدة وتوافق عليها الشعب اليمني.
وقد استغلّت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة هذا الانقلاب من أجل تبرير تدخّلهما العسكري في اليمن، و(بحجّة استعادة الشرعية اليمنية) قادتا تحالفاً يضمّ عدّة بلدان عربية بدعم أمريكي ودولي ظاهرياً بهدف استعادة شرعية الحكومة اليمنية وإعادة التحكّم باليمن والعودة إلى التوافق الوطني واستكمال المرحلة الانتقالية من حيث توقّفت سابقاً، بالاستناد إلى نتائج الحوار الوطني التي توافقت عليها مختلف الكيانات اليمنية، بما فيها الحركة الحوثية وحزب المؤتمر الشعبي العام بقيادة صالح قبل الانقلاب.
ولمَا استطاع أن يواجه الحوثيون أو علي عبدالله صالح أو أيّ طرف آخر لبضعة أشهر هذا التحالفَ القوي والدعمَ العالمي الذي حظي به لو أنّ الأهداف المُعلَنة بدعم الشرعية كانت فعلياً الحافز وراء التدخّل العسكري السعودي والإماراتي في اليمن. لكنّ الحقيقة هي أنّ للبلدَين على حدّ سواء نوايا مخفية هدفها تقويض اليمن من الناحيتَين السكّانية والجغرافية من خلال الحصار والمجاعة والضربات الجوية و”العسكرة” وتجزئة البلاد.
واليوم، قرابة 80 في المئة من اليمن خارج سيطرة الحوثيين. ففيما كان من المفترض أن تسيطر الحكومة اليمنية الشرعية على المناطق المحرَّرة، حالت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة دون عودة السلطة الشرعية إلى العاصمة المؤقّتة عَدَن أو إلى أيّ محافظة محرَّرة أخرى. فقد احتلّتا جزراً وموانئ وسواحل ومبانيَ حكومية. علاوة على ذلك، أنشأتا ميليشيات جديدة ترفض شرعية الحكومة اليمنية ومكّنتاها. نتيجة لذلك، لم تُظهر الحكومة اليمنية ولاءً إلّا للدولتَين المحتلّتَين الجديدتَين: المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. من ناحيتِي، لقد أدركتُ ذلك باكراً وأطلقتُ عليهما اسم “الدولتَين المحتلّتَين” وعلى تحالفهما اسم “تحالف الخيانة والغدر” وعلى حربهما اسم “حرب تفكيك اليمن والسيطرة عليه”.
(س.ع.): ما التحدّيات التي يواجهها المجتمع الدولي في تقديمه المساعدة لليمن؟
قبل كلّ شيء، يجدر إنهاء الحرب والحصار في اليمن وإعادة فتح المطارات والموانئ وتحريرها من سيطرة التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وينبغي أيضاً وضع حدّ لسياسات المملكة العربية السعودية التي تفاقم من حدّة الأزمة الإنسانية في اليمن، مثل المجاعة وطرد العمّال اليمنيّين المغتربين، بالإضافة إلى منع الحكومة الشرعية من الاستفادة من موارد النفط والغاز ومنعها من العودة إلى البلاد، وعدم تسليم الموانئ والمطارات بغية تلقّي المساعدات والإعانات الإنسانية. وتُصعّب السلطة الحوثية (التي كسبت سلطتها بحكم الأمر الواقع والتي تتحكّم بالمساعدات في الشمال) على المحتاجين الوصول إلى المساعدات الإنسانية لأنّ الحوثيين يستغلّونها لمكاسبهم السياسية أو لإخضاع المجتمعات المحلّية والتحكّم بها. والمجتمع الدولي مطالبٌ بأن يؤدّي واجبه. فبحسب الأمم المتحدة، يحتاج حوالي 20 مليون يمنيّ إلى إغاثة طارئة. فهم يعانون المجاعة والفقر والأوبئة وسلسلةً من المشاكل عنوانُها العريض أزمةٌ إنسانية غير مشهود لها في التاريخ الحديث. إنّها الأزمة الإنسانية الأكثر مأساوية في العالم.
(س.ع.): ما الخطوات لتحقيق مصالحة وطنية في اليمن؟ هل تعتقدين أنّ الأطراف المختلفة في اليمن مستعدّة للمصالحة؟
(ت.ك.): بالطبع، اليمنيون مستعدّون للسلام والمصالحة الوطنية ويتوقون إليهما. فعلى مرّ التاريخ، انخرطوا في حروب وصراعات كثيرة لكنّهم في النهاية نجحوا دائماً في التصالح.
وإذا توقّف التدخّل الخارجي (السعودي والإماراتي بالإضافة إلى التدخّل الإيراني في اليمن)، لن نصنع السلام فحسب، بل سنبني دولة حرّة ديمقراطية أيضاً، دولة قائمة على العدل وسيادة القانون، وسنغدو شريكاً استراتيجياً في الحفاظ على أمن العالم واستقراره.
ويجدر أن تبدأ الخطوات نحو تحقيق مصالحة وطنية بوقف الحرب وإلغاء الحصار والحرص على انسحاب السعودية والإمارات من البلاد. ثانياً، من الضروري تأليف لجنة عسكرية بوساطة الأمم المتحدة تُناط بنزع السلاح من جميع الميليشيات لكي يكون للدولة وحدها الحقّ الحصري باستخدام الأسلحة وتأليف الجيش. وسيساعد ذلك على المحافظة على أمن البلاد وسيادة أراضيها.
ومن الضروري أيضاً استكمال العملية السياسية التي أحبطها الانقلاب والحرب: ويتضمّن ذلك تشكيل حكومة وطنية تضمّ مختلف مكوّنات المجتمع أو حكومة تكنوقراطية برعاية الأمم المتحدة. ويجدر بهذه الحكومة أن تتكفّل بإجراء استفتاء حول مسودّة الدستور وبإجراء انتخابات محلّية وإقليمية ورئاسية. وعليها أن تشرف أيضاً على إعادة الإعمار وإجبار المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على التعويض لليمن بسبب الحرب.
تجدر الإشارة أنّه [منذ العام 2011]، صدرت تسعة قرارات عن مجلس الأمن تتعلّق باليمن والعملية الانتقالية. وقد وعد المجتمع الدولي اليمنيّين برعاية العملية الانتقالية. بالتالي، عليه أن يفي بالتزاماته ويؤدّي دوره في مساعدة اليمن.
(س.ع.): ما ردّ فعلك على خطاب جيمس ماتيس في المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية في البحرين وعلى تداعياته على اليمن؟ (الخطاب الذي ألقى فيه معظم اللوم على إيران).
(ت.ك.): أحيّي وزارة الخارجية الأمريكية والبنتاغون على دعوتهما إلى وقف الحرب. غير أنّ اليمن لا يفتقر إلى القول، بل إلى الفعل. فنحن على وشك أن ندخل العام الخامس من الحرب التي تمزّق البلاد وتقتل شعبها.
أمّا في ما يتعلّق باقتراحات ماتيس، أودّ أن أوضّح نقطتَين مهمّتَين. الأولى هي أنّ نتائج مؤتمر الحوار الوطني ومسودّة الدستور الجديد تنصّ على أن تكون الجمهورية اليمنية المقبلة دولةً فدرالية متعدّدة الأقاليم تقوم على نظام حكومي فدرالي يكون فيه كلّ إقليم مستقلاً. وسيتيح ذلك للحوثيين وغيرهم التعبيرَ عن أنفسهم ضمن دولة موحَّدة تحترم مصالحهم الخاصة. وأودّ أن أشدّد أيضاً على أنّ اليمن لا يضمّ شعباً أصلياً وغير أصلي، بل شعباً واحداً له توجّهات سياسية ودينية متعدّدة. وتتوقّف المسألة الآن عند كيفية إدارة هذه التوجّهات بطريقة حضارية وقانونية.
وأشار وزير الدفاع الأمريكي ماتيس إلى ضرورة أن يكون اليمن خالياً من السلاح، لكنّي لا أفهم كيف من الممكن أن تكون دولة من دون سلاح. فاليمن يتمتّع بطبيعة جغرافية معقّدة وموقع جيوسياسي استراتيجي ويضمّ مئات من الجزر والسواحل الطويلة، ويطلّ على أفريقيا والبحر الأحمر وبحر العرب، ويتحكّم بأحد أهمّ الممرّات البحرية، ألا وهو مضيق باب المندب.
وما على وزير الدفاع ماتيس وغيره من المسؤولين الأمريكيين فهمه هو أنّ اليمن يتعرّض لتهديد الإرهاب والتمرّد والطموحات الإقليمية. ويتطلّب ذلك جيشاً قوياً يحمي استقلال البلاد واستقرارها ويحفظهما ويشارك في حماية الأمنَين الإقليمي والدولي. ومن غير العمَلي أن نتحدّث عن دولة يمنيّة منزوعة السلاح لأنّ في ذلك خطر سقوط اليمن في أيدي مجموعات إرهابية أو متمرّدة أو في فخّ بعض من البلدان المجاورة الطامعة. وتتزامن بشكل عام فكرة نزع السلاح في اليمن مع رغبة المملكة العربية السعودية الكبيرة في إبقاء اليمن تحت سيطرتها.
(س.ع.): ما دور إيران في إطالة الصراع في اليمن؟
(ت.ك.): أدّت إيران دوراً سيّئاً في كل من العراق وسوريا ولبنان. فقد ساهمت إلى حدّ كبير في تقويض هذه البلدان و”تسليحها”. أمّا في اليمن، فطهران تدعم الميليشيا الحوثية وتقدّم لها الأسلحة منذ قبل الانقلاب.
طبعاً، أنا لا أستخفّ بالدور الإيراني في اليمن، لكنّي أقول إنّ هذا الدور لم يكن مهماً. بعبارة أخرى، لولا مؤامرة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وتواطؤهما ضدّ اليمن، لما نجح الحوثيون في إسقاط العاصمة ولما استفادت إيران من الوضع.
(س.ع.): هل تعتقدين أنّ مقتل جمال خاشقجي دفع بالولايات المتحدة إلى السعي إلى محادثات السلام في اليمن؟ في هذه الحالة، كيف؟
(ت.ك.): لا شكّ في أنّ مقتل جمال خاشقجي قد دفع بالولايات المتحدة والعالم إلى السعي إلى محادثات السلام في اليمن. فعندما استيقظ العالم على خبر مقتل خاشقجي بهذه الطريقة البشعة، تَذكّر الجميع بشكل كامل الحربَ في اليمن وآثارها المدمّرة، ولا سيّما أنّ المذنب في الحالتَين هو نفسه.
فشعبنا يواجه الإبادة والدمار والحصار والمجاعة والقصف المستمرّ، وهي مآسٍ لا تقلّ بشاعةً عمّا حدث لجمال خاشقجي الذي تعرّض للتعذيب وتمّ تقطيعه إرباً.
(س.ع.): هل تظنّين إنه من الممكن التوصّل إلى وقف إطلاق النار؟ وما الذي ينبغي أن يحدث لوقف إطلاق النار ولإبقاء هذا القرار سارياً؟
(ت.ك.): ستحاول المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تقويضَ أيّ محاولة لوقف إطلاق النار، إلّا إذا أظهر المجتمع الدولي عزماً حقيقياً ونفّذ هذا الاتفاق. وسيبذل الحوثيون أيضاً جهدهم لتقويض أيّ اتفاق من هذا النوع في حال غياب رعايةٍ كاملة من الأمم المتحدة.
(س.ع.): عندما يهدأ الصراع، هل تعتقدين أنّ على اليمن العودة إلى عملية مؤتمر الحوار الوطني؟ وفي حال غير ذلك، ما هي العملية الوطنية المناسبة؟ ومَن عليه أن يقودها؟
(ت.ك.): لا خيار أمام اليمنيّين سوى العودة إلى نتائج مؤتمر الحوار الوطني الذي يشكّل خارطة طريق لهم لإعادة بناء مستقبلهم. وبعد دخول قرار وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، ستقع على عاتق المجتمع الدولي مهمّة دعم اليمنيّين من أجل تشكيل حكومة شراكة وطنية تُناط بنزع السلاح من الجهات الفاعلة غير الحكومية وتحضير الاستفتاء حول مسودّة الدستور وإجراء انتخابات مختلفة وفقاً للدستور الجديد. وينبغي تنفيذ كلّ هذه الأمور تحت إشراف دولي من أجل منع الميليشيات وزعماء الحرب من متابعة الحرب ومن أجل منع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من فرض الوصاية والاحتلال على اليمن. فلا يجدر السماح لهما بشراء صمت العالم في سبيل تجزئة اليمن والسيطرة عليه.
Commentary
التعطّش إلى الاستقلالية: توكّل كرمان تناقش أزمة اليمن الجارية
الاثنين 12 نوفمبر 2018