Commentary

Op-ed

على إيران العودة بهدوء إلى الأسواق العالمية

ها هم الإغريق والفرس أصدقاء مرة أخرى. يوم الجمعة، أصبحت شركة هيلينك بتروليوم أول شركة أوروبية توافق على شراء النفط الإيراني منذ رفع العقوبات، وهي إحدى الشركات المتعطشة للفرص في البلاد.

سيشكّل نجاح هذه الشركات أو فشلها نقطة مفصلية لإيران على مستوى السياسة الداخلية وسياسة الاشتباك.

لم تكن إيران يوماً خارج السوق تماماً، حتى خلال الفترة التي فُرضت فيها أشد العقوبات بين العام 2012 حتى بداية هذا العام. بيد أنّ القيود التي فرضتها الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي قيّدت مبيعات النفط والمعاملات المالية والتأمين والشحن. صار بإمكان صادرات النفط الإيرانية، التي تراجعت من 2,5 مليون برميل يومياً إلى أدنى مستوى أي أقل من مليون برميل يومياً، أن تتعافى الآن وتصل إلى أكثر من 2 مليون برميل يومياً بحلول نهاية العام.

ومع ذلك، تواجه إيران بيئة خارجية صعبة. بسبب التضخم، وصلت أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها منذ العام 1999، كما وأنّ احتمال ارتفاع صادراتها هو بالضبط ما أدى إلى حالة الركود الأخيرة.

حتى وإن حققت إيران جزءاً من خططها، سيضع ذلك المزيد من الضغط الهبوطي على السلع الأخرى، مثل البتروكيماويات. ينتشر العديد من المشاريع نصف المكتملة على الساحل حول السالوية، محطة بارس الجنوبية، أكبر حقل غاز في العالم، والتي تتشاركها مع قطر. بعض هذه المشاريع فقط سيجذب المستثمرين والتكنولوجيا، ولكن هذا لا يزال يعني دفعة كبيرة في الإنتاج، الأمر الذي يغفله المتوقعون إلى حد كبير.

تضع الحكومة آمالها في التعدين، إذ لديها ثاني أكبر منجم للنحاس في العالم وأكبر احتياطي من الزنك، والحديد ومعادن أخرى. غير أنّ أسعار المعادن تكاد تكون موحشة مثل أسعار النفط، نظراً لتباطؤ النمو في الصين.

كان على حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني أن تكون حذرة. إنّ السياسيين بحاجة للاستفادة من بهجة فترة ما بعد رفع العقوبات، قبل انتخابات البرلمان ومجلس الخبراء في فبراير – حيث يواجه الإصلاحيون نوعاً من رد الفعل العنيف الاستباقي والمتشدد.

من المستحيل أن تظهر أية نتائج اقتصادية ملموسة في هذا الوقت القصير، وبالتالي أفضل ما يمكن أن يأمله الفريق البراغماتيكي-الإصلاحي هو زيادة في تفاؤل ما سمّاه كينز بـ “الغرائز الحيوانية”، بدعمٍ من بعض الصفقات المهمة.

إنّ معظم الـ 100 مليار دولار من الأموال المجمدة المعلن عنها، والتي ستكون إيران الآن قادرة على الوصول إليها قد تمّ تخصيصها أصلاً لمشاريع محلية وإعادة رسملة بنوكها ودفع الفواتير الخارجية. في أي حال من الأحوال، إنّ جلب كل هذه الأموال إلى الداخل مرّة واحدة سيؤجج التضخم ويقوّي الريال بشكل مفرط.

بين العامين 1992 و2009، وهي فترة شهدت انفتاحاً اقتصادياً نسبياً تحت حكم الرئيسين رفسنجاني وخاتمي، جذبت إيران 34,6 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المجموع في القطاعات كافة. يُقال إن قطاع الطاقة وحده اليوم يحتاج إلى 500 مليار دولار خلال العشر سنوات القادمة حتى العام 2025. وحتى السماح لبعض التمويل الداخلي يشير إلى ما بين 12 و32 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي سنوياً، ناهيك عن المتطلبات الكبيرة على مستوى وسائل النقل والاتصالات والفنادق والرعاية الصحية وحماية البيئة والعديد من المجالات الأخرى.

بالتالي، من المؤكّد أنّ البلاد لن تستطيع تحقيق أهدافها الطموحة، حتى النجاح الجزئي متعلقٌ بجذب الاستثمار الأجنبي. ويشمل ذلك الخطوات المعتادة لتحسين الشفافية وتحويل الشركات المملوكة للدولة إلى شركات مستقلّة، وإقرار قوانين مشجعة للمستثمر. من شأن الخصخصة الحقيقية – وليس عمليات البيع الغامضة بأقل من قيمتها إلى المطلعين التي اتسم بها عهد أحمدي نجاد – أن تساهم في إعادة بناء مجموعة داخل إيران لا تعتمد على سخاء الحكومة وتستفيد من علاقات بناءة مع بقية العالم.

غير أنّ هكذا تحول قد يضع القطاعات الرئيسية من الاقتصاد في قبضة المجموعات التابعة للحرس الثوري ويعطي فرصة للمتشددين بأن يجعلوا من الحوادث الصغيرة أزمات دولية. ويمكن فهم قلق جيران إيران الخليجيين من نفوذها الإقليمي ودعمها المستمر لنظام بشار الأسد الدموي في سوريا.

لا بد على الدول الإقليمية، فضلاً عن الأمريكيين والأوروبيين، أن تسير على مسار محفوف بالمخاطر – مواجهة إيران سياسياً عندما تهدّد بينما تعمل على بناء منافع متبادلة من خلال التنازلات الدبلوماسية والتجارة.