Commentary

Op-ed

ثلاثة هتافات لخطة وزارة الخزانة لتنظيم المخاطر النظمية

بعد الانطلاقة المتعثرة، يحاول وزير الخزانة البريطاني تيم جيثنر المحافظة على توازنه، والدليل الرئيسي على ذلك هو الإفراج عن الخطة السداسية من جانب الإدارة لخفض وبشكل كبير المخاطر النظمية في النظام المالي.

وللخطة ستة أجزاء رئيسية:

  • • تعيين جهة تنظيمية واحدة مستقلة “للمخاطرة النظمية”
  • زيادة معايير رأس المال وإدارة المخاطر الخاصة بالمؤسسات المالية الهامة المنظمة.
  • تسجيل جميع صناديق التحوّط فوق حجم معين
  • رقابة شاملة وحماية وكشف عن أسواق العمليات خارج البورصة.
  • تنظيم قوي لصناديق السوق النقدي.
  • سلطة ذات حلول سريعة للمؤسسات المالية الهامة المنظمة القريبة من الإفلاس.

هناك العديد من الدروس المستفادة من الأزمة المالية والاقتصادية الراهنة، وأحدهم بالتأكيد هو أن السوق وحدها لن تكون كافية لمعالجة المخاطر النظمية، أو الخطر القائم على النظام المالي في المستقبل القريب أو الإخفاق التام للمؤسسات المالية المتعددة والكبيرة والمعقدة في (أو بالقرب من) نفس التوقيت. ومن المؤكد أننا بحاجة إلى قواعد جديدة للطريق وبصورة أفضل لمثل هذه المؤسسات، بما في ذلك تحسين سبل التعامل مع عثراتهم المالية بدلاً من التسابق على الحصول على عطلة نهاية الأسبوع لإيجاد مشترين مناسبين أو ضمان الكثير أو كل الالتزامات التي تقع على عاتقها. والعناصر الستة في خطة وزارة الخزانة، إذا تم تفعيلها من حيث القانون، ينبغي أن تقلل إلى حد كبير من احتمال واحد أو عدة احتمالات لإخفاقات هذه المؤسسات في المستقبل، فضلاً عن الخسائر المتعلقة بدافعي الضرائب لحماية دائنيهم.

ومن المؤكد أنه يوجد وسيوجد منتقدين، فالبعض سيقول أننا لسنا في حاجة إلى أية جهة تنظيمية للمخاطر النظمية، وأنه من غير الواقعي أن نتوقع أن هذه الضوابط قد تحول دون حدوث أزمات في المستقبل، أو أنه ليس من الحكمة، أو من غير المشجع على الابتكار إذا كنا نركز هذا القدر من السلطة في جهة تنظيمية واحدة، ولهذه الخطوط من الهجمات هناك عدة إجابات.

وأولاً، وحتى لو بات النقاد من المرجح أن يسلموا بأن القواعد الخاصة الأكثر صرامة أن تكون موجودة لضمان السيولة والملاءة المالية لهذه المؤسسات والذي يمكن أن يكون لإخفاقهم تداعيات مدمرة على نطاق واسع من الاقتصاد. وبمجرد أن تقدم التنازلات، عندئذ فقط يصبح السؤال كما يأتي: هل من الأصوب لجهة تنظيمية واحدة أن تقوم بوضع هذه القواعد، أو أن يكون لديها قواعد متعددة تحددها الجهات التنظيمية القائمة؟ فوزارة الخزانة اختارت جهة تنظيمية واحدة بصورة فرضية لأن ذلك من شأنه أن يقلل من احتمال عدم اتفاق أو تضارب الآراء حول طبيعة المخاطر النظمية وكيفية تنظيمها، مقابل منح السلطة التنظيمية في هيئة جماعية متعددة المنظمين أو تجاهل مشكلة المخاطر النظمية تمامًا، وأعتقد أن وزارة الخزانة قامت بالشيء الصواب.

أما بالنسبة لتركيز سلطات كبيرة للغاية في وكالة واحدة، فإن الرد السهل على ذلك هو الاعتراف بحجم المشكلة: فالمؤسسات المالية التي تشكل خطرًا منهجياً على الاقتصاد يجب أن تقابلها سلطة حكومية كبيرة ذات سلطة خاصة بها. وعلى كل حال، فإننا نضع السلطة في يد الرئيس للتعامل مع الأخطار التي تهدد أمننا الوطني. ولماذا ينبغي على الأمن الاقتصادي – عندما يتم تهديده من قبل الشركات الكبيرة المملوكة للقطاع الخاص- أن نعتبره مختلفًا؟ فعلى أية حال، إذا كان الكونجرس يخشى من أن يكون لدى الجهة التنظيمية للمخاطر النظمية الكثير من القوة، فإنه ينبغي عليها أن تمارس مسؤولياتها الرقابية لضمان أن هذه السلطة تُمارَس وبشكل صحيح.

وهل الجهة التنظيمية للمخاطر النظمية من شأنها تثبيط الابتكار المفيد اجتماعيًا؟ ربما، ولكن لنتذكر أن الشركات الكبيرة والمؤسسات المالية لعبت دورًا رئيسيًا في خلق وتسويق السندات المعقدة المدعومة بالرهن العقاري التي أدت إلى هذه الأزمة الأخيرة. كما أن الرقابة القوية المنظمة والتي تخفّض الابتكار التدميري اجتماعيًا، أو التي تخفف بصورة أفضل للمؤسسات المالية من تداعيات مثل هذا الابتكار، ستكون تطورًا كبيرًا بالمقارنة مع الوضع القائم. وعلاوة على ذلك، فإنه من المهم أن نأخذ في الاعتبار أن معظم الابتكارات الجذرية في اقتصادنا قد ظهرت في السوق عن طريق بدء التشغيل أو الشركات المقاولة، وليس الشركات الكبيرة الراسخة. والجهة المنظمة للخطر التنظيمي لن يكون لها سلطة رقابية على مثل هذه الشركات المالية الصغيرة.

وتعكس خطة الخزانة عدة أحكام سياسية سليمة. فأولاً، تعرض الخطة أهدافًا مفصلة لتوعية الجمهور والكونغرس حول الإدارة المناسبة لفكرة الإصلاح في هذا المجال دون الغوص في كتابة لغة تشريعية محددة، والتي سيكتب بها الكونغرس على أية حال. وفي هذا الصدد، فإن خطة وزارة الخزانة للمخاطر النظمية تعد أكثر تفصيلاً بكثير من خطة إنقاذ المصارف الأولية المنتقدة، وهو أمر جيد. ولكنها أيضًا ليست مفصلة جدًا بمعنى أنها تقوم بوضع الإدارة في مواقف جادة وسريعة بالعديد من التفاصيل التقنية – مثل أي من الوكالات ستكون الجهة التنظيمية للمخاطر النظمية (تم تناول هذا الموضوع بالتفصيل في مقال مصاحب بعنوان “تنظيم المخاطر النظمية” كما أنه صدر هذا المقال اليوم)، أو أية مؤسسات سوف تتأهل لتنظيم الخطر المنهجي- والتي يجب التوصل إليها من خلال المفاوضات التشريعية و/أو تطويرها من قبل الجهة التنظيمية للمخاطرالنظمية ذاتها.

وثانيًا، قررت وزارة الخزانة قرارًا حكيمًا بعدم طرح خطة إصلاح شاملة لإصلاح كل ما هو خطأ في النظام المالي في وقت واحد، حيث لاحظت الوزارة أن مقترحات المخاطر النظمية سيعقبها مقترحات أخرى تتناول موضوع حماية المستهلكين والمستثمرين، والقضاء على الثغرات في الهيكل التنظيمي (ربما بما في ذلك تحديد اختيار الخزانة المفضّل للجهة المنظمة للخطر المنهجي)، وأفضل السبل لتعزيز التنسيق الدولي للنظام المالي. وكلٌ من هذه المواضيع تعتبر معقدة في حد ذاتها، وسوف تتطلب المزيد من التفكير والتفاوض.

فمن خلال تقديم مقترحات المخاطر النظمية أولاً، تضع وزارة الخزانة ثقلها وراء الأولوية القصوى الآن، وأفضل طريقة للحفاظ على شيء من هذا القبيل لعدم تكرار الكارثة. وهذه ليست قضية على المدى البعيد كما يمكن للمرء أن يعتقد، فواضعي السياسات في وقت قريب قد يكونوا مضطرين للتعامل مع إخفاقات أخرى كبيرة ومعقدة للمؤسسات المالية، وبالتالي كلما كان لديها سلطة إضافية للتعامل مع مثل هذا الفشل بطريقة أكثر تنظيمًا، كلما كان ذلك أفضل. وعلى الأرجح سيقوم الكونغرس بتوفير تلك السلطة، أملاً مع غيره من المبادرات لمعالجة المخاطر النظمية، إذا كان لديه مجموعة أصغر من الإصلاحات عما إذا كان يواجه مجموعة أكبر من الإصلاحات في البداية. وبالإضافة إلى ذلك، هناك من البلدان تُعنى أكثر بكيفية تعزيز النظام المالي لمنع المخاطر النظمية، والخطة النظمية لوزارة الخزانة ترسل إشارة قوية إلى بقية دول العالم بأن الولايات المتحدة تشاطرها هذا الرأي.

وأخيرًا، وعند التحدث عن التنسيق الدولي، تتبع المقترحات النظمية لوزارة الخزانة التوازن الصحيح بشأن هذه القضية الحساسة من التنسيق العالمي. وعند القراءة بين السطور في إعلان وزارة الخزانة، يبدو أن الإدارة تتخذ الموقف القائل بأن الولايات المتحدة سوف تحدد المخاطر النظمية من تلقاء نفسها، ولن تنتظر بعض التفاوضات الكبرى الدولية لحل القضية، ناهيك عن تفويض هذه المهمة لجهة تنظيمية لم تنشأ بعد. ولكن في الوقت نفسه، تشير وزارة الخزانة إلى أنها من المؤكد أن تستمع إلى وجهات نظر الدول الأخرى حول هذا الموضوع، وربما تكون مستعدة للصفقات العالمية بشأن قضايا مثل الملاذات الضريبية وغسيل الأموال، والتي من الواضح أنها في حاجة إلى التعاون الدولي. ويجب على نهج وزارة الخزانة أن يهدئ النقاد تجاه قادة الدول الأخرى المستاءين من تداعيات الإخفاقات السابقة في سياسات الولايات المتحدة التي سمحت لأزمة القروض أن تتسع لتصبح حريقًا ماليًا.

ومن المؤكد أن لدينا طريقًا طويلاً لنقطعه قبل تفعيل مقترحات وزارة الخزانة للمخاطر النظمية من حيث القانون، ولكن ومن المؤكد أن الإدارة قد بدأت بداية حسنة، وبذلك فهي تبشر بالخير بالنسبة لمقترحات الإصلاح المالي الأخرى التي سيتم إتباعها.