في شباط/فبراير الماضي ألقى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، خطابًا حماسيًا في منتدى “أمريكا والعالم الإسلامي” الذي نظمته مؤسسة بروكنجز في الدوحة بدولة قطر داعيًا فيه إلى إنهاء ما وصفه بحصار غزه ومطالبًا إسرائيل برفع حصارها البحري على شريط الأراضي الضيق (الذي يمتد على مساحة 140 ميلاً مربعًا) والذي يقطنه مليون ونصف فلسطيني.

 وقد لاقى خطابه استحسانًا كبيرًا من قبل جمهور المسلمين القادم من شتى البلاد كأندونيسا وعُمان ونيجريا. وتناولت معظم المناقشات في المنتدى الوضع في غزه ومعاناة الفلسطنيين الذين يعيشون هناك. وكان واضحًا أن أردوغان كان عازمًا على إثارة القضية.

ففي نهاية الأسبوع الماضي دعم أردوغان وتركيا نداءهما بإرسال “أسطول الحرية” إلى غزة، والذي قصفته مجموعة من جنود كوماندوز البحرية الإسرائيلية مما أسفر عن مقتل الكثير ممن كانوا على متن سفنه وإشعال فتيل أزمة جديدة. وتعتزم تركيا طرح هذه القضية والدعوة إلى التحرك الفعلي في كل منتدى دولي يمكنها أن تصل إليه بما في ذلك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومجلس حلف شمال الأطلسي

 ولم يحقق الحصار على غزة سوى الفشل. فلم يُضعف من حكم حماس وسيطرتها على القطاع، بل يبدو وكأنه قد عمل على توطيده. كما عجز عن نزع السلاح من حماس، وأضعف العدو القديم لحماس، حركة فتح، في قطاع غزة. واليوم ينحدر المعارضون لحكم حماس في غزة من أكثر الجماعات المتطرفة التي تُصنف نفسها مع تنظيم القاعدة.

وهناك أضرار تبعية قد وقعت على حليفتنا مصر جراء هذه العملية. فنظرًا لحرصها على غلق حدودها مع غزة، يتزايد شعور المسلمين بأن القاهرة تدعم الحصار. وقد أسرع الرئيس مبارك بفتح المعبر لكن من المستبعد أن يكون هذا بمثابة حل دائم.

 لقد أضر هذا الحصار بشكل خطير بمكانة أمريكا في العالم الإسلامي الذي يعتبرنا مدافعين عنه.  وربما لم يأبه الشعب الأمريكي كثيرًا للموقف في العامين الأخيرين رغم أن ذلك الوضع قد تناقلته نشرات الأخبار المسائية من المغرب إلى أندونيسا بفضل قناة الجزيرة وغيرها من القنوات الإخبارية على مدار 24 ساعة. فأصبح حصار غزة أداة تجنيد أساسية لتنظيم القاعدة وحزب الله وغيرهم من المتطرفين، فكان هو الدافع وراء العملية الانتحارية التي قام بها مواطن أردني فراح ضحيتها ستة ضباط من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في أفغانستان في 30 كانون الأول/ديسمبر من عام 2009. وتسبب حصار غزة في إخفاق مبادرة أوباما التي كانت ترمي إلى تغيير أراء المسلمين تجاه أمريكا كما اتضح من الخطاب الذي ألقاه في القاهرة في العام الماضي..

وصفت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون هذا الأسبوع الوضع في غزة بأنه “لا يمكن تحمله”. إنها محقة في ذلك، ولكن سياسة الولايات المتحدة لا يمكن تحملها هي الأخرى. فنحن بحاجة إلى إيجاد طريقة لتوصيل المساعدة الإنسانية إلى غزة، وفي الوقت ذاته، نحن بحاجة إلى ضمان عدم قدرة حماس عن تهريب المزيد من الصواريخ لمهاجمة المدن الإسرائيلية ومنع تنظيم القاعدة وغيرهم من المتطرفين من تهريب “متطوعين” ممن يرغبوا في الجهاد.

 ولحسن الحظ ثمة سابقة لوضع نظام دولي لمراقبة الملاحة البحرية في المنطقة. ففي التسعينيات استحدثت الأمم المتحدة نظامًا خاصًا لتفتيش السفن المتجهة إلى العراق عبر ميناء العقبة الأردني وقد فرضت الأمم المتحدة عقوبات على السفن المخالفة بعد لك. وقامت الأمم المتحدة بتعينن هيئه اللويدز اللندنية لتمدها بالمفتشين الذين كانوا يفتشون كل شحنة للتأكد من عدم استيراد العراق لمادة محظورة ولاسيما الأسلحة أو تقنيات لتصنيع لأسلحة الدمار الشامل. وبذلك تمكن الشعب العراقي من الحصول على المساعدة لكن صدّام لم يستطع الحصول على أسلحة الدمار الشامل.

لا بد من وضع نظام كهذا على نحو عاجل لتهدئة حدة التوتر في غزة. من الممكن أن توفر منظمة حلف شمال الأطلسي المفتشين، إذا لديها بالفعل أسطول بحري في البحر المتوسط لمناهضة الإرهاب يطلق عليه “عملية السعي النشيط” الذي تأسس في أعقاب أحداث الحادي عشر سبتمبر. فإذا رفضت حماس قبول هذا النظام، فسوف تكون هي المسؤولة عن أية معاناة في غزة. وإذا تقبلته، فيمكن للعالم أن يشرع في إعادة بناء غزة.