BPEA Spring 2024 conference

LIVE

BPEA Spring 2024 conference

Commentary

عملية السلام في ليبيا: ما الذي يهمّ منطقة المغرب بعد عشر سنوات على الإطاحة بالقذّافي

A bus travels towards Tripoli by the newly-reopened coastal road which was cut between the cities of Misrata and Sirte, near Ras Lanuf, Libya August 10, 2021. Picture taken August 10, 2021.  REUTERS/Esam Omran Al-Fetori

بعد مرور عقد من الزمن على الإطاحة بالدكتاتور معمّر القذّافي، من المفترض أن تُجري ليبيا انتخابات في شهر ديسمبر القادم لتأليف حكومة موحّدة. ومع اقتراب هذا الموعد، تُبدي الدول المجاورة لليبيا في منطقة المغرب، أي تونس والجزائر والمغرب، اهتماماً متزايداً في عملية السلام الجارية في البلاد.

فقد استأنف صانعو القرارات الجزائريون الرحلات الجوّية إلى ليبيا وافتتحوا خطّاً بحرياً بين العاصمة الجزائرية وطرابلس وعيّنوا مؤخّراً رمطان لعمامرة، الذي كان منخرطاً جدّاً في الملفّ الليبي، وزيراً للخارجية. ولا تزال تونس مهتمّة كثيراً بضبط المخاطر الأمنية وإعادة إنشاء الروابط الاقتصادية، وقد وقّعت اتّفاقيات مع ليبيا في خلال الصيف من أجل تعزيز التبادل في التجارة والاستثمار وحركة المسافرين. وينظّم المغرب، وهو البلد الذي أُبرمت فيه اتفاقية الصخيرات في العام 2015 (التي اعترفت بحكومة الوفاق الوطني على أنّها السلطة الشرعية الوحيدة) لقاءات بين الجهات الفاعلة الليبية المتنافسة ومحادثات ثنائية مع مسؤولين حيال تعاون محتمل في مجالات الأمن المحسّن والتجارة والطاقة المتجدّدة.

وعلى الرغم من غياب التنسيق بين هذه الدول حول الملفّ الليبي، وهو أمر إشكالي، تتّفق كلّها علناً على أنّ الانتخابات هي السبيل الوحيد للسير قدماً في تلك البلاد التي ترزح تحت نير الصراع. علاوة على ذلك، دعمت كلّها وباستمرار الحوار بين الفصائل الليبية الذي يعزّز الأصوات الليبية. بيد أنّ اهتمامها المتزايد في الأشهر القليلة يطرح التساؤلات. فلماذا اهتمامها بليبيا في ازدياد، وما المنفعة التي تكسبها من الاستقرار في ليبيا؟

الأمن

السبب الأساسي لاهتمام منطقة المغرب باستقرار ليبيا هو الخطر الأمني الذي تشكّله الفوضى المستمرّة. فمع وصول عدم الاستقرار السياسي إلى ذروته في ليبيا بعد العام 2011، أفضى ذلك إلى ازدياد في الإرهاب والجريمة المنظّمة وانتشار الأسلحة وتجارة المخدّرات. وهذا أمر إشكالي للغاية للجزائر وتونس، اللتين تتشاركان حدوداً برّية نافذة مع ليبيا. وقد زادت الحكومة التونسية بشكل كبير من إنفاقها على الأمن منذ انهيار القطاع الأمني الليبي، فيما زاد النظام الجزائري من عدد الجنود المنتشرين على حدود البلدَين المشتركة. وحتّى المغرب، الذي هو ليس بدولة متاخمة، تأثّر بعدم الاستقرار في ليبيا، ولا سيّما في ما يخصّ التهديد المتأتّي عن الإرهاب. فمع انضمام محاربين مغربيين إلى تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا، التي خططّت هذه المجموعة لإطلاق هجمات على أوروبا انطلاقاً منها، شكّلت عودتهم المتوقَّعة مخاطر على أمن المملكة.

علاوة على ذلك، وبسبب الفراغ في السلطة في طرابلس، شكّل احتمال شنّ المجموعات الإرهابية والمجموعات المتمرّدة هجماتها انطلاقاً من ليبيا تهديداً حقيقياً لمنطقة شمال أفريقيا برمّتها، مثلما تبيّن عندما شنّت مجموعة متمرّدة عسكرية سياسية تشادية معركة أدّت إلى مقتل الرئيس إدريس ديبي إتنو. وأتاح انهيار القطاع الأمني في ليبيا أيضاً تهريبَ الأسلحة وتجارة المخدّرات وغيرها من النشاطات الإجرامية بشكل مكثّف. ففيما لم تشهد ليبيا قبل العام 2011 تجارة مخدّرات سوى مادّة القنّب، باتت اليوم معبراً راسخاً للكوكايين والهيرويين والأمفيتامين.

ويمكن أن يفسّر ذلك السبب الذي دفع ببعض دول منطقة المغرب إلى التلميح بإمكانية قيام شراكة عسكرية مع حكومة الوفاق الوطني الليبي. فقد قال رئيس الدولة الجزائرية، وهي دولة انعزالية تاريخياً، إنّه جاهز “لتطبيق خطوط حمر” ضدّ المشير خليفة حفتر. بالإضافة إلى ذلك، سمح الإصلاح الذي طال دستور البلاد في العام 2020 بنشر الجيش الجزائري عبر البحار، وهذا تغيير عن السياسة العسكرية غير التدخّلية التي دامت لعقود. ودخل المغرب وليبيا في غضون ذلك في محادثات متقدّمة بشأن تحسين التعاون في مجالي الإرهاب والهجرة وتنويان الدخول في شراكة عسكرية. وعلى الأرجح أنّ الإصلاح الدستوري الجزائري المذكور آنفاً مردّه أيضاً عدم الاستقرار المتزايد في منطقة الساحل وأنّ المحادثات المغربية هي طريقة أخرى ربّما للمملكة للمحافظة على انخراطها في الملف الليبي ولتعزيز مصالحها. بيد أنّ هذه التطوّرات تشير إلى أنّ الدولتَين تتّخذان خطوات للحرص على أن تكونا قادرتين على حماية نفسهما من التهديد الأمني الآتي من ليبيا أو على التدخّل للتخفيف من حدّة وضع كهذا.

الاقتصاد

لعلّ تونس هي أكثر الدول المستفيدة في منطقة المغرب من إعادة إرساء روابط اقتصادية متينة مع ليبيا. فمنذ العام 2011، تأثّر اقتصادها بهجرة الليبيين إلى تونس وأيضاً بعودة العمّال التونسيين من ليبيا. وساهم التهديد الأمني أيضاً بالتخفيف من السياحة والاستثمار فضلاً عن ازدياد الإنفاق الأمني. وقد قدّر البنك الدولي أنّه بين العامَين 2011 و2015، أدّت الأزمة الليبية إلى تراجع نسبته 24 في المئة في النمو التونسي.

من هذا المنطلق، سيعكس الاستقرار في ليبيا تدريجياً هذه التأثيرات وسيفتح الباب أمام التعاون الاقتصادي الثنائي. وسوف تدعم الزيادة في السياحة والتجارة الاقتصاد التونسي الضعيف المتأثّر بجائحة فيروس كورونا المستجدّ. وقد سبق أن سمح فتح الحدود مؤخّراً للتجّار التونسيين في المناطق الفقيرة بالسفر إلى ليبيا وبيع بضائعهم. وتهدف الجهتان كلتاهما إلى تعزيز التعاون في مجال التجارة والاستثمار والسياحة في المستقبل كما حصل في خلال المنتدى الاقتصادي الليبي التونسي الذي أقيم في ليبيا في مايو.

ويمكن أيضاً أن يستفيد المغرب، الذي لم تربطه صلات اقتصادية قوية مع ليبيا في ظلّ حكم القذّافي، من اتّفاقيات جديدة حول التجارة والطاقة. ويعمل صانعو القرارات المغربيون للوصول إلى هذا الهدف. فقد أعلن وزير الخارجية المغربي في يونيو تنظيم منتدى اقتصادي ثنائي ثانٍ. وفي الشهر ذاته، تطرّق وزير النفط والغاز الليبي إلى المحادثات الجارية مع المغرب حول التعاون في مجال الطاقة المتجدّدة.

وبدرجة أقلّ، أبدى المسؤولون الجزائريون انفتاحهم مؤخراً أيضاً لتحسين التبادل التجاري مع ليبيا ولإعادة فتح الحدود المشتركة التي يمكنها أن تتحوّل إلى منطقة اقتصادية مهمّة. وعلى غرار تونس والمغرب، نظّمت الجزائر منتدى اقتصادياً مع ليبيا ووقّعت اتّفاقية بشأن التبادل التجاري والمنتديات الصناعية. وقدّمت الجزائر أيضاً مساعدة اقتصادية للمجتمعات في جنوب غرب ليبيا، من ضمنها مساعدات غذائية في العام 2014 في خلال الصراع القبلي بين قبيلتَي التبو والطوارق.

ويمكن أن يكون التكامل الاقتصادي المعزَّز بين الدول في منطقة المغرب واحدةً من المنافع المحتملة الناتجة عن السلام في ليبيا على المستوى الإقليمي. فقد بلغ التبادل التجاري بين دول منطقة المغرب 2,8 في المئة في العام 2019، مقارنة بنسبة 10,7 في المئة بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. ومن أسباب ذلك الأزمةُ في ليبيا، فضلاً عن القيود اللوجستية والتوتّرات بين الجزائر والمغرب. بالتالي، يمكن أن يشكّل السلام في ليبيا فرصة صغيرة لتحسين الأوضاع ويمكن أن يتيح لهذه الدول أن تعزّز التكامل الاقتصادي والبدء بمبادرات للتعاون الأمني عبر الحدود.

التنافس الإقليمي

علاوة على المصالح المحلّية لبعض دول منطقة المغرب، تنخرط هذه الدول في عملية السلام الليبية بحدّ ذاتها لتعزيز موقعها على الساحتَين الإقليمية والدولية. فمنذ أن استضاف المغرب اللقاءات التي أفضت إلى توقيع اتفاقية الصخيرات، نظّمت المملكة عدّة محادثات حول مسألة المواقف المؤسّساتية الأساسية، وقد أقيمت آخرها في هذا الصيف. ويولي صانعو القرارات المغربيون أهمّية كبيرة لدور المملكة في عملية السلام الليبية، التي تعتبرها الرباط طريقة لتعزيز سمعتها الدولية كوسيط موثوق. ويمكن أن يفسّر هذا الأمر السبب الذي جعل المسؤولين المغربيين يشعرون بالإهانة لإقصائهم عن مؤتمر برلين في العام 2018 (الذي دُعيت إليه الجزائر والتونس في النهاية) وسبب تغيّب المملكة بعد ذلك عن الملفّ الليبي بين العامَين 2018 و2020.

وينوي المغرب أيضاً، عبر زيادة انخراطه في ليبيا، أن يبقي نفوذ الجزائر المنافِسة له في المنطقة تحت السيطرة. ومع توصّل الجزائر مؤخراً إلى اتّفاقيات مع تونس ومصر وتركيا حيال الأزمة في طرابلس، ممّا يشير إلى اهتمام متزايد في العاصمة الجزائرية حيال الموضوع، قد يخشى المغرب أنّ نفوذه في ليبيا والمنطقة قد يتضاءل. وهذا بدوره قد يفاقم توتّراته مع الجزائر ويدفعه إلى الانخراط أكثر فأكثر في ليبيا.

التطلّعات: مرحلة ما بعد السلام؟

ستبقى عملية السلام في ليبيا مسألة معقّدة. فحتّى لو أجريت الانتخابات في ديسمبر وجرت عملية التصويت بدون عراقيل وأفضت إلى حكومة موحّدة لا يعارضها حفتر، ستبقى الطريق طويلة. وقد تلزم الدول المجاورة لليبيا سنواتٌ للاستفادة من المنافع الاقتصادية والأمنية.

لكن في هذا السيناريو، سيتضاءل التهديد الأمني الإقليمي في المستقبل القريب، ممّا سيخفّف من الضغط من جميع النواحي. فبإمكان الحكومة التونسية عندئذ الحدّ من الإنفاق على الأمن، فيما في وسع الجزائر والمغرب إعادة تركيز جهودهما الأمنية على منطقة الساحل. وسوف يزداد في نهاية المطاف الاستثمار الأجنبي على المديين المتوسّط والطويل، شأنه شأن السياحة (تبعاً للوضع الوبائي).

في غضون ذلك، ستستمرّ دول منطقة المغرب بالعمل على تحقيق مصالحها الفردية من خلال روابطها مع ليبيا. وسوف تسعى الحكومة في تونس على الأرجح إلى توقيع المزيد من الاتفاقيات المتعلّقة بالتجارة والسياحة مع المحافظة على نيّتها بتوقيع اتفاقيات طاقة محتملة في المستقبل. وسوف يبقى أكبر اهتمامات الجزائر التهديد الأمني المحتمل الذي قد ينبع من ليبيا في حال فشلت عملية السلام، مع أنّه من غير المرجّح أن يتخطّى تدخّلها العسكري الحفاظ على أمن حدودهما المشتركة. وسوف يسعى المغرب إلى ترسيخ دوره كوسيط مع المحافظة على المؤسّسات التي انبثقت عن اتفاقية الصخيرات. لتحقيق ذلك، سيقيم على الأرجح المزيد من اللقاءات على غرار تلك التي جرت في مدينة بوزنيقة بين الجهات الفاعلة المتنافسة. بيد أنّه من المستبعد جدّاً أن تنشأ استجابة موّحدة لمنطقة المغرب إزاء الأزمة الليبية طالما التوتّرات والاختلافات الأيديولوجية ما زالت قائمة.

Authors