Commentary

هل كان رئيس الوزراء العراقي محقّاً في ملاحقته وكيلاً لإيران؟

Iraqi Prime Minister-designate Mustafa al-Kadhimi delivers a speech during the vote on the new government at the parliament headquarters in Baghdad, Iraq, May 7, 2020. Iraqi Parliament Media Office/Handout via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS PICTURE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY.

في 25 يونيو، أعطى رئيس الوزراء العراقي مصطفي الكاظمي الأمر بشنّ غارة على ميليشيات متحالفة مع إيران نفّذت ما لا يقلّ عن 35 هجوماً صاروخياً على أهداف أمريكية في العراق منذ أكتوبر الماضي. وأدّت إحدى الهجمات في ديسمبر إلى مصرعِ مُتعاقدٍ مدني أمريكي وجرح عدّة عناصر من الجيش الأمريكي، ممّا أطلق سلسلة من الأحداث انتهت باغتيال الولايات المتحدة القائدَ الإيراني قاسم سليماني وقائد كتائب حزب الله مهدي المهندس في يناير. وفي الغارة الأخيرة، اعتقل جهاز مكافحة الإرهاب في العراق 14 عضواً في كتائب حزب الله أُفيد بأنّهم في خضمّ إطلاق هجوم آخر.  

تُشكّل الهجمات الصاروخية التي تطلقها المجموعات الوكيلة لإيران في العراق عنصراً شائعاً في المشهد الأمني العراقي على مدى العقدَين المنصرمَين، وغالباً ما تسبّب أضراراً مادية وتؤدّي بين الفينة والفينة إلى مقتل أمريكيّين وعراقيّين أو إصابتهم بجروح. وهي تُدرج عنصراً إضافياً في لائحة طويلة من الويلات القائمة، فيما يكافح العراق للتحلّي بالاستقرار وإنعاش اقتصاده بعد أشهر من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية وتراجع سعر النفط وجائحة فيروس كورونا المستجدّ.

بيد أنّ الغارة لم تنجح في إعادة فرض سلطة الدولة العراقية على هذه المجموعة، وتشير الأحداث التي تلت العملية إلى أنّ الغارة ربما أجريت بالتشاور مع إيران وحلفائها. من هذا المنطلق، ينبغي على الكاظمي تفادي الرغبة في كسب انتصارات قصيرة الأمد والتركيزُ على الخطوات الطويلة الأمد لحثّ النموّ الاقتصادي وبناء التحالفات السياسية. فهذه هي الطريقة الأكثر استدامة لاحتواء إيران والحؤول دون قيام جهاتها الوكيلة بهجمات على أهداف أمريكية في العراق.

الغارة وتداعياتها

لقد كانت رسالة الكاظمي في الغارة على كتائب حزب الله بسيطة: لم يعد بإمكان الميليشيات الشيعية في العراق التصرّف من دون عقاب. وكانت العملية جريئة لأنّه كان من الممكن أن تتسبّب بردٍّ مُسّلح من المجموعة، فيتعرقل التوافق السياسي الهشّ الذي سمح بتعيين الكاظمي منذ شهرين.

بيد أنّ الأحداث التي تلت الغارة لم تسمح بوصول رسالة الكاظمي. ويبدو من المرجّح جداً أنّ العملية أُجريت بالتنسيق والتشاور مع إيران والجهات الفاعلة السياسية المتحالفة معها. مثلاً، سواء أكان بالحظ أم كان بتنسيق مُسبق مع إيران أو قيادة المجموعات الميليشاوية والكتل النيابية، لم تردّ المجموعة بأي طريقة لافتة. فبعد الغارة، حشدت كتائب حزب الله قوّةً تناهز 150 مقاتلاً في 30 شاحنة صغيرة تقريباً حول منزل رئيس الوزراء، وكانت النيّة ترهيب الكاظمي لكن تفادي تصعيد الأزمة إلى مواجهة مسلّحة.

علاوة على ذلك، وُضِع عناصر الميليشيا الذين أُلقي القبض عليهم في خلال الغارة تحت مراقبة مديرية الأمن في قوّات الحشد الشعبي، وهي المنظمة الرئيسية التي تطغى عليها كتائبُ حزب الله ومجموعات أخرى متحالفة مع إيران. وهذا أمر له دلائل، فالمديرية يديرها قائد من كتائب حزب الله. بالتالي، تمكّنت المجموعة من جعل رئيس الوزراء يضع المشتبه بهم في عهدة نفسها ومنْع الحكومة من مفاقمة الأزمة في الوقت عينه. ونهار الإثنين، وبشكل متوقّع، أطلقت مديرية الأمن في قوّات الحشد الشعبي سراح عناصر الميليشيا المعتَقلين بحجّة انعدام الادلّة الكافية لمحاكمتهم.

مشكلة معقّدة

تكافح كتائب حزب الله لاستعادة المكانة السياسية التي تميّزت بها في ظلّ قيادة المهندس، الذي رسّخت علاقاتُه العريقة وتمكُّنه المُشخصن من البيئة السياسية بروزَ المنظّمة في السنوات الأخيرة. وعلى عكس المجموعات المنافسة، على غرار منظّمة بدر (التي تسيطر على مؤسّسات عراقية أساسية وتترأس ثاني أكبر كتلة سياسية في البرلمان) وعصائب أهل الحق (التي هي جزء من هذه الكتلة ذاتها ولها 15 نائباً في البرلمان)، تفتقر كتائب حزب الله إلى الانضباط التنظيمي وإلى النفوذ السياسي والمؤسّساتي.

بيد أنّه لا ينبغي على الحكومة العراقية أن ترضى بالوضع. فما زالت كتائب حزب الله تتحلّى بقدرات قتالية كبيرة ولها القدرة على مواجهة القوى الأمنية العراقية بعنف. وسوف تواجه هذه القوى صعوبة لكسب فوز عسكري شامل ضدّ هذه المجموعة. ولو وقعت هذه المعركة، ستحشد هذه المجموعة أيضاً مجموعاتٍ قويةً أخرى موالية وكيلة لإيران ضدّ الحكومة.

ومن شأن استعداد الكاظمي لملاحقة الميليشيات الشيعية على الرغم من القيود التي تعانيها القوى الأمنية أن يُكسِبه بعض الهتافات المؤيّدة في العراق والولايات المتّحدة قبل انطلاق الحوار الاستراتيجي الأمريكي العراقي في واشنطن هذا الشهر. فرئيس الوزراء عازمٌ على تحسين علاقة العراق بالولايات المتّحدة، وسكون هذا الأمر حاسماً لتأمين الهزيمة الدائمة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وإنعاش الاقتصاد واستقطاب الدعم المالي والتقني من المجتمع الدولي والحرص على عدم تأثّر العراق بحملة الضغط الأقصى التي تطبّقها الولايات المتحدة على إيران.

لكنّ الكاظمي يواجه مشكلة معقّدة الآن: فقد كشفت الغارة على كتائب حزب الله قيودَ الحكومة، بيد أنّ العراقيين والآخرين يتوقّعون منه أن يستمرّ بفرض سلطته على هذه المجموعة والجهات التابعة لها. بالتالي، وَضَع الكاظمي مصداقيّته على المحكّ. فهل ينقَضّ على المجموعة من جديد، حتّى لو يمكن أن يسبّب ذلك صراعاً أو يحرّض إيران وجهاتها الوكيلة الأخرى؟ لقد وضع الكاظمي سابقة من الممكن أن تؤدّي إلى فشله أو إذلاله.

والأهمّ أنّ المحاولات لتحجيم الجهات الوكيلة لإيران يمكن أنّ يضرّ عملية الإصلاح الأوسع، وهي عملية لا بدّ منها لتأخير الانهيار الاجتماعي الاقتصادي. وقد أعاقت العملية المجموعات النافذة (من ضمنها الأحزاب المؤيّدة لإيران والجهات الوكيلة على وجه الخصوص) التي لها مصلحة مكتسبة في المحافظة على الوضع الراهن. ومع أنّ الهجمات الصاروخية على الأمريكيين تقوّض الأمن وتضرّ بالعلاقات العراقية الأمريكية، من الممكن أيضاً أنّ الكاظمي (والولايات المتّحدة، نظراً إلى أنّها تشجّعه عن عِلم وغير عِلم) يقع في فخّ منصوبٍ لضرب استقرار البيئة السياسية وتعزيز المقاومة السياسية ضدّ رئيس الوزراء والإصلاحات وإدخاله في صراع يصبّ في مصلحة إيران وجهاتها الوكيلة.

التركيز على النتيجة

عوضاً عن التحريض على صراع مع الميليشيات لا تريده الحكومة ولا ستفوز فيه على الأرجح، ينبغي على الكاظمي أن يبقى مُركّزاً بشدّة على انتعاش الاقتصاد العراقي وأن يُبقي الانتباه العالمي مُتمحوراً حول التزام حكومته الحازم بتأمين استقرار البلاد وتلبية الحاجات الملحّة للشعب العراقي. وتواجه حكومته تحديات بنيوية طويلة الأمد، بما في ذلك القبضة المُحكمة التي تتحّلى بها كتائب حزب الله والجهات الأخرى الوكيلة لإيران على الاقتصادَين الرسمي وغير الشرعي. لكنّ الأشهر الثلاثة المقبلة حاسمة لأنّ العراق يحاول إبراز استعداده وقدرته (للجمهورَين المحلّي والخارجي) على إنعاش الاقتصاد. وعملية الإصلاح هذه بالضبط (السلاح الأقوى لدى الكاظمي) هي التي ستطرح الجهات الوكيلة لإيران جانباً في النهاية وتكسب عقول العراقيين وقلوبهم.

الأمن في العراق هو مسألة سياسية: فقمع ميليشيات مثل كتائب حزب الله لا يمكن أن يكون جهداً مُجتزأ. فإن كان الكاظمي والولايات المتّحدة جدّيَّين في احتواء المجموعات المتحالفة مع إيران، لا بدّ من التزام حازم واستعداد للقيام بكلّ ما يلزم، ومع استراتيجية سياسية لإدارة التداعيات المحتملة على الحوكمة والإصلاح في البلاد. ويمكن أن يعود ذلك بالنفع عندما تبرز فرص صغيرة تُعجِّلها بيئة العراق السياسية والأمنية المُتقلّبة. لقد حبّذت واشنطن مقاربة الواحدة بواحدة إزاء الصراع مع المجموعات الوكيلة لإيران، لكنّ الولايات المتّحدة تخاطر بتشجيع الكاظمي عن غير قصد بالدخول في صراع مع إيران، ولا قدرة له على ذلك الآن.

عوضاً عن تشجيع الكاظمي لحشد قوّاته ضدّ الجهات الوكيلة لإيران والوقوع في فخٍّ نصبته إيران، ينبغي على الولايات المتّحدة أن تُحدّد ما إذا كانت مستعدّة لمنحه شبكة حماية عسكرية تدعمه في حال قرّر التحرّك ضدّ هذه المجموعات القوية. ثانياً، ينبغي على الولايات المتّحدة تفادي أخطاء الماضي وعدم التعويل على رئيس الوزراء وحده، بل ينبغي على واشنطن تشجيع الكاظمي والعمل معه لوضع استراتيجية لتأليف تحالف سياسي منيع ضمن البرلمان العراقي.

ولا شكّ في أنّه سيصبح للكاظمي أعداء في خضمّ ذلك، لكن عليه أن يحرص على أنّهم الأعداء الصحيحون (أي الجهات الفاعلة الخبيثة التي لا مصلحة لها في عراق مزدهر والتي تريد طرد الولايات المتّحدة من البلاد). ومع دعم أمريكي، باستطاعة الكاظمي العمل على تأسيس تحالف سياسي مدعوم من مجموعات تريد العمل معه لضمانِ دعمٍ وحضورٍ أمريكيَّين مستمرَّين في العراق، من ضمنها الجهات الفاعلة السياسية العربية السنّية والشيعية والكردية.

وبإمكان هذا التحالف أن يساعد الحكومة أيضاً على الحرص على عدم استيلاء قوّات الحشد الشعبي والمجموعات المتحالفة مع إيران على إصلاحات هذه الحكومة وعدم تخريبها، وبإمكانه أيضاً وقاية الكاظمي من أيّ تداعيات بعد المحاولات العتيدة لإسكات الجهات الوكيلة لإيران. وتقدّم هذه الجهات الفاعلة أيضاً المكوّنات الأساسية لتحالفٍ يمنح الكاظمي تكتّلاً انتخابياً صالحاً لخوض الانتخابات النيابية المقبلة. والهدف النهائي هو حماية عملية الإصلاح من أن يتم إفشالها. وبإمكان واشنطن، من جهتها، المساعدة على التوسّط لتسوية التوتّرات ضمن التحالف. فغالباً ما تكون التحالفات في العراق مشاكسة وعرضة لتكتيكات فرّقْ تسُدْ السياسية التي تنتهجها إيران في العراق.

حينما تكون الهجمات على أهداف أمريكية وشيكة، ينبغي على العراق الردّ، لكن ينبغي مؤازرة ذلك باستراتيجية سياسية وقدرة إكراهية تدعمها واشنطن. والتركيز على الخطط الطويلة الأمد وليس الانتصارات التكتيكية القصيرة الأمد مسألةٌ حاسمة للحرص على عدم تحقيق مآرب إيران من خلال ارتكاب أخطاء تعرّض السيادة العراقية وإجراءاتها القضائية للهزء. عوضاً عن ذلك، ينبغي على الكاظمي التركيز على وضع مقاربة مفصّلة متشعّبة لاحتواء إيران وإنهاء الهجمات الصاروخية التي أدّت إلى مصرع أمريكيين وعراقيين على حدّ سواء.

Authors