Toward reimagined global financial architecture: Progress and challenges

LIVE

Toward reimagined global financial architecture: Progress and challenges

Commentary

“فورة آبي” تطال لجنة نوبل

الثناء والتنبيه للفائز الأثيوبي

Ethiopia's Prime Minister Abiy Ahmed addresses delegates during the signing of the Sudan's power sharing deal, that paves the way for a transitional government, and eventual elections, following the overthrow of a long-time leader Omar al-Bashir, in Khartoum, Sudan, August 17, 2019. REUTERS/Mohamed Nureldin Abdallah - RC138A0BD790

نال آبي أحمد جائزة نوبل للسلام لهذا العام. وإن لم تسمعوا بهذا الاسم من قبل، لستم الوحيدين. إذ لم تعِر واشنطن انتباهاً يُذكر للتغيير المذهل الذي بدأ في العام المنصرم في أثيوبيا برعاية رئيس الوزراء الأثيوبي الجديد. فقد بدأ هذا الرجل الذي يرتدي سترات ملفتة، كتلك الخضراء بالخطوط الزهرية والمُطعّمة بنقشة جلد الفهد، عهدَه بأسلوب لافت أيضاً. فقد ألغى حالة الطوارئ في بلاده المقموعة منذ فترة طويلة وأطلق سراح آلاف المساجين السياسيين وأوقف الرقابة على الإعلام وعيّن نساء في مناصب مرموقة، حاصداً الثناء والإشادة في كلّ خطوة يخطوها. وأنهى كذلك عقدَين من الصراع المجمّد مع أريتريا المجاورة لبلاده، وهي الخطوة التي نال لقاءها الجائزة.

لكنّ إعلان لجنة نوبل يدعو أيضاً للانتباه، فقد أخرج آبي أخيراً أثيوبيا من وضعها، وباشر بواحدة من أهمّ العمليات الانتقالية السياسية في العالم لكنّ هذه العملية هي الأكثر هشاشة أيضاً.

وتدرك اللجنة شديد الإدراك الصعوبات التي يواجهها آبي وسكّان البلاد الذين يبلغ عددهم 110 ملايين نسمة والمشاكل التي تعانيها البلاد أصلاً، فعبّرت اللجنة في إعلانها عن قلقها حيال “الصراع العرقي” المتنامي والاضطراب الاجتماعي الذي أدّى في السنوات الأخير إلى نزوح ثلاثة ملايين شخص، وهذا العدد يتخطّى أيّ مكان آخر في العالم. وقالت اللجنة بأسلوب احترازي: “لا شكّ في أنّ الجائزة لهذا العام تُقدّم في وقت مُبكر جداً”، لكنّ جهود رئيس الوزراء “تستحقّ التقدير والتشجيع الآن”. واللجنة مُحقّة في الفكرتين كلتيهما.

والآراء حيال رئيس الوزراء البالغ من العمر 43 سنة لدى الأثيوبيين (والكثير من المراقبين الأجانب) متنوّعة بقدر ما هي شغوفة. فغالباً ما يشير داعموه إليه بأنه “هدية من الله”، مشيدين بأجندته المستوحاة من السماء وبكلامه عن الوحدة والمصالحة. بيد أنّ النقّاد ينفرون ممّا أصبح معروفاً بـ”فورة آبي”، وينتابهم القلق من أنّه شخصية ساذجة أو معظّمة لذاتها أو منتَج غير مقنع من حماة العهد السابقين. (آبي عضو في حزب الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الأثيوبية الحاكم الذي حكم البلاد من العام 1991 والذي يُعرف بانتهاكاته للديمقراطية وبالجهاز الأمني الاستخباراتي الذي أتى منه.)

لكن بغضّ النظر عن الآراء بآبي، يعود إليه فضل حقيقي في إنهاء حالة جمود لا طائل منها مع أريتريا وفي الشجاعة التي تعهّد بها بإحلال عصر من الانفتاح والحداثة والتحرّر الاقتصادي في البلاد. وحتّى كبار المشكّكين يوافقون على ذلك. فبعد أن انتشرت تظاهرات غير مسبوقة في البلاد في العام 2018 مهّدت الطريق أمام وصول آبي غير المتوقّع إلى السلطة، قال لي واحد من شخصيات النظام السابق إنه لا يعتقد أنّ آبي هو “الطبيب المناسب للعناية بأثيوبيا على المدى الطويل” لكنّه ربّما “طبيب الطوارئ الذي نحتاج إليه” الآن.

وينبغي أن يترافق هذا التكريم المرموق، على الرغم من أنّه مُستحقّ، بتقدير متّزن لما حصل قبل آبي وللطريق العتيدة الوعرة. فالجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الأثيوبية الحاكمة زواج مصلحة يضمّ تحالفاً رباعي الأطراف أعطى لكل طرف إثني مناطقي درجة من الاستقلالية وقطعة من الكعكة الوطنية. ومع أنّ الحزب الحاكم الذي كان قبلاً حركة مؤيدة للتحرير يتميّز بالانضباط والصرامة، يقول مؤيّدوه إنّ معادلتهم هي ما حافظ على كيان أحد أكبر البلدان الإفريقيّة وأكثرها تنوّعاً على مدى ثلاثة عقود.

وكان في قلب هذا التحالف جبهة تحرير شعب تيغراي، وهي أقلّية من مرتفعات البلاد الشمالية سيطرت على هيكليات النظام السياسية والأمنية حتى وفاة زعيمها المفكّر ملس زيناوي في العام 2012. بيد أنّ آبي ليس منها وشكّل وصوله إلى السلطة في العام 2018 لحظة فاصلة. فاعتُبرت جبهة تحرير شعب تيغراي التي أصبحت خارج الحكم والتي ليست معتادة على عدم إمساكها التام بالسلطة التهديدَ الأكبر لحكم آبي ولخطّته بإصلاح الدولة التي بنتها.
وكان إعلان القائد الجديد السلامَ مع أريتريا عملاً تاريخياً ومقداماً. فأكثر من 80 ألف شخص ماتوا في الميدان بين العامين 1998 و2000، وكانت الدولتان عالقتان في مواجهة محتدمة منذ تلك الفترة. وعندما فتح آبي ونظيره الأريتري شخصياً المعابر الحدودية في فصل الخريف الماضي، أعلن مكتبه عن “التحول الجذري” للحدود إلى “حدود للسلام والصداقة”. وتدفّق مواطنون من كلا البلدَين عبر الحدود للمرّة الأولى منذ عشرين عاماً. وعندما حطّت طائرة في مطار العاصمة الأريترية في أول رحلة جوية بين البلدين، تعانقت العائلات التي فرّقت بينها الحرب على أرض المطار والدموع تنحدر على الخدود. وكان افتتاح آبي للحدود خطوة صحيحة بحدّ ذاتها، لكنّها كانت مدفوعة أيضاً بسياسات محلّية.

لقد جرى القسم الأكبر من الحرب في منطقة شعب تيغراي، قرب الحدود المتاخمة لأريتريا، والعداوة بين جبهة تحرير شعب تيغراي والرئيس الأريتري أسياس أفورقي مريرة. فأوضح أحدّ المراقبين المحنّكين أنّ آبي وأسياس يتشاطران مصلحة تقضي بـ”خنق جبهة تحرير شعب تيغراي”. فمنذ وصول آبي إلى الحكم، غادر زعماء جبهة تحرير شعب تيغراي مراكزهم المرموقة وعادوا أدراجهم إلى تيغراي لتضميد جراحهم أولاً ثمّ لرصّ صفوفهم. وليسوا الوحيدين في ذلك، فقد عزّزت مجموعتا أمهرا والأورمو القويّتان نشاط كوادرهما السياسية وقواهما الأمنية الإقليمية وخطابهما القومي. ويقول البعض إنّ تحالف الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الأثيوبية سيستمرّ بشكل من الأشكال لأنّ مساومته المتأصّلة قيّمة جداً لكلّ مكوّن من مكوّناتها، فيما يقول بعضهم الآخر إنّ التحالف ميت.
من المفترض أن تجري الانتخابات الوطنية في العام 2020. ويخشى البعض أنّ آبي لن يحقّق النجاح وسيفشل أيضاً في تطبيق أجندتَيه المحلية والإقليمية الشاملتين. (فقد أعيد إقفال المعابر الحدودية مع أريتريا، وما زال تطبيق معاهدة السلام بشكل كامل طُموحاً.) ويخشى آخرون أنه عندما تحتدم الأمور، قد يلجأ آبي إلى أساليب القمع المعهودة. بناء على ذلك، تأمل لجنة نوبل أيضاً أن تشجّع جائزة هذه السنة متلقّيها على المحافظة على مساره وعلى العمل كحاجز حماية مع دخول حكومته فترة من الغموض السياسي الشديد.

وهذه ليست المرّة الأولى التي عملت لجنة نوبل على رفع الإمكانات السياسية التي تتّسم بها الجائزة أو المرّة الأولى الذي يكون متلقّي الجائزة موضع جدل. فقد نالت أونغ سان سو كي الجائزة في العام 1991 لدفاعها عن حقوق الإنسان وعن “مجتمع ديمقراطي تستطيع فيه المجموعات الإثنية في بلادها التعاون بشكل متناغم”، وكانت آنذاك شخصية معارِضة بورمية. وتمّ انتخابها لاحقاً لأعلى منصب سياسي في البلاد، ونالت تهليلاً دولياً كبيراً، شأنها شأن آبي. لكن عندما اتُهمت حكومتها بارتكاب عمليات قتل وانتهاكات لحقوق الإنسان وتطهير عرقي، طالب الكثيرون لجنة نوبل باستعادة الجائزة منها.

كان آبي أحمد محقاً، فقد آن وقت التغيير في أثيوبيا. والآن عليه الموازنة بين التقاليد والحداثة وبين الدمقرطة والاستقرار وبين الانتماءات الإثنية والهوية الوطنية. فنجاح خطوات آبي المحفوفة بالصعاب أو فشلها لن يرسم معالم بلاده فحسب، بل المنطقة بأسرها أيضاً للأجيال القادمة.

عندما سألت أحد المشكّكين برئيس الوزراء ما رأيه بإعلان لجنة نوبل الأسبوع الماضي، لم يلجأ إلى الأسلوب الساخر المعتاد بل إلى روح الوحدة التي يدافع عنها آبي، قائلاً: “أنا أحتفل. ففي النهاية إنّه أوّل أثيوبي يفوز بهذه الجائزة”. تمنيّاتي بأن يتمكّن كلّ الأثيوبيين من الاحتفال بجائزة آبي لسنوات وسنوات وألا يضطرّ أحد أن يطلب إعادتها.

Authors