Commentary

اللاجئون السوريون في تركيا بحاجة إلى وظائف

لماذا يشكّل توظيفهم أمراً واقعياً أكثر من العمل على إعادتهم إلى بلادهم

Turkish villager Hasan Dogruyol (R) carries a sack of cotton as he works in a cotton field near the border town of Reyhanli on the Turkish-Syrian border, in Hatay province, November 4, 2012. Despite the conflict on the Syrian side of the border, cotton harvest is still underway in Turkey's southern border province of Hatay. During early October, the Turkish military launched a retaliatory strike on Syria after a mortar bomb fired from Syrian soil landed in the countryside in Hatay. Some Syrian refugees work at cotton fields together with Turkish villagers in the border region as cottons pickers.  REUTERS/Murad Sezer (TURKEY - Tags: AGRICULTURE POLITICS) - GM1E8B509U401

في الشهرين الماضيَين الأخيرين، أخذ الضغط على تركيا لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم يتزايد. وهذا ليس بأمر مفاجئ. فمع أكثر من 3,6 مليون لاجئ، غدت تركيا الدولة التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين في العالم في أقلّ من عقد من الزمن. وشكّل ذلك صدمة للسياسة التركية، وانعكس الامتعاض الشعبي في استطلاعات الرأي الشعبية. ففي يوليو، أظهر استطلاع رأي أنّ نسبة 82 في المئة من الأتراك أرادت إعادة السوريين إلى ديارهم، علماً أنّ المجتمع التركي استقبل اللاجئين السوريين بحرارة في السابق، لكن مؤخراً وقعت حوادث عنيفة متفرّقة.

لكن عوضاً عن الإصرار على إعادة اللاجئين إلى سوريا، على تركيا، مع الاتحاد الأوروبي، البحث في سياسات تساعد السوريين ليصبحوا أعضاء أكثر إنتاجية واعتماداً على النفس في الاقتصاد التركي.

لا مستقبل للعودة القسرية

من الأسباب التي تولّد ردود الفعل هذه هو أنّ قدرة تحمّل العبء الذي ترتّبه كلفة استضافة اللاجئين تقلّ باستمرار. ويتفاقم هذا الأمر بفعل الأداء الضعيف الذي يبديه الاقتصاد التركي. فمع تباطؤ معدلات النمو، لا بل مع تراجعها، ترتفع البطالة، ويلقي الكثيرون اللوم في ذلك على السوريين. وفي هذه البيئة، أصبح الموقف الذي تتخذه الحكومة إزاء اللاجئين غير مؤاتٍ. فلم يتمّ التخلّي عن سياسة الأبواب المفتوحة فحسب، بل مع ازدياد احتمالات وصول موجة لاجئين جدد من إدلب، يطالب الرئيس رجب طيب أردوغان بإنشاء منطقة آمنة داخل سوريا يمكن إعادة اللاجئين إليها ويهدّد “بفتح البوابات” للسماح للسوريين بالعبور إلى أوروبا.

وترزح الحكومة تحت ضغط متزايد لإعادة السوريين، وربط بعض المعلّقين هزيمة مرشّحي حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية الأخيرة بهذا الامتعاض. وعلى نحو غير مفاجئ، أعلنت الحكومة في يوليو عن سياسة تزيد من التشدّد في الشروط على السوريين المقيمين في تركيا. وترافق ذلك بفورة مفاجئة في عمليات العودة التي وصفتها السلطات بأنّها طوعية لكنّ منظمات حقوق الإنسان اعتبرتها عمليات ترحيل قسرية.

بيد أنّ الإصرار على عودة السوريين إلى ديارهم ليس خيار سياسة واقعياً. فما زالت سوريا منطقة صراع خطرة وما زال الوصول إلى حلّ سلمي للصراع بعيد المنال. ففي العام 2017 أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قراراً بأنّ الوضع في سوريا غير آمن للعودة وأنّ العودة القسرية انتهاكٌ للحق بالعيش. وبرز الكثير من التقارير عن مواجهة الكثيرين من العائدين التجنيد والحجز والاعتقال العشوائي. وقد انتقدت منظمات مثل هيومن رايتس ووتش باستمرار العودة القسرية لللاجئين السوريين معتبرة إياها انتهاكات لمبدأ عدم الإعادة القسرية. علاوة على ذلك، عانت المناطق التي يأتي منها معظم اللاجئين دماراً مادياً هائلاً، بما في ذلك المدارس والمستشفيات. وهذه شروط لا ترقى على الإطلاق إلى تلك التي نادى بها مفوّض الأمم المتحدة السامي للاجئين للعودة الطوعية والآمنة والمستدامة إلى سوريا. وكما قال أحد التقارير بوضوح وصراحة، سيكون من الصعب وغير العملي على تركيا أن تجمع ملايين السوريين وترغمهم على العودة إلى سورياً غصباً عنهم.

دور الزراعة

عوضاً عن ذلك، ينبغي على تركيا أن تضاعف جهودها لإدماج اللاجئين في المجتمع، وخصوصاً في الاقتصاد الوطني. وستكون زيادة احتمالات ضمّهم في وظائف رسمية مسألة غاية في الأهمّية. وقد دعونا الاتحاد الأوروبي وتركيا سابقاً لتوثيق تعاونهما في هذا الخصوص. وهنا نقول إنّ الزراعة تشكّل مجالاً مثمراً لهذا النوع من التعاون، على الرغم من التحديات الكثيرة التي تشوبه. ويمكن أن يبرهن تعاون كهذا للشعب التركي على أنّ اللاجئين السورين يصبحون أعضاء منتجين من المجتمع التركي، وأنّ حضورهم ليس عبئاً بل منفعة. وسيساعد ذلك أيضاً على التقليل من الامتعاض والمساعدة على زيادة التماسك والسلام الاجتماعيَّين. وقد برهنت الأبحاث على أنّ اللاجئين، عند توظيفهم بشكل رسمي، قادرون على المساهمة بشكل كبير في اقتصاد البلد المضيف عبر توليد فرص العمل للمحلّيين وتوسيع قاعدة عائدات الحكومة. علاوة على ذلك، يشير تقرير للحكومة التركية إلى أهمّية استخدام اللاجئين لتفادي شعورهم بالسخط. وهذا السخط خطر للغاية نظراً إلى أنّ أكثر من 70 في المئة من اللاجئين يعيشون في فقر “مدقع أو معتدل”.

ومع أنّ حصّة الزراعة من الناتج المحلّي الإجمالي التركي تراجعت من 12,5 في المئة في العام 1998 إلى 6,1 في المئة في العام 2017، ما زال 5,5 مليون شخص، أي 19 في المئة من اليد العاملة في تركيا، يعملون في مجال الزراعة. وتبقى إنتاجية العمالة منخفضة في الزراعة، لأنّ وحدة الإنتاج الطاغية ما زالت المزرعة العائلية. بيد أنّ الزراعة لا تتمّ بأسرها على يد العائلات، بل في هذا القطاع قرابة نصف مليون أجير منتشرين في مزارع صغيرة ومتوسطة الحجم، فضلاً عن شركات كبيرة لتصنيع المنتجات الغذائية مع مبيعات تتخطّى قيمتها 16 مليار دولار أمريكي وسجلّ صادرات يتخطّى المليارَي دولار. ومع أنّ المعلومات المنهجية حول العمالة في قطاع الزراعة ضئيلة، غالباً ما تقول التقارير إنّ قطاع الزراعة عموماً، وهذه الشركات الكبيرة خصوصاً، يعاني نقصاً في اليد العاملة المتاحة مع انتقال الناتج المحلّي الإجمالي والتوظيف نحو قطاعات غير زراعية. زد على ذلك أنّ الشباب يميلون عادة إلى الانتقال إلى قطاعات غير زراعية في المناطق التي يطغى عليها الطابع الحضري والمزارعين الباقيين يطعنون في السنّ. ويتفاقم الوضع بسبب ظروف العمل الصعبة جداً.

وغالباً ما تشير التقارير أنّ اللاجئين عموماً والسوريين خصوصاً يؤمّنون عمالة مهمة جداً في الزراعة. وتشير البراهين القصصية مع إلى أنّ أعداداً كبيرة من السوريين عثروا على عمل كأُجراء مؤقّتين في الزراعة، ولا سيما في مقاطعات تركيا الجنوبية الشرقية المتاخمة للحدود السورية. ويأتي الكثير منهم من المناطق الريفية وكانوا يعملون في الزراعة قبل نزوحهم. وقد سهّل النظام البيئي في تركيا الشبيه بذلك الذي في سوريا انتقال السوريين إلى قطاع الزراعة التركي.

والسوريون الذين يعملون في الزراعة مُعفَون في الوقت الراهن من الحصول على ترخيص عمل. بمعنى آخر، لا يحتاج صاحب العمل إلى الحصول على تراخيص عمل للسوريين الذين يستخدمهم في مزارعه لكن عليه أن يسدّد مساهماتهم في الضمان الاجتماعي. لكنّ أصحاب العمل لا يدفعونها على الأرجح، وتبرز حاجة شديدة لتحسين ظروف العمل للسوريين والجنسيات الأخرى على حدّ سواء، في حال أرادوا الوصول لما يشبه الحياة الطبيعية.

التوصيات بشأن السياسات

لا يجدر الاستخفاف بتحديات توظيف اللاجئين السوريين رسمياً في القطاع الزراعي في تركيا. بيد أنّ هذا القطاع يقدّم فرصاً أيضاً. ونظراً إلى أنّ العودة إلى سوريا ليست خياراً واقعياً، سيكون من المهم وضع سياسات للاستفادة من هذه الفرص.

ويتماشى ذلك مع خطّة الأمم المتحدة الإقليمية للاجئين وتعزيز القدرة على مواجهة الأزمات لتركيا للعامين 2019-2020 التي تنصّ على أنّه تنبغي زيادة الجهود المبذولة لأسباب المعيشة وإيجاد فرص العمل لمعالجة الحاجات المتنامية للاعتماد على النفس وتفادي اليأس المرتبط بالتوظيف، فهذا قد يؤجّج التوتّرات الاجتماعية. وتركّز منشأة اللاجئين التابعة للاتحاد الأوروبي في تركيا التي بدأت أعمالها في العام 2016 والتي من المفترض أن تتوقف عن العمل بعد عامين أيضاً بشكل متزايد على تحسين فرص أسباب المعيشة للاجئين والسكّان المحلّيين الضعفاء.

ومن المؤسف أنّ مفوّض الاتحاد الأوروبي لشؤون الهجرة والشؤون الداخلية والمواطنة ديميتريس أفراموبولوس، في خطابه التاريخي في مؤتمر السفراء الأتراك في مطلع أغسطس، شدّد على التعاون الأمني بين الاتحاد الأوروبي وتركيا عوضاً عن اعتناق الاتفاق العالمي بشأن اللاجئين الذي يدعو الدول الموقّعة إلى “تعزيز الفرص الاقتصادية والعمل اللائق وإيجاد فرص العمل وبرامج ريادة الأعمال لأفراد المجتمعات المضيفة واللاجئين” من أجل دعم فرص أسباب المعيشة المستدامة وقدرة المجتمعات المضيفة على التكيّف عبر الحرص على تأمين “نمو اقتصادي شامل للمجتمعات المضيفة واللاجئين”. ويقترح الاتفاق العالمي بشأن اللاجئين البحث في “ترتيبات تجارة تفضيلية… ولا سيّما للبضائع والقطاعات التي تحظى بمشاركة عالية من اللاجئين” كأداة من الأدوات الممكنة لتحقيق هذا الهدف. وتبرز فكرة مماثلة لذلك في تقرير حاجات الاتحاد الأوروبي لتركيا للعام 2018 الذي يضع قائمة طويلة من “الخطوات ذات الأولوية” لتحسين قدرة الاعتماد على النفس لدى اللاجئين السوريين عبر منح تركيا القدرة على ولوج “أسواق التصدير… ومنح بعض المنتجات صفة تصديرية وتجارية تفضيلية”. وينبغي على الاتحاد الأوروبي وتركيا البدء بوضع استراتيجية تهدف إلى منح تركيا القدرة على توسيع صادراتها الزراعية إلى الاتحاد الأوروبي مقابل إدخال اللاجئين السوريين في الاقتصاد الرسمي مع أخذ التقرير المذكور أعلاه في عين الاعتبار.

وتراوحت قيمة صادرات تركيا من المنتجات الزراعية إلى الاتحاد الأوروبي بين 4 و5 مليارات يورو من العام 2014 إلى العام 2018. وفي خلال الفترة ذاتها، ارتفعت صادرات تركيا الإجمالية إلى الاتحاد الأوروبي من 54,4 إلى 76,1 مليار يورو، مما يجعلها سادس أكبر شريك استيراد لدى الاتحاد الأوروبي. وتعزى علاقة التجارة الإجمالية الوطيدة هذه إلى الوحدة الجمركية التي أنشئت منذ العام 1995، علماً أنّ الوحدة لا تغطّي سوى المنتجات المصنّعة والقسم الصناعي من “المنتجات الزراعية المصنّعة”، لكنّها تستثني المنتجات الزراعية، منها الفاكهة والخضار الطازجة. وتخضع حالياً الصادرات التركية من الفاكهة والخضار الطازجة والمنتجات الزراعية المصنّعة للضرائب وتواجه قيوداً تنظيمية. ويؤدّي ذلك إلى فقدان للرفاه، لأنّ تحرير التجارة عبر خفض التعرفات وإلغاء الحصص وحلّ العوائق التنظيمية يحفّز النمو الاقتصادي. وأدرك تقرير أصدره البنك الدولي عام 2014 النجاح الذي تحقّقه الوحدة الجمركية في تحقيق النمو والتوظيف وحثّ على توسيعه ليطال القطاع الزراعي أيضاً.

وحالت السلطوية المتزايدة في تركيا والعلاقات السياسية الرديئة مع الاتحاد الأوروبي دون انخراط كلتا الجهتين في مفاوضات لإصلاح الوحدة الجمركية وتحسينها. ومن غير الجلي ما إذا كانت هذه المفاوضات ستبدأ قريباً. في غضون ذلك، ينبغي على الجهتين البحث في مجموعة من السياسات لحثّ الشركات التركية على توظيف السوريين بشكل رسمي. وفي ما يلي بعض من هذه السياسات:

يمكن للاتحاد الأوروبي زيادة الحصص على المنتجات الزراعية الطازجة المعفاة من رسوم الاستيراد والتفكير أيضاً في خفض الرسوم على المنتجات التي لا تدخل ضمن هذه الحصص في حال كان إنتاجها مرتبط بعمالة اللاجئين السوريين.

كذلك، بإمكان الاتحاد الأوروبي إلغاء الرسوم الجمركية بشكل أحادي على المكوّن الزراعي من المنتجات الزراعية المصنّعة التي تغطّيها الوحدة الجمركية.

ومن البرامج التي عادت بالمنفعة على تحسين الإنتاج الزراعي في تركيا برنامجُ أداة المساعدة قبل الانضمام في التنمية الريفية (IPRAD). فقد موّل هذا البرنامج أكثر من 11 ألف مشروع بقيمة استثمارات تبلغ مليارَي يورو وولّد أكثر من 50 ألف وظيفة منذ تأسيسه في العام 2007. في الوقت الراهن، وحدهم الأتراك يستفيدون من برامج أداة المساعدة قبل الانضمام في التنمية الريفية، لكن يمكن إحداث تغييرات فيها ومنحها المزيد من التمويل بشكل يشجّع على مشاركة اللاجئين السوريين.

علاوة على ذلك، تسجَّل أكثر من 20 ألف لاجئ سوري في الجامعات التركية، ومن المتوقع أن تزداد أعدادهم في السنوات المقبلة. ويمكن تشجيع بعض من هؤلاء الطلاب للدارسة في كليات الزراعة في المستقبل، إذ شهد تسجيل الشباب التركي في هذه الكليات تراجعاً في السنوات الأخيرة، وذلك في الوقت التي تواجه فيه تركيا نقصاً في عدد المهندسين الزراعيين. وسيساعد ذلك أيضاً على تنمية رأس المال البشري لمساعدة تركيا على تلبية معايير سلامة الغذاء والصحة التي يفرضها الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي لطالما شكّل عائقاً لصادرات الفواكه والخضار الطازجة التركية.

أخيراً، بإمكان الاتحاد الأوروبي وتركيا كليهما التشجيع على مبادرات تدعم التجارة العادلة والأخلاقية. وتكون هذه المبادرات مبادرات تشجّع على الوصول إلى شراكة تجارية أفضل وتحافظ عليها مع تركيز واضح على تحسين ظروف العمل وضمان حقوق المنتجين والعمّال.

في نهاية المطاف، من مصلحة جميع الفرقاء أن يبرز تعاونٌ بين الاتحاد الأوروبي وتركيا لتحسين اعتماد اللاجئين على نفسهم عبر تمكينهم من الوصول إلى عمل رسمي لائق في قطاع الزراعة. بالنسبة إلى تركيا، سيساعد تطبيق هذه التوصيات اللاجئين على الاعتماد على نفسهم وعلى التحوّل إلى أعضاء منتجين في المجتمع التركي وعلى التخفيف من الامتعاض الشعبي ومن احتمالات ارتكاب الجرائم، مع المساعدة في الوقت عينه على نمو الاقتصاد. بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، تقلّل هذه الخطة من احتمال بروز حركات لاجئين ثانوية والحاجة إلى جمع الأموال للمساعدات الإنسانية لأنّهم سيصبحون أكثر استقلالية. وسيتمكّن اللاجؤون من استبدال التوظيف غير الرسمي بقدرة الوصول إلى سبل عيش مستدامة والتحلّي بالكرامة التي يؤمّنها الاعتماد على الذات.

أخيراً، بإمكان هذه المقاربة التي تعود بالمنفعة على الاتحاد الأوروبي وتركيا وبشكل أهمّ على اللاجئين، أن توسّع التعاون وتوطّده في وقت تواجه فيه العلاقات السياسية بين الاتحاد الأوروبي وتركيا التوتّرات.

 

Authors