Commentary

إلغاء الانتخابات الجزائرية فرصة لإحلال الديمقراطية

Demonstrators hold flags and banners during peaceful anti-government protests in Algiers, Algeria, May 3, 2019. REUTERS/Ramzi Boudina TPX IMAGES OF THE DAY - RC17A25952E0

في 2 يونيو ألغى المجلس الدستوري الجزائري الانتخابات الرئاسية المقرّرة في 4 يوليو التي كانت مفروضة دستورياً لاختيار رئيس يحلّ مكان الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة. ويشكّل إلغاء الانتخابات فوزاً للمتظاهرين الذين رفضوا المسار “الدستوري” الذي فرضة النظام. وبهذا الإلغاء تدخل الجزائر في فراغ دستوري، ومعه يأتي الغموض السياسي حيال المستقبل. بيد أنّ إعتاق العملية الانتقالية من الدستور الراهن سيمنح فرصة أيضاً لعملية انتقالية حقيقية أكثر نحو الديمقراطية.

منذ خلع بوتفليقة في 2 أبريل، استشهد من تبقّى من نظامه بالمادة 102 من الدستور التي تنصّ على ضرورة إجراء انتخابات رئاسية في غضون 90 يوماً من استقالة بوتفليقة (9 يوليو). وكما ينصّ الدستور أيضاً، أصبح رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صلاح رئيساً بالوكالة، فيما لم يكن ممكناً تغيير الحكومة القائمة آنذاك التي كانت برئاسة نور الدين بدوي.

وادّعى النظام، الذي يقوده بحكم الأمر الواقع رئيس أركان الجيش قايد صالح، أنّ خريطة الطريق هذه هي المسار الشرعي والدستوري للسير قدماً. لكن، كما لاحظ المتظاهرون، هذا المسار هو أيضاً المسار الذي على الأرجح سيعيد ترسيخ نظام بوتفليقة. فالشخصيات التي ترعى “عملية الانتقال”، أي بن صلاح وبدوي وإلى حدّ أكبر قايد صالح، هي شخصيات باقية من نظام بوتفليقة. زد على ذلك أنّ الفترة الانتقالية التي تمتد 90 يوماً لم تقدّم ضمانات بإجراء انتخابات حرّة وعادلة ولا فترة زمنية بنّاءة لينظّم المتظاهرون أنفسهم سياسياً. نتيجة لذلك، رفض المتظاهرون المسار “الدستوري” بأسره كلّ يوم جمعة منذ طرد بوتفليقة. واستشهدوا عوضاً عن ذلك بالمادّتين 7 و8 من الدستور اللتين تنصّان على أنّ السلطة السياسية تستمدّ سلطتها من الشعب.

وفي وجه هذا الرفض الشعبي، لم يطرح سوى مرشّحَين غير معروفين نسبياً اسمَهما للمشاركة في الانتخابات الرئاسية في 4 يوليو. لكنّ المحكمة الدستورية رفضت هذين الترشيحين في 2 يونيو وأعلنت استحالة إقامة الانتخابات. نتيجة لذلك، لن تقام انتخابات في الجزائر في غضون 90 يوماً من خلع بوتفليقة ولن يتمّ المسار الدستوري.

وعلى الأرجح أن تؤدّي هذه التطورات إلى ترجيح ميزان القوة لصالح المتظاهرين. ويبدو أنّ استراتيجية النظام المفضّلة هي الطلب من الرئيس المؤقّت بن صلاح البقاء في منصبه لما بعد مهلة حكمه في 9 يوليو، وتوكيله، كما فعل المجلس الدستوري، بتنظيم انتخابات في تاريخ لاحق. لكن لم يعد في وسع النظام اللجوء إلى غطاء الشرعية الدستورية لفرض خريطة الطريق المفضّلة هذه. فهذا التمديد لفترة التسعين يوماً غير دستوري.

وبدون الدستور، سيكون الشارع مصدر الشرعية الوحيد. ومن الأكيد أنّ المتظاهرين سيرفضون التمديد لخريطة الطريق السابقة. ويكون الحلّ الوحيد للخروج من الأزمة السياسية المقبلة، كما أدرك قايد صالح بنفسه، هي عبر الحوار بين النظام والمتظاهرين.

ولا يزيد إلغاء الانتخابات من أرجحية اللجوء إلى المفاوضات فحسب، بل هو يلغي أي عوائق قمعية من هذه المفاوضات. فمع بطلان المسار الدستوري، لا يمكن استخدام الدستور بعد الآن كـ”سترة حجر”، كما قال رشدي علاوي من جامعة ولاية جورجيا، للحدّ من الخيارات الممكنة. والآن لم يعد بإمكان النظام استعمال الدستور للحؤول دون التخلّص من الرئيس بن صلاح ورئيس الوزراء بدوي ويصبح بالإمكان تأسيس حكومة وحدة وطنية عوضاً عن ذلك.

وينبغي على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي تشجيع النظام على التفاوض مع الحركة الاحتجاجية وتلبية مطالبها. وستضمّ هذه المطالب على الأرجح مراجعةً للدستور، إن لم تكن إعادة صياغة له، وإنشاءَ مؤسسات مستقلة لضمان مصداقية الانتخابات الرئاسية والنيابية والبلدية.

ولكي يتم القبول بهذه المفاوضات واحترامها، على هؤلاء المتظاهرين تنظيم نفسهم واختيار قادة يعتبرونهم موثوقين للتفاوض بالنيابة عنهم. لكنّ للممثلين الذين يختارهم النظام القدرَ نفسه من الأهمية للعملية الانتقالية. وفيما لا يمكن تجاهل الجيش، من المهمّ ألا يترأس المفاوضات لأن ذلك سيعطي شرعية للجيش كجهة فاعلة سياسية وكحكم في العملية الانتقالية المقبلة.