Commentary

القرار الخاطئ بشأن عودة هدى مثنى

Women and children walk with their belongings near Baghouz, Deir Al Zor province, Syria February 12, 2019. Picture taken February 12, 2019. REUTERS/ Rodi Said - RC1B2727B0D0

إنّ قرار إدارة ترامب بعدم السماح لهدى مثنى بالعودة إلى الولايات المتحدة بعد أن غادرت إلى سوريا للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية قرارٌ فيه قُصر نظر. فهو نقضٌ للقيادة الأمريكية وإحباطٌ لعزيمة البلدان الأخرى على اتّخاذ الخطوات الصعبة اللازمة للتعامل مع التهديد الذي يشكّله آلاف المقاتلين من تنظيم الدولة الإسلامية العائدين إلى بلادهم.

على ما يبدو، غادرت مثنى، الطالبة البالغة عشرين عاماً آنذاك، ولاية ألاباما الأمريكية في العام 2014 لتنضمّ إلى تنظيم الدولة الإسلامية في أثناء ذروة الخلافة. ويُقال إنّها أُنيطت بمهمة التجنيد وحَثّت على القيام بهجمات على الغرب. وعلى غرار 12 أمريكياً آخر (بمعظمهم نساء وأطفال)، مثنى مُحتجزة لدى حلفاء الولايات المتحدة الأكراد في سوريا وتدّعي أنّها نادمة على قرارها بالانضمام إلى التنظيم وأنّها مستعدّة لمواجهة عواقب أفعالها (بما فيه قضاء وقت في السجن). ومع أنّ وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو يدّعي بأن لا حقّ لها بالجنسية، وُلدت مثنى في الولايات المتحدة وتحمل جواز سفر أمريكياً. بالتالي، تتناقض مقاربة الإدارة مع التفسيرات الأمريكية التقليدية حيال مَن يُعتبر مواطناً.

وللولايات المتحدة شرطةٌ وأجهزةٌ فدرالية لتطبيق القانون ذات تجهيز جيد ولها أيضاً قوانينُ متينة لمكافحة الإرهاب: فإذا عادت مثنى لتخضع للمحاكمة لن تشكّل خطراً. وفي حال كانت مثنى قد انضمّت إلى تنظيم الدولة الإسلامية بملء إرادتها، كما هو الحال على الأرجح، يحقّ لها أن تعود إلى موطنها وأن تنال محاكمة وأن تنفّذ العقوبة المناسبة بموجب القانون بتهمة تقديمها الدعم لتنظيم إرهابي وغيرها من الجرائم. وقد يميل المرء إلى الوقوع في فخّ الاعتبار أنّ مثنى قد “استُدرجت”، عندما كانت شابّة، للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية بتأثير عقول مدبّرة من الرجال أو أنّها لم تكن مسؤولة عن أفعالها. غير أنّ النساء اضطلعن بدور مهمّ في تنظيم الدولة الإسلامية كعناصر مجنِّدات ومنفّذات للأوامر وداعمات للخلافة. وعلى مثنى أن تتحمّل مسؤولية أفعالها كاملة، شأنها شأن المتطوّعين الآخرين.

غير أنّ المشكلة الأكبر تكمن في السابقة التي قامت بها إدارة ترامب. ففيما يحاول ترامب بجهد ونشاط عرقلة عودة مثنى، هو يحثّ الدول الأوروبية على استعادة 800 من مقاتليها الأجانب. صحيحٌ أنّ لبعض من هذه الدول قوانينَ صارمة ولها أجهزة أمنية قوية، إلا أنّ العديد منها لا يتحلّى بالمزايا ذاتها. وحتّى البلدان التي لها أجهزة مختصّة، فإنّ عددَ المقاتلين الضّخم وحده سيشكّل عبئاً ثقيلاً. ومن الناحية السياسية، غالباً ما يضع شعبٌ أرهقه الإرهاب وازدادت تدريجياً معاداته للإسلام، حكومتَه تحت ضغطٍ كبير. بالتالي، يبحث الكثير من القادة الأوروبيين عن عذر لعدم استعادة مواطنيهم، وهذا القرار سيعطيهم عذراً للقيام بذلك.

ويشكّل عجزُ بلدٍ معيّن عن تحمّل المسؤولية لأعمال مواطنيه كارثةً على أصعدة متعدّدة. فأوّلاً، يوحي هذا التصرّف بأنّ هذا البلد يعجز عن التعامل مع أمنه الخاص، وهذا اعتراف ملفت يتقدّم به ترامب نظراً إلى فخره المفترض بالقوّة الأمريكية. فإذا كانت الولايات المتحدة، مع كلّ مواردها، عاجزة عن التعامل مع الخطر الذي تشكّله امرأة شابة واحدة وافقت على الخضوع للمحاكمة، فإنّ مشاكلنا الأمنية خطيرة بالفعل. ثانياً، قد يؤدي قرار الإدارة إلى تشتيت المقاتلين الأجانب أكثر فأكثر. فإذا لم تستعد الولايات المتحدة وأوروبا مواطنيها، سيتعرّض بعضهم للقتل (وهو لربّما ما تتمنّاه حكوماتهم علناً)، لكنّ الآخرين سيختبئون أو يهربون إلى أماكن أكثر أماناً لهم. ويشكّل ذلك تهديداً على البلاد الجديدة المضيفة لهم وخطراً محتملاً لبروز إرهاب طويل الأمد. فقد تضمّنت مجموعة الإرهابيين الذين اجتمعوا في أفغانستان قبل أحداث 11 سبتمبر عناصرَ كثراً عجزوا عن العودة إلى موطنهم.

بالتالي، يشكّل إبراز الولايات المتحدة نفسها قدوةً يُحتذى بها مقاربةً أمريكية أفضل. فبإمكانها أن تُظهر التزامها بسيادة القانون وتبرهن على أنّ القانون يستطيع أن يساعد على مكافحة الإرهاب (ويضطلع في الواقع بدور محوري) بدلاً من أن تقوّضه. غير أنّ عجز إدارة ترامب عن تولّي زمام القيادة يزيد من مشكلة الإرهاب سوءاً.

Authors