BPEA Spring 2024 conference

LIVE

BPEA Spring 2024 conference
Editor's note:

سافر المؤلفون مؤخراً إلى أربيل وبغداد لإجراء مقابلات مع مسؤولين عراقيين وفاعلين دوليين من قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وشخصيات أخرى على الأرض.

غالباً ما ينتج عن التصويت بـ “نعم” على استفتاء ذي قضية واحدة عواقب جمّة غير متوقعة. وتحسباً لمثل هذا التصويت بـ “نعم” في الاستفتاء القادم على استقلال كردستان في 25 سبتمبر، تسود حالة من عدم الارتياح في صفوف المكلّفين بمهمة مراقبة الاستقرار في مرحلة ما بعد داعش في الموصل ومحافظة نينوى.

وبحسب مصادر مأخوذة من مقابلات مباشرة أجريت في العراق، يبدو واضحاً أن صدى المخاوف لا يتردد فقط في الحكومة المركزية العراقية وبين المسؤولين الإقليميين، ولكن أيضاً في صفوف مستشاري التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الذين يأدّون حالياً دوراً في تشكيل عملية الانتقال الأمني في مرحلة ما بعد داعش والتأثير فيها.

ماذا تقدم الموصل للمعركة ضد داعش

لقد أُعجب الكثير من كبار القادة الأمنيين والسياسيين في محافظة نينوى بنظرائهم الأكراد في السنوات الثلاث الماضية. وقد ذهبت إحدى الشخصيات العسكرية العراقية الكبيرة التي قابلناها والمستقرة في نينوى إلى حد القول إنّ أفضل شريك في المعركة ضد داعش هو في حكومة إقليم كردستان، وليس في بغداد. أما اليوم، فتقدم بغداد دعماً ضعيفاً بالمقارنة مع حكومة إقليم كردستان لمقاربة اقتصادية وسياسية وإنسانية تتمحور حول الموصل..

منذ احتلال داعش لنطاق واسع من الموصل ومحافظة نينوى، التجأ الكثير من زعماء المنطقة- لاسيّما سياسيون سنّة وشيوخ العشائر السنية – إلى الشرق بدلاً من الجنوب، أي إلى بغداد، من أجل دعمهم في التخطيط لهجوم مضاد وتنفيذه. وقد قدّمت حكومة إقليم كردستان لهم الملاذ الآمن، كما احترمت إلى أبعد حد الاتفاقيات المتعلقة بدور قوات البشمركة الكردية في استعادة الموصل أثناء الهجمات المناهضة لتنظيم داعش. وقد حاز هذا الأمر على احترام أهالي الموصل وقيادات في مرحلة الاستقرار ما بعد داعش.

التعاون الأمني

ولكن يسود شعور كبير ومتنامٍ بالقلق بين كبار رجال الأمن والعسكر في الموصل ونينوى من إمكانية تراجع التعاون الكردي- العربي في حال مرّ الاستفتاء. وهناك دلائل تشير بالفعل إلى أن أشكال التعاون الأمني بين القوات الأمنية في الموصل ونقاط التفتيش التي يسيطر عليها الأكراد ترزح تحت الضغط، كما يبدو من التدقيق المتزايد الذي تقوم به الدوريات الأمنية واللوجستية في مناطق مثل مخمور، التي كانت في السابق مجرّد إجراء روتيني. وذلك يشمل الدوريات التي تدعم التحالف بشكل مباشر. لهذا السبب وحده، يؤكد القادة السياسيون والأمنيون المقيمون في الموصل على أهمية استمرار تواجد مستشاري التحالف ومساعدتهم. وقد اعترف قادة عراقيون محليّون على الأرض أنّ وجود آليات التنسيق الأمريكية ساعدهم في رأب العلاقات بين القوى المحلية عند تفككها.

ويشعر بعض كبار مستشاري التحالف المستقرّين في الموصل بنفس المخاوف، فهم يعتبرون أنّ انعدام الدعم الدولي للاستفتاء الكردي القادم يؤجج المعضلة الأمنية الكردية – العربية التي تتطوّر ضمن المشهد المتطور لمرحلة ما بعد داعش. هذا هو المشهد، لاسيّما في مناطق شرق الموصل، حيث لا يزال الدور الكردي مهماً، بل ضرورياً، في الإدارة والمناورة الدقيقة المطلوبة للتنسيق بين مجموعة متنوعة من العناصر المسلحة الحكومية وغير الحكومية.

سياسات الاستفتاء

لا توجد رغبة لدى العديد من المسؤولين السياسيين الكبار في نينوى بالتعبير علناً عن وجهة نظرهم بشأن مزايا الاستفتاء الكردي أو خلاف ذلك، لكنهم يعرفون أنّ التصويت بـ “نعم” يحمل تداعيات تؤثّر في توطيد المكاسب التي تحقّقت بشقّ النفس في الإقليم في مرحلة الاستقرار الحرجة هذه التي تلت خروج داعش. وهذا الأمر له نتائج حتمية على موضوع الثقة في بناء الشراكات بين الهياكل الحكومية الموجودة مثل مجلس محافظة نينوى. فحاكم المجلس الجديد نوفل حمادي السلطان يرأس منتدى حكومي متعدد العرقيات والطوائف كان قد شارك بشكل نشط مع الأطراف الأمنية المحلية والدولية المؤثّرة في مرحلة الاستقرار الحالية.

إنّ التصويت بـ “نعم” يثير مخاوف مبرّرة بشأن دور مجلس محافظة نينوى الحالي ومصير أعضائه الأكراد المنتخبين. ففي انتخابات المجلس عام 2013، قدّم التحالف الانتخابي بين الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني 11 مقعداً وأغلبية الكتلة. والأهم من ذلك أن المجلس وافق في نهاية شهر أغسطس من هذا العام على السماح للناخبين الأكراد المقيمين في نينوى (بما في ذلك الأكراد المقيمين في المناطق التي يسيطر عليها الحشد الشعبي) بالمشاركة في الاستفتاء على الاستقلال.

ومن وجهة نظر محلية، من المهم أن نتذكر أنّ شرق الموصل هو المكان الذي أنشأ فيه معظم سكان المدينة الأكراد منازلهم منذ فترة طويلة. وهناك سبب كبير للقلق لدى النخب السياسية والسكان المحليين على حد سواء إذا ما صوّت السكان الأكراد المقيمون في شرق الموصل بـ “نعم”. هناك بعض الزعماء الأكراد الذين ما يزالون يدعمون مطالبهم السابقة ويفرضون نفوذهم على المدينة، وبالتالي فإن هناك مخاوف بين العناصر الحكومية وغير الحكومية في الموصل من إمكانية إحياء الخطط الكردية لضمّ شرق الموصل ومناطق من نينوى، ما قد يؤدي إلى اشتباكات عرقية – طائفية الجميع بغنى عنها. إن الديناميات الداخلية بين الحزب الديموقراطي الكردستاني ومنافسيه في الاتحاد الوطني الكردستاني، خصوصاً في مناطق جنوب الموصل حيث يتمتع الاتحاد الوطني الكردستاني بسيطرة إقليمية، من شأنها تعقيد التحديات الإقليمية هنا.

هل من حلّ جوهري؟

ونظراً لتركيبة المحافظة العرقية الطائفية وتاريخها كمعقل لتنظيم داعش، فإن تحقيق استقرار دائم في الموصل ومحافظة نينوى هو أمر بالغ الأهمية لنجاح مهمة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في تدمير داعش. إنّ احتمال فقدان التركيز على مواجهة داعش هنا يتزايد مع اقتراب موعد الاستفتاء. وهذا بدوره يزيد من احتمالات بروز تجنيد تكفيري-جهادي مجدداً في المحافظة.

يجب على المجتمع الدولي متابعة العمل على تأخير هذا الاستفتاء حتى تصبح الحقائق السياسية والأمنية في المنطقة أكثر ملاءمة. اليوم، يمكن القول إنّ الجهود المناهضة لداعش تعتبر ورقة رابحة يستخدمها الأكراد لتقرير مصيرهم على المدى القصير، خصوصاً وأن تجدد انتشار داعش في المنطقة سوف يقلل من احتمالات تحقيق هذه الرغبة على المدى البعيد. لكن التصويتين البرلمانيين الأخيرين في بغداد وأربيل يشيران إلى أنه من غير المحتمل التوصّل إلى اتفاق بشأن التأخير، ومن هنا يتوجّب على التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية البدء باتخاذ خطوات فورية تحسّباً للتصويت بـ “نعم” في 25 سبتمبر.

لقد دعم قادة سياسيين كبار في أربيل وبغداد وواشنطن بشكل صريح إطلاق مهمة استشارية عسكرية أمريكية دائمة في إطار مفاوضات مستمرة حول اتفاق مركز القوى بين الولايات المتحدة والعراق. إن وجود توافق سياسي بين أربيل وبغداد وواشنطن حول ضرورة التواجد الأمريكي الدائم في العراق كنقطة انطلاق، يضع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في موقع فريد يسمح بتخفيف مخاطر الصراع الكردي – العربي، الذي قد يعرقل المكاسب التي حققتها حملة مكافحة داعش حتى الآن.

لفعل ذلك، يجب على التحالف أن يعلن بوضوح التزامه بمنع نشوب صراع طائفي، خصوصاً بين قوات الأمن العراقية والبيشمركة الكردية. ويمكن في ما بعد تعزيز هذا الالتزام على المستوى التكتيكي بـ “دوريات تواجد” يوزّعها التحالف في المناطق التي تشهد توتراً عرقياً متزايداً. وفي ضوء التصريحات الأخيرة التي أصدرها رئيس الوزراء حيدر العبادي، التي سمح بموجبها للجيش العراقي باستخدام القوة رداً على أي عنف سياسي ينتج عن الاستفتاء، فإن الدوريات الشريكة مع الجيش العراقي ستكون مفيدة بشكل خاص. ولا ينبغي تجاهل تقارير العنف العرقي الطائفي، بل يجب على قوى التحالف أن تسعى بفاعلية إلى تهدئة التوتر بالتوجّه إلى نقاط الاحتكاك، وليس بتجاهلها.

ويجب على التحالف أن يسعى إلى تسهيل إيجاد آليات للتنسيق بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان. يمكن لمستشاري التحالف، مثلاً، أن يسهّلوا نشر ضباط اتصال البيشمركة في قيادة عمليات نينوى للمساعدة في تخفيف حدة التوتر بين الجيش العراقي والبيشمركة. وعلى المدى البعيد، ينبغي على التحالف التفكير في إمكانية إعادة إنشاء طرق للتنسيق، شبيهة بالآليات الأمنية المشتركة التي استخدمت ما بين عاميّ 2009 و2011، والتي كانت مجدية في نزع فتيل الصدامات على طول المناطق الكردية والمناطق المتنازع عليها. وأيضاً يجب على قادة التحالف المسؤولين عن تقديم الاستشارات والمساندة بناء علاقات استشارية مع قادة المجلس الوطني وإخطارهم أولاً بأول بالتغيرات في النزاعات السياسية بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان، والتي يمكن أن يكون لها آثار أمنية مباشرة على الإقليم وعلى الموصل. يمكن أن يساعد هذا الإجراء في تحديد التوترات العرقية الطائفية “ونزع فتيلها” وتركيز الجهود الاستشارية وتقديم المساعدة في مناطق الاضطرابات المحتملة على المستوى المحلي، والتي قد لا تكون ظاهرة لعين مستشاري التحالف في أربيل والموصل وبغداد اليوم.

يمكن للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، مستعيناً بالقوات التي سبق أن نشرها في العراق، أن يستخدم الأصول التي بناها في العراق خلال الحملة التي قادها ضد داعش للتخفيف من المعضلة الأمنية الكردية – العربية المتنامية، وتعزيز المكاسب، ومنع الاضطرابات السياسية الكردية – العربية من التحول إلى حروبٍ أكبر تقضي على التقدم الأمني الذي تم إنجازه حتى الآن.

ألكسندر برامر مرشّح لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة كوينز في بلفاست، وهو يخدم حالياً كضابط مشاة في الجيش الأمريكي. الآراء المذكورة في هذا المقال، لا تعكس بالضرورة وجهة نظر وزارة الدفاع الأمريكية أو الأقسام التابعة لها.