Commentary

الجهاد في رمضان: هجمات إرهابية في الكويت وتونس وفرنسا بالتزامن مع عملية جديدة تطلقها داعش في سوريا

في حين غالباً ما يسعى المقاتلون الجهاديون إلى تصعيد هجماتهم خلال شهر رمضان، أتت أحداث اليوم في الكويت وفرنسا وسوريا وتونس لتسلط الضوء على فترة من العنف غير المعهود نعيشها حالياً.

تبنى ما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامية في وقت سابق اليوم هجوماً على أحد أكبر المساجد الشيعية في الكويت. وقد ذهب ضحية هذا الهجوم على مسجد الإمام الصادق 28 شخصاً، فيما أصيب 200 آخرون بجروح عندما فجّر انتحاريّ سعوديّ ينتمي للدولة الإسلامية نفسه أثناء صلاة الجمعة. وعلى الرغم من طبيعة الهجوم الطائفية المحضة، يبدو هذا الهجوم في الصورة الكبيرة وكأنه مسعى من التنظيم لدفع الهيئات السياسية والدينية السنية المحافظة جدّاً للتعبير عن دعمها للطائفة الشيعية في الكويت، ليُستخدم ذلك في ما بعد كإثبات من الدولة الإسلامية على عدم الشرعية الإسلامية و”النفاق”، لاسيما وأن التنظيم كان قد استخدم الاستراتيجية نفسها في المملكة العربية السعودية.

على الرغم من هذه المناورة السياسية، كان من المؤثر رؤية أمير الكويت يسارع لزيارة مسرح الجريمة، فيما عبّر رجال دين آخرون أيضاً عن إدانتهم لعملية التفجير.

بالتزامن مع ذلك، دخلت الدولة الإسلامية في سوريا لعبة تضليل كلاسيكية. فبعد وجودهم في شمالي سوريا فترة طويلة، وجد التنظيم نفسه يوم الأربعاء في موقف حرج أمام قوات الميليشيا الكردية وشركائهم من التحالف جواً. وبعد خسارة المعبر الاستراتيجي مع تركيا في تل أبيض في 15 يونيو، تخلى التنظيم عن قاعدة اللواء 93 وبلدة عين عيسى المجاورة بعد أسبوع. فجأةً، باتت العاصمة الفعلية للدولة الإسلامية، الرقة، تحت تهديد شديد.

ردّاً على ذلك، أطلقت الدولة الإسلامية عملية هجومية تضليلية ثنائية صباح البارحة، غرباً باتجاه بلدة عين العرب- كوباني وشرقاً باتجاه مدينة الحسكة. بالهجوم على عين العرب- كوباني والواقعة تحت السيطرة الكردية، استخدم التنظيم مقاتلين أكراد – من بينهم عددٌ كبيرٌ من العراق – يرتدون زي ميليشيا وحدات حماية الشعب الكردية وحلفائهم من الجيش السوري الحر. وبعد 36 ساعة وثلاث عمليات انتحارية بسيارات مفخخة، سقط 146 قتيلاً على الأقل. أما الهجوم على الحسكة، وهي مدينة جنوبها يقع تحت سيطرة قوات الأسد وشمالها تحت سيطرة وحدات حماية الشعب، فقد أتى بعد أيام على محاولة الدولة الإسلامية شن هجمات على تخوم المدينة جنوباً. وبعد 36 ساعة، أُعلن عن مقتل عشرات الأشخاص وسيطر التنظيم على مناطق جنوبية عدة ومقارّ أمنية وسجن المدينة، حيث قيل إنه أطلق سراح السجناء. وبين ليلة وضحاها حرفيّاً، سقطت النتائج المحتملة لخسائر الدولة الإسلامية مؤخراً طي النسيان، على الأقل في الوقت الحاضر.

في حين لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم في مدينة سوسة الساحلية في تونس، يُعتبر هذا الحادث الهجوم الإرهابي الأكثر فتكاً في البلاد من حيث عدد الضحايا. قُتل 37 شخصاً على يد مسلح أو ربما اثنين أطلقا نيرانهما على سياح أجانب على الشاطئ التابع لفندقين محاذيين. وبما أن الهجوم حصل في منتصف النهار خلال شهر رمضان، يعني أن المسلحين كانا يعرفان أن المتواجدين على الشاطئ هم من السياح الأجانب غير الصائمين. وكما كانت الحالة في الهجوم على متحف باردو في العاصمة التونسية في مارس الماضي، لعلّ استهداف السياح في بلد كتونس لا يهدف إلى القضاء على القطاع السياحي القيّم فحسب، بل أيضاً إلى تشتيت قوات الأمن والموارد الحكومية عن أهداف أخرى ذات قيمة بعيدة المدى أكثر. بالإضافة إلى ذلك، كان مؤيدو الدولة الإسلامية بشكل خاص قد ألمحوا مؤخراً إلى احتمال حصول هجمات تستهدف القطاع السياحي في تونس خلال أشهر الصيف باستخدام هاشتاق “سآتي إلى تونس هذا الصيف” (IWillComeToTunisiaThisSummer#) على سبيل المثال.

وفي الوقت نفسه، لا تزال الدوافع الحقيقية للهجوم في جنوبي فرنسا هذا الصباح غير واضحة. وكانت السلطات قد أقرت أنها كانت على علم مسبق بأن المشتبه به هو “شخص كان على اتصال بسلفيين” وقد وُضع تحت المراقبة، فيما سارع الرئيس فرانسوا هولاند إلى التأكيد على أن الهجوم “هجوم إرهابي، ما من شك في ذلك”. بيد أن السلطات لم تُكشف سوى عن معلومات قليلة عما إذا كان المشتبه به، الذي يُدعى ياسين صالحي، قد تصرف لوحده أو ضمن مجموعة أكبر. لكن ما أظهره الهجوم في سان كانتان فالافيه هو استمرار الخطر الذي تشكله “الذئاب المنفردة”.

في هذا السياق، لا بد من الأخذ في الحسبان قدرة الماكينة الإعلامية “البروباغندا” للدولة الإسلامية على التأثير والوصول إلى شريحة كبيرة من الناس، وذلك بشكل ملح، لاسيما وأنها دعت مباشرةً “الذئاب المنفردة” على تنفيذ الهجمات في البلدان التي يعيشون فيها دعماً لقضيتها العالمية. فلنأخذ على سبيل المثال كلمات الناطق الرئيسي باسم التنظيم أبو محمد العدناني في خطاب علني نشر قبل ثلاثة أيام فقط مع بداية شهر رمضان:


العاقل اللبيب من حرص على دوام الجهاد والغزو في رمضان. فاغتنموه يا عباد الله، وبادروا لصالح الأعمال، وتحروا أفضلها. وإن أفضل القربات الى الله الجهاد، فسارعوا اليه، واحرصوا على الغزو في هذا الشهر الفضيل والتعرض للشهادة فيه. فهنيئا لمن أمضى رمضان غازياً في سبيل الله، وطوبى لمن اصطفاه الله في هذا الشهر الكريم وجعله شهيداً … بادروا أيها المسلمون وسارعوا الى الجهاد، وهبوا أيها المجاهدون في كل مكان، وأقدموا لتجعلوا رمضان بإذن الله شهر وبال على الكافرين

.