Commentary

هل يُنذر النازحون داخلياً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بصراع مستقبلي؟

يحتلّ اللاجئون، وهم الأشخاص الذين فرّوا بسبب الصراع أو الاضطهاد الذي تشهده بلادهم تحت حماية دولية وحماية الدولة المضيفة، حيّزاً كبيراً من الأخبار. إذ تجذب مآسيهم التغطية الإعلامية، حتى وأنهم أصبحوا مستخدمين من قبل عددٍ من الدول لسياساتهم الشعبوية المروّجة للخوف والكراهية. إلا أنّ النازحين داخلياً هم أكثر من تعرّض للتهجير القسري. وخلافاً للاجئين الذين يعترف المجتمع الدولي بحالتهم القانونية، يعتمد النازحون داخلياً للحصول على المساعدة على حكوماتهم المسؤولة في الغالب عن تهجيرهم؛ في حين لا يؤدّي المجتمع الدولي إلا دوراً مكمّلاً. وغالباً ما يكون النازحون بعيدين عن التغطية الإعلامية وهم من ضمن المجموعات التي تواجه صعوبات كبيرة للحصول على المساعدة.

في العام 2017، بلغ عدد اللاجئين في العالم حوالي 23 مليون نسمة، ولكن “وصل عدد النازحين داخلياً مع نهاية العام 2016 إلى 40,3 مليون شخص نتيجة الصراع والعنف في العالم. وقد تضاعف هذا العدد تقريباً منذ العام 2000 وارتفع بشكلٍ حاد خلال السنوات الخمسة الأخيرة”. وفي العام 2016، نزح أكثر من 20 مليون شخص بسبب الظواهر الطبيعية، كالفيضانات والحرائق، كعلامةٍ تحذّر على الأرجح من تأثير محتمل للتغير المناخي في النزوح.

إلا أنّ المهجرين بفعل الكوارث الطبيعية يميلون إلى العودة إلى ديارهم أسرع من المهجرين بسبب أعمال العنف. إذ يتعين عليهم الانتظار لسنوات عديدة من القرارات السياسية يكافحون في خلالها الصدمة العميقة التي يخلّفها التطهير الإثني والطائفي والسياسي – وهي سياسات متعمدة ترتبط بصميم المعارك في الشرق الأوسط. وتشمل هذه السياسات استهداف المستشفيات المتعمَّد من قبل النظام السوري وحلفائه لتهجير الناس، واستبدال المجتمعات السنية في سوريا والعراق بمجتمعات شيعية، والمجازر الجماعية التي قامت بها داعش وغيرها من المجموعات بحق الشيعة وعدد كبير من السنة والمسيحيين والأيزديين وغيرهم. وهكذا، يبلغ عدد اللاجئين اليوم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 6 ملايين نسمة ويتخطى عدد النازحين داخلياً 12 مليون نسمة وهو في تصاعد مستمر.

تعتبر سوريا أكبر مصدر للاجئين والنازحين داخلياً في العالم، إذ أجبر 12 مليون نسمة من أصل سكانها البالغ عددهم 22 مليون نسمة على ترك أراضيهم. ودخل إلى الأردن مليون لاجئ، وعدد مماثل إلى لبنان وإلى تركيا نحو 3 ملايين لاجئ بالإضافة إلى مئات الآلاف الذين لجأوا إلى أوروبا. ويدلّ الصراع المستمر إلى أنّ عدد النازحين داخلياً في سوريا، البالغ عددهم 6,4 مليون نسمة، سيستمر في الارتفاع مع استمرار إغلاق الحدود التركية والأردنية. ووصل إلى محافظة إدلب وحدها أكثر من مليوني نازح داخلي، واستقرّ عدد أكبر على طول الحدود التركية والأردنية وفي عددٍ من المناطق المحاصرة. وغالباً ما يعيش النازحون داخلياً في ظلّ حكم ذاتي حتى في المناطق التي يُسجل فيها حضوراً ميليشاوياً قوياً – فإدلب تضم 156 مجلس محلي. وقد نزح نحو 200 ألف نسمة منذ بداية معركة الرقة، عاصمة الدولة الإسلامية. ومن غير المرجّح أن يعودوا قريباً إلى ديارهم في ظلّ حاجة القوات السورية الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة إلى راعٍ وإلى تدابير أخرى لتفادي ظاهرياً نهوض الدولة الإسلامية. وكذلك، ثمة انقسام شديد وذكريات مرّة بين الأقلية العلوية – التي تنتمي إليها أسرة الرئيس الأسد – والمسيحيين والشيعة وغيرهم من الحلفاء من جهة والأكثرية السنية من جهة أخرى. إلا أنّ العديد من السنة، بمن فيهم العديد من الضباط، بقوا على ولائهم للنظام – في إشارة إلى أن الانقسامات تغلغلت أيضاً بين أفراد المجتمع الواحد.

حتى مارس 2017، وصل عدد النازحين داخلياً في العراق إلى 3 مليون نسمة، ولكن لا معلومات توضّح ما إذا كان هذا العدد يشمل النازحين داخلياً في الموصل. وقد تسبّبت معركة الموصل إلى نزوح 900 ألف نسمة بين أكتوبر 2016 و11 يونيو 2017. وتشير التقديرات إلى وجود نحو 150 ألف نازح مدني في المناطق التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية في أواخر يونيو وتماماً كما هو الحال في سوريا، فإنّ معظم النازحين هم من السّنة، إلا أنهم يضمّون أيضاً أقليات على غرار الأيزديين والشاباك والتركمان وكذلك العرب الشيعة والتركمان الذين فرّوا من بطش الدولة الإسلامية. قد تكون جولة معارك أخرى خلال مرحلة ما بعد الدولة الإسلامية أمراً محتوماً، ما لم يتم تسوية المظالم السنية. زد على ذلك احتمال قيام صراع آخر نتيجة قضية الأكراد، الذين وقعوا في ما مضى ضحية التطهير العرقي، والذين يسعون إلى توسيع أراضيهم وإلى إجراء استفتاء من أجل الاستقلال عن العراق.

وحتى مايو 2017، وصل عدد النازحين داخلياً والعائدين في اليمن إلى 3,1 مليون نسمة، علماً أنّ اليمن يعاني مجاعة ويشهد حالياً أسوأ وباء كوليرا عرفه العالم. وقد حدثت معظم حالات النزوح في العام 2015 حين أُجبر 85 بالمئة من النازحين داخلياً الذي بلغ عددهم حينها 2,5 مليون نسمة على ترك منازلهم. وفي هذا الصدد، يقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: “تجبر أعمال العنف المستمرة والظروف السيئة مليون شخصٍ سبق أن نزحوا على العودة إلى ديارهم… رغم الخطر وانعدام الأمن… ويفكر عدد أكبر من النازحين داخلياً بالعودة إلى منازلهم”.

وفي مايو 2017، بلغ عدد النازحين داخلياً في ليبيا 240 ألف نسمة، تهجّر 78 بالمئة منهم بين العامين 2011 و2015، والباقي في العام 2016 بشكلٍ عام. ومن بين هؤلاء، أقام بعضهم في مخيمات، إلا أنّ 75 بالمئة استأجروا على نفقتهم الخاصة منازل تأويهم. وعاد 250 ألف شخص إلى ديارهم، معظمهم من بنغازي وطرابلس الغرب، وسكن 92 بالمئة منهم في منازلهم السابقة. وكان هذا العدد قد تراجع عن 434 ألف نازح داخلي في يوليو 2015. ويُقدّر عدد الليبيين الذين يعيشون خارج البلاد بين مليون ومليوني شخص، إلا أنّ عدداً قليلاً منهم مسجّلٌ كلاجئين. زد على ذلك المأساة الإنسانية المستمرة حيث يحاول أكثر من مليون مهاجر ولاجئ في ليبيا، أغلبهم من أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا، الوصول إلى أوروبا من السواحل الليبية.

من غير المحتمل أن يعود جميع النازحين داخلياً إلى منازلهم ومناطقهم الأصلية. قد يعود البعض، إلا أنّ آخرين، لا سيما في العراق وسوريا، فقد دُمّرت مجتمعاتهم واستولت مجموعات أخرى على منازلهم. وقد شهد التاريخ أنماط مشابهة بفعل الحروب الأوروبية الدينية التي وضعت الكاثوليك والبروتستانت ضد بعضهم، وبفعل طرد المسلمين واليهود الإسبان وإجبارهم على الارتداد عن دياناتهم، بالإضافة إلى صراعات أوروبية أخرى. والمثير للقلق هو أنّ هذه الحروب دامت أكثر من قرن. هناك ما يكفي من المسائل، لا سيما في المشرق، التي تترك الباب أمام معارك مستقبلية مفتوحاً، ما لم يشكّل النازحون داخلياً (واللاجئون) جزءاً لا يتجزأ من عمليات المصالحة والتعويض. والفلسطينيون خير مثال على ذلك.