Commentary

Op-ed

هل يمكن اعتماد الاتفاق الإيراني النووي نموذجاً للمفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية؟

بعد ما ضاق وزير الخارجية الأمريكية جون كيري ذرعاً من إنعاش المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية بشكل فعال، أعرب عن إحباطه محذّراً الحكومة الإسرائيلية علناً من مغبة فشل المفاوضات. حيث أدلى بتصريح ٍ قال به: “إذا لم نجد السبيل لتحقيق السلام ستحدث عزلة متزايدة لإسرائيل وستكون هناك حملة متزايدة لنزع الشرعية عن إسرائيل على الصعيد الدولي”. لكن ما أغفل الوزير كيري عن ذكره، هو أن هذه العزلة ستشمل الولايات المتحدة على الأرجح إذا استمرّت واشنطن في الوقوف مع السياسات المتعنتة للحكومة الإسرائيلية المتعصبة.

في الواقع، هذه العزلة قد بدأت بالفعل. قبل أسابيع فقط، علقت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) حق كل من الولايات المتحدة وإسرائيل في التصويت، “بعد عامين من امتناع البلدين عن دفع مستحقات مطلوبة للذراع الثقافي لمنظمة الأمم المتحدة احتجاجاً على منحها العضوية الكاملة للفلسطينيين”. وحتى مع توقع أكثر المحللين تفاؤلاً أن تفشل المفاوضات العربية-الإسرائيلية الأخيرة، يبدو أنه سيكون على كيري قريباً الاختيار بين حماية مصالح بلاده أو مواجهة العزلة إلى جنب حكومة نتنياهو.

صحيح أن فقدان عضوية اليونسكو قد لا يعني الكثير لبنيامين نتنياهو ووزير خارجيته افيغدور ليبرمان. بيد أنّ، وبالنسبة لقوة عظمى مثل الولايات المتحدة، والتي تعتبر أنّ كل منتدى دبلوماسي لإدارة النظام العالمي يزيد من قوتها الدبلوماسية، ستكون كارثة في حال فقدت منصة دولية مثل اليونسكو. يبدو أنّ مستشارة الأمن القومي سوزان رايس تشعر بالضغط المترتّب عن العزلة الوشيكة للولايات المتحدة. غرّدت رايس على حسابها الشخصي على موقع تويتر: “إنه أمرٌ مخجل أنّ الولايات المتحدة فقدت حقها في التصويت في اليونسكو. على الكونغرس إصلاح هذا الوضع. فالقانون الحالي لا يعاقب الفلسطينيين؛ بل يعيق الولايات المتحدة”.

للوزير كيري سبب وجيه للقلق. سوف تستمر حكومة نتنياهو في الضغط من أجل تنفيذ أجندتها الاستطانية، بغض النظر عمن يدفع الثمن – سواء أكانوا الفلسطينيين أو الأمريكيين، أو كليهما. لقد وافقت الحكومة الإسرائيلية هذا الأسبوع على بناء 800 وحدة سكنية جديدة في المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الضفة الغربية، على الرغم من طلب المجتمع الدولي تجميد بناء المستوطنات خلال فترة المفاوضات. ينبغي على كيري ألا يتوقع تعاوناً حقيقياً من حكومةٍ تفصّل سياساتها للحفاظ على علاقة مع متطرفين مثل نفتالي بينيت، الذي يعترف علناً: “لقد قتلت الكثير من العرب في حياتي وما من مشكلة في ذلك”. لقد ذهب رئيس هذه الحكومة نفسها، بنيامين نتنياهو، أبعد من ذلك ليتحدى الرئيس أوباما في الكونغرس الأمريكي بعد طلب هذا الأخير تجميد مؤقت للأنشطة الاستيطانية من أجل استئناف المفاوضات.

مما لا شكّ فيه أنها ليست هذه هي المرة الأولى التي يحرج فيها سلوك إسرائيل المتهور الولايات المتحدة على الساحة العالميه. بعد أن دعمت الولايات المتحدة عملية الرصاص المصبوب في العام 2008، اضطرت الولايات المتحدة للرد على المجتمع الدولي بشأن نتائج تقرير غولدستون، الذي اتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة. وعلاوة على ذلك، وجدت الولايات المتحدة نفسها مضطرة للدفاع عن إسرائيل جراء حكم محكمة العدل الدولية بشأن الجدار الذي تقيمه إسرائيل في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وقضت محكمة العدل الدولية بأن الجدار غير قانوني صوت فيه 14 لصالح الحكم وصوتاً واحداًً ضده. والقاضي الوحيد الذي وجد إنّ إجراءات إسرائيل قانونية كان أمريكياً. بطبيعة الحال، إنّ استخدام حق النقض أكثر من 40 مرة في مجلس الأمن لحماية الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية يثير تساؤلات خطيرة حول ما إذا كانت الدبلوماسية الأمريكية ستستمر دون قيد أو شرط بحماية من وصفه وزير الدفاع السابق روبرت غيتس بـ”حليف ناكر للجميل”، الذي هو “عزل إسرائيل على المستوى الدولي”.

ما يجعل كيري أكثر توتراً بشأن فشل المفاوضات الجارية هو حقيقة أن الفلسطينيين بدءوا باعتماد التصعيد الدبلوماسي، أو “الانتفاضة الدبلوماسية”، والتي سوف تضع ضغطاً إضافياً على الدبلوماسية الأمريكية في المنطقة. إذا فشلت المفاوضات، سيكون الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد استنفد جميع الخيارات المتاحة لتبرير التزامه بعملية سلام فاشلة. لقد قدم فريق التفاوض الفلسطيني استقالتهم رسمياً لعباس احتجاجاً على سياسات الاستيطان العدوانية التي يعتمدها نتنياهو. بإصراره على الالتزام بالأشهر التسعة المتفق عليها مع كيري للتفاوض، سيكون لعباس مطلق الحرية لاتخاذ أية إجراءات يجدها مناسبة بعد انتهاء هذه المدة. في حال فشلت هذه المفاوضات، سيتوجه الفلسطينيون الى مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية، ومحافل دولية أخرى. حتماً لديهم العديد من القضايا لملاحقتها، بما في ذلك الجدار غير القانوني الذي بُني على أراضيهم، وتقارير الحرب المسجّلة في تقرير غولدستون، والتحقيقات السويسرية الأخيرة حول وفاة ياسر عرفات. بالإضافة إلى ذلك، كما قال كيري، إنّ انتفاضةً ثالثةً قد تكون نتيجة أخرى لفشل المفاوضات. ستصبح هذه الحملة الدولية ببساطة كابوساً للدبلوماسية الأمريكية. إنّ عدم اتخاذ الموقف الصحيح بشأن ذلك يعني أن تعليق اليونسكو لحقوق إسرائيل والولايات المتحدة في التصويت ليست سوى نذير عزلة دولية على نطاق أوسع.

على الرغم من الصورة القاتمة التي تواجه كيري، لا يزال أمامه خيارات لإنجاح المفاوضات. إنّ الإتّفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني خير دليل على أن المجتمع الدولي قادرٌ على العمل بشكل تعاوني للتوصل إلى اتفاق وتجنب العنف والعزلة. ينبغي على كيري أن يعي أن المجتمع الدولي سيدعمه ويعمل إلى جانبه عندما قرر الانخراط في مفاوضات جادة مع حكومة نتنياهو لضمان امتثالها لمتطلبات السلام في المنطقة. إنّ التوصل إلى اتفاق سيكون بمثابة إنجازاً كبيراً لإدارة أوباما، نظراً لفشلها في خلق سياسة متماسكة في منطقة الشرق الأوسط خلال الربيع العربي، وتحديداً عدم كفاءتها في التعامل مع الأزمة السورية. ينبغي على كيري أن يأخذ في عين الاعتبار أن العمل بالتعاون مع المجتمع الدولي سيكون من شأنه تعزيز المصالح الأمريكية والسلام والاستقرار في المنطقة بشكل ملحوظ. إلا أنّ الرضوخ لضغوط نتنياهو، وليبرمان، ونفتالي وإلى أجندتهم الاستطانية، سيضع أمريكا في عزلة أكبر من تلك التي فرضتها اليونسكو، الأمر الذي من شأنه أن “يعيق” سياسة البلاد الخارجية في أحسن الأحوال بحسب سوزان رايس. ينبغي على كيري تذكير رئيسه، الرئيس أوباما، بشعار حملته الانتخابية أنّه “نعم، يمكنه ذلك” – كما فعل بشأن الاتفاق النووي الايراني.