Commentary

Op-ed

زيادة المساعدات العسكرية للمعارضة السورية؟ بعض الحقائق على الأرض

ها هو الصراع السوري يدخل في عامه الرابع. مع مرور الوقت، تحوّل الزخم الاستراتيجي مجدداً إلى النظام، وقد وصلنا اليوم إلى حالة جمود شبه كاملة. يمكن للرئيس الأسد أن يشكر روسيا وإيران وغيرها من أنصار شبه الدولة على دعمهم اللامحدود. وفي الوقت نفسه، تم إضعاف المعارضة بشكل مطرد من خلال بنية دعم جديدة نسبياً ومقسمة تضم الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ودول المنطقة، وعدداً لا يحصى من الشبكات المالية الخاصة الغامضة والتي تأخذ من منطقة الخليج مقراً لها. في مثل الديناميات كهذه، فشل الائتلاف السوري في الحصول على أي نتائج عملية في مؤتمر جنيف 2، الأمر الذي يؤكّد على ثقة الحكومة بنفسها ويعزّزها.

منذ ذلك الحين، تم إيلاء اهتمام كبير لإمكانية تنفيذ برنامج مساعدات أمريكية موسّع ومعزّز يستهدف عناصر من المعارضة المسلحة ممن تمّ التدقيق في بياناتهم. ثمة مؤشرات حديثة تُنقل عن مسؤولين في إدارة أوباما تشير إلى أنه سيتم توسيع برامج تدريب سرية موجودة حالياً على نطاق صغير وتقودها وكالة المخابرات المركزية (السي أي أيه) لمتمردين معتدلين تمت الموافقة عليها من قبل. وبحسب التقارير، سيرتكز هذا البرنامج الجديد على أسس مكافحة الإرهاب تهدف إلى عزل الجهاديين المرتبطين بتنظيم القاعدة، ومحاربتهم، فضلاً عن تأمين الحدود وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية الأكثر تأثيراً.

والأهم من ذلك هو أنه يبدو من المرجح أن التسريبات الأخيرة حول هذا الموضوع رُبِطت في المقام الأول بدعم زيارة الرئيس أوباما إلى المملكة العربية السعودية. هل سيتم تنفيذ هذا البرنامج الموسع؟ في النهاية، ظهرت مؤشرات كثيرة مماثلة في الماضي ولم يحدث أي تغيير ملحوظ. إلا أنّ الكثير من التفاصيل التي تسرّبت تثير تساؤلات مقلقة بشأن ما إذا كانت التعقيدات المتعددة المحاور على الأرض في سوريا تؤخذ بعين في الاعتبار. كما قيل من قبل، إن مسألة المتمردين السوريين أكثر تعقيداً من مجرد “أخيار” و”أشرار”.

منذ عدة أشهر أصبح واضحاً أن المبدأ الأساسي الذي يوجّه الدعم الموجود والمرتبط بالولايات المتحدة للمعارضة المسلحة السورية يقوم على مواجهة الأعداد المتزايدة لمقاتلي تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات المماثلة، والذي بلغ عددهم الآن ما لا يقل عن 20,000 – 25,000 مقاتل. ليس هناك أدنى شك أن ذلك ينبغي أن يكون مصدر قلق كبير، إلا أن الأمر لن يكون بالمهمة السهلة وينبغي عدم التسرع. تتمتّع جبهة النصرة، الذراع السوري لتنظيم القاعدة، بمستويات عالية من الدعم الشعبي بين السوريين المعارضين للحكومة السورية. وقد رفض العديد من الأعضاء الرئيسيين في التحالف المدعوم من الغرب إدانة جبهة النصرة التي تدير عدداً لا يحصى من العلاقات المترابطة مع الجماعات المتمردة المعتدلة في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك أعضاء الجبهة الثورية السورية بقيادة جمال معروف والتي تلقى إعجاباً واسعاً حالياً. في الواقع، قال معروف في إحدى المقابلات التي أجريت معه مؤخراً إنّ القاعدة – أو جبهة النصرة – “ليست مشكلتنا”، واعترف علناً أنه يتعاون مع تلك المنظمة داخل سوريا.

إذاً، ما هي حدود المقبول؟ لو كان ذلك يعني أية مجموعة حاربت القاعدة، فيجب بالتالي حذف نسبة كبيرة من المتمردين. لو كان ذلك يعني أية مجموعة حاربت أفراداً أو جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة، بالتالي لن يبقى لك سوى القليل.

وستثبّت سياسة “كل شيء أو لا شيء”، التي هدفت إلى توجيه مجموعات تم التدقيق في بياناتها لمواجهة كل الجماعات ذات التوجه الجهادي أو عزلها، نبوءة تتحقق ذاتياً، محوّلةً تلك الجماعات إلى قوات مناهضة للغرب نخشاها كثيراً. في حين تمّ عزل الدولة الإسلامية في العراق والشام، أو داعش – التي تبرّأ منها تنظيم القاعدة بسبب أعمالها المشينة إلى حد كبير في سوريا، إلا أنّ ظروف تطبيق ذلك على الجماعات الجهادية الأخرى غير موجودة – حتى الآن. تميل المنظمات الجهادية المعادية فعلاً إلى تعزيز الظروف اللازمة لعزلهم في نهاية المطاف وزوال. وبدلاً من خلق أعداء جدد، ينبغي أن تركز السياسات الحالية على تعزيز قدرات أصدقائنا، وإذا كان ممكناً، إيجاد المزيد من المجندين لقضيتهم وتدريبهم.

وبحسب التقديرات المتاحة، فإنّ برنامج التدريب بقيادة وكالة المخابرات المركزية المقام في الأردن بشكل أساسي –ولكن أيضاً المملكة العربية السعودية، وتركيا، وقطر بحسب التقارير – يخرّج حوالي 100 مقاتل كل شهر. لو أردنا تصديق التسريبات الأخيرة، فإنّ هذا العدد قد يصل إلى 600 مقاتل شهرياً. على هذا المعدل، سيستغرق الأمر حوالي عامين لإنتاج قوة تتنافس من حيث العدد مع أحرار الشام، وهي أكبر جماعة مسلحة في سوريا، وسيستغرق الأمر سبع سنوات لمنافسة الجبهة الإسلامية.

أما بالنسبة لإمدادات الأسلحة، فإن التكامل بين آليات التعقّب والتعطيل عن بعد سيكون ضماناً قيّماً، إلا أنّ ما من تكنولوجيا بدون عيوب. في الوقت الذي قد تمنع فيه مثل هذه التدابير تقاسم أنظمة الدفاع الجوي المحمولة على الكتف – والتي، على الرغم من التقارير التي تفيد عكس ذلك، فإنه من شبه المؤكّد أنّ الولايات المتحدة لن تقوم بالإمداد – إلا أنّ انتشار الأسلحة الأخف أمر لا مفر منه. ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار أن بعض الأسلحة الكرواتية المقدمة للجيش السوري الحر في أوائل العام 2013 انتهى بها المطاف سريعاً في أيدي عناصر جبهة النصرة، في حين أن البعض الآخر موجودٌ الآن في العراق في أيدي عناصر داعش.

رغم كل هذا، يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها توسيع دعمها للمعارضة السورية. لكن إن فعلت كذلك، ينبغي استيعاب تعقيدات الوضع المتأصلة وعدم تجاهلها ببساطة. ينبغي اليوم أن تركّز أولويات السياسة الملحّة على رأب الانقسامات العميقة والضارة داخل ائتلاف المعارضة ومختلف مؤيديها. ثم، تحتاج الهيئات المعارضة الحالية إلى إعادة هيكلة بغية دمج الجهات الفاعلة المؤثّرة داخل سوريا بشكل أفضل. عندها، سيصبح من الممكن إدارة بعض التعقيدات المتعمقة، مما يفتح المجال أمام فرص أكثر موثوقية واستدامة من أجل وضع برنامج دعم عسكري أكثر فعالية داخل سوريا.