Commentary

Op-ed

باكستان وأفغانستان: مسرحاً محتملاً لعودة القاعدة مجدداً

سجل تنظيم القاعدة عودة ملحوظة في العراق العام الماضي. وقد أطلق مستشار الأمن القومي السابق جيم جونز على هذه العودة اسم “نهضة تنظيم القاعدة”. هذا العام، سيعود معظم أفراد القوات الأمريكية وحلفائنا في قوات المساعدة الدولية لإرساء الأمن في أفغانستان (إيساف) الخاضعة لإدارة حلف الناتو إن لم يكن جميعهم إلى بلدانهم الأصلية من أفغانستان. فهل سيسجل تنظيم القاعدة نهضة أخرى في جنوب آسيا؟

لم يكن لتنظيم القاعدة أي وجود في العراق قبل 11 سبتمبر – فهذا التنظيم الإرهابي انتقل إلى العراق فقط عندما رأى أسامة بن لادن استعداد جورج بوش وديك تشيني لغزو العراق في العام 2003. أعدّ بن لادن فخاً. بحلول العام 2006، أغرق تنظيم القاعدة في العراق البلاد في حرب أهلية وأحدث صراعاً بين الشيعة والسنة. وحدها الجهود الجبارة التي بذلتها قوات مشاة البحرية والجنود الأمريكيين منعت انهيار الدولة في شكلٍ كامل. الآن عاد تنظيم القاعدة مرة أخرى إلى العراق، رافعاً علمه الأسود فوق الأراضي التي سبق أن قاتل الأمريكيون بضراوة.

هل يمكن أن تتكرر المأساة نفسها في أفغانستان وباكستان؟ هذا العام، ستنتهي الحرب الأطول في تاريخ الولايات المتحدة بالنسبة للأمريكيين، إلا أن الأمر ليس سيان بالنسبة للأفغان أو الباكستانيين. ستبقى باكستان الداعم والراعي الرئيس لحركة طالبان الأفغانية، أي العدو الذي حاربناه لفترة طويلة من الزمن. توفر باكستان لحركة طالبان ملاذاً آمناً وملجأ لتدريب المقاتلين وتجنيدهم، وتحمي قادتها بمن فيهم الملا عمر. ويساعد جهاز المخابرات الباكستانية على تدريب حركة طالبان وتمويلها.

على مدى السنوات القليلة الماضية، خاضت أمريكا حرباً ثانية بالإضافة إلى الحرب في أفغانستان، حرب مكافحة الإرهاب داخل باكستان. وجد تنظيم القاعدة في باكستان قاعدة جديدة بعد أن أطاحت الولايات المتحدة بإمارة الملا عمر في أفغانستان في العام 2001. وتجلّت المحطة الأبرز في هذه الحرب السرية الثانية في العملية التي نفذتها أسود البحرية الأمريكية لقتل أسامة بن لادن في أبوت آباد. وتكرر إرسال طائرات من دون طيار لتعطيل عمليات القاعدة في باكستان: تشير التقديرات إلى أنّه تمّ إرسال 340 مهمة عسكرية فتاكة منذ وصول الرئيس أوباما إلى الرئاسة، وأكثر من عشرين مهمة العام الماضي فقط.

ما إن تغادر القوات الأمريكية أفغانستان، ستصبح ملاحقة حرب الطائرات من دون طيار أمراً أصعب. إذا توصّلنا إلى اتفاق مع الرئيس كرزاي يقضي بتوقيع الاتفاقية الأمنية الثنائية التي سبق أن خاض البلدان مفاوضات بشأنها، يمكن أن تبقى قوة أمريكية في أفغانستان لمكافحة الإرهاب. وفي حال تعثّر الاتفاق الأمني الثنائي، سيكون تنفيذ مهام ترمي إلى مكافحة الإرهاب داخل باكستان أصعب إن لم يكن مستحيلاً. فببساطة، لن تسمح كابل بذلك.

فعلى سبيل المثال، سيصعب تنفيذ غارات كتلك التي تمّ تنفيذها في أبوت آباد من دون وجود قواعد عسكرية في أفغانستان. فبدلاً من القيام برحلة قصيرة من قاعدة في أفغانستان، سيتعين على الطائرات الانطلاق من مجموعات حاملات الطائرات عند بحر العرب وقطع مئات الأميال. في مختلف الأحوال، كانت غارة أبوت آباد لتفشل لو انطلقت من بحر العرب على غرار مهمة إنقاذ الرهائن الإيرانية التي فشلت في العام 1980. فالمسافة التي يتعين على هذه الطائرات عبورها بعيدة جداً.

ما إن يهدأ الضغط الأمريكي على تنظيم القاعدة في باكستان، ينبغي أن نتوقع أن يتجدد بسرعة نظراً للبنية التحتية الجهادية الضخمة في باكستان ولعدم كفاءة وكالة الاستخبارات الباكستانية و/ أو لتواطئها مع الجهاديين. في الواقع، سيُسرّ حلفاء تنظيم القاعدة في باكستان مثل حركة لشكر طيبة، وطالبان باكستان وغيرها من الحركات بمساعدة تنظيم القاعدة على التعافي، لا سيما وإنّ خطر عمليات الطائرات من دون طيار أصبح أقل.

من المرجح أن يكون رئيس الوزراء الباكستاني الجديد، نواز شريف، أقل نشاطاً من سلفه آصف زرداري في ما يتعلق بمحاربة تنظيم القاعدة. رأى زرداري في تنظيم القاعدة تهديداً، فقد كان يُدرك تماماً أنه كان للتنظيم يداً في مقتل زوجته بينظير بوتو. في خلال ولايتي شريف السابقتين في التسعينيات، ازدهر جهاديو “فرانكشتاين” في باكستان. رغم طلبات الرئيس بيل كلينتون المتكررة بين عامي 1997 و1999، لم يتخذ شريف أي إجراء لإلقاء القبض على بن لادن ولمهاجمة بنيته التحتية في باكستان وأفغانستان أو للضغط على طالبان والملا عمر للسيطرة عليه أو لتسليمه للمملكة العربية السعودية. في خلال حملة شريف الانتخابية في العام 2013، لم تتعرض مسيرات حزبه ومرشحيه لأي هجوم من قبل طالبان أو غيرها من الجهاديين في حين أن الأطراف الأخرى تعرضت لإطلاق نار وهجوم باستمرار .

إذاً، قد يتعافى تنظيم القاعدة في شكلٍ جيد في غضون أشهر وليس سنوات، بعد أن نغادر أفغانستان في حال تضاءل الضغط على قاعدتها في باكستان. إلا أنّ ذلك لا يشكل حجةً لبقاء آلاف الجنود في أفغانستان. وقد بذل أوباما ما بوسعه لمساعدة الأفغان على الدفاع عن أنفسهم ضد طالبان والقاعدة. بعد سبع سنوات من إهمال سلفه الرئيس بوش المخزي، حصلت أفغانستان على دعم أوباما وعلى الوقت اللازم لبناء قواتها الأمنية لمحاربة طالبان من دون تدخل الناتو. إذا كان الجيش الأفغاني يعجز عن التعامل مع حركة طالبان الآن بمساعدة أمريكية مهمة إنما محدودة، فإنه لن يتمكن يوماً من القيام بذلك.

إنها حجة للعمل مع كابول على إبقاء قوة أمريكية في أفغانستان لمكافحة الإرهاب بعد العام 2014 لمواجهة التهديدات التي تتعرض لها الأراضي الأفغانية والملاجئ الآمنة مثل أبوت آباد عبر الحدود في المستقبل القريب. على المدى الطويل، ستحتاج أمريكا إلى سياسة أكثر واقعية وصرامة تجاه باكستان. ينبغي أن نستمر في التعامل مع الحكومة والجيش على محمل الجد من دون أن نبالغ في توقعاتنا. يتعين أن نساعد الباكستانيين المستعدين لمحاربة التطرف من دون أن نتوقع معجزات. كتب سفير باكستان السابق لدى الولايات المتحدة حسين حقاني أن الوقت حان لنضع جانباً ما لدينا من “أوهام رائعة” بشأن الشراكة الباكستانية – الأمريكية نهائياً. سنكون بحاجة لحماية مصالحنا هناك بمساعدتهم أو من دونها. بهذه الطريقة وحدها، يمكن أن نتجنب نهضة تنظيم القاعدة في باكستان، البلاد الأخطر في العالم.