Commentary

Op-ed

المنطقة تكبح الطلب على النفط من خلال إنهاء الدعم

Cars are seen at Woqod gas station in Doha, Qatar January 28, 2016. REUTERS/Naseem Zeitoon

ما هي المنطقة التي ساهمت الأكثر في نمو الطلب على النفط حتى الآن خلال هذا القرن؟ الصين، طبعاً، وقد حصلت على 7,3 مليون برميل يومياً من الاستهلاك بين العام 2000 والعام الماضي. وما هي الثانية؟ أهي الهند أم أمريكا اللاتينية؟ كلا، إنها منطقة الشرق الأوسط التي كانت في قلب صادرات النفط العالمية والتي وصل الطلب على نفطها الخاص إلى تضخم بنسبة 4,4 مليون برميل يومياً.

دفعت الاقتصادات المتضخمة، تحت تحفيز ارتفاع الأسعار، إلى تعطش الشرق الأوسط للنفط، بينما طافت السيارات على الطرقات السريعة المبنية حديثاً. وشجّع الدعم الحكومي الاستهلاك المسرف، الأمر الذي أبقى أسعار الوقود في الشرق الأوسط الأقل في العالم. وقد أثبط هذا الدعم تطوير الغاز، وبالتالي تحولت بعض الدول إلى حرق النفط لتوليد الكهرباء. وهكذا، تمكّن 240 مليون شخص في منطقة الشرق الأوسط من زيادة الطلب أكثر مما زاده 3 مليار آسيوي خارج الصين.

أما الآن، فقد أصبحت كل تلك العوامل عكسية. إنّ تباطؤ الطلب على نفط المنطقة هو عامل آخر يطيل أمد ركود أسعار النفط الحالية. في حين تبقى الأسعار منخفضة، فإن النمو الإقليمي سيكون معتدلاً في أحسن الأحوال. هذا العام، يتوقع أن يحقق النمو الإقليمي 2,3 بالمئة، وهي نسبة مقبولة وفقاً للمعايير العالمية ولكنها الأدنى منذ الأزمة المالية في العام 2009. قد يكون العام المقبل أقوى بقليل، مع زيادة بنسبة 3 بالمئة.

ومع حلول نهاية الطفرة، تسارعت المحاولات لتقليص الدعم الحكومي على النفط والغاز والكهرباء. تحركت إيران لأول مرة في ديسمبر 2010، وقامت بإصلاح واسع النطاق على جميع أسعار الطاقة إلى جانب التعويض النقدي للأسر. كان الأمر ناجحاً في البداية، إلا أنّ ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض قيمة العملة والركود العميق قوّضت آثار هذا الإصلاح وخلّفت مزيداً من جولات تعديل الأسعار.

تضرّرت الدول المستوردة للنفط في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشدة من ارتفاع الأسعار، وفي المقابل، وصل المغرب والأردن وتونس إلى أسعار سوق الطاقة القائم.

وكانت البلدان العربية المصدرة للنفط آخر من اتخذ إجراءات في هذا الصدد، بيد أنّ دولة الإمارات العربية المتحدة قررت تحديد أسعار الوقود وفق المستويات الدولية من أغسطس من العام الماضي، ورفعت السعودية الأسعار في ديسمبر رغم أنها لا تزال مدعومة بشكل كبير، أما البحرين وعُمان وقطر فقد تخلصت إلى حد كبير من الدعم الحكومي على البنزين والديزل في يناير. هذا وقد رفعت الجزائر أيضاً الأسعار في ميزانية هذا العام.

وكانت الكويت من بين الدول الصامدة، إذ حاولت قطع الدعم الحكومي العام الماضي إلا أنها تراجعت عن القرار في وجه المعارضة البرلمانية. رفعت البلاد أسعار الديزل في يناير وستحاول مجدداً مع النفط الشهر المقبل. قد تشجع الضغوطات المالية وشروط قرض صندوق النقد الدولي المفروضة على العراق إصلاح الدعم الحكومي في هذا المجال أيضاً.

ما الأثر الذي نتج عن كل ذلك؟ يجب على المحللين الذين يحاولون فهم التأثيرات المزدوجة للاقتصاديات المتباطئة وإصلاح الدعم الحكومي أن يستقرأوا المستقبل – فالبيانات الدقيقة لا تزال غير ثابثة ومتأخرة. ما تظهره الأرقام المتاحة هو أنه في الأشهر التي تلي هذه الإصلاحات، سجّل استهلاك البترول في البحرين وقطر انخفاضاً بسيطاً؛ وانخفاضاً كبيراً في سلطنة عمان. هذا وانخفض الطلب الإجمالي على النفط السعودي بمعدل 2 بالمئة هذا العام، إذ استُبدِل جزئياً بإمدادات الغاز الجديدة لمصانع الطاقة.

تراجع استهلاك الديزل في مصر بمعدل 23 بالمئة في الشهر الذي تلا إصلاحات يوليو 2014، فإن هذا الانخفاض السريع يشير إلى إن النفط كان على الأرجح يُهرب قبل ذلك إلى الخارج. فقط خلال هذا الصيف شابه الطلب مجدداً مستويات يونيو 2014.

في حال عاد النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط إلى سابق عهده، هل سيعني ذلك أن الطلب على النفط سيرتفع مجدداً؟ على الأرجح لا. أصبح إصلاح الدعم سياسة مترسخة في أغلبية الدول المستهلكة الكبرى التي تضع ميزانيات للدفاع والصيانة. لا بدّ أن تقوم إمدادات الغاز الجديدة والطاقة البديلة بإبطاء استخدام النفط لتوليد الكهرباء في المملكة العربية السعودية والعراق، وأن تلغيها على نطاق واسع.

لطالما كان الحد من ارتفاع الطلب غير المستدام على النفط في المنطقة أساسياً على الصعيدين المالي والبيئي على مدى سنوات. إن التأثير الكامل للدعم النهائي سينتشر عبر المجالات الاقتصادية خلال السنوات المقبلة. ولكن بما أنّ النفط الذي لا يُستخدم محلياً يتم تصديره، فإن الشرق الأوسط يؤدي دوراً في إطالة التخمة العالمية.