Commentary

Op-ed

الحديث بشأن طرح أرامكو للاكتتاب العام يحمل رسالة إلى الشركات الحكومية السعودية

هل تساوي شركة أرامكو 781 مليار دولار أمريكي كما جاء في تقرير شركة ماكينزي في العام 2005؟ قدّرت وكالة بلومبيرغ قيمة الشركة بـ2,5 تريليون دولار أمريكي، بينما أشار المستشار السابق لوزير البترول السعودي محمد الصبان إلى أكثر من 10 تريليون دولار أمريكي.

ولكن مهما كان الرقم، أثارت إمكانية خصخصة جزء من شركة النفط السعودية الحكومية العملاقة (أرامكو) مزيجاً من الاستغراب، والتكهنات، والريبة.

طرح ولي ولي العهد الأميرمحمد بن سلمان فكرة عرض حصة صغيرة من الشركة للاكتتاب العام للمرة الأولى في خلال مقابلة مع مجلة ذي إيكونومست. ولكن ينبغي على الأرجح أن يقوم المصرفيون الاستثماريون الذين يسيل لعابهم على الصفقة والمحللون الذين يستعجلون في تقدير قيمة الشركة بالتهدئة من روعهم.

تعد شركة أرامكو، والتي تجمّع في الأصل  أكبر أربع شركات نفط أمريكية، الأساس الذي تقوم عليه الدولة السعودية الحديثة، والتي تمّ تأميمها بالكامل بحلول العام 1980. ومذاك الحين، احتفظت بأكبر احتياطيات النفط التقليدي في العالم وجعلت السوق يتأرجح بقراراتها الإنتاجية. تنتج أرامكو 13.3 مليون برميل من النفط المكافئ يومياً، بما في ذلك الغاز.

في السنوات الأخيرة، قامت شركة أرامكو بتوسيع المصافي ومصانع البتروكيماويات الخاصة بها، بما في ذلك المشاريع المشتركة العالمية. وبطبيعة الحال، كانت شركة أرامكو في خلال العام الماضي في مقدمة استراتيجية السعودية الناشئة للحفاظ على حصتها في السوق وضرب المنافسين، حتى لو على حساب انخفاض أسعار النفط.

إذاً يكفي أن نلقي نظرة سريعة على الشركة لنفهم كم سيكون الطرح للاكتتاب العام موضع حساسية وتحدٍ.

يكفي مجرد بيع 5 بالمئة من شركة أرامكو للتفوق على رقم موقع “علي بابا” Alibaba القياسي كأعلى قيمة محققة في الاكتتاب العام حتى اليوم والتي بلغت 25 مليار دولار أمريكي. سيربك ذلك السوق السعودي المحلي، وستضطر الشركة، بالتأكيد، إلى اللجوء إلى إدراج مزدوج في لندن أو نيويورك للحصول على تقييم عادل. ولكنّ ذلك سيثير قضايا حساسة بشأن ملكية إرث البلاد، وسيتطلب من شركة أرامكو الكشف عن أسرارها المتعلقة باحتياطاتها من النفط والغاز، وقاعدة تكاليفها، وبياناتها المالية والتي تخضع لحماية مشددة.

على أي حال، من المستحيل أن نقدّر اليوم قيمة شركة أرامكو. وبدلاً من طلب ميزانيتها من الخزينة السعودية، سوف ينبغي فرض الضرائب عليها ككيان مدرج وفقاً لمخطط يمكن التنبؤ به، مما يتيح لها الأموال اللازمة للاستثمار وعائداً معقولاً على رأس المال. تمتلك شركة أرامكو ما يعادل 12 مرة احتياطيات شركة إكسون موبيل التي تبلغ قيمتها كشركة 347 مليار دولار أمريكي، مما يجعلها أكبر شركة مساهمة للنفط في العالم، ولكنّ إنتاج الأولى لا يعادل إلا أكثر بقليل من ثلاثة أضعاف إنتاج الثانية.

لشركة أرامكو السعودية مهمة تتعلق بالتنمية الوطنية. ويبيّن المصير الحزين لشركة بتروبراس النفطية البرازيلية الغارقة في الفساد والديون كيف يمكن أن تسوؤ الأمور عندما تتصادم الأهداف الحكومية والتجارية. ولكنّ الأمير محمد بن سلمان ذكر أنّ تحقيق المزيد من الشفافية أحد فوائد هذا الطرح للاكتتاب العام.

يبدو أنّ تعويم وحدة التكرير والتسويق وعدم المشاركة في إنتاج النفط خياراً شائكاً بدرجة أقلّ بكثير. تمتلك شركة أرامكو حالياً كياناً مدرجاً باسم شركة رابغ للتكرير والبتروكيماويات (بترورابغ)، وهو عبارة عن مشروع مشترك للتكرير والبتروكيماويات، وقد تمّ بيع 25 بالمئة منه إلى المستثمرين المحليين في العام 2008. سيكون من الأسهل تقييم أصول التكرير والتسويق، وأسهل تعاملاً معها لناحية الحجم، كما أنها لا تنطوي على أي إفصاحات حساسة. وستشكّل عملية تعويم أي شركة تعمل في مجال التكرير والتسويق تمريناً على أيّ طرح مستقبلي لشركة أرامكو للاكتتاب العام، إذا ومتى أصبح ذلك أمراً مرغوباً فيه.

إذا كان السعوديون يرغبون في جذب الاستثمارات الخارجية والتكنولوجيا إلى مشاريع النفط  والغاز الأولية (استخراج وتطوير وإنتاج النفط والغاز)، وتثبيت مستوى أداء شركة أرامكو، ثمة طرق أكثر وضوحاً وتقليدية للقيام بذلك. وعلى غرار كل من أبو ظبي والعراق مؤخراً وإيران الآن، تستطيع السعودية ببساطة أن تقدّم للشركات العالمية عقوداً لتطوير حقول مختارة – ربما حقول غاز أو حقول نفط أكثر هامشية.

هكذا كان الوضع مع مبادرة الغاز الرئيسية في بدايات العقد الأول من القرن الحالي، والتي أطلقت في خلال فترة أخرى شهدت أسعار نفط منخفضة، ولكن تعثرت في مواجهة معارضة شركة أرامكو والشروط المالية الصارمة بشكل غير معقول. ومن شأن هذا الطرح أن يشكّل تحدياً للمنافسين السعوديين، إذ يشكّل إشارة إلى أنّ شركة أرامكو تستطيع الصمود في ظلّ انخفاض أسعار النفط إلى أجل غير مسمى، وربما جذب الاستثمار بعيداً عن إيران.

ومهما كانت النتيجة، لم يعد يتعذر الوصول إلى أي من الشركات الحيوية ذات العمق التاريخي في المملكة بعد اليوم. وبدلاً من التكهنات حول قيمة شركة أرامكو، قد تكون هذه رسالة الأمير محمد الأقوى والأكثر ديمومةً.