Commentary

Op-ed

الأجيال الضائعة: الأطفال في مناطق الصراعات

من المخلفات الكارثية للصراعات الجارية في الشرق الأوسط هو الجيلٌ الضائع من الأطفال المحرومين من التعليم. هؤلاء الأطفال يجدون أنفسهم، وهم لم يرتكبوا أي خطأ، ليس فقط نازحين، إنما أيضاً محرومين من فرصة الحصول على تعليم مناسب. وبالتالي، لم تتسنى لهم الفرصة لتعلم المهارات اللازمة وتطويرها من أجل أن يصبحوا أعضاءً فاعلين في المجتمع. هذا الجيل الضائع هو فاجعة عصرنا هذا.

وفي تقرير صادر في العام 2015 عن وكالة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) أجبرت الصراعات القائمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 13 مليون طفل على ترك المدارس.

لا يشكّل الأطفال غير المتعلمين تحدياً أخلاقياً فحسب، ولكن أيضاً تحدياً له عواقب سلبية على المدى القصير والطويل على اللاجئين ومجتمعاتهم على حد سواء.

محرومون اقتصادياً

يزوّد التعليم الأطفال بالمهارات اللازمة ليصبحوا أعضاء منتجين في المجتمع. لسوء الحظ، يواجه اللاجئون الأطفال الفارين من سوريا والعراق وفلسطين واليمن صعوبات كثيرة لإيجاد الفرص التعليمية في البلدان التي يستقرون فيها.

في الحالات القصوى جداً، لم يرتاد اللاجئون الشباب المدارس منذ سنوات. وبالتالي، أصبحت إمكانية إيجاد فرص عمل منتجة بالنسبة لهؤلاء الأطفال عندما يكبرون صعبة على نحو متزايد.

تضطلع المدارس، إلى جانب توفير التعليم، بوظيفة مهمة من خلال تنشئة الأطفال اجتماعياً. إنّ الأطفال محرومون، بسبب الصراعات الجارية، من فرصة تطوير مهارات النمو الاجتماعي والعقلي اللازمة التي تسهل النمو.

بالإضافة إلى ذلك، يواجه الأطفال في مناطق الصراع صدمات شديدة جراء فقدان أفراد الأسرة بسبب العنف.

تميل الجهود الإنسانية للتركيز على الاحتياجات المادية مثل الغذاء والمأوى، إلا أنّ هناك تركيزٌ أقل على التعامل مع آثار الصدمات النفسية على الأطفال على المدى الطويل.

من شأن النقص في التعليم والشعور باليأس وفقدان الأمل أن يخلقا الظروف المثالية للتطرف بين اللاجئين الأطفال. فمن دون التعليم، لن يكون للاجئين الشباب الفرص الاقتصادية المقدمة للأطفال في المناطق السلمية.

أفاد تقرير أصدرته اليونيسيف أنه ثمّة اتجاه متزايد لتجنيد الأطفال للقتال في صفوف أطراف الصراع، وبشكلٍ خاص في سوريا.

كما وأنّ الأطفال الذين تعبوا من العمل لساعات طويلة في المصانع المستغلة للعمال مقابل أجر ضئيل يميلون لإيجاد عروض المشاركة في ساحات القتال مقابل 400 دولار أمريكي كراتب شهري مغرية للغاية.

وفي هذا الصدد، يقول جوردن براون، رئيس الوزراء البريطاني السابق ومبعوث الأمم المتحدة الخاص للتعليم العالمي: “إنّ الأطفال النازحين هم أكثر عرضة ليصبحوا أصغر العمال في المصانع وأصغر العرائس وأصغر الجنود في الخنادق”.

جهود متواصلة

قبل اندلاع الصراع في سوريا، سجّلت البلاد 99 بالمئة معدل تسجيل في صفوف التعليم الابتدائي. أدّى الصراع في سوريا إلى انخفاض هذا العدد بشكلٍ كبير، إلا أن إمكانية تسجيل هؤلاء الأطفال في المدارس الدول المجاورة يمكن أن يحلّ المشكلة.

استقبلت أنظمة التعليم في بعض الدول المجاورة أطفالاً سوريين: 200 ألف في الأردن و300 ألف في تركيا، الأمر الذي حمّل هذه الدول عبئاً ضخماً على بنيتها التحتية التعليمية.

في تركيا، تُعطى أغلبية الدروس باللغة التركية، الأمر الذي خلق تحدياً كبيراً للطلاب القادمين من دولِ ناطقة باللغة العربية.

رغم أن الدول التي تستقبل عدداً كبيراً من اللاجئين تتلقى حالياً تمويلاً متزايداً من جهات مانحة، إلا أن الفجوات التمويلية التي تصل إلى مئات الملايين من الدولارات لا تزال تعيق الجهود الرامية لتقديم التعليم المناسب للأطفال اللاجئين.

من شأن التمويل المتزايد أن يبني مدارس مؤقتة وينشط المنهج ويدرّب المزيد من المعلمين لاستيعاب تدفق الأطفال.

ولا بدّ من إحياء مبادرة “No Lost Generation” (جيل غير ضائع) التي أطلقتها اليونيسف في العام 2013. ساعدت هذه المبادرة على تمويل 600 “نادي تعليمي” أمّنت التعليم البديل لأولاد فاتتهم حصص تعليمية على مدى فترات طويلة من الزمن.

كما سهّلت تسجيل الأولاد في مدارس في الأردن ولبنان. فمن خلال تنشيط هذا البرنامج، أُعطيت الأولوية لتمويل برامج تعليمية في دول غارقة في صراع مع جيرانها – فتأمن التعليم لجيل من الطلاب المعرضين لمشاكل نتجت عن الصراع.

عدم تسييس التعليم في مناطق الصراع

لا بد للمجتمع الدولي أن يمارس ضغوطه من أجل عدم تسييس التعليم ومحاولة جعل أطراف أي صراع تتفق أن تعليم الأطفال يجب أن يستمر.

في سوريا، حيث لا يزال عدد من المناطق تحت الحصار، لا بد أن يحصل التلاميذ على الحماية من قِبَل القوات المحلية للذهاب إلى المدارس. والمؤسف أنّه يُحظّر على الأطفال الذهاب الى البلدات التي تسيطر عليها القوات المعارضة من أجل تقديم الامتحانات – ما عدا مرّة واحدة لا غير.

بالإضافة إلى ذلك، لا بد أن تسعى الجهود العالمية لخلق أماكن آمنة للتعلم، كما اقترحت مبادرة ” No Lost Generation”. لا يجب أن يعاني الأطفال بسبب توجّهات سياسية متعارضة، حتى ولو استمرّت الصراعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

إنّ صندوق “التعليم لا يمكن أن ينتظر” الذي أطلقته الأمم المتحدة هو خطوة قوية في هذا الاتجاه. وتركّز هذه المبادرة على سوريا لأسباب مفهومة.

صحيح أنّ المبادرة تذكر أيضاً جنوب السودان ونيبال وغيرها من البلدان، إلا أنّه تمّ ذكر اليمن وليبيا والعراق بنسبة قليلة جداً علماً أنّ أطفال هذه البلدان هم من بين الأكثر تضرراً جراء الصراعات.

بكل أسف، تم إطلاق العديد من المبادرات والبرامج التي تستحق التقدير، لكن سرعان ما تفقد قوتها بسبب الأزمات السياسية ومشاكل في التمويل.

لا بد أن يتبنى الجميع صندوق “التعليم لا يمكن أن ينتظر” ويوسعوه كجزء من استراتيجية مركّزة على المدى الطويل ترمي إلى التعامل مع مسألة الأطفال المحرومين من التعليم في مناطق الصراع.

إنّ الوقت يمرّ. ومع مرور السنين، تزيد الأجيال الضائعة جيلاً بعد جيل.