Commentary

Op-ed

آن الأوان كي تواجه إسرائيل الطريق الوحيد للسلام

كبّدت حروب إسرائيل المتكررة على قطاع غزة خسائر فادحة في البنى التحتية المدنية، ولم يكن الهجوم الأخير مختلفاً البتة. ألحق القصف الإسرائيلي أضراراً بمحطة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة ثمّ دمّرها، بينما قامت موجات من الهجمات بتمزيق خطوط الكهرباء وشبكات الصرف الصحي. في الواقع، وفقاً لآخر تقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، يعاني ثلث سكان القطاع البالغ عددهم 1,8 مليون نسمة من وصول محدود أو معدوم لمياه الشرب أو لخدمات الصرف.

إلا أنّ هذا الإهمال للبنية التحتية المدنية الأساسية ستؤدي إلى نتائج عكسية في نهاية المطاف – إذا كانت إسرائيل تريد حقاً حلاً دائماً للصراع، فلا بد من التوصل إليه كي تدرك أن إعادة بناء قطاع غزة وتنميته، وليس تدميره التام، أمر غاية في الأهمية.

فيما استمرت حصيلة القتلى بالارتفاع في قطاع غزة – حتى وإن صمد وقف اطلاق النار الحالي، فقد قُتِل أكثر من 1,800 شخص معظمهم من المدنيين – يتم تدمير المتطلبات الأساسية لأي نوع من الكرامة ونوعية الحياة، وتم تشريد أكثر من 425,000 شخص جراء هدم منازلهم أو التهديد بذلك. الا أن تدمير البنية التحتية في قطاع غزة بدأ قبل الغارات الجوية الأولى وإطلاق صواريخ القتال الحالي بوقت طويل. يعاني هذا القطاع الصغير، الذي تبلغ مساحته نحو 140 ميل مربع، حصاراً فعلياً منذ العام 2007، محولاً إياه إلى أكبر سجنٍ مفتوحٍ في العالم، حتى أن مواد البناء كالإسمنت والفولاذ والأنابيب الضرورية لتوسيع نظام معالجة المياه محظورة في ظل الحصار.

ومع ذلك، يقف أعضاء المجتمع الدولي جانباً في أحسن الأحوال، وفي أسوأها يقومون بتأجيج الصراع. ضخّت الولايات المتحدة مئات الملايين في نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي المعروف بـ”القبة الحديدية”. ولكن في حين أملت الولايات المتحدة أنّ حماية المواطنين الإسرائيليين من تداعيات الحصار على غزة من شأنه تجنيب مشاهد العقاب الجماعي غير المتناسبة التي شهدناها على شاشات التلفزيون سابقاً، كان في الواقع لمساعدة الولايات المتحدة تأثيرٌ معاكس، ما شجّع على ظهور شعور عند الإسرائيليين أنهم لا يُقهرون.

تركّز البيانات الاسرائيلية حتماً على متى تم إطلاق الصاروخ الأخير من غزة، أو تتباهى بالدقة التي يتميّز بها قصف قوات الدفاع الإسرائيلية في حين تخلق الأعذار لضرب البنية التحتية المدنية بشكل مباشر. للأسف، نجحت هذه المبررات الرامية لإطالة أمد الحملة في تأمين الدعم في الداخل – بحسب استطلاع حديث للرأي، أكثر من 95 بالمئة من الإسرائيليين اليهود يعتقدون أن الحرب الحالية هي مبررة. لكن رغم هذا الدعم المحلي القوي، يبدو أنّ الرأي العام العالمي يتحول ضد إسرائيل – قامت خمسة بلدان في أمريكا اللاتينية بسحب سفرائها إلى إسرائيل خلال الأسبوع الماضي.

مع حدوث كل ذلك، من المفهوم أن معظم الناس لا يفكرون في ما سيحدث بعد الهدنة في نهاية المطاف. ولكن إن تعلمنا شيئاً من الهجمتين الإسرائيليتين السابقتين، فيمكننا أن نتوقع الدعوات للمساهمات الخيرية من أجل إعادة إعمار غزة، وأن تقول إسرائيل إنها مستعدة لدعم جهود إعادة الإعمار مقابل نزع سلاح حماس والجماعات المتشددة الأخرى. إلا أنّ الفلسطينيين لن يقبلوا بذلك، ومن الممكن بعد ذلك أن تقوم إسرائيل بفرض أجندة خاصة بها لإعادة الإعمار، مما يطيل معاناة المدنيين.

وهذا غير مقبول. تُقدر حصيلة الضرر الاقتصادي الناجم عن هذه الحرب بنحو 3 مليار دولار، أي اكثر بكثير من الناتج الاجمالي المحلي السنوي في قطاع غزة. ومع أخذ هذه الأرقام بعين الاعتبار، حان الوقت ليحتسب المجتمع الدولي تكلفة هذا الصراع الأخير على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والانساني وعرض النتيجة على إسرائيل، أقله لمواجهة هذه الأخيرة بالكلفة الحقيقية الناجمة عن جولة الدمار الأخيرة.

بالطبع لا تميل إسرائيل إلى المساعدة في تطوير قطاع غزة، لا بل من الواضح أنها تفضل وجود منطقة فقيرة متخلفة على بلد أجنبي قابل للحياة على حدودها. لكن إن لم تكن الحكومة الإسرائيلية قادرة على الاقتناع بأن الفرص الاقتصادية وإمكانية تحقيق حياة مستقلة، عوضاً عن دورة مستمر من العنف وإعادة الإعمار، ستساعد على معالجة الأسباب الأساسية للنزاع، إذًا آن الأوان لها لتبتعد كليّاً.

إذا كانت إسرائيل عازمة على تحصين نفسها من هذا القطاع، على الأسرة الدولية بالتالي ضمان أن يكون لغزة نفاذاً إلى العالم الخارجي على الأقل. إنّ رفع الحصار مطلب رئيسيّ لحركة حماس، وهو بالفعل حد أدنى من المطالب، حيث أن القطاع بحاجة لمنفذ بحري مع أنشطة شحن منظمة وغير خاضعة للحصار الإسرائيلي. وعلى الأسرة الدولية التوجه إلى مصر أيضاً لضمان بقاء معبر رفح مفتوحاً، حيث أن التجارة المستقرة والمنظمة مع قطاع غزة ستكون أكثر فعالية في الحد من أعمال التهريب غير المشروعة عبر الأنفاق من أي عمليات تدمير مصرية.

بالنسبة لسكان غزة، تضاف مآسي حروب الأعوام 2008، 2009، 2012، والآن 2014 إلى مأساة مقيتة تتجلى في مشاهدة جهود إعادة الاعمار تتوقف لتعود إلى نقطة الصفر. لو أردنا إيقاف دورة العنف، فإن غزة ستحتاج إلى الوقت والمساحة الدبلوماسية في ظل حماية دولية لمتابعة برنامج نمو طويل الأمد. أما السؤال الذي يطرح نفسه هو كم من الوقت ستحتاج إسرائيل لتدرك أنّ هذا هو الطريق الوحيد لسلام دائم وليس هناك طريق آخر.